موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تصوير: إعلام البطريركية اللاتينية
ترأس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، الثلاثاء 25 آذار 2025، القداس الاحتفالي في بازيليك البشارة، في مدينة الناصرة لمناسبة عيد البشارة، بمشاركة النائب البطريركي في الجليل المطران رفيق نهرا، ولفيف من الأساقفة والكهنة، والرهبان والراهبات، وحشد من المؤمنين.
في مستهل عظته، قال البطريرك بيتسابالا: "نبلُغ هذا العام أيضًا أقدام العذراء، أم الله، أمنا وأم الكنيسة. وكما نفعل مع كل أم، نحمل إليها تطلعاتنا ومخاوفنا وحاجتنا إلى العزاء. نحن نعلم أن الله هو مصدر العزاء، وأنه وحده من يجب أن نوجّه إليه أنظارنا، وفقط فيه يمكننا أن نرسّخ ثقتنا، لا سيّما في هذه الأوقات العصيبة التي نمرّ بها، نحن والعالم بأسره".
ولفت إلى أنّه و"بدلًا من السير نحو أفق اللقاء، والبحث عن طرق وحلول للتعايش السلمي، نرى من حولنا حواجز الخوف، وانعدام الثقة، والكراهية، والحقد. وهنا، في أرضنا المقدسة، ما زلنا نبكي موتانا، والجراح الكثيرة تمزّق قلوبنا، وأسرنا، ومجتمعنا. لقد سئمنا من تكرار هذا الواقع الأليم، لكن من المستحيل ألا نفكّر فيما يجري من حولنا. لقد أتينا إلى هنا، إذن، لكي نسمح لمريم العذراء بأن تقودنا مرة أخرى. لكي نتعلّم منها، مجدّدًا، كيف نعيش وسط هذه الأوضاع".
وأشار إلى أنّ "مريم تذكّرنا اليوم أن الله، هنا في هذا المكان، غيّر تاريخ العالم. فمن خلال قولها ’هاءنذا‘، سكن الله تاريخنا وزماننا وواقعنا البشري. وبهذا ’هاءنذا‘، تحقّقت النبوءات، وانفتحت السماء، وتجدّد الرجاء لكلّ إنسان. ونحن نؤمن أن الله لا يزال يقود الزمن والتاريخ حتى يومنا هذا. وهو يفعل ذلك بنفس الأسلوب الذي اتّبعه في الناصرة، أسلوب الوداعة".
أضاف: "وكما دخل التاريخ من خلال ’نعم‘ العذراء، فإنه اليوم أيضًا يدخل التاريخ من خلال ’نعم‘ الكنيسة، من خلال ’نعم‘ كل واحد منا، من خلال قبولنا لكلمته الحيّة. إنّ الله يدخل التاريخ بتواضع، باحثًا عن القلوب الوديعة، الحرّة، المتواضعة والمنفتحة. إنّ الله يريد ’هاءنذا‘ خاصتنا، يريد أشخاصًا ودعاء يعرفون كيف يقولون ويكونون في العالم كلمة مختلفة، كلمة حياة ورجاء".
ولفت إلى أنّ "الرجاء لا ينبغي أن نربطه بمجرد انتظار أزمنة أفضل. نعم، نتوق إلى مستقبل يسوده العدل والطمأنينة، لكننا ندرك أيضًا أن حاضرنا مثقل بالألم والوحدة، زمنٌ تهيمن عليه الانقسامات والعنف. ونعي، بكل أسف، أن الأوقات الأفضل لن تحل قريبًا".
وأوضح البطريرك بيتسابالا بأنّ ’الرجاء لا يخيّب‘ "لا يعتمد على أفعال البشر، ولا يرتبط بقرارات الأقوياء، ولا هو ثمرة عمل إنساني"، إنّما ذاك النابع من "اللقاء مع يسوع، مولود العذراء مريم التي قبلت بحرية مشيئة الله. ففي لقائنا معه يتشكل رجاؤنا".
وقال: "نحن بحاجة إلى لقائه مجددًا، إلى الانطلاق من المسيح من جديد. فمن خلال اتباعه المستمر فقط، يمكننا أن نحيا هذا الزمن دون أن نسمح لمشاعر الكراهية والحقد والخوف بأن تسلب قلوبنا. ونحن هنا اليوم لنطلب من العذراء أن تقودنا إليه مجددًا، وأن تفتح قلوبنا لكلمته الحيّة".
وأشار إلى الحاجة أيضًا "لأن نلتقي بالرب يسوع في الأشخاص الذين، من خلال حياتهم والتزامهم وشهادتهم، يفتحون قلوبنا على الثقة. نحن بحاجة إلى رجال ونساء يملؤهم الروح، قادرين على تقديم ذواتهم، على الالتزام من أجل القريب، من أجل العدالة، ومن أجل بناء علاقات قائمة على الكرامة والاحترام. هؤلاء الأشخاص موجودون، وهم كُثُر، وهم بيننا.
وقال: "ما دام هناك أشخاص يعرفون كيف يبذلون أنفسهم بمحبة وسط هذا الظلام الدامس، وسط هذا البحر من الألم والعنف، فسيبقى الرجاء حيًا. فالشيطان لا سلطان له على من يبذل نفسه بمحبة. فلنرفع أنظارنا إذن متخطين آلامنا، ولنسمح لمريم العذراء بأن تقودنا، ولنستقبل بثقة كلمة الرجاء التي زرعها الله فينا".
ولفت إلى أنّه "في هذا الزمن الذي تُبنى فيه روايات العنف والقوة، حيث يبدو أن التاريخ الذي يكتبه العظماء هو تاريخ الحرب والقهر، نحن نريد أن نكون أولئك الذين يكتبون قصة مختلفة، من خلال أسلوب حياتهم، ومن خلال لقاءاتهم، ومن خلال الكلمة والشهادة. نريد أن نقول ’نعم‘ لله، وأن نكون بُناة مدينة مختلفة، مليئة بالنور والحياة، بروح الوداعة، ولكن أيضًا بقوة الكلمة والشهادة".
وقال البطريرك بيتسابالا: "لا ينبغي لنا أن نخاف، لأن الخوف هو لغة الشيطان، التي تحكم قبضتها على قلب الإنسان. أما نحن، إذ نتبع مريم العذراء، فنريد أن نتبع كلمة الله، الكلمة التي تصنع المستقبل، التي تفتح أبواب اللقاء، والتي تعطي الحياة".
تابع: "نريد أن نعود من الناصرة، وقد تعزّزت عزيمتنا بنظرة مريم الأموميّة، التي تدعونا لرفع أنظارنا، لئلا نستسلم للمخاوف التي تشلّنا، ولرؤية عمل الله الذي لا يزال يتحقق من خلال العديد من الرجال والنساء الذين يجعلون رجاءنا ملموسًا. بل نريد أن نكون نحن من بين هؤلاء".
وخلص البطريرك بيتسابالا في عظة القداس الاحتفالي لمناسبة عيد البشارة رافعًا الدعاء: "لتتشفع مريم بنت الناصرة فينا جميعًا، في عائلاتنا، وفي شعبنا في الأرض المقدسة. لتُعزِّ المتألمين والحزانى، ولتمنح القوة لمن يعملون من أجل العدل والسلام. آمين".