موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٠ فبراير / شباط ٢٠٢١
الصوم زمن التوبة: لنلبسنّ الإنسان الجديد الذي خُلِق في أحسن تقويم

بقلم أشخين ديمرجيان - القدس :

 

قبل عدّة أيام بدأ زمن الصوم الأربعيني أو ما يسمّى بزمن الصوم الكبير الذي يُنشيء تغييرًا في حياة المؤمن اليومية، والتي يسلك فيها درب الصلاة والصوم والصدقة ويجعل من صومه مسيرة تقشّف بروح التوبة الصادقة، راجيًا التقرّب الوجداني من الله شافي النفوس والأجساد لعلّ وعسى ينال الصائم خلاصه الأبدي في نهاية حياته على الأرض.

 

خلال المدّة الفصحيّة التي نقف اليوم على عتبتها ، ينبغي أن نتّبع برنامج الصوم الكنسيّ  كما ورد في العهد الجديد من الكتاب المقدّس: "توبوا، قد اقترب ملكوت السماوات" (متّى 3: 2)، الذي يعود بالفائدة على النفس والجسد. يتوجب على الصائم الامتناع عمّا لذّ وطاب من المأكولات والتصدّق بما يوفّره من طعام ومال للمحتاجين والجياع.

 

في باحة احدى الكنائس علّق أحد الشعراء قصيدة مشهورة من تأليفه: "إنّ غرور بعض القادة وتفاخرهم وكذلك غطرسة ذوي السلطان، والثروات التي يُكدّسونها بجشع في أثناء حيـــــاتهم ، كـلّــها تنتظر ساعة الدينونة التي لا مفرّ منــها...  إنّ المجد البشريّ والثروات الأرضيّة لا يرث منها المرء شيئاً بعد موته". ويقول القدّيس شربل: "لا تخافوا! الشرّ راح يدمّر ذاته"...

 

هذه السطور وما بينها تُنبّهنا إلى حقيقة هائلة يجب ألاّ نغفل عنها ، كأنّها صدى لكلمات الشاعر الفرنسي "فرنسوا فيلون" في قصيدة له بعنوان "أين هي ثلوج السنوات الماضية؟" ويقول الفيلسوف والكاتب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران "نحتمل الأرزاء لتكون إكليل فخرنا على أديم السماء... ظمأ الروح أعذب من ارتواء المادة".

 

 وحينما نتوارى تحت التراب في المستقبل، سيُكتب على ضريحنا: هنا يرقد فلان، أو هنا ترقد فلانة... وإلى التراب تعود أجسادنا بعد أن تتوارى تحت كومة من التراب. ولكن المهمّ في الأمر هو مصير أرواحنا، ماذا سيكون مصيرها؟ ولدى مثول البشر أمام الديّان العادل، لن تفيدهم الأموال الطائلة التي كدّسوها أو الشهرة العظيمة التي نالوها. لن يشفع لهم شيئا لخلاص نفوسهم، بل سوف تكون لهم سبب إدانة  إن لم يتصدّقوا من أموالهم بسخاء على الفقراء. وفي يوم الدينونة، حين تُفتَح الكتب وتُكشَف الأعمال وتُفحَص الأفكار وتظهر الخفايا، أية دينونة تكون دينونتي أنا الخاطىء/ الخاطئة؟ مَن يُطفيء لهيب النار عنّي؟ مَن يُضيء ظلمتي؟...

 

ومن الطقوس الكنسيّة وضع الرماد على رؤوس المؤمنين يوم "أربعاء الرماد" أوّل يوم من زمن الصوم، ويرمز الرماد في العقيدة والتقاليد المسيحية إلى التوبة، مذكّرًا إيّاهم أنّهم "من تراب وإلى التراب يعودون" بعد الموت. ومفتاح الجنّة يكمن في مخافة الله واضعين نصب أعيننا غاية سامية ألا وهي السعي الى الخلود في السماوات.

 

وأفضل طريقة للاستفادة من زمن الصوم الإكثار من الأدعية بوجه عامّ والاشتراك بذبيحة القداس بوجه خاصّ. وتتجلّى لنا أهمّيّة ذلك إذا أدركنا أنّ الإفخارستيا أهمّ صلاة يشترك فيها المؤمن، بما أنّها إحياء للعهد الجديد الأبديّ (متّى 26: 26 وتابع). لأنّ غاية الصوم التقرّب من الله أكثر وأكثر  فالدعاء أحسن وسيلة لتحقيق الاتصال الوجداني المباشر به تعالى. وخاصة رفع صلوات الشكر لله على جميع نعمه وبركاته الروحية والزمنية التي يُغدقها علينا وعلى عائلاتنا وأصدقائنا.

 

خاتمة

 

في زمن الصوم لنلبسنّ الإنسان الجديد الذي خُلِق في أحسن تقويم، في القداسة وبرارة الحق! لأنه زمن تجديدنا من الداخل في القلب والروح، كي لا تخرج من قلوبنا أفكار شريرة، وكي لا ينطبق علينا ما قاله الله في سِفر أشعيا: "هذا الشعب يُكرمني بشفتيه وأمّا قلبه فبعيد عنّي".