موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
شارك البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، برفقة معاونه المطران باسيليوس يلدو والأبوين ألبير هشام وخوسيه ايمانوئيل، الأربعاء 8 اذار 2023، في النجف، باللقاء الشيعي الكاثوليكي الثالث تحت شعار: "تعالوا إلى كلمة سواء"، نظمته مؤسسة سانت ايجيديو ومؤسسة دار العلم للإمام الخوئي.
حضر اللقاء الكاردينال ميغيل ايوسو، رئيس الدائرة الفاتيكانيّة للحوار بين الأديان، والكاردينال الباكستاني جوزيف كوتس، ورئيس الاساقفة فنجنسو باليا، وسكرتير السفارة البابوية في بغداد المونسنيور جارلس، ووفد ايطالي من سانت ايجيديو وعدد من الكهنة ورجال الدين المسلمين.
وسوف يستمر اللقاء لمدة ثلاثة أيام، ويختتم يوم الجمعة في بغداد بالبطريركية الكلدانيّة.
وفيما يلي كلمة البطريرك ساكو عن "الأخوة والديانة":
شكرًا لمنظمي هذا اللقاء: مؤسسة سانت إيجيديو ومؤسسة الخوئي تحت عنوان "الكاثوليك والشيعة في مواجهة المستقبل". للأخوة بُعد انسانيّ وروحيّ، يهدف الى العيش المشترك بسلام، بعيدًا عن العداوة والعنف والخوف. الأخوّة علاقة إنسانية وروحيّة واجتماعية بين أفراد العائلة الواحدة من حيث القرابة الدموية أو القرابة المعنوية. هذه العلاقة يُفترض ان تكون وطيدة وحميمية، اي على الأخ ان يشعر بأخيه ويسنده، وينفعه ولا يضرّه (كما فعل قايين باخيه هابيل). الاُخوّة الانسانية تتطلب الاعتراف بالآخر كأخ وليس كخصم أو عدوّ، وقبوله بمحبة، واحترام حقّه في العيش بكرامة وحريّة وأمان وسعادة. الاُخوّة هي في الحقيقة، هويتنا.
وتقوم الاُخوّة على ثلاثة أسس: الخلق والإيمان والوطن.
أولاً: في الخلق
خَلَقَ الله الانسان الأول آدم وحواء وأنجبا عدة أبناء وبنات، هم إخوة وأخوات لبعضهم، لذا فالعائلة الاولى هي في كافة الديانات (الجد والجدة) للبشر. نحن اخوة في الخَلْق بنفس الكرامة والحقوق. الاخوة خلقةٌ واخلاقٌ، ونعمة من الله يُقدّرها من يعيشها. ووضعنا الله في الارض انما لنحولها الى جنة وبيئة نعيش فيها كأخوة وأخوات بحرية وكرامة وفرح.
ثانيًا: في الايمان
كلنا نؤمن بإله واحد خالق الجميع والذي سوف يُديننا على المحبة وليس بحسب دياناتنا. ان الله المحبة والرحمة بحكم الخلق هو أب. كل البشر أولاده وإخوة لبعضهم البعض. هذه هي القاعدة الروحية للاُخوّة الشاملة. أما الديانة فهي التعبير عن هذه الايمان بطقوس وقوانين وبفكر مختلف ينبغي احترامه.
دور الكتب المقدسة:
1- التوراة والانجيل
في وصايا الله العشر أربع منها تتعلق بالاعتراف بالله وعبادته، والست الباقية تُشدّد على العلاقات الاخوية: أكرم اباك وأمك، لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشته مقتنى غيرك… (سفر الخروج فصل 20).
ويعلن سفر المزامير فرح الاُخوّة: "مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا" (مزمور 133: 1). في تعليم المسيح (الانجيل) محبّة الإخوة شاملة، أي كلُّ انسان هو أخ أو أخت "قريب"، صديقًا كان أم عدوًّا، ينبغي احترامه ومساعدته. يُشدّد المسيح على أننا جميعًا إخوة متساوون: "انتم جميعكم إخوة" (متى 23/ 8). والمحبّة التي كرز بها لخصها بهذه الوصية: "أحبِب قريبكَ كنفسكَ" (متى 22/ 39). والرسول يوحنا يقول "من يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه" (1 يوحنا 4/ 16). و"كُلَّ مَن لا يَعمَلُ البِرَّ لَيسَ مِنَ الله ومِثلُه مَن لا يُحِبُّ أَخاه" (1يوحنا 3/ 10).
المسيحية تَحرم الانتقام والثأر: يقول يسوع: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ" (متى 5/ 44). ويذهب الى أبعد من ذلك قائلا: "أغفر سبعين مرّة سبع مرّاتٍ لأخيك" (متى 18/ 21)، أي لا يمكن إسناد العنف والجريمة على أساس الدين. من المؤكد ان بعض المسيحيين لا يطبّقون هذا بالرغم من انها وصية المسيح.
رسالة البابا فرنسيس العامة "كلنا إخوة" في 4/10/2020 أتت على اثر انتشار وباء كورونا، للدعوة من جديد الى الاُخوّة والصداقة والتضامن الأخوي، لان الدين معاملة. يقول يسوع: "كَما تُريدونَ أَن يُعامِلَكُمُ النَّاس فكذلِكَ عامِلُوهم" (لوقا 6/ 31). المحبة الحقيقية هي "أن نتألم مع المتألمين ونفرح مع الفرحين" (رومية 12/ 15).
شعار زيارة البابا للعراق في 5-8 آذار 2021 الذي أعددناه في البطريركية كان: "أنكم جميعًا اخوة"، إخوة متنوعون.. تنوّع ووحدة وسلام. وزيارة البابا فرنسيس للدول العربية المسلمة: الاردن، مصر، الامارات العربية المتحدة، المغرب، العراق والبحرين، جاءت لتوطيد هذه الاُخوّة بيننا. في الكلمة التي ألقاها في مدينة اور الأثرية شجب قداسته استغلال الدين لغايات شريرة: "إن أكبر اساءة وتجديف هي ان نُدنّس اسم الله القدوس بكراهية إخوتنا.. لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة (مؤمنة).. بل هذه كلها خيانة للدين..".
2- القرآن
يذكر القرآن أن المؤمنين بالله اخوة: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (سورة الحُجُرات 10). وينقل أنس بن مالك عن النبي هذا الحديث الجميل: "الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه" و"خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ". وللإمام علي مقولة مشهورة: "النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ". وثمة قول جميل للقمان الحكيم: "ربّ أخٍ لك لم تلده أمك".
وهنا أشيد بوثيقة الاخوَّة الانسانية التي وقّعها البابا فرنسيس والإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر عام 2019 في ابو ظبي. كما لن أنسى ما قاله سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني ترحيبًا بقدوم البابا فرنسيس الى العراق: "نحن جزء منكم، وأنتم جزء منا" أي نحن اخوة. هذه الجملة هي بحق فتوى يجب الالتزام بها. كل هذه النقاط جديرة بالتفكير. ينبغي دراستها بعمق، واشاعة مبادئها وترسيخها لخدمة الإنسانية والدين.
ثالثًا: الوطن
الوطن خيمة يعيش تحتها المواطنون إخوة وكجزء من بعضهم البعض، ولا ينبغي استبعاد احد او تهميشه ليحسّ أنه غريب بين "إخوته". الوطن بيتهم جميعًا ولهم فيه نفس الحقوق والواجبات. والدولة كيان معنوي لا دِينَ لها (الدِين للافراد)، فعليها ان تحقق العدل والمساواة لكي يحظى كل شخص بمواطَنَة كاملة. هذه المباديء مجبولة في الطبيعة البشرية وفي الديانات، وهي مشتركة للكل. أعتقد أنه لم يعد من الممكن الاستمرار بالطريقة التقليدية التي نحن عليها، والتي تتقاطع مع الواقع الحالي المتنوع للمجتمعات وقيم الاُخوّة والعيش المشترك ومع رسالة الأديان في نشر المحبّة والرحمة والتسامح.
من هذا المنطلق فإن اعادة النظر في بعض المفاهيم والقوانين القديمة وإصلاحها بات ضروريًا للتخلص من التفسيرات المتطرفة والمؤذية. اذكر على سبيل المثال جرائم القاعدة وداعش ضد الانسانية نتيجة اتهام غير المسلمين بالكفر والشرك. هذا إثم عظيم سوف يدينهم الله عليه، كذلك أسلمة القاصرين بالنسبة للمسيحيين عندما يشهر أحد الوالدين اسلامه. هذا ليس عدلا! لذا يجب تجديد الذهنية، ومواجهة الحداثة، والانفتاح على الآخرين الذين هم إخوة لنا ومواطنين، واحترام عقيدتهم والحفاظ على تنوّعنا ووحدتنا، والأمانة للإيمان بالله كمصدر ثقة وثبات. وهنا لابد أن اشير الى اهمية الدور الكبير للمرجعيات الدينية في تمتين ثقافة الاُخوّة والسلام والعيش المشترك وإشاعتها.
في الختام أقتبس فقرة مهمة من خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في جامعة الازهر في 7/1/2015: "أقول هنا أمام الرؤساء الدينيين وأمام الخبراء… عليكم أن تخرجوا من انغلاقكم، وأن تنظروا من الخارج لكي تقتربوا من ايديولوجيا نيرِّة حقًا… العالم كله ينظر إلى أقوالكم ايُّها الإمام الجليل.. نحن المسلمين، نحتاج إلى تغيير نظرتنا إلى العالم.. إذ ذاك فقط سيحقُّ لنا أن نطلب من الآخرين أن يحترموا ديننا".
أخيرًا أؤمن بأن "حلم الله" هو أن يعيش جميع البشر إخوة في غاية الفرح والسعادة، وهذا يجب ان يكون حلم الديانات وحلم الناس العاديين، وعلى الجميع تحقيقه.