موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢ أغسطس / آب ٢٠٢٥
البابوات والشبيبة والفرح الحقيقي الذي هو اللقاء مع الرب يسوع
تزامنا مع إحياء أمسية الصلاة في تورفرغاتا بحضور البابا لاون الرابع عشر والتي تشكل ذروة يوبيل الشبيبة نستعرض بعض التأملات الصادرة عن الأحبار الأعظمين السابقين والتي تسلط الضوء على الفرح، هذا الفرح الأصيل، لا الفرح العابر، الذي يُعاش بملئه لأنه مرتبط بشخص، ألا وهو الرب يسوع المسيح.

فاتيكان نيوز :

 

تعيش روما في هذه الأيام أجواءً من الاحتفالات والبهجة لمناسبة يوبيل الشبيبة الذي يشارك فيه عشرات آلاف الشبان والشابات القادمين من أنحاء العالم كافة. وهذه الأجواء لم تقتصر على الفاتيكان والأحياء المحيطة به بل تشمل المدينة الخالدة برمتها، لاسيما منطقة تورفرغاتا التي تستضيف مساء السبت أمسية الصلاة واللقاء بين الشبان والبابا لاون الرابع عشر.

 

شبان وشابات قدموا من أكثر من مائة وأربعين بلدًا حول العالم عاشوا أجواء الاحتفالات وصلوا أيضًا مطلقين صرخة تطالب بإحلال السلام في العالم، لاسيما إزاء سيناريوهات الحرب والمواجهة التي نشهدها في العديد من الدول والمناطق. ومما لا شك فيه أن البهجة التي يعيشها هؤلاء هي معدية، إنهم شبيبة البابا، وهم أيضًا بمثابة بركة للعالم كله وليس لمدينة روما وحسب. إنهم شبان وشابات ينتمون إلى ثقافات وجنسيات مختلفة، يتكلمون بلغات عدة، رفعوا أعلام بلدانهم، يعيشون الرجاء نفسه ويوحدهم اسم واحد وهو اسم يسوع.

 

هذا الفرح الحقيقي والأصيل الذي يعيشه الشبان اليوم شكل محورًا لتأملات وخطابات وتعاليم البابوات السابقين. فخلال استقباله وفدًا من الشبان والشابات القادمين من بيرو، في 28 تموز الماضي، تمنى البابا لاون الرابع عشر ألا يبقى الاحتفال بيوبيل الشبيبة مجرد ذكرى، كمن يحتفظ بصورة فوتوغرافية جميلة، أو كشيء من الماضي وحسب، آملا أن يتمكن الشبان المشاركون في هذا الحدث وبعد عودتهم إلى بلادهم من أن يملئوا أرضهم بالفرح وبقوة الإنجيل.

 

وقال إن المشاركين سيختبرون الشعور بأنهم جزء من شعب الله، وجزء من الكنيسة الجامعة، التي تعانق الأرض برمتها، دون أي تمييز عرقي أو لغوي أو قومي، إنها تمتد كشجرة الخردل وتنمو كالخميرة في العجين. وأضاف لاون الرابع عشر أنه يود من الشبان والشابات الحاضرين في روما أن يحتفظوا في قلبهم بكل ما عاشوه خلال هذا الأسبوع، لكن لا بد أن يتقاسموا خبرتهم هذه مع الآخرين.

مما لا شك فيه أن العالم –لاسيما المجتمعات المتقدمة تكنولوجيًا– مفعم بالأنوار التي تجذب الإنسان إليها وتجعله يختبر حالة من السعادة الزائفة، التي هي عبارة عن إرضاء للذات بشكل عابر. بيد أن سر الفرح الحقيقي له اسم واحد، ألا وهو الرب يسوع المسيح، وهذا ما شدّد عليه البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالته إلى مدينة روما والعالم في الخامس والعشرين من كانون الأول 1959.

 

قال البابا رونكالي آنذاك: لقد وُلد لنا مخلص، إنه الرب يسوع المسيح. وفي ذلك يكمن سر السعادة الحقيقية، التي لا يمكن أن يجدها الإنسان في ضوضاء هذا العالم وفي الأمور الدنيوية. إنها سعادة لا يقضي عليها أي شيء، بما في ذلك الضيقات، إنه فرح أن ندرك أننا مخلصون، وبأن يسوع هو أخونا، إنه طيب ويحبنا، وقد جعلنا مشاركين في طبيعته الإلهية، ورفعنا إلى الشركة مع حياة الله.

كثيرون هم الأشخاص الذين يسعون اليوم إلى إيجاد السعادة في الملذات الدنيوية، لكن الفرح الحقيقي ليس فرحًا سطحيًا، لأنه يغمر قلب الإنسان وهو ثمرة للروح القدس. البابا يوحنا بولس الثاني، وفي مقابلته العامة مع المؤمنين في 19 حزيران 1991، وبعد أن توقف عند رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي أكد أن الإنجيل هو دعوة إلى الفرح، وهو اختبار للفرح العميق.

 

وأضاف في تلك المناسبة: إن المسيحي وإذا أحزن الروح القدس، لا يستطيع أن يأمل في امتلاك الفرح الحقيقي الذي يتأتى من الروح، مذكرا بأن ثمرة الروح القدس هي المحبة والفرح والسلام، كما يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية. وقال يوحنا بولس الثاني إن الروح القدس وحده يمنح الفرح العميق والتام والدائم، والذي يطمح إليه قلب كل إنسان، مضيفا أن سلفه البابا بولس السادس شاء من خلال الإرشاد الرسولي "افرحوا بالرب" أن يذكّر المسيحيين ورجال ونساء زماننا بأن الفرح الحقيقي هو عطية من الروح القدس.

أما البابا بندكتس السادس عشر فأكد من جانبه أن هبة الفرح الحقيقي لا تقتصر على قلة من الأشخاص، لأنها جاءت بمثابة إعلان نبوي موجه نحو البشرية برمتها. ولفت البابا راتزنغر في كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي في السابع عشر من كانون الأول 2006 إلى أن ثمة أشخاصًا كثيرين يفتقرون إلى الفرح الحقيقي والأصيل، لكنهم يستطيعون أن يجدوه من خلال التجدد الداخلي. وقال إنه يفكر بمن فقدوا معنى الفرح الأصيل، ويبحثون عنه حيث لا يمكن أن يجدوه، مذكرا بأن الدعوة إلى الفرح ليست بمثابة علاج تخفيفي عقيم، بل هي نبوة مرتبطة بالخلاص، وهي دعوة إلى التجدد من الداخل.

 

من جانبه أكد البابا فرنسيس أن الرسالة المسيحية هي إعلانٌ لفرح عظيم، هذا الفرح المتصل بشخص يسوع الذي هو الفرح الحقيقي، مشددًا على ضرورة أن يكون الفرح الصفة التي تميّز نمط حياة كل مسيحي ودعا المؤمنين إلى إعلان المسيح على الآخرين بفرح لأنه بغياب الفرح لا نستطيع أن نحمل هذه البشرى للآخرين.