موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في محاضرة ألقاها في العاصمة النسماوية فيينا حول أوضاع المسيحيين في العراق، وبحضور شخصيات سياسية، كشف البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو عن مغادرة أكثر من مليون مسيحي من البلاد خلال العشرين عامًا الأخيرة.
وأوضح غبطته أنّ المسيحيين، وهم من السكان الأصليين للبلاد، عاشوا معاناة كبيرة خلال العقدين الماضيين، وأصبح وجودهم هشًا بفعل الصراعات الطائفية، والجماعات المتطرفة كداعش والقاعدة، والميليشيات المسلحة، والتمييز في التوظيف، وقانون الأحوال الشخصية القمعي إذ يُجبر الأطفال على اعتناق الإسلام عند زواج أحد الوالدين من مسلم أو مسلمة.
كما أشار إلى ظهور ميليشيا عام 2014 تدّعي باطلاً تمثيل المسيحيين، لكنها في الواقع نهبت ممتلكاتهم في بغداد ونينوى، وصادرت كوتا المسيحيين في البرلمان، ومارست الانتهاكات والفساد والتزوير، لتتحوّل من جهة يفترض بها الحماية إلى أداة قمع ومنع للتقدّم. وفي بلدات سهل نينوى تغيب فرص العمل والخدمات، فيما لم يتبقَّ في مدينة الموصل سوى 70 عائلة مسيحية من أصل 50 ألفًا.
وأكد البطريرك ساكو أنّ هذه الظروف دفعت الكثير من المسيحيين للهجرة، إذ وجدوا صعوبة بالغة في تصوّر مستقبل آمن ومستقر بعد سنوات من الحرب. ونتيجة لذلك، انخفض عددهم حيث غادر أكثر من مليون شخص البلاد، وبقي ما بين 400 إلى 500 ألف يكافحون للبقاء في وطنهم.
ورغم اعتراف غبطته بتحسّن الوضع الأمني نسبيًا، إلا أنّه شدّد على أنّ المسيحيين "لا يزالون يعيشون في حالة عدم استقرار، إذ لا يثقون بالمستقبل". وعبّر عن أسفه لأنّ الحكومات المتعاقبة لم تتخذ إجراءات لمعالجة الظلم والتهميش، ما أدى إلى استمرار الهجرة من البلاد، وخصوصًا عندما سلّمت كل مقدرات المسيحيين وتمثيلهم إلى الميليشيا المذكورة.
ونوّه البطريرك ساكو إلى أنّ المسيحيين في حاجة إلى "سلام حقيقي يحفظ حقوقهم وأمنهم وكرامتهم".
ورأى أن تحقيق ذلك يتطلّب "ضمان حماية حقيقية لمسيحيي سهل نينوى، من خلال التعاون مع الشرطة الاتحادية لا الميليشيات"، و"إعادة الممتلكات المسلوبة وتعويض المتضرّرين ماديًا"، إضافة إلى "خلق بيئة مواتية تشجّع عودة المهاجرين المسيحيين، وخاصة من الدول المجاورة".
وفيما يتعلّق بالمستقبل، اقترح البطريرك "إنشاء دولة حديثة تضمن حقوق كل المواطنين على حد سواء، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية أو انتمائهم العرقي أو الاجتماعي أو السياسي"، لافتًا في هذا الشأن إلى ضرورة أن يعمل العراقيون على "تغيير النزعة الطائفية والقبلية، بما يخدم التعايش السلمي والفعّال".
كما دعا إلى "تأسيس دولة مدنية قائمة على مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع أبناء الوطن، دون تمييز على أساس الدين أو المذهب أو الجنس"، مؤكدًا على أهميّة أن يكون "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، بعيدًا عن منطق الأغلبية والأقلية. دولة تخدم مواطنيها، لا الأحزاب السياسية أو الميليشيات".
وشدّد أيضًا على ضرورة "وضع دستور مدني بدلاً من الاعتماد على أحكام الشريعة الإسلامية؛ دستور يحترم مبدأ المواطنة المتساوية وحرية المعتقد لجميع العراقيين، ويؤكد حقهم في المشاركة الكاملة في الحياة العامة، ويعزّز الوحدة الوطنية على قاعدة: الدين لله والوطن للجميع".