موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
البطريرك الطوال في رسامة الأب وجدي الطوال: الحياة الروحية هي الجهاز التنفسي لحياتك الكهنوتية
النص الكامل لعظة البطريرك فؤاد الطوال في الرسامة الكهنوتيّة للأب وجدي الطوال

البطريرك فؤاد الطوال :

 

ترأس البطريرك فؤاد الطوال، بطريرك القدس للاتين السابق، قداس الرسامة الكهنوتية للشماس الإنجيلي وجدي معين الطوال، من رعية استشهاد القديس يوحنا المعمدان في مادبا، وذلك مساء يوم الأربعاء 2 كانون الأوّل 2020، في كنيسة الراعي الصالح في عمّان.

 

 

وفيما يلي النص الكامل لعظة قداس الرسامة:

 

أصحاب السيادة الإخوة الأساقفة (الأخ العزيز المونسنيور ماورو لالي)

حضرات الإخوة الكهنة والأخوات الراهبات

الأهل والأقارب، أيها الحفل الكريم

قدس الاب وجدي الطوال المُحتفى به

 

في كل رسامة كهنوت جديدة، نشيد "لذاك الذي أحبنا... وجعل منا مملكة من الكهنة لإلهه وأبيه" (رؤيا يوحنا 61) وزرعنا حبة حنطة، في عالم هو لنا وهو علينا، لنكون فيه خميرة وحدة ورجاء وخلاص.

 

في كل رسامة، تمتد يد الأسقف، لينزل على رأس الكاهن الجديد مواهب الروح القدس، كما وصلتنا من الرسل عبر الأجيال. بعدها ينطلق الكاهن الجديد، برفقة أخوة سبقوه في الرسالة، يشهدون بكل حماس، لإلهٍ أراد أن يقترب من البشر، يوم ابتعد عنه البشر, وظنوا أنهم بغنى عنه وعن رفقته. أراد خلاص البشر بموته وقيامته، في حين صمم البشر خلاصهم بسياستهم الهوجاء وبرامجهم الفاشلة وتسلطهم على بعضهم البعض.

 

لقد أُقيم الكهنة في الكنيسة ليعطوا الجماعة طعام كلمة الله بالكرازة والتعليم، ويعطوا نعمة الخلاص بتوزيع الأسرار المقدسة، وغرس المحبة بين الناس، وبناء الوحدة بين المؤمنين. فتكون لهم الحياة وبشكل أوفر. فالكاهن هو خادم كلمة الله الذي يقع عليه واجب إعلان إنجيل الله لجميع الناس، عملاً بأمر السيد المسيح "إذهبوا الى العالم كله، وأعلنوا الانجيل للخليقة كلها" (مر 16: 15). بإعلان كلمة الله يولَد الإيمان في قلب غير المؤمنين، وينمو في قلب المؤمنين لأن "الايمان من السماع، والسماع من كلمة الله" (روم 10: 17).

 

والكاهن هو خادم أسرار الخلاص والعبادة الإلهية والصلاة.

 

بالمعمودية يُدخل المؤمنين والمؤمنات في جماعة شعب الله، أعضاءً حية في الكنيسة؛ بسرِّ التوبة يُصالح الخطأة مع الله والكنيسة؛ بزيت المرضى يُخفّف من آلام المرضى ويقدِّسها؛ وباحتفاله بالقدّاس يُقدّم ذبيحة المسيح لخلاص العالم. ففي القربان يوجد كلّ خير الكنيسة الروحي؛ وبواسطة قربان المسيح، ومعه يقدّم المؤمنون أعمالهم وأتعابهم، وكل ذواتهم قرابين روحية لله.

 

والكاهن هو راعي شعب الله، يمارس وظيفة المسيح راعي الرعاة فيجمع عائلة الله بالاخوّة التي تنعشها الوحدة، ويقود أفرادها الى الآب بواسطة المسيح الرأس وبهدى الروح القدس وفعله.

 

أيها الأب وجدي، ولأنّ مهمتك أن تبني الجماعة المؤمنة، وجب عليك أن تُقيم مع الجميع، علاقات تتّسم بالطيبة والإخلاص للمسيح وتعليم الكنيسة والحياة المسيحية، وهذا ليس بالصعب عليك، فقد عرفناك منذ الإكليريكية بالهدوء والطيبة وحسن السلوك والعمل الجاد بدون كلل. حوّل الناس إلى الله وليس إلى شخصك. فأنت وجدت لخدمتهم وليسوا هم لخدمتك.

 

وفي مجتمع ممزق، وعالم تبرأت منه الثقة وروح العطاء، من واجب الكاهن أن يساعد المؤمنين على عيش الإنفتاح نحو الآخرين، بعيدًا عن الأنانية، والتزامًا بمقتضيات شريعة المحبة الجديدة، بحيث يخدمون الآخرين، بما قسم لهم الله من مواهب وعطايا، ويقومون بواجباتهم وسط الجماعة البشرية بروح مسيحية، ويولون الفقراء والمهجرين والضعفاء، اهتمامًا خاصًا، وقد اتّحد المسيح بهم، وجعلهم موضوع انجيله ومقياس الدينونة الأخيرة.

 

أيها الأب وجدي، تبقى الحياة الروحية هي الجهاز التنفسي لحياتك الكهنوتية ,وللقيام بكل هذه المسؤوليات والتحديات. ولا تنسى انك لست وحدك في ميدان العمل. هناك اخوتك الكهنة الابطال، الحاملون ثقل النهار وحرّ، وهناك راهبات الوردية العزيزات وغيرهن من الراهبات. كما هناك الكثير من الشبيبة والفعاليات المتحمسة للعمل معك. فلا خوف عليك من الوحدانية.

 

أيها الأخوة، احتفالنا اليوم برسامة أبونا وجدي يقودنا نحو يسوع الذي كان يسير في المدن والقرى بدون حجر ولا كمامات، ويدعونا لنلمس ما كان يشعر به تجاه الجموع والأشخاص: إنه شعور شفقة لرؤيتهم "تعبين رازحين كغنم لا راعي لها". تمامًا كالعديد من الأشخاص الذين نلتقي بهم اليوم: من شبان عاطلين عن العمل، أصحاب الشهادات الجامعية، إلى موظفين طردوا من عملهم بسبب كورونا. إلى أرباب عائلات ضاقت بهم الدنيا بسبب الحروب والهجرة والظلم.

 

يسوع عندما رأى الجموع تعبة وجائعة، ورازخة تحت ثقل المتطلبات اليومية الكثيرة، فاض قلبه عليهم حناناً وشفقةً. هكذا هو كاهن اليوم، وما يجب أن يكون عليه: على صورة الراعي الصالح، رجل الرحمة والشفقة، كريم وخادم للجميع، صبور، قريب من الشبيبة ومن كلُّ من جُرح في حياته، بأي شكل كان. تظهر هذه الرحمة عند الكاهن بشكل خاص خلال منحه سرّ المصالحة، ومن خلال تصرفاته، واستقباله، وإصغائه ونصائحه لتضميد الجراح. كثيرون تجرحهم المشاكل المادية، وكثيرون تجرحهم الفضائح والانقسامات داخل الكنيسة.

 

ماذا ستحمل لنا السنوات المقبلة؟

 

من المحتمل أن نمر بخبرات مؤلمة وأكثر إيلامًا. وبهذا الصدد يعود فكري إلى ما كانت تقتضيه شريعة موسى بالنسبة للبرص، إذ كان يتم إبعادهم كي لا يُعدوا  الآخرين. وحكم علينا بالتباعد، وحكم علينا بإغلاق الكنائس، وحكم علينا ألا ندعو الكثيرين لحضور هذه الرسامة، وحرمنا من قبول الأسرار المقدسة. وحرمنا الأهل والأقارب والمحبين من الإشتراكم في القداس الأول للكاهن الجديد.

 

أيها الأخوة الكهنة، أرجو أن لا نكون قد فقدنا معنى الدموع! نبكي وتدمع أعيننا، عندما يموت ابن الرعية بسبب الكورونا ويدفن دون أن نرفع يدنا على رأسه، لإعطائه المسحة الأخيرة والحلة من خطاياه وتلاوة صلاة الوداع مع أهل الفقيد.

 

أيها الكاهن الجديد، أبونا وجدي، أهنئك  بكهنوتك، أهنئ الوالدة العزيزة وإخوتك وأقاربك والمحبين الكثار الملتفين حولك. أهنىء الأردن بأبنائه الكهنة، الباذلين أنفسهم للخدمة والعطاء، طالبين إلى الله أن يحفظ هذا البلد العزيز، قادةً وحكومةً وشعبًا، ويبعد عنا الكورونا والخوف منها. أهنىء البطريركية اللاتينية وكل القائمين عليها، كما أهنىء الإكليريكية وإدارتها التي تعبت عليك وأهلّتك لهذه اللحظة.

 

ألف مبروك، والله يحميك.