موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٤ أغسطس / آب ٢٠٢٢
المطران جمال دعيبس يكتب: أم الكنيسة تُنقل الى السماء بالنفس والجسد
المطران جمال دعيبس، النائب البطريركي للاتين في الأردن

المطران جمال دعيبس، النائب البطريركي للاتين في الأردن

المطران جمال دعيبس :

 

ان انتقال مريم العذراء الى السماء هو تتويج لحياتها وللنعم التي انعم الله بها عليها. فهي الطاهرة النقية الممتلئة نعمة. وهي ام المسيح، ولذلك هي أم الله، وكيف لها ان تبقى بعيدة عن ابنها في مجده السماوي؟ دعى أحد الكتّاب مريم بـ"التلميذة الأولى للمسيح"، فهي التي عاشت حسب تعاليم المسيح حتى قبل ان ينطق بها! فحياتها منذ البداية تطبيق لتعاليم المسيح، وكلماتها تعكس كما في مياه صافية تعاليم ابنها. فقد أظهرت طاعة مثالية لإرادة الله بثقة تامة حين قالت: "أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك”، وهي التي عاشت التطويبات وأظهرتها في نشيد “تعظم نفس الرب".

 

انطلق هذا العيد من مدينة القدس، ومن قبر العذراء فيها. فقد قام المسيحيون بالحج الى قبرها الفارغ منذ القرون الأولى، وتغنّى آباء الكنيسة بهذه النعمة الخاصة التي توجت النعم التي نالتها مريم. فالقديس يوحنا الدمشقي يقول: "اليوم حُملت العذراء إلى الهيكل السماوي… اليوم، التابوت المقدس الحي الحامل الإله الحي، التابوت الذي حمل في أحشائه صانعه، اليوم يرتاح في هيكل الرب الذي لم تبنه أيدٍ بشرية". ومن مدينة القدس انتشر هذا العيد الى كافة ارجاء الكنيسة شرقا وغربا. وقد أعلنها قداسة البابا بيوس الثاني عشر عقيدة للكنيسة جمعاء عام 1950 حين أعلن: "أن مريم أم الله الطاهرة مريم الدائمة البتولية، بعدما أتمت مسيرة حياتها في الارض، رفعت بالنفس والجسد الى المجد السماوي".

 

حين نتأمل في هذه العقيدة الخاصة بمريم، نرى في مريم امنا أمّاً للكنيسة وأمّاً لنا جميعاً. فكما عاشت مريم، نعيش نحن اليوم، وحيث هي اليوم، علينا ان نكون نحن جميعاً يوما ما. ويمكننا ان نضيف “كما عاشت مريم، وحيث عاشت مريم”، لأنها عاشت في الأرض المقدسة، ارضنا، حيث نعيش نحن. عاشت مريم حياة أم تهتم وتعنى بابنها، على مثال باقي الأمهات، لا بل كانت تقلق عليه كما تقلق باقي الأمهات (فهي التي عاتبت ابنها في الهيكل بقولها: "يا بُنَيَّ، لِمَ صَنَعتَ بِنا ذلك؟ فأَنا وأَبوكَ نَبحَثُ عَنكَ مُتَلَهِّفَيْن، قلقين"). عاشت ظروفاً صعبة منذ طفولة يسوع وحتى وقوفها الى جانب الصليب. ولكنها في كل ذلك تعلمنا كيف يكون العمل بإرادة الله وكيف تعاش القداسة. هذه هي الطريق التي سلكتها مريم في حياتها على الأرض لتصل الى هذا المجد السماوي.

 

ان رأس الكنيسة قد انتقل الى المجد السماوي بقيامته وصعوده الى السماء. وأمه وأم الكنيسة التحقت به بعد ان عاشت بقداسة هو مصدرها وغايتها. وهذه الام تدعو جميع أبنائها ليلتحقوا بها، فيصلوا المجد السماوي ليعشوا معها ومع ابنها للأبد. علمتنا كيف تكون الطريق الذي يؤدي للمجد، وتحثنا وترافقنا في حياتنا لنتشبه بابنها ونعيش القداسة التي عاشتها هي لننضم الى الاسرة السماوية، الاسرة المقدسة التي تشمل جميع أبنائها المؤمنين، فنكون مع الرب دائما، في حياتنا وبعد موتنا.

 

عقيدة انتفال العذراء الى السماء بالنفس والجسد ليست مجرد عقيدة نؤمن بها، بل عقيدة تحثنا على التشبه بأمنا العذراء والعيش على مثالها لنصل الى المجد السماوي كما وصلت هي. هذه العقيدة تزرع فينا الشوق وتبث الهمة والشجاعة في مواجهة صعوبات هذه الحياة، وتبذر الرجاء في الحياة الأبدية.

 

فيا مريم امنا، اشفعي لنا عند ابنك وامنحينا ان نتتلمذ له ولك، فنعيش القداسة كما عشتها، ونكون معك ومع ابنك مخلصنا، في مجد أبدي لا يزول. آمين.

 

(نقلا عن راديو مريم)