موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٥ أغسطس / آب ٢٠٢٢
التجلّي من منظور راهب مخلّصيّ

الراهب شربل عيسى أبوسعدى المخلّصيّ :

 

في السادس من آب من كلِّ عامٍ، نحتفل بعيد تجلّي ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح على جبل ثابور. هذا العيد، الذي نسمّيه "عيد الرب"، حيث أتت هذه التسميّة من كشف الرب يسوع المسيح في هذا الحدث عن طبيعته الإلهيّة لتلاميذه، ونرى أن التلاميذ  تعجّبوا من المنظر لأنهم لم يفهموا ما الذي يحدث، بل كان هذا الحدث هو استباقٌ للصليب والقيامة. فكما نقول في قنداق العيد: "لكي يفهموا إذا ما رأوك مصلوبًا أنك تتألم باختيارك..."، واليوم أقف أمام هذا العيد الإلهيّ، وهذا الحدث العظيم، متأملًا به كراهبٍ مخلّصيّ يعيش روحانيّة التجلي؛ ذلك أن السعيد الذكر المطران أفثيميوس الصيفيّ عندما أسس الرهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة وضع لها حدث التجلّي عيدًا فأصبح الراهب المخلّصيّ يعيش روحانيّة التجلّي متخذًا من هذا الحدث أسلوب حياة. فكما صعد الرسل مع الرب يسوع المسيح الى جبل كذلك على الراهب المخلّصيّ أن يصعد الجبل مع الرب يسوع المسيح فيعيش مرحلة التطهر من هفواته وضعفه ليصل الى الجبل فيتأمل بالوجه الإلهي، ويعاين النور الأزليّ، ثم ينزل للرسالة ليعكس هذا النور للآخرين وهذا تحديدًا ما أراده المؤسس حيث كَتَب في وصيّته "يا أولادي... أنا أسّستكم وصيّرتكم قربانةً رهبانيّةً مقدّسةً... لكي أجدّ بواسطتكم في فلاحة كرم المسيح..."، أراد المؤسس جعل الراهب المخلّصيّ في الدرجة الأولى متأمل بالجمال الإلهي لكي يجدَّ في فلاحة كرم الرب بهمّة ونشاط ،ما يلفت النظر في حدث التجلّي هو أن الرب يسوع المسيح بعد التجلّي نزل عن الجبل وبدأ مسيرته نحو الآلام والصلب والموت والقيامة ،وهذا ما عاشته الرهبانيّة المخلّصيّة التي بعد أن تأسس على إسم المخلّص وروحانيّة التجلّي بدأت مسيرة الآلام فتعرّضت هذه الرهبانيّة الأبيّة لستة نكبات في تاريخها قُتل وذُبح في هذه النكبات عشرات الرهبان وسُرق ونُهب الدير عدّة مرات والعديد من الإضطهادات التي عاناها آباؤنا المخلّصيّون الذين لم يستسلموا أمام الشدائد بل كانوا يعيشون على ضوء القيامة التي ستتحقق لا محالة ،ومن هنا أصبح دير المخلّص هو هذه الأكمة النيّرة التي تفوح منه رائحة القداسة وتجري في أزقته دماء الشهداء الزكيّة فتروي ظمأ كل عطشان وتجعله يثق بالمخلّص ويمتليء أملًا ورجاءً،رهبانيّة تجلّت مع المخلّص على الجبل ثم سارت معه درب الجلجة والآلام لكن سرعان ما عاينت نور القيامة البهيجة ،هذا النور الذي لا يغرب.

 

فالراهب المخلّصيّ هو راهب التجلّي بامتياز حيث عليه أن يتمم مشيئة الله بالسماع للإبن بواسطة إلهامات الروح القدس "هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا." (لوقا 9: 35) وهذا كلّه يتمّ بالتأمل اليوميّ المتواتر في الكتاب المقدّس، فيصبح من خلال هذا الإصغاء ابنًا لله بيسوع المخلّص، وكلّما يتأمل الراهب المخلّصيّ بالمخلّص أكثر يتشبه به أكثر فيصبح مرسلًا متشبّهًا بالافخارستيّا (القربان المقدّس)، يقدّم ذاته للمسيح الذي سبق فقدّم ذاته لأحبّائه، مستعدّ للتضحية بنفسه من أجل المسيح، فينمو في الفضائل الإلٰهيّة والأدبيّة ويملأ مكانه داخل الكنيسة الروميّة الملكيَّة الكاثوليكيّة ،فحدث التجلّي يصقل شخصيّة المخلّصيّ ويجعله ثابتًا في الشدائد ومندفعًا للرسالة والعمل وسائرًا على درب القداسة وهنا لا بد لنا أن نتذكّر البعض من الآباء والرهبان المخلّصيّون الذين بفضل المخلّص ونعمه وبفضل تتميم وصيّة المؤسس وعيش الروحانيّة المخلّصيّة المُستندة على التجلّي إستطاعوا أن يصلوا لعيش إختبار حبٍّ شخصيّ مع الرب فتحوّلوا لأشخاص "يهيمون بالحب الإلهيّ" (من الليتورجيّة البيزنطيّة) أكتفي بذكر البعض منهم: المكرّم الأب بشارة أبو مراد، البطريرك إكلمنضوس بحّوث، الأخ صفرونيوس جبرا... والكثير الكثير من الآباء الذين ساروا على الدرب المقدّس.

 

في الختام، إن حدث التجلّي هو حدث قياميّ فصحيّ رساليّ، يذكّر الراهب المخلّصيّ بوصيّة مؤسسه، وبسيرة إخوته الذين سبقوه فيعطيه دفعة روحيّة كبيرة يستطيع من خلالها المضي قدمًا نحو هدفه الأساسيّ الذي هو قداسته وقداسة الآخرين.

 

كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة حقل القداسة، كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة عامرة برهبانها، كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة حرزنا وسندنا، كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة رائحة المسيح الطيّبة، كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة مصدر فخرنا وعزّنا، كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة مرآة تعكس وجه المخلّص المُتجلّي والقائم، كل عام والأم الرهبانيّة المخلّصيّة هي الصخرة التي لا تتزعزع لأن الله في داخلها.