موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لمناسبة عيد ارتداد القديس بولس الرسول، وفي اختتام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، ترأس قداسة البابا فرنسيس، مساء السبت 25 كانون الثاني 2025، صلاة الغروب الثانيّة، وذلك في بازيليك القديس بولس خارج أسوار روما القديمة.
وفي كلمته خلال الصلاة، أشار البابا فرنسيس إلى أنّ العناية الإلهيّة شاءت أن يتزامن الاحتفال بعيد الفصح هذا العام في اليوم عينه بحسب التقويمين الغربي والشرقي. وفي هذا السياق، شدّد على ضرورة أن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيين لاتخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد الفصح، مؤكدًا بأنّ الكنيسة الكاثوليكيّة على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع: تاريخ للوحدة.
في كلمته، تأمل البابا في الرواية الإنجيليّة حول لقاء يسوع مع مرتا بعد وفاة شقيقها لعازر.
وقال: يبدو أن كل أمل قد ضاع، لدرجة أن كلمات مرتا الأولى تعبّر عن ألمها مع الندم لأن يسوع تأخر في الوصول: "يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي". ولكن في الوقت عينه، يشعل وصول يسوع في قلب مرتا نور الرجاء ويقودها إلى إعلان إيمان: "ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه". ويسوع في الواقع يعلن لها القيامة من الموت ليس فقط كحدث سيتمُّ في نهاية الأزمنة، بل كشيء يحدث في الحاضر، لأنه هو نفسه القيامة والحياة. ومن ثم يوجه إليها سؤالًا: "أَتُؤمِنينَ بِهذا؟".
وتمّ تقديم هذا المقطع الإنجيلي كموضوع لأسبوع الصلاة لهذا العام. ولفت إلى أنّ اللقاء الحنون بين يسوع ومرتا، يعلمنا أنه حتى في لحظات الحزن العميق، فإنّنا لسنا وحدنا، ويمكننا أن نستمرّ في الرجاء. لأنّ يسوع يمنح الحياة، حتى عندما يبدو أن كل رجاء قد تلاشى.
وأضاف: بعد خسارة مؤلمة، مرض، خيبة أمل مريرة، خيانة تعرضنا لها، أو خبرات صعبة، قد يتزعزع الرجاء؛ ولكن إذا كان كل واحد قد عاش لحظات من اليأس أو التقى بأشخاص فقدوا الرجاء، فإن الإنجيل يقول لنا إنّه مع يسوع، يولد الرجاء مجدّدًا على الدوام، لأنه من رماد الموت، هو ينهضنا على الدوام، ويمنحنا القوة لكي نستأنف المسيرة ونبدأ من جديد.
تابع: هذا أمر مهم أيضًا لحياة الجماعات المسيحية، وكنائسنا، وعلاقاتنا المسكونيّة. أحيانًا نغرق في التعب، ونشعر بالإحباط من نتائج التزامنا، ويبدو لنا أيضًا أن الحوار والتعاون بيننا هما بلا رجاء، وكأنهما محكومان بالموت، وهذا كله يجعلنا نختبر القلق عينه الذي اختبرته مرتا؛ لكن الرب يأتي. فهل نؤمن بهذا؟ هل نؤمن أنه هو القيامة والحياة؟ وأنه يجمع جهودنا ويمنحنا دائمًا النعمة لكي نستأنف المسيرة معًا؟
وقال: إنّ رسالة الرجاء هذه هي في محور اليوبيل الذي بدأناه. لقد كان الرسول بولس، الذي نحتفل اليوم بذكرى ارتداده إلى المسيح، يقول لمسيحيي روما: "إنَّ الرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا". جميعنا قد نلنا الروح نفسه، وهذا هو أساس مسيرتنا المسكونية.
أضاف: تتزامن سنة يوبيل الرجاء، التي تحتفل بها الكنيسة الكاثوليكية، مع ذكرى ذات أهميّة كبيرة لجميع المسيحيين: ذكرى مرور 1700 عام على أول مجمع مسكوني كبير، مجمع نيقية. لقد التزم هذا المجمع بالحفاظ على وحدة الكنيسة في مرحلة صعبة جدًا، وأقرّ الآباء المجتمعون بالإجماع قانون الإيمان الذي ما زال العديد من المسيحيين يتلونه كل أحد خلال القداس الإلهي.
تابع: إنّها صيغة إيمان مشتركة تتجاوز كل الانقسامات التي جرحت جسد المسيح عبر القرون. لذلك، فإن ذكرى مجمع نيقية تمثل سنة نعمة وفرصة لجميع المسيحيين الذين يتلون قانون الإيمان نفسه ويؤمنون بالإله عينه: لنُعد اكتشاف جذور الإيمان المشتركة، ولنحافظ على الوحدة!
أضاف: هذا الإيمان الذي نتشاركه هو عطية ثمينة، ولكنه أيضًا تحدٍ. والذكرى، في الواقع، لا يجب أن نحتفل بها كـ"ذاكرة تاريخية" وحسب، وإنما أيضًا كالتزام بالشهادة للشَرِكة المتنامية بيننا. علينا أن نحرص على ألا نضيِّع هذه الفرصة، وأن نبني روابط ثابتة، ونعزز الصداقة المتبادلة، ونكون ناسجي شَرِكة وأخوَّة.
وقال: يمكننا أن نعيش ذكرى مجمع نيقية كدعوة للمثابرة في المسيرة نحو الوحدة. وقد شاءت العناية الإلهيّة أن يتزامن الاحتفال بعيد الفصح هذا العام في اليوم عينه بحسب التقويمين الغريغوري واليولياني، خلال هذه الذكرى المسكونية تحديدًا. وبالتالي جدّد البابا فرنسيس النداء بأن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيين لاتخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد الفصح. والكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع: تاريخ للوحدة.
وأعرب البابا عن امتنانه للميتروبوليت بوليكاربوس، ممثّل البطريركية المسكونية، ولرئيس الأساقفة إيان إرنست، ممثّل الشركة الأنغليكانية، وللممثلين عن الكنائس المشاركين في الصلاة. كما حيّا طلاب اللجنة الكاثوليكية للتعاون الثقافي مع الكنائس الأرثوذكسيّة والكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة التابعة لدائرة تعزيز وحدة المسيحيين، والمشاركين في زيارة الدراسة لمعهد بوسي المسكوني التابع لمجلس الكنائس العالمي، والمجموعات المسكونيّة والحجاج الآخرين الذين أتوا إلى روما لهذا الاحتفال.
وقال: ليجد كل واحد منا، على مثال القديس بولس، رجاءه في ابن الله المتجسد، وليقدمه للآخرين، حيثما تلاشى الرجاء، وفُقدت الأرواح، أو تغلبت الشدائد على القلوب. إنّ الرجاء ممكن دائمًا في يسوع. فهو يعضد أيضًا رجاء مسيرتنا المشتركة نحوه. ويعود مرة أخرى السؤال عينه الذي طُرح على مرتا ويُوجّه إلينا في هذه الليلة: "أَتُؤمِنينَ بِهذا؟". هل نؤمن بالشَرِكة بيننا؟
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: هذا هو الوقت لكي نؤكِّد إيماننا المشترك بالله الواحد، ولكي نجد درب الوحدة في المسيح يسوع. وبينما ننتظر مجيء الرب "في المجد ليدين الأحياء والأموات"، لا نتعبنَّ أبدًا من الشهادة، أمام جميع الشعوب، لابن الله الوحيد، مصدر كل رجائنا.