موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٤
الفاتيكان مرتفعات النبؤة.. كتاب جديد لإميل أمين
المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام يبارك للصديق الكاتب والباحث إميل أمين إصداره الجديد

أبونا :

 

أصدر الكاتب إميل أمين كتابًا جديدًا بعنوان: "فصول من الدين والدولة: فصول من الدين والدولة"

 

وإميل أمين كاتب وباحث سياسي، من مصر، خبير في الشؤون الأميركيّة وتاريخ حاضرة الفاتيكان، ومؤلف العديد من الكتب، منها: "فرنسيس فقير وراء جدران الفاتيكان"، ومعلق تلفزيوني على شبكات الأخبار الدوليّة العربيّة والأجنبية، وكاتب في صحيفة الشرق الأوسط.

 

 

وفيما يلي نص مقدمة الكتاب الجديد

 

الفاتيكان، الكرسي الرسولي، الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، ثلاث كلمات أو مصطلحات، تتردد كثيرًا، ويحدث بينها تداخل، وإن كانت  وثيقة ولصيقة  الصلة، غير أنها تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها. حين ترن في الآذان لفظة فاتيكان، يتذكر المرء في الحال الرجل ذو الثوب الأبيض، البابا الكاثوليكي الروماني، والذي يقود قرابة مليار وأربعمائة مليون كاثوليكي حول العالم، حيث مقره هناك.

 

VATICANUS، الفاتيكان أو مرتفعات النبؤة، هناك على تلك التلة  العالية في القلب من العاصمة الإيطالية روما، أستشهد هامتا الرسل بطرس وبولس. هنا على أبواب روما  تقع الحدائق القيصرية  وسيرك  الإمبراطور الروماني "نيرون" حيث كان المسيحيون الأوائل يلقون شهداء  طعامًا  للوحوش، بهدف الترفيه عن القيصر الدموي، ومن ثم يدفنون في الحقول المجاورة للتلة، ما أكسبها قداسة خاصة وروحانية منقطعة النظير.

 

فوق قبر بطرس الرسول، أمر الإمبراطور قسطنطين الأكبر (319-322) ببناء أول كنيسة –بازيليكا- باسم القديس بطرس، لكنها لم تكن مقر أسقف روما أو بابا روما بعد. في توقيت مواكب، أهدت زوج القيصر قسطنطين قصرًا شهيرًا يعود لعائلة رومانية نبيلة تدعي عائلة "بلانتي لاتيران"Planti Lateran ، إلى أساقفة روما ليضحى مقرًا لهم، واستمرّ الحال على هذا المنوال حتى القرن الخامس عشر الميلادي، وقد شهد عقد عدد من المجامع الكنسية المقدسة في تلك القرون.

 

على أنه في القرن الثامن، وسّع البابا ليو الثالث (750-816) كنيسة القديس بطرس لتصبح مقرًا ثانويًا له، لكنها ظلت حتى القرن  الثاني عشر دون أهمية قصر اللاتيران. كان ذلك القصر هو مقر خليفة  بطرس الصياد، لا قسطنطين الإمبراطور، غير أنه على خلفية الحرب الأهلية، سوف تصبح تلة الفاتيكان بمبانيها المحصنة جدًا مقرًا لبابا روما.

 

بدءًا من العام 1278 سوف يتم إنشاء مقر باباوي بطابقين على مقربة من كنيسة القديس بطرس. وفي منتصف القرن الخامس عشر، وبعد إنتهاء ما عرف بالإنقسام العظيم "سيشما"، سيقوم البابا نيكولاوس الخامس (1397-1455)، بمتابعة بناء القصر الرسولي الذي سيكون مقرًا للبابوية حتى الساعة، قصر الفاتيكان، حيث نقل البابوات مقر إقامتهم إلى هناك، وقد أضحى على مدار القرون أكبر مجمع للقصور في العالم.

 

عرفت البابوية طوال هذا التاريخ الطويل منذ القرن الأول الميلادي وحتى أوائل القرن العشرين، فترات إزدهار روحي وسياسي معًا، ولم يكن البابا مجرد زعيم روحي، بل حاكم سياسي فعلي للكثير من المقاطعات الإيطالية، ناهيك عن نفوذه السياسي في عموم القارة الأوروبية. غير أن معاهدة بعينها سوف تعقد في العام 1929، ستنهي هذه الملكيات أو الإقطاعيات، فيما سيتم الإعتراف بالوضع  الخاص لحاضرة الفاتيكان كدولة مستقلة. إنها معاهدة اللتيران، وهي واحدة من ثلاثة إتفاقيات أبرمت عام 1929، بين مملكة  إيطاليا والكرسي الرسولي، وذلك لإنهاء المسألة الرومانية، أي الحاكمية السياسية للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

 

كانت إيطاليا في ذلك الوقت واقعة تحت الحكم الفاشي لـ"بينيتو موسوليني"، غير أن الحكومات المتعاقبة قد أيّدت جميع المعاهدات. وقّع ممثلاً عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الكاردينال بيترو غاسباري، ودخلت حيز التنفيذ كدولة مستقلة في 7 يونيو حزيران من عام 1929.

 

 هل هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو تأريخ  لحاضرة الفاتيكان ومن ثم الكرسي الرسولي، أم أنه إعادة قراءة لتاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية؟ الشاهد أنه عمل متواضع للغاية يحاول أن يجلي من الأذهان، عبر فصول من الدين والدولة، ما علق في الأذهان من أفكار خاطئة عن الفاتيكان وثلاثيته السابق الإشارة إليها.

 

أما التأريخ للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والتي وصفها المؤرخ الأميركي الكبير وول ديورانت بأنها "أهم مؤسّسة بشريّة عرفها التاريخ"، ورأى فيها الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل "إمبراطورية بدون مستعمرات أو حدود"، فهو شأن آخر يحتاج لأعمار مؤرخين وليس عمر واحد لكاتب بعينه.

 

وفي كل الأحوال يمكننا القطع بأن تاريخ الكاثوليكية، والفاتيكان صنو لها في الأذهان، قد أدخل مفهومًا جديدًا للتاريخ، يمكن أن نصفه بأنه تصاعدي، بعكس ما كان سائدًا في المجتمعات الإنسانية من قبل، مفهوم تاريخ الإنساني اللولبي، ذاك الذي لا يبدأ كل مرة من نقطة الصفر، ما يجعل المؤسّسة ومؤمنيها في تقدّم روحاني ووجداني، إيماني وإنساني، عبر ألفي عام، نحو نقطة الأوميغا التي حدثنا عنها اليسوعي الأشهر الأب تيار دي شاردان، أي  لجهة الإنسان الكامل أو قمة  التاريخ.