موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
البابا فرنسيس زيارته للحديقة التي تُحيي ذكرى إلقاء القنبلة الذرية على مدينة ناغازاكي، تشرين الثاني 2019
شارك مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، رئيس الأساقفة إيتوريه بالستريرو، في اجتماع اللجنة التحضيرية الثانية لمؤتمر إعادة النظر في معاهدة منع الانتشار النووي المزمع عقده عام 2026. ألقى سيادته خلال اللقاء مداخلة عبر فيها عن قلق الكرسي الرسولي المتنامي حيال ارتفاع النفقات العسكرية في المجال النووي، وإزاء المخاطر التي تترتب على التكنولوجيات الحديثة، مؤكدا أن نزع السلاح هو مسؤولية خلقية تجاه البشرية.
وقال: إنّ الصراعات المسلحة الدائرة اليوم، لاسيما الحرب في أوكرانيا، تذكّرنا بضرورة الاستمرار دومًا في البحث عن الحوار، وبأن حيازة الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل تضاعف المخاطر وتعطي وهمًا بتحقيق السلام، كما سبق أن كتب البابا فرنسيس في الرسالة التي بعث بها إلى أسقف هيروشيما في 19 أيار 2023 لمناسبة انعقاد قمة مجموعة السبع. وعبّر عن قلق الكرسي الرسولي من التهديد الوجودي الذي يمثله انتشار الأسلحة النووية، لافتًا إلى أن هذا التهديد ينمو وسط التوترات الراهنة وإزاء التحديث المستمر للترسانات النووية، وتوسيع نطاقها. واعتبر المسؤول الفاتيكاني أنه من الأهمية بمكان أن يقر العالم بأن هذه الترسانات النووية، كأداة للإستراتيجية العسكرية، تبقى دوماً جاهزة لتُستخدم.
وذكّر بأن البابا فرنسيس شدد في أكثر من مناسبة على عدم خلقية إنتاج وحيازة السلاح النووي، لاسيما في الخطاب الذي وجهه إلى أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي مطلع هذا العام، ولم يخف قلقه الكبير حيال زيادة حجم النفقات العسكرية المرتبطة بالتسلح النووي بالإضافة إلى التهديد باللجوء إلى هذا النوع من السلاح. وأكد أن هذه التهديدات هي إساءة للبشرية كلها، لأن أي حرب نووية محتملة ستترتب عليها تأثيرات مدمرة لا يمكن إصلاحها، ناهيك عن خسائر في الأرواح لم نشهد لها مثيلا لغاية اليوم.
وقال: إنه إزاء الإنتاج المتواصل للسلاح لا بد أن نفكر بأن نزع الأسلحة ومنع انتشارها هما واجب قانوني وفي الوقت نفسه مسؤولية خلقية تجاه أعضاء العائلة البشرية كلها. وتوقف عند الزيارة التي قام بها البابا فرنسيس إلى اليابان في تشرين الثاني 2019، لاسيما زيارته للحديقة التي تُحيي ذكرى إلقاء القنبلة الذرية على مدينة ناغازاكي، عندما أكد قداسته أن السلام والاستقرار الدوليين ممكنان فقط انطلاقاً من خلقية عالمية للتضامن والتعاون، توضع في خدمة مستقبل يرتكز إلى اعتماد الدول على بعضها البعض والمسؤولية المشتركة.
وأوضح أنه نظرًا للتوترات الراهنة في العالم وتبعاتها الكارثية على الصعيد الإنساني، التي تنتج عن استخدام محتمل للسلاح النووي، لا بد من عقد حوار صادق يهدف إلى وضع قيود ملزمة على كل الأسلحة النووية ومنظومات الإطلاق، على الصعيد العالمي. وأشار في هذا السياق إلى أن التقدم في مجال منظومات الإطلاق والتكنولوجيات المعلوماتية زاد من تعقيد المخاطر المرتبطة بحيازة الأسلحة النووية، حتى في حال وجود تصعيد لا إرادي لأن هذا التصعيد يتطلب اتخاذ قرارات سريعة بالرد، ويزيد من احتمال استخدام الأسلحة النووية.
ولم تخلُ كلمات رئيس الأساقفة باليستريرو من الإشارة إلى الكلفة الباهظة لهذه الصناعة والتي تنعكس سلباً على الخير العام العالمي، لافتا إلى أن الموارد البشرية والمالية المخصصة حالياً لجهود تحديث هذه الترسانات يمكن أن توجَّه نحو مشاريع تنموية تتجاوب مع الاحتياجات الطارئة للشعوب الأشد فقرا وهشاشة. من هذا المنطلق شاء سيادته أن يذكّر بأن الكرسي الرسولي تقدم منذ فترة طويلة باقتراح يقضي بإنشاء صندوق عالمي، يموَّل جزئيًا بفضل الأموال التي تُرصد للنفقات العسكرية ولشراء الأسلحة، من أجل استئصال الجوع في العالم وتحقيق التنمية في البلدان الفقيرة، والإسهام في بناء ثقافة الحياة والسلام.
ثم لفت المسؤول الفاتيكاني إلى أن الكرسي الرسولي يؤكد مجدداً على قناعته الراسخة بأن عالماً خالياً من السلاح النووي هو أمر ممكن وضروري في الآن معا. واعتبر أنه يمكن أن تعمل الجماعة الدولية على تعزيز معاهدة منع الانتشار النووي ومعاهدة تحظير الأسلحة النووية، بالإضافة إلى عملية التحقق من نزع السلاح النووي، والاستصلاح البيئي وتقديم الدعم للضحايا، مع الأخذ في عين الاعتبار الدور الثمين للشراكة الدولية، التي ساهمت، خلال السنوات العشر الماضية، في تحديد التحديات الفنية والحلول الممكنة المرفقة بعملية التحقق، وذلك بروح من التعاون بين الدول التي تملك الأسلحة النووية وتلك التي لا تملكها. ختم مراقب الكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف كلمته يقول إنه إزاء مأساة الصراعات المسلحة الدائرة اليوم حول العالم علينا أن نستعيد الإدراك بأننا جمعنا أعضاء في عائلة بشرية واحدة.