موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
شدّد بطريرك القدس للاتين الكاردينال بيرباتيستا بيتسابالا، في مقابلة مع مجلّة L’Azione التابعة لأبرشية فيتوريو فينيتو الإيطاليّة، على أنّ رسالته اليوم هي دعوة الجميع إلى اختيار الحياة رغم الألم، ورفض الصمت أمام المأساة الجارية في غزة. وأكد أنّ الأوضاع الراهنة خطيرة وتتطلّب الحفاظ على الهدوء وعدم الانحياز، والعمل على فتح مسارات نحو العدالة والسلام.
وكان من المقرّر أن يتوجه غبطته إلى إيطاليا للمشاركة في الفعاليات اليوبيلية في المزار المريمي ببلدة موتّا دي ليفينسا، بين 91 و21 من الشهر الحالي، غير أنّه قرّر البقاء في المنطقة نظرًا للأوضاع الراهنة. وأوضح أنه ارتأى عدم مغادرة الأرض المقدّسة في الوقت الراهن بسبب ما يجري في غزة وفي الضفة الغربية، مؤكدًا أن الناس يريدون أن يشعروا بوجوده إلى جانبهم، وأنّ ضمره لم يسمح له بالمغادرة، فقرّر إلغاء رحلته إلى إيطاليا.
وأشار البطريرك بيتسابالا إلى أنّه يلمس شعورًا عامًا بالإحباط والاستسلام حيال الأوضاع الراهنة، كما سبق أن عبّر في مناسبات سابقة. وأوضح بأنّه يسعى جاهدًا للمحافظة على الهدوء والطمأنينة، مدركًا أهمية عدم الإنحياز إلى أي طرف ضد الآخر، على رغم حالة الاستقطاب الشديدة التي خلّفتها الأحداث. ولفت إلى أنّ ما تشهده المنطقة بالغ الخطورة وبعيد كل البعد عن المنطق البشري، معبّرًا عن ألمه إزاء الكمّ الهائل من الحقد الذي أفرزته هذه الأزمة، والذي يبعدنا أكثر فأكثر عن إمكانية مداواة الجراح والتوصل إلى حلّ للصراع.
وعن سؤال بشأن الأنباء التي تتحدّث عن بروباغاندا تقوم بها حركة حماس بشأن الدمار والجوع والموت، والتي –بحسب بعض وسائل الإعلام المقربة من إسرائيل- لا تعكس الواقع، قال غبطته إنّ الصورة ليست "أبيض أو أسود"، إذ أنّ هناك استغلالاً للأحداث من مختلف الأطراف. ولفت إلى أنّ لإسرائيل أسبابها لكن لا يمكن أن تبرر إطلاقًا ما يجري في غزة.
وأكد وجود انعدام في التناسب بين ما حصل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 والرد الإسرائيلي على تلك الهجمات، مشدّدًا على أنّ هذا الأمر واضح بالنسبة للجميع ولا يمكن السكوت عنه. وختم بالإشارة إلى أن الموقف الذي اتخذه كان مكلفًا جدًا على صعيد العلاقات والصداقات، لكنه لم يتمكّن من التزام الصمت إزاء ما يحدث في القطاع.
وسُئل بطريرك القدس للاتين عمّا إذا كان حلّ الدولتين ما يزال ممكنًا اليوم، فأجاب أن هذا الاقتراح قد يتحوّل إلى مجرّد شعار، لكنه يبقى ضروريًا. واعتبر أنّه ينبغي أن نكون مبدعين في البحث عن حلول للمستقبل، لأنّ أيّ حلّ سيتطلّب وقتا طويلاً ويحتاج إلى سياق ثقافي ملائم وإلى قبول من جانب الرأي العام. وأضاف أنّ علينا أن نعمل جديًّا على خلق الظروف المناسبة للمستقبل، لافتًا إلى أنّ حلّ الشعبين والدولتين يبدو اليوم بعيد المنال، لكنه يظلّ الحلّ الأنسب والمثالي.
وفيما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين، قال غبطته إنّ الكنيسة الكاثوليكية قامت بهذه الخطوة منذ زمن بعيد، معتبرًا إياها مبادرة هامة، لأنّ الفلسطينيين بحاجة إلى دعم إنساني وإلى الاعتراف بكرامتهم كشعب، ويطالبون بأن يُعترف بهم كدولة، مع أنّ أحدًا لا يعرف متى سيتحقّق ذلك.
ثم شدّد على ضرورة التمييز بين الحكومة الإسرائيلية والشعب اليهودي والمجتمع الإسرائيلي. وأوضح أنّ الشعب اليهودي يرى في دولة إسرائيل مرجعًا هامًا له، لكن ليس من الضروري أن يتماهى دائمًا مع الدولة. كما أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تمثّل جميع المواطنين الإسرائيليين ولا الشعب اليهودي بأسره.
وفي هذا السياق، أشار بطريرك القدس للاتين إلى وجود تظاهرات قوية ضد الحكومة، ما يدلّ على انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن الحرب والحكومة وقضية الرهائن أيضًا. وبالتالي لا يسعنا أن نعمّم، لأنّ ذلك يُسيء إلى طرف أو آخر.
وعن سؤال حول ما يمكن أن يفعله الغرب كي لا يبقى مكتوف اليدين، قال البطريرك بيتسابالا إنّه من الأهمية بمكان أن نصلّي وأن ننظّم لقاءات جماعية للصلاة، لأنّ التضامن بواسطة الصلاة أمر مهم جدًا، خصوصًا في اقتراب الذكرى السنوية الثانية لأحداث السابع من الأول أكتوبر.
ورأى بطريرك القدس للاتين أنّ المؤمنين مدعوون إلى اعتماد نظرة الإيمان أمام الأوضاع التي يصعب فهمها، كالألم والمعاناة والظلم، وألا يتحوّلوا إلى أداة لنشر لغة الحقد، بل عليهم أن يرسخوا في الكلمة التي تخلّص الإنسان وتفتح الآفاق، تبني ولا تدمّر.
وأشار غبطته أيضًا إلى الدور الهام الذي يجب أن تضطلع به وسائل الإعلام، إذ يمكنها أن تستخدم سردية سلبية أو إيجابية. وذكّر بما قاله الرّب الإله لإسرائيل في سفر التثنية (30: 19): "إنّي أضع أمامك البركة واللعنة، الموتَ والحياة، فاختر الحياة". ومن هذا المنطلق شدّد على ضرورة أن نختار البركة والحياة وأن نعزّزهما من خلال أفعالنا وأقوالنا.
في ختام المقابلة، سُئل بطريرك القدس للاتين عمّا يمكن أن تفعله السياسة في الغرب، ولاسيما في إيطاليا، لإحداث تحوّل في المنطقة، فأجاب أنّ السياسة أظهرت جليًا ضعفها في الفترة الأخيرة، وكشفت عن شلل يضرب المؤسسات السياسية المحلية والدولية والمتعدّدة الأقطاب. وهذا الواقع لا يختلف كثيرًا بالنسبة إلى المؤسسات الدينية. واعتبر الكاردينال بيتسابالا أنّ الوقت قد حان لإفساح المجال أمام دور المجتمع المدني، مشدّدًا على ضرورة العمل معه ومخاطبته بجدّية.