موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٤ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
الرابع عشر من أيلول: عيد ارتفاع الصليب

ابتسام حداد :

 

حمل صليب العار، ومشى ضعيفًا خائر القوى في طريق الجلجلة، كان ينوءُ بحملهِ، أدمى كتفه ووقع تحته ثلاث مرّات، أشفق عليه سمعان القيرواني ولم يأبه باليهود فحمله عنه حتى وصلا الجلجلة، صُلِبَ مع لصّين ومات ميتة الخطأة والمجرمين.

 

بعد أن تمَّ كلُّ شيءٍ أخذ اليهود الصّلبان  الثلاثة والمسامير وأدوات التعذيب ورموا بها في حفرة.

 

وتشاء إرادةُ الله أن تأتي الملكة هيلانة  إلى الأراضي المُقدّسة بحثًا عن خشبة الصّليب فتجد الصّلبان الثّلاثة والمسامير وتمكّنوا من تمييز صليب المسيح بأن وضعوه على ميت فأحياه وكذلك من اللوحة التي عُلِّقَتْ عليه وكُتِبَ عليها (يسوع النّاصري ملك اليهود) وحيث لم تكن سُبُلُ التّواصل مُتاحةً تمَّ الإعلانُ عن  ذلك الفرح العظيم بإشعال النّار من جبلٍ إلى جبل ، حتّى وصل الخبر السّار إلى الملك قسطنطين ابن الملكة هيلانة.

 

جرى العُرفُ في كنائسنا أن نحتفل بهذه الذكرى العظيمة في 14 أيلول من كلِّ عام بقُدّاسٍ إلهي تعقبه دورة في ساحة الكنيسة واشعال النّار المقدّسة  إحياءً للطّريقة الّتي تمَّ فيها الإعلان عن  ارتفاع الصّليب  وكذلك توزيع الرّمان على جميع المُصلّين.

 

وللتوضيح أقول أنّ الرّمان ذُكِرَ في الكتاب المقدّس ثلاثين مرّة، ثمرة مستديرة يعلوها تاج صنعَ الملك سليمان تاجه على مثاله وزيّن بها أعمدة هيكله وكانت تُزيّنُ بها ملابس الملوك والأحبار، وقد لاحظتُ أثناء زيارتي لكاتدرائية القدّيسة مريم في أشبيلية حضورًا لافتًا للرّمّان في تزيين ملابس التّماثيل المعروضة هناك. أمّا عادة توزيعه فلا تستند لدليل كتابي وفسّرها البعض أنّ التّاج الّذي يعلو الحبّةَ يرمز إلى أنّ المسيح ملك الملوك، وحبّاته ترمز إلى قطرات دمه الّتي أُريقت على الصّليب وهناك تفسيرات أُخرى.

 

وحيث أنّ الصّليب تعرض للنهب أكثر من مرّة لم يبقَ منه إلّا قطعًا صغيرة منتشرة في غير موضعٍ من العالم  وأكبر ذخيرتين  واحدة في أوروشليم والثّانية في روما. تمّت تجزئة خشبة الصّليب وتفرّقت أجزاؤه في كثير من بلدان العالم، ومنها أورشليم، وعندما احتلّ كسرى ملك الفرس أورشليم، أسر عددًا من المسيحيين ومنهم البطريرك زكريّا، واستولى على ذخيرة خشبة الصّليب، وبقيت في حوزته أربعة عشر عامًا.

 

لمّا انتصر هرقل ملك الرّوم على الفرس، كانت أهم شروطه، الحرّيّة من الأسر للمسيحيين وارجاع ذخيرة الصّليب، وكان سيراوس تولّى الحكم من بعد أبيه، وافق على الشّروط وتمّ تسليم خشبة الصّليب لهرقل الّذي جاء بها إلى القسطنطينيّة، فاستُقبلت استقبال الملوك بالمصابيح والتّراتيل والأهازيج.

 

وبعد مرور سنة، وكان ذلك في 21 آذار 630 ميلاديّة، أتى بها هرقل إلى القدس ليقوم بوضع الذّخيرة في مكان الصّلب من الجلجلة، وخرج الشّعب كلّه لاستقباله، ولكنّه توقّف فجاءةً ولم يستطع أن يخطو خطوةً واحدة، تقدّم منه البطريرك زكريّا وقال له: المسيح عندما مشى هذه الطّريق، كان مكلّلًا بالشّوكِ، حافيًّا، يحمل صليبه، لابسًا ثياب السّخرية، وأنت بثيابك الأرجوانيّة وتاجك الذّهبي المُرصّع، لا تشبهه، فما كان من هرقل إلّا أن مشى بثيابٍ رثّة، حاسر الرأس، حافي القدمين، وقام بوضع الخشبة في مكانها من الجلجلة، أمّا اللوحة الّتي كُتبتْ عليها علّة الحكم بالثّلاث لغات، العبريّة واللاتينيّة واليونانيّة، فقد ذكرها القدّيس يوحنّا في إنجيله اذ قال: وكتب بيلاطس عنوانًا ووضعه على الصّليب وكان مكتوبًا (يسوع النّاصري ملك اليهود)، وقد وُجدت هي الأُخرى وهي اليوم في إحدى كنائس روما، والصّور المرفقة توضّح ذلك.

 

اهتمّ الكتاب المُقدّس بالصّليب، فذُكر 28 مرّةً في العهد الجديد. على تلك الخشبة الّتي كانت تُعدُّ آلة إعدام بشعة؛ تمّ خلاص البشريّة، الصّليب أنار لنا الطّريق، لم نعد نخشى إبليس أصبحنا بالصّليب أبناء الملك، أفلا يحقُّ لنا الاحتفال بعيد ارتفاعه؟

 

أحبّتي، كلُّ عامٍ وأنتم بألف خير.