موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
البابا لاون في لقائه العام مع المؤمنين: قيامة المسيح تشفي أحد أمراض زمننا الحزن

أبونا :

 

في مقابلته العامة مع المؤمنين، في ساحة القديس بطرس، تكلم قداسة البابا لاون الرابع عشر، الأربعاء 22 تشرين الأول 2025، عن قيامة المسيح من بين الأموات، كجواب على حزن الإنسان، وذلك في إطار تعليمه في موضوع "يسوع المسيح هو رجاؤنا".

 

وقال: حزن الإنسان يظهر في حادثة تلميذي عمواس، اللذين غادرا أورشليم وهما محبطان وكئيبان بعد صلب يسوع وموته ودفنه. لكن يسوع انضم إليهما فجأة في الطريق دون أن يعرفاه في البداية، وأصغى إليهما، ثم بيّن لهما من خلال الكتب المقدسة كيف كان يجب على المسيح أن يتألم ويموت ويقوم من بين الأموات. فاشتعلت حرارة الرجاء من جديد في قلب التلميذين، وطلبا منه أن يمكث معهما. ولما جلس معهما للطعام، عرفاه عندما بارك الخبز وكسره، فانفتحت أعينهما. إذ ذاك تحول حزنهما إلى فرح، وعاد اليقين إلى حياتهما، فرجعا إلى أورشليم ليخبرا الآخرين بأن الرب قام حقا. إن قيامة المسيح من بين الأموات تشفي حزننا، وتعيد إلينا الرجاء، وتجعلنا قادرين على أن نرى النور بالرغم من الظلام، وتمنحنا القوة أمام صعاب الحياة.

 

 

وفيما يلي النص الكامل للتعليم:

 

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير وأهلًا وسهلًا بكم!

 

قيامة يسوع المسيح من بين الأموات هي حدثٌ لا نتوقّف أبدًا عن التّأمّل فيه. فكلّما تعمّقنا في فهمه أكثر، ازددنا اندهاشًا، وانْجَذبنا إليه مثل انجذابنا إلى نورٍ لا يُطاق سطوعُه، ومع ذلك يدهشنا. وهي انفجار الحياة والفرح الذي غيّر معنى كلّ الواقع، من سلبيّ إلى إيجابي. ومع ذلك، لم تحدث قيامة يسوع المسيح من بين الأموات بأسلوب جليّ، ولا حتّى بأسلوب عنيف، بل بوداعة، وخفاء، يمكن القول بتواضع عجيب.

 

نتأمّل اليوم في كيف يمكن لقيامة السّيّد المسيح أن تشفي أحد أمراض زمننا: الحزن. فالحزن متفشٍّ ومتغلغل، يرافق أيام أناس كثيرين. إنّه شعور بعدم الاستقرار، وأحيانًا باليأس العميق الذي يغزو داخل الإنسان ويبدو كأنّه يتغلَّب على كلّ اندفاع نحو الفرح.

 

الحزن يسلب معنى الحياة وحيويّتها، فتصير أشبه برحلة بلا وجهة ولا معنى. هذا الواقع المعاصر يعيدنا إلى القصة المعروفة في إنجيل لوقا (24، 13-29) عن تلميذَي عِموَاس. فهذان التّلميذان، المحبطان والكئيبان، غادرا أورشليم وتركا خلفهما الآمال التي وضعاها في يسوع، الذي صُلِب ودُفِن. هذا الحدث، في بدايته، يُبيِّن نموذجًا من حزن الإنسان: نهاية الهدف الذي بُذلت فيه طاقات كثيرة، وانهيار ما كان يبدو جوهر الحياة. لقد تلاشى الرّجاء، واستولت الكآبة على القلب. وانهار كلّ شيء في وقت قصير جدًّا، بين يومي الجمعة والسّبت، في تسلسل مأساوي من الأحداث.

 

المفارقة هنا بليغة حقًّا: هذه الرّحلة الحزينة، رحلة الهزيمة والعودة إلى الحياة العاديّة، تمّت في اليوم نفسه الذي تحقّق فيه انتصار النّور، يوم الفصح الذي اكتمل تمامًا. لقد أدار التّلميذان ظهريهما إلى الجلجلة، إلى مشهد الصّليب الرّهيب الذي كان لا يزال مطبوعًا في أعينهما وقلبيهما. فبدا لهما أنّ كلّ شيء ضاع. ويجب عليهما أن يعودا إلى الحياة الأولى، بخطوات متواضعة، ويأملان ألّا يعرفهما أحدٌ.

 

وفجأة، انضم مسافر إلى التّلميذين، ربما كان أحد الحجّاج الذين كانوا في أورشليم للاحتفال بالفصح. إنّه يسوع القائم من بين الأموات، لكنّهما لم يعرفاه. فالحزن غَشَى نظرَهما، ومَحَا من ذاكرتهما الوعد الذي كرّره المعلِّم مرارًا: أنّه سيُقتل وفي اليوم الثّالث سيقوم. اقترب الغريب وأظهر اهتمامًا بما كانا يتكلّمان. ويقول النّص إنّهما "وَقفا مُكتَئِبَين" (لوقا 24، 17). الصّفة اليونانيّة المستخدمة تصف حزنًا شاملًا: فملامح وجهيهما تعبِّر عن شلل في النّفس.

 

أصغى يسوع إليهما، وتركهما يعبّران عن إحباطهما. ثمَّ وبّخهما بصراحة كبيرة لأنّهما كانا "قَليلَيْ الفَهم وبطيئَيْ القَلْبِ عنِ الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء" (الآية 25)، وبيَّن لهما من خلال الكتب المقدّسة أنّ المسيح كان يجب عليه أن يتألّم ويموت ويقوم من بين الأموات. فاشتعلت حرارة الرّجاء من جديد في قلب التّلميذَين، وعندما حلّ المساء ووصلَا إلى وِجهتهمَا، دَعَيا رفيق طريقهما الغريب ليبقى معهما.

 

قَبِلَ يسوع دعوتهما وجلس معهما على المائدة. ثمّ أخذ الخبز وكسره وقدّمه لهما. في هذه اللحظة عرفه التّلميذَان... لكنّه غاب مباشرة عن نظرهما (الآيات 30-31). فتحت علامة كَسر الخبز أعين قلبيهما من جديد، وأنارت من جديد رؤيتهما التي ظلَّلها اليأس. إذّاك اتّضح كلّ شيء: المسيرة المشتركة، والكلمة الحنونة والقويّة، ونور الحقيقة... اشتعل الفرح من جديد مباشرة، وتدفّقت الطّاقة من جديد في الأعضاء المُنهكة، وعادت الذّاكرة لِتَشكُر. فرَجِع الاثنان بسرعة إلى أورشليم ليخبرا الآخرين بكلّ ما حدث.

 

الرّبّ قام حقًّا“ (راجع الآية 34). في هذا الوصف، تحقّقت ”حقًّا“ قمّة تاريخنا البشريّ. وليس من قبيل الصّدفة أن تكون هذه هي التّحيّة التي يتبادلها المسيحيّون في يوم عيد الفصح. لم يقم يسوع من بين الأموات بالكلام، بل بالأعمال، بجسده الذي ما زال يحمل علامات الآلام، التي هي الختم الدّائم لمحبّته لنا. فانتصار الحياة ليس كلامًا فارغًا، بل هو حقيقة وواقع ملموس.

 

ليَكُن فرح تلميذَي عِمْوَاس غير المُنتظر تنبيهًا عذبًا لنا عندما تصير مسيرتنا صعبة. يسوع المسيح القائم من بين الأموات هو الذي يغيّر نظرتنا جذريًّا، ويزرع فينا الرّجاء الذي يملأ فراغ حزننا. في طرق قلبنا، الرّبّ القائم من بين الأموات يسير معنا ومن أجلنا. ويشهد على هزيمة الموت ويؤكّد انتصار الحياة، على الرّغم من ظلمات الجلجلة. فالتّاريخ لا يزال يحمل في طياته الرّجاء الكثير.

 

أن نعترف بقيامة الرّبّ من بين الأموات يعني أن نغيّر نظرنا إلى العالم: أن نعود إلى النّور لندرك الحقيقة التي خلّصتنا وما زالت تُخلّصنا. أيّها الإخوة والأخوات، لنبقَ يقظين كلّ يوم في دهشة فصح يسوع القائم من بين الأموات. فهو وحده يجعل المستحيل ممكنًا!