موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بمناسبة عيد المسيح الملك واليوم العالمي التاسع والثلاثين للشباب الذي يُحتفل به على صعيد أبرشي تحت عنوان "الذين يرجون بالرب يسيرون بلا كلل"، ترأس البابا فرنسيس صباح الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
وقبل ختام القداس، سلم الشباب البرتغاليون رموز اليوم العالمي للشباب (الصليب وأيقونة العذراء مريم خلاص الشعب الروماني) إلى الشباب الكوريين، حيث يستعدون لاستضافة اليوم العالمي للشباب في العاصمة الكورية الجنوبيّة سيول في العام 2027.
وخلال القداس، ألقى البابا عظة قال فيها: في نهاية السنة الليتورجية، تحتفل الكنيسة بعيد ربنا يسوع المسيح ملك الكون. وتدعونا لكي ننظر إليه هو الرب، أصل كل شيء ومكمله، والذي "لا يزول ملكوته أبدًا". إنه تأمّل يرفع ويحمِّس. ولكن، إذا نظرنا بعد ذلك إلى ما حولنا، يبدو لنا ما نراه مختلفًا، وقد تثور في داخلنا أسئلة مقلقة. ماذا عن الحروب والعنف والكوارث البيئية؟ وماذا عن المشاكل التي عليكم أنتم أيضًا، أعزائي الشباب، أن تواجهوها فيما تتطلعون إلى المستقبل: انعدام الأمن الوظيفي والشكوك الاقتصادية، بالإضافة إلى الانقسامات وعدم المساواة، جميع هذه الأمور التي تستقطب المجتمع!
تساءل: لماذا يحدث كل هذا؟ وماذا يمكننا أن نفعل لتجنب الوقوع في براثنها؟ إنها أسئلة صعبة ولكنها مهمة. لهذا السبب، وبينما نحتفل اليوم باليوم العالمي للشباب في جميع الكنائس، أود أن أقترح عليكم أنتم الشباب بشكل خاص، في ضوء كلمة الله، أن نتأمل في ثلاثة جوانب يمكنها أن تساعدنا على المضي قدمًا بشجاعة في مسيرتنا عبر التحديات التي تواجهنا. وهي: الاتهامات، الإجماع والحقيقة.
أضاف: يقدّم لنا إنجيل اليوم يسوع في مكان المتهم. هو -كما يقولون- "على المنصة"، في المحكمة. يستجوبه بيلاطس، ممثل الإمبراطورية الرومانية، الذي يمكننا أن نرى فيه جميع القوى التي تضطهد الشعوب بقوة السلاح في التاريخ. إنّ بيلاطس لا يهتمُّ بيسوع. لكنه يعرف أن الناس يتبعونه، ويعتبرون أنه مرشد ومعلم والمسيح، ولا يمكن للوالي أن يسمح لأحد أن يخلق الفوضى والاضطراب في "السلام العسكري" في منطقته. لذلك فهو يرضي أعداء هذا النبي الأعزل الأقوياء: فيقدمه للمحاكمة ويهدده بالحكم عليه بالموت. وهو، الذي لم يبشر إلا بالعدالة والرحمة والمغفرة، لا يخاف، ولا يسمح بأن يتعرّض للترهيب ولا يتمرد حتى، بل يبقى أمينًا للحق الذي أعلنه وصولاً إلى التضحية بحياته.
تابع: أيها الشباب الأعزاء، ربما قد يحدث لكم في بعض الأحيان أن تتعرّضوا أنتم أيضًا للاتهام لأنكم تتبعون يسوع. في المدرسة، بين الأصدقاء، في البيئات التي تترددون عليها، قد يكون هناك من يريد أن يجعلكم تشعرون بأنكم مخطئون لأنكم أمناء للإنجيل وقيمه، لأنكم لا تتوافقون ولا تنحنون لكي تفعلوا مثل الجميع. ولكن، لا تخافوا من "الأحكام"، ولا تقلقوا: فعاجلاً أم آجلاً تسقط الانتقادات والاتهامات الباطلة وتظهر القيم السطحية التي تدعمها لما هي عليه، أوهام. وما يبقى، كما يعلمنا المسيح، هو شيء آخر: إنها أعمال المحبة. هذا هو ما يبقى وما يجعل الحياة جميلة! أما الباقي فلا يهمُّ. لذلك، أكرر لكم: لا تخافوا من "أحكام" العالم. استمروا في المحبة!
أضاف: يقول يسوع: "ليست مملكتي من هذا العالم". ماذا يعني ذلك؟ لماذا لا يفعل شيئًا لكي يضمن نجاحه ويتملق الأقوياء ويكسب التأييد لبرنامجه؟ كيف يمكنه أن يعتقد أنه يستطيع تغيير الأمور إذا كان "مهزومًا"؟ في الواقع، يتصرف يسوع هكذا لأنه يرفض أي منطق للسلطة. إنه متحرر من كل هذا! وأنتم أيضًا ستُحسنون صنعًا إن اقتديتم به، ولم تسمحوا بأن تعديكم النزعة -المنتشرة اليوم- في أن تكونوا مرئيين ومحل استحسان وثناء. إن الذين يسمحون لهذه الهواجس بأن تسيطر عليهم ينتهي بهم الأمر بالعيش في حالة ركود. وينحصرون في "التهافت" والمنافسة والتظاهر والتنازلات وبيع مُثُلهم العليا من أجل الحصول على القليل من الاستحسان والظهور. لكن الله يحبكم كما أنتم، وأحلامكم النقية أمامه تساوي أكثر من النجاح والشهرة، وصدق نواياكم أكثر من الاجماع. لا تسمحوا بأن يخدعكم الذين يغرونكم بوعود واهية، وهم في الواقع لا يريدون سوى استغلالكم وتكييفكم واستعمالكم لمصالحهم الخاصة.
تابع: لا تكتفوا في أن تكونوا "نجومًا ليوم واحد"، على وسائل التواصل الاجتماعي أو في أي سياق آخر! إن السماء التي أنتم مدعوون لكي تسطعوا فيها هي أعظم: إنها سماء الله التي تنعكس فيها محبة الآب اللامتناهية في أنوارنا الصغيرة التي لا تُحصى: في عاطفة الأزواج المخلصة، في فرح الأطفال البريء، في حماس الشباب، في رعاية المسنين، في سخاء المكرسين، في المحبة تجاه الفقراء، وفي الصدق في العمل. هذه هي السماء الحقيقية التي يجب أن تسطعوا فيها كالنجوم في العالم: لا تسمعوا للذين إذ يكذبون ويقولون لكم عكس ذلك! ليس الإجماع هو الذي سيخلّص العالم، ولن يجعلكم سعداء، وإنما مجانيّة المحبّة.
وقال: لقد جاء المسيح إلى العالم "لكي يشهد للحق"، وقد فعل ذلك عندما علمنا أن نحب الله والإخوة. هناك فقط، في الحب، تجد حياتنا النور والمعنى. وإلا فسنبقى أسرى كذبة كبيرة: كذبة الـ "أنا" الذي يكفي لذاته، أصل كل ظلم وتعاسة. إنّ المسيح، الذي هو الطريق والحق والحياة، بتجرّده من كل شيء وموته عريانًا على الصليب من أجل خلاصنا، يعلمنا أنه في المحبة فقط يمكننا نحن أيضًا أن نحيا وننمو ونزدهر في كرامتنا الكاملة. وإلا وكما كتب الطوباوي بيير جورجيو فراساتي -وهو شاب مثلكم- إلى أحد أصدقائه: "لا نعيش حقًا، بل نكتفي بالعيش على هامش الحياة". نحن نريد أن نعيش، لا أن نكتفي بالعيش على هامش الحياة، ولذلك نحن نسعى جاهدين لكي نشهد للحق بالمحبة، من خلال محبتنا لبعضنا البعض كما أحبنا يسوع.
أضاف: أيها الإخوة والأخوات، ليس صحيحًا، كما يظن البعض، أن أحداث العالم قد "أفلتت" من يد الله. ليس صحيحًا أن التاريخ يصنعه العنيفين والمتسلطين. إنّ الكثير من الشرور التي تصيبنا هي من عمل الإنسان وخداع من الشرير، ولكن كل شيء يخضع في النهاية لدينونة المسيح، الملك العادل والرحيم. هو يتركنا أحرارًا، لكنه لا يتركنا وحدنا: وعلى الرغم من أنّه يحذّرنا وينبّهنا عندما نسقط، هو لا يتوقف أبدًا عن محبتنا، وإذا أردنا، عن أن ينهضنا، لكي نتمكّن من أن نستأنف المسيرة بفرح.
وقال: في نهاية هذا الاحتفال الإفخارستي، سيسلّم الشباب البرتغاليون رموز اليوم العالمي للشباب إلى الشباب الكوريين: الصليب وأيقونة مريم العذراء. هذه أيضًا هي علامة: دعوة لنا جميعًا لكي نعيش ونحمل الإنجيل إلى جميع أنحاء الأرض بدون أن نتوقف وبدون أن نُحبَط، فننهض بعد كل سقطة ولا نتوقف أبدًا عن الرجاء، كما تقول رسالة هذا اليوم: "الذين يرجون بالرب يسيرون بلا كلل".
وخلص البابا في عظته إلى القول: لنبقِ أعيننا مثبَّتة على يسوع وعلى صليبه وعلى مريم أمنا: هكذا، حتى في الصعوبات، سنجد القوة لكي نمضي قدمًا، بدون خوف من الاتهامات، بدون حاجة إلى الاجماع، بكرامتنا الخاصة، وبالضمانة بأننا مُخلَّصون وبأن العذراء مريم أمنا ترافقنا، بدون أن نقدّم تنازلات، وبدون تجميل روحي. إنَّ كرامتكم لا تحتاج إلى التجميل. سيروا قدمًا، فرحين في أن تكونوا للجميع، وأن تكونوا في المحبة، وأن تكونوا شهودًا للحق. وأرجوكم لا تفقدوا الفرح.
وفي ختام الذبيحة الإلهية، وقبل تسليم رموز اليوم العالمي إلى الشباب الكوريين، حيّا البابا فرنسيس الشباب. وقال: أود أن أحييكم جميعًا، أنتم الشباب الحاضرين هنا، والشباب من جميع أنحاء العالم، ولاسيما الوفد القادم من البرتغال، حيث أقيم اليوم العالمي للشباب في العام الماضي، ووفد كوريا الجنوبية، الذي سينظم اليوم العالمي للشباب القادم في سيول في عام 2027. قريبًا سيسلّم الشباب البرتغاليون رموز اليوم العالمي للشباب -الصليب وأيقونة العذراء مريم- إلى الشباب الكوريين.
تابع: لقد أوكل القديس يوحنا بولس الثاني إلى الشباب هذه الرموز لكي يحملوها إلى جميع أنحاء العالم. وأنتم أيها الشباب الكوريون الأعزاء، حان دوركم الآن! بحملكم للصليب في آسيا أنتم ستعلنون محبة المسيح للجميع. تحلوا بالشجاعة! تحلوا بالشجاعة لكي تشهدوا للرجاء الذي نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى. هناك، حيث ستمر هذه الرموز، لينمو اليقين بمحبة الله التي لا تُقهر والأخوّة بين الشعوب. ولجميع الشباب ضحايا النزاعات والحروب، ليكن صليب الرب وأيقونة العذراء مريم الكلية القداسة عضدًا وتعزية لهم.