موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٤
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث والعشرون من الزمن العادي - ب، 2024

بطريرك القدس للاتين :

 

يعتبر الرجل الأصم والأبكم في إنجيل اليوم (مرقس 7: 31-37) محور الحديث وجوهره.

 

رجل مريض، غير قابل للشفاء، وهذا المرض يحمل معانٍ عدة: فالإنسان كائن اجتماعي، يتواصل من خلال علاقاته، معبراً عن علاقاته بالكلام (الكلمة)، لذا نستنتج أن هذا الرجل هو شخص يعيش نصف حياة. فهو لا يسمع، ولا يمكنه التعبير عن نفسه، يعيش في عالمه الخاص، منعزل عن الجميع.

 

كل مرض، بالإضافة إلى ذلك، كان يُعتبر لعنة، لأن أحدًا ما يجب أن يكون مذنبًا في هذا الخلق الناقص، "المعيب": بالتأكيد ليس الله، الذي يفعل كل شيء جيدًا، وبل الإنسان بسبب خطيئته.

 

رجل مريض يجب عليه، بالإضافة إلى ثقل مرضه، أن يتحمل أيضًا ثقل خطيئته المفترضة.

 

لهذا الرجل البائس يقدم الأمل: هو، في ظلامه، لا يستطيع أن يعرف أن هناك أملًا.

 

الأمل له يأتي عبر بعض الشخصيات المجهولة التي تجعل الشفاء ممكنًا: أشخاص يتجاوزون الاستسلام واللامبالاة، ويتحملون مسؤولية الأمل لأولئك الذين لا يستطيعون. هؤلاء يقودون المريض إلى يسوع ويطلبون من يسوع أن يشفيه (مرقس 7: 32).

 

عند هذه اللحظة، يتدخل يسوع ويتصرف، وهذا ما نود التأمل به.

 

الخطوة الأول: أنفرد بالأصم على ناحية (مرقس 7: 33): يبدو الأمر متناقضًا، لأن هذا الرجل هو بالفعل شخص معزول، مقطوع عن الواقع. ويقوم يسوع بعزله بصورة أكبر.

 

كأننا نرى بأن يسوع هو الذي ينتقل إلى الجانب المنعزل حيث يوجد هذا الرجل.

 

يسوع يدخل في عزلتنا، في عجزنا عن العلاقة، في إنسانيتنا المجروحة. من كل هذا يخرجنا، يخلصنا، ولكن ليس قبل أن يدخل معنا.

 

الخطوة الثانية هي القيام ببعض الأفعال (مرقس 7:33): كان الرجل أصمًا وأبكمًا، لم يكن بإمكانه سماع أي كلمة. لكن كان بإمكانه رؤية ما كان يفعله يسوع.

 

خلاص الله يأتي من خلال أعماله، من خلال يديه وأصابعه: تعابير "يد الله وأصابعه" تمر عبر كل من العهد القديم والجديد للإشارة إلى قوة التدخل الإلهي، التي تعطي الحياة وتحفظها.

 

يعيد يسوع السمع أولاً: لكي يتكلم الإنسان، يجب أن يستمع أولاً، ويسوع يبدأ من هناك، من استماع منقطع. لا يضع له أدوية، يلمسه بيده، لأنه هو نفسه العلاج، والشفاء يأتي منه.

 

أخيرًا، ينطق يسوع بكلمة واحدة فقط: "افتح" (مرقس 7: 34).

 

الخلاص، إذن، هو الانفتاح، لأن المرض هو دائمًا شكل من أشكال الانغلاق: الانغلاق على الحياة، الانغلاق على العلاقة، الانغلاق على الأمل، الانغلاق على الغد، الانغلاق على الثقة. يعيد يسوع هذا الانفتاح، ويفعل ذلك: بنفخة، إشارة إلى الخليقة الأولى، عندما نفخ الله في الإنسان الحياة.

 

ثمار هذا الشفاء تتجلى في الآية 35: يمكن للرجل الذي شُفي أخيرًا أن يستمع ويتكلم، لكن الإنجيلي يوضح أن الرجل يتكلم "بشكل صحيح".

 

لماذا هذا التوضيح؟

 

يمكننا القول إن حديثنا يكون صحيحًا عندما يروي ما فعله الله فينا.

 

كل الكلمات الأخرى هي كلمات "غير صحيحة"، بطريقة ما هي إلا كلمات صماء، لا تقول ما سمعته ورأته، ولا تصل إلى هدفها، وهو التحدث عن رحمة الله لنا.

 

أخيرًا، يطلب يسوع من الحاضرين "ألا يخبروا أحداً بالأمر" (مرقس 7: 36).

 

لأن من يمكنه أن يشهد لما حدث هو فقط من عاشه، مثل من كان في جانب، وتعلم مرة أخرى كيف يستمع ويتكلم بشكل صحيح.

 

ولكن أيضًا لأنه إذا كان قبل المعجزة لم يكن للمريض القدرة على الكلام بشكل صحيح، فهو الآن يتحمل المسؤولية: لا يمكن لأحد الآن أن يفعل ما هو واجبه فقط، وهو "الانفتاح" وشهادة الأمل الذي أنقذه، لكي يتمكن الآخرون من الوصول إلى يسوع.

 

"قد أبدع في أعماله كلها" (مرقس 7: 37): وبهذه الطريقة أيضًا يتم تصحيح الخلق.