موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
البابا: يسوع المسيح القائم من بين الأموات هو الينبوع الحي لرجاء الإنسان

أبونا :

 

في مقابلته العامة مع المؤمنين، اليوم الأربعاء 15 تشرين الأول 2025، تكلم قداسة البابا لاون الرابع عشر عن يسوع المسيح القائم من بين الأموات، الينبوع الحي لرجاء الإنسان، وذلك في إطار تعليمه في موضوع "يسوع المسيح هو رجاؤنا".

 

وقال: أنار الرب يسوع بقيامته من بين الأموات واقع الإنسان وتاريخه. فحياتنا، بالرغم من غناها بالخبرات والمشاعر المتناقضة، تكشف رغبة دائمة في أن نكون كاملين وسعداء. هذه الرغبة العميقة في قلوبنا لا تجد جوابها الأخير في السلطة أو الامتلاك، بل في الرجاء الذي يعطينا إياه المسيح القائم من بين الأموات. فهو الينبوع الحي الذي لا يجف ولا ينضب، بل يبقى دائمًا نقيًا، ويروي عطشنا، ويملأ قلوبنا بالسلام، ويجيب على أعمق تساؤلاتنا حول معنى حياتنا وألم الأبرياء. وهو لا ينزل علينا حلولًا من علُ، بل يسير معنا في ضعفنا وسقطاتنا، وينهضنا ويقودنا نحو البيت الأبدي، حيث ينتظرنا ويريد أن يخلصنا. من قيامة المسيح من بين الأموات ينبع الرجاء الذي يجعلنا نتذوق، منذ الآن، وبالرغم من صعاب الحياة، سلامًا وفرحًا.

 

 

وفيما يلي النص الكامل للتعليم:

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

في دروس التّعليم المسيحيّ في سنة اليوبيل، تتبّعنا حتّى الآن حياة يسوع المسيح مع الأناجيل، من الميلاد إلى الموت والقيامة من بين الأموات. وبذلك، وجد حجّنا في الرّجاء أساسه الثّابت وطريقه الآمن. الآن، وفي القسم الأخير من هذه المسيرة، سنترك سرّ المسيح الذي بلغ ذروته في قيامته من بين الأموات، يبعث نوره الخلاصيّ ليمَسَّ واقعنا الإنسانيّ والتّاريخيّ الحاليّ، بأسئلته وتحدّياته.

 

حياتنا حافلة بأحداث لا تُحصى، ومليئة بالتفاصيل الدّقيقة والخبرات المتنوّعة. نشعر أحيانًا بالفرح، أو الحزن، أو الاطمئنان، أو التّوتّر، أو الرّضا، أو الإحباط. نعيش حياةً حافلةً بالانشغالات، ونركّز على تحقيق النّتائج، حتّى أنّنا نصل إلى تحقيق أهدافٍ عاليّة سامية. في المقابل، نبقى أحيانًا عالقين، ومتردّدين، وننتظر نجاحاتٍ وتقديراتٍ تصل متأخّرة أو لا تصل أبدًا. باختصار، نجد أنفسنا في موقفٍ متناقض: نتمنّى أن نكون سعداء، لكن من الصّعب جدًّا أن نحقّق ذلك دائمًا وبدون أيّ عوائق. وإذا حاسبنا أنفسنا مع حدودنا، وجدنا في أنفسنا، في الوقت نفسه، شعورًا برغبةٍ لا تُقاوَم في أن نتغلّب عليها. وشعرنا مع ذلك في أعماقنا أنّ شيئًا ما زال ينقصنا.

 

في الحقيقة، لم نُخلَق من أجل النّقص، بل من أجل الامتلاء، ومن أجل أن نفرح بالحياة وبالحياة الوافرة، بحسب كلام يسوع في إنجيل يوحنّا (راجع 10، 10).

 

هذه الرّغبة العميقة في قلوبنا لا تجد جوابها الأخير في أدوار الحياة التي نعيشها، ولا في السّلطة أو الامتلاك، بل في اليقين بأنّ هناك من يضمن هذا الاندفاع السّامي في إنسانيتنا، وفي الوعي بأنّ هذا الانتظار لن يُخيَّب ولن يكون بلا جدوى. وهذا اليقين هو الرّجاء. وهذا لا يعني أن نفكّر بأسلوب متفائل، لأنّ التّفاؤل يُخيِّب مرارًا آمالنا ويجعلها تنهار، بينما الرّجاء يَعِدُ ويفي.

 

أيّها الإخوة والأخوات، يسوع القائم من بين الأموات هو ضمان الوصول إلى المرسى! هو الينبوع الذي يروي عطشنا، عطشنا اللامتناهي إلى الامتلاء الذي يفيضه الرّوح القدس في قلوبنا. في الواقع، قيامة المسيح من بين الأموات ليست مجرّد حدث من أحداث التّاريخ البشري، بل هي الحدث الذي غيّره من الدّاخل.

 

لنتأمل في نبع ماء: ما هي ميزاته؟ إنّه يروي ويُنعش الخليقة، ويسقي الأرض والنّبات، فيجعلها خصبة وتنبض بالحياة بعد أن كانت جافّة. ويمنح المسافر المتعب راحة، فيقدّم له فرح واحة من النّضارة. فالنّبع يبدو مثل عطيّة مجانيّة للطبيعة والخليقة والبشر. فبدون الماء لا حياة.

 

الرّبّ القائم من بين الأموات هو الينبوع الحيّ الذي لا يجفّ ولا يتغيّر، بل يبقى دائمًا نقيًّا ومتوفرًا لكلّ من يعطش. وكلّما ذقنا سرّ الله، ازددنا انجذابًا إليه، بدون أن نشبع الشِّبَعَ الكامل. القدّيس أغسطينس، في كتابه العاشر من الاعترافات، عبّر عن هذا التَّوق الذي لا ينفد في قلب الإنسان، فقال في نشيد الجمال المعروف: "سكبت عطرك فتنشقته واشتقت إليك، ذُقتُ فاشتعلتُ جوعًا وعطشًا، لمستني فاضطرمتُ شوقًا إلى سلامك" (10، 27، 38).

 

ضمن لنا يسوع، بقيامته من بين الأموات، ينبوع حياة لا ينضب: فهو الحيّ (راجع رؤيّا 1، 18)، ومحبّ الحياة، والمنتصر على كلّ موت. ولهذا، فهو قادر أن يمنحنا الرّاحة في مسيرتنا الأرضيّة، ويضمن لنا سلامًا كاملًا في الأبديّة. يسوع وحده الذي مات وقام من بين الأموات يجيب على أعمق أسئلة قلوبنا: هل هناك حقًّا غاية نبلغها؟ هل من معنى لحياتنا؟ وكيف يمكن فداء ألم الأبرياء الكثيرين؟

 

يسوع القائم من بين الأموات لا يُنزِل علينا جوابًا من ”فوق“، بل يصير رفيقنا في هذه الرّحلة الشّاقة والمؤلمة والغامضة. هو وحده يستطيع أن يملأ قِرْبتنا الفارغة عندما يصير عطشنا لا يُحتمل.

 

وهو أيضًا غاية مسيرتنا. فبدون محبّته، تصير رحلة حياتنا تائهة بلا قصد، وخطأً ومأساة بلا وصول. نحن خليقة ضعيفة. والخطأ جزء من إنسانيتنا، وهو جرح الخطيئة الذي يجعلنا نسقط، أو نستسلم أو نيأس. أمّا يسوع القائم من بين الأموات فيعني أن نقوم من جديد ونقف على قدمينا. الرّبّ القائم من بين الأموات يضمن الوصول إلى المرسى، ويقودنا إلى البيت، حيث ينتظرنا ويحبّنا ويريد أن يخلّصنا. والسّير معه يعني أن نختبر أنّه يسندنا، بالرّغم من كلّ شيء، ويروينا ويثبّتنا في المِحَن والمصاعب التي تشبه الأحجار الثّقيلة التي تهدّد بعرقلة مسيرتنا أو انحرافها.

 

أيّها الأعزّاء، من قيامة المسيح من بين الأموات ينبع الرّجاء الذي يجعلنا نتذوّق منذ الآن، بالرّغم من صعاب الحياة، سلامًا عميقًا ومليئًا بالفرح: ذلك السّلام الذي هو المسيح وحده قادر أن يعطينا إيّاه في النّهاية، وبلا نهاية.