موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بمناسبة الذكرى الستين للإعلان المجمعي "Gravissimum educationis"، نشر البابا لاون الرابع عشر اليوم الرسالة الرسولية "رسم خرائط جديدة للرجاء"، نداء حماسي وبرنامجي لتجديد الالتزام التربوي الكاثوليكي العالمي في مواجهة تحديات العالم المعاصر.
يؤكد الأب الأقدس في الرسالة أن التعليم ليس نشاطًا هامشيًا، بل هو "نسيج البشارة عينها"، الطريقة الملموسة التي يصبح بها الإنجيل عملًا تربويًا. إزاء التغيرات السريعة والشكوك و"الطوارئ التربوية" الناجمة عن الحروب والهجرات والتفاوتات، تثبت تركة المجمع أنها "مذهلة". ويذكر البابا أن التربية هي "أحد أعلى تعابير المحبة المسيحية". وفي استعراضه "للتاريخ الديناميكي" للتربية الكاثوليكية، يصفها البابا لاوُن الرابع عشر بأنها "تاريخ عمل الروح"، الذي تعمل فيه الكنيسة كـ "أم ومعلمة" في الخدمة. ويستشهد الحبر الأعظم في هذا السياق بالعديد من الأمثلة التاريخية، من آباء الصحراء إلى الجامعات الأولى، ومن الـ " Ratio Studiorum" اليسوعية إلى الأعمال الاجتماعية للقديس جوزيف كالاسانزيو والقديس جون بابتيست دي لا سال والقديس يوحنا بوسكو. ويعيد البابا التأكيد، مستشهداً برسالته الرسولية "Dilexi te"، أن "تعليم الفقراء، بالنسبة للإيمان المسيحي، ليس معروفاً، بل واجباً".
كذلك تشدد الرسالة على الطابع الجماعي للتربية: إنَّ الجماعة المربيّة هي "نحن" يشمل المعلمين والطلاب والعائلات والرعاة، حيث لا أحد يربّي بمفرده. ويسعد البابا بأن يعلن القديس جون هنري نيومان، إلى جانب القديس توما الأكويني، شفيعًا مشاركًا لمهمة الكنيسة التربوية، مستشهدًا بشعار" Cor ad cor loquitur" أي "قلب يتحدث إلى القلب"، ويصف التربية بأنها "فعل رجاء" و"مهنة وعود".
ويحذر البابا من خطر اختزال التربية إلى مجرَّد "تدريب وظيفي أو أداة اقتصادية"، أو نهج "تجاري بحت". إذ يجب على التربية المتكاملة أن تُشكّل الشخص بأكمله – روحياً وفكرياً وعاطفياً – وأن تبني قيمته على الكرامة والعدالة وخدمة الخير العام، وليس فقط على الكفاءة. ويستخدم النص صورة "الكوكبة التربويّة" لوصف الشبكة الحية والمتعددة للمدارس والجامعات والحركات الكاثوليكية. ويحث على التقارب والوحدة، لأن التنافس الماضي يجب أن يفسح المجال للتعاون، "القوة الأكثر نبوءة" في عالم مترابط. فالتبعية هي مبدأ أساسي، يلزم كل من العائلة باعتبارها المربي الأول، والدولة بضمان واحترام الحق المقدس في تنشئة تقدّر القيم الأخلاقية.
كذلك يتناول البابا البيئة الرقمية، مؤكدًا أنه على التقنيات أن تخدم الإنسان، لا أن تحل محله، ويطالب بأن يكون الذكاء الاصطناعي موجهًا نحو الكرامة ومحكومًا بالأخلاق العامة. وبالتالي تقع على عاتق الجامعات الكاثوليكية مهمة تقديم "خدمة الثقافة" لتجنب الكفاءة التي تفتقر إلى الروح. كما يُشجّع الأب الأقدس التمييز والاستخدام الحكيم للذكاء الاصطناعي، لأنّه لا يوجد خوارزمية يمكنها أن تحل محل إنسانية التربية: "الشعر، السخرية، الحب، الفن، الخيال، ومتعة الاكتشاف".
هذا ويجمع البابا لاوُن الرابع عشر بامتنان إرث الميثاق التربوي العالمي للبابا فرنسيس كـ "نجم قطبي" يوجه المسيرة نحو الأخوة العالمية. وإلى مساراته السبعة الأساسية، يضيف البابا ثلاث أولويات جديدة للمرحلة التي تبدأ: الأولى تتعلق بالحياة الداخلية: فالشباب يطلبون العمق؛ ويحتاجون إلى فسحات من الصمت والتمييز والحوار مع الضمير ومع الله. الثانية تتعلق بالإنسان الرقمي: نحن ندرب على الاستخدام الحكيم للتكنولوجيات والذكاء الاصطناعي، ونضع الإنسان قبل الخوارزمية وننسق الذكاء التقني والعاطفي والاجتماعي والروحي والبيئي. الثالثة تتعلق بالسلام الأعزل والذي يجرِد من السلاح: نحن نعلّم اللغات غير العنيفة والمصالحة والجسور وليس الجدران؛ لتصبح الـطوبى "طوبى لصانعي السلام" أسلوب ومحتوى التعلُّم.
في الختام، يحث البابا لاوُن الرابع عشر الجماعات التربوية على "تجريد الكلمات من السلاح، ورفع النظر، وحفظ القلب"، حتى لا تلمع النجوم التربوية فحسب، بل توجه العالم نحو الحقيقة والأخوة والرجاء. المطلوب هو "رسم خرائط رجاء جديدة".