موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المحبة الصادقة في الانجيل الطاهرحبّ مجاني مجرّد بلا حدود ولا تحيّز. المحبّة الصحيحة ليست عواطف ومشاعر تختلج وتتأجّج في داخلنا تجاه القريب إنّما هي عبارة عن أفكار في المحبة علّمنا ايّاها السيّد المسيح في الانجيل الطاهر كي نُطبّقها. وحينما نفهم تعاليم السيّد المسيح ويمتلىء فكرنا بتوصياته يأتي دور تطبيق تلك الأفكار على مشاعرنا. ويتحقّق ذلك فينا لأنّنا نمتلك في داخلنا الفكر والعاطفة والارادة الثلاثي الذي يدرّبنا على تهذيب نفوسنا كي نحبّ الآخر.
في يوحنّا (4: 7-21) "الله محبّة. فمَن أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه. فكما يكون هو، كذلك نكون في هذا العالم. إن قال أحد: "إني أحبّ الله" وهو يبغض أخاه كان كاذباً لأنّ الذي لا يحب أخاه الذي يراه لا يستطيع أن يحب الله وهو لا يراه".
السلام يولّد اليُسر؛ واليُسر يولّد العُجب؛ والعُجب يولّد الاستخفاف بالآخر؛ والاستخفاف يولّد تحقير الخلق؛ والتحقير يولّد شهوة الظلم؛ والظلم يولّد ارادة الشر؛ والرغبة في الشرّ تولّد الكره؛ والكره يولّد الحقد والحقد يولّد الحرب؛ والحرب يولّد الفقر.
هذا هو دولاب الفساد السائد في العالم أجمع. كما أنّ الاجتياز من اليُسر إلى العُجب اجتياز غير مُحبّذ. اليُسر يولّد فينا أحياناً مشاعر الأنانية البغيضة و"محبّة الذات" أي الرغبة في تقديم مصلحتنا الخاصة على مصلحة الآخرين فقط، بدل أن ينمّي فينا روح العطاء وأعمال الرحمة تجاه الآخرين وبدل أن يوسّع أفق اهتمامنا بهم. فنضرب بعلاقاتنا مع غيرنا خاصة بمَن هم في أمسّ الحاجة الينا عرض الحائط. ناسين أو متناسين تعاليم الانجيل الطاهر في وصيّة "المحبّة".
كما أنّ الله لا يحبّ المُتعالي خاصة عندما تُصيبنا آفة إعجابنا بأنفسنا وبرأينا وبأعمالنا سواء كانت حسنة أو قبيحة. وينتهي بنا الأمر الى الثناء على أنفسنا والتمركز حول ذاتنا بدلاً من رفع آيات الشكر والثناء لله تعالى.
وضع السيّد المسيح ميزانًا ليقيّم ويكيل أعمالنا والميزان دقيق وواضح: "أحبب قريبك كنفسك" (متّى 19: 19 ؛ 22: 39). وبالطبع هذا لا ينفي اهتمامنا بأنفسنا وتفكيرنا بذواتنا وبالمقرّبين الينا. أمّا في حالة نسياننا وتجاهلنا للقريب نحن ندخل في الدوّامة الفاسدة المُفسدة التي تجلب التعاسة والحزن في زحام الكبرياء أوجمع المال أو الشهوات أو السلطة الخ.
عندما نطبّق تعاليم السيّد المسيح ندخل في دولاب المحبّة ويشمل الفضائل من تقوى وتسامح وتنازل وعفو واستقامة وصدق وتواضع وأعمال بنّاءة. بعيداً كلّ البعد عن الرذائل البغيضة من كفر والحاد وحقد وضغينة وكراهية وكذب وغرور ونفاق. والرذيلة صفة مذمومة وخصلة خبيثة وسيّئة لها مضارها على الفرد والمجتمع في آن واحد.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يصف الكتاب المقدّس اولئك الذين دخلوا في دوّامة الرذائل قائلاً :
"ولأنَّهُم رَفَضوا أنْ يَحتَفِظوا بِمَعرِفَةِ الله، أسلَمَهُمُ الله إلى فسادِ عُقولِهِم يَقودُهُم إلى كُلِّ عَمَلٍ شائِنٍ. واَمتَلأوا بأنواعِ الإثمِ والشَّرِّ والطَمَعِ والفَسادِ.. هُمْ ثَرثارونَ نَمّامونَ، أعداءُ الله، شَتـامونَ مُتَكبِّرونَ مُتَعَجْرِفونَ، يَخلُقونَ الشَّرَ ويتَنكَّرونَ لِوالِديهِم. هُم بِلا فَهمِ ولا وَفاءٍ ولا حَنانٍ ولا رَحمَةٍ، ومعَ أنَّهُم يَعرِفونَ أنَّ الله حكَمَ بالموتِ على مَنْ يَعمَلُ مِثلَ هذِهِ الأعمالِ، فَهُم لا يَمتَنِعونَ عَنْ عَمَلِها، بَلْ يَرضَونَ عَنِ الذينَ يَعمَلونَها" (رو 1 : 28 وتابع).
وفي (متّى 5 : 43 وتابع): "سَمِعتُم أنَّهُ قِيلَ: أحِبِب قريبَكَ وأبغِضْ عَدُوَّكَ. أمّا أنا فأقولُ لكُم: أحِبّوا أَعداءَكُم، وصَلّوا لأجلِ الَّذينَ يضْطَهِدونكُمِ... فإنْ كُنتُم تُحِبّونَ الَّذينَ يُحبّونكُم، فأيٌّ أجرٍ لكم؟ وإنْ كنتُم لا تُسلَّمونَ إلاّ على إخوَتِكُم، فماذا عمِلتُم أكثرَ مِنْ غَيرِكُم؟ أما يعمَلُ الوَثَنيّونَ هذا؟".
جاء في رسالة مار بولس رسول الأمم والإناء المختار إلى أهل قورنتس: (قور12:31 و13:13) ما يلي
"اطمحوا إلى المواهب العظمى، وها أنّي أدلّكم على طريق أفضل منها كثيرا. لو تكلّمت بلغات الناس والملائكة ولم تكن لي المحبّة فما أنا إلاّ نحاس يطنّ أو صنج يرنّ. ولو كانت لي موهبة النبوءة وكنت عالمًا بجميع الأسرار وبالمعرفة كلّها، ولو كان لي الإيمان الكامل فأنقل الجبال، ولم تكن لي المحبّة، فما أنا بشيء. ولو فرّقت جميع أموالي لإطعام المساكين، ولو أسلمتُ جسدي ليُحرَق، ولم تكن لي المحبّة فما يجديني ذلك نفعا. المحبّة تصبر، المحبّة تخدم، ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ من الكبرياء، ولا تفعل ما ليس بشريف ولا تسعى إلى منفعتها، ولا تحنق ولا تُبالي بالسوء، ولا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحق. وهي تعذر كلّ شيء، وتصدّق كلّ شيء، وترجو كلّ شيء وتتحمّل كلّ شيء".
خاتمة
كلّما رغب الإنسان في شيء على خلاف الترتيب الذي وضعه الله يغلب عليه القلق والأرق والمرض. وكلّ مَن تُصيبه آفة الرذائل لا يستريح ضميره ولا يهدأ أبداً. أمّا الساكن في دائرة المحبّة فهو يتواجد في سِتر العليّ ويبيت في ظلّ القدير فيعيش في كثرة السلام. والمحبّة تمنح النظام والاستقرار والأمن والأمان والاتّفاق والوفاق والوئام. وليُلهمنا الله في أن نتذكّر في يُسرنا عسر الآخرين. "لابسينَ درعَ الإيمانِ والمحبَّةِ وخوذةَ رجاءِ الخلاصِ".