موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
الكاردينال بيتسابالا بعد عودته من غزة: سنبذل كل ما في وسعنا من أجل سكان القطاع

أبونا :

 

التقى الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بالصحافة في اليوم التالي لزيارته إلى قطاع غزة، حيث توجّه ليعبّر عن تضامنه مع سكانه، ناقلًا من خلال حضوره دعم الكنيسة جمعاء لشعب أنهكته أكثر من سنتين من الحرب. وشكّلت هذه الزيارة الأولى لبطريرك القدس للاتين إلى القطاع منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.

 

وقد جاءت قراءته للواقع قاسية وصريحة: نحو 80 في المئة من البنية التحتية دُمِّرت، وما تبقّى منها مهدّد بالانهيار أو بات غير صالح للسكن عمليًا. ومع ذلك، لم يمنع التدهور الشديد لبعض المباني بعض العائلات من العودة إلى منازلها. ولا يزال نحو أربعمئة شخص يجدون مأوى داخل حرم رعيّة العائلة المقدّسة، التي يشرف عليها الأب جبرائيل رومانيلي، فيما يواصل معظم السكان العيش في خيام. وقال الكاردينال: «الجو بارد -لقد شعرتُ بالبرد بنفسي- فكيف بالأطفال».

 

ورغم كل شيء، أشار الكاردينال بيتسابالا إلى أنه «لاحظ رغبة حقيقية في العودة إلى الحياة». فالمحال التجارية ما تزال مغلقة، والتحديات هائلة، إلا أنّ بعض الأكشاك البسيطة بدأت تظهر في الخيام، حيث تتوافر كميات محدودة من الفاكهة والخضار.

 

وأكد أن «مرحلة المجاعة باتت وراءنا»، غير أنّ القليل من سكان غزة يملكون القدرة على شراء الغذاء. وفي ظل غياب العمل وانعدام مصادر الدخل، لا يجد معظم الأهالي خيارًا سوى الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي بدأت تصل أخيرًا، بفضل جهود وكالات الإغاثة الدولية.

 

وضع اقتصادي كارثي

 

توقّفت الحركة الاقتصادية بالكامل، وهو ما دفع البطريرك إلى توصيف الواقع بأنه «وضع كارثي»، مع ملاحظته في الوقت عينه وجود رغبة حقيقية في النهوض من جديد، ولدى المسيحيين تحديدًا، في الاحتفال بعيد الميلاد. وبما أنّ الميلاد هو عيد الأطفال، فقد انصبّ اهتمام الكاردينال عليهم قائلًا: «بالطبع نحن قلقون على الأطفال وعلى مستقبلهم».

 

وأضاف: «أذهلني عدد الأطفال في الشوارع»، مشيرًا إلى أنّه «كان ينبغي أن يكونوا في المدرسة». وأوضح إن إحدى أولويات البطريركية اللاتينية في المرحلة المقبلة العمل على تمكين استئناف التعليم وعودة الصفوف الدراسية. ووصف ما شهده هناك بأنه «درس بحدّ ذاته»، مشيرًا إلى حماسة الأطفال «المفعمين بالفرح والحياة… هؤلاء سينقذون جماعاتنا. أنا أؤمن بذلك»، على حدّ تعبيره.

الشهادة لرجاء ميلاد المسيح

 

ويقول الكاردينال بيتسابالا بمرارة: «نسأل أنفسنا أيضًا متى يمكن أن تبدأ عملية إعادة الإعمار. لقد توقفت الحرب، لكن الصراع ما زال قائمًا». وأشار إلى أن المشاكل حاضرة في كل مكان، متطرقًا كذلك إلى الضفة الغربية وما تشهده من توترات بين القرى الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية. وأضاف: «في مثل هذا السياق، يبدو الحديث عن الرجاء أمرًا صعبًا، لكن من واجبنا أن نفعل ذلك في زمن الميلاد».

 

ولفت الكاردينال إلى حالة الإنهاك العميق التي تعاني منها الجماعات المسيحية، موضحًا أنها «متعبة من الحرب». ومع ذلك، تابع قائلًا: «إن المسيح نفسه دخل التاريخ في واقع معقّد. واليوم، من جديد، علينا أن نستقبله وأن نعمل على إعادة بناء البيوت، وإعادة بناء الرجاء».

بذل كل ما هو ممكن من أجل إعادة البناء

 

وبعد أكثر من عامين من الدمار الإنساني، دعا الكاردينال بيتسابالا إلى التطلّع قدر الإمكان نحو المستقبل، قائلًا: «لا يمكننا تجاهل ما حدث، ولا أن نعتقد بأن السلام سيحلّ غدًا، لكن علينا الانتقال من حالة المواجهة إلى مقاربة بنّاءة».

 

وأكد أن البطريركية اللاتينية على أتمّ الاستعداد لبذل كل ما في وسعها لتلبية الاحتياجات الروحية والمادية لأهالي غزة. ففي الوقت الراهن، هناك نقص حاد في الأدوية، كما أن البنية التحتية للمستشفيات تعرّضت لأضرار جسيمة، وستكون هناك حاجة إلى إدخال تجهيزات ومعدّات طبية.

 

وقال البطريرك: «علينا أن نكون فاعلين في الاستجابة لهذا الواقع وأن نساند الشعب». وأضاف: «علينا أن نبقى كنيسة»، موضحًا أهمية الدعم الروحي والراعوي الذي يجب تقديمه لأهالي غزة. وختم الكاردينال بالقول: «بصفتنا كنيسة، سنبذل كل ما في وسعنا لإعادة الاستقرار إلى غزة، وحيثما أمكننا ذلك… يجب أن نكون صوت جميع الفقراء، وكل الذين يتألمون بسبب الحروب».