موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
استقبل البابا فرنسيس، صباح اليوم الجمعة 25 آب 2023، في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، المشاركين في الحج الذي تنظمه رهبانية تلميذات يسوع الإفخارستي، حيث شجّعهم على أن يجعلوا حبهم للرّب في سرّ الإفخارستيا منطلقًا للاعتناء بالأعضاء الأكثر فقرًا واحتقارًا وتهميشًا في جسد المسيح.
وتأتي رحلة الحج هذه بالتزامن مع مرور مائة عام على تأسيس الرهبانيّة، وتحديدًا في 4 تشرين الأوّل 1923، من قبل أسقف أبرشيّة تريكاريكو، جنوب إيطاليا، المكرّم رافايلو ديلي نوكّي (1877-1960)، وشابتين هما ليندا ماكينا وسيلفيا دي سوما.
استهلّ البابا فرنسيس كلمته متناولاً قصة تأسيس الرهبانيّة.
وقال: ألهم الروح القدس عمل المؤسّسين من خلال النداء الملموس والمُلحّ لكنيسة محليّة: كنيسة تريكاريكو، في قلب لوكانيا. كنيسة حجارة حيّة ومُتألّمة، عانت من قرون من البؤس، وبقيت لفترة طويلة بدون راعٍ، وطُبعت مثل أجزاء كثيرة من أوروبا والعالم في تلك السنوات، بندوب الحرب العالمية الأولى والوباء المدمر؛ الإنفلونزا الإسبانية، كما كان يُطلق عليه.
أضاف: أرسل الروح إلى تلك الأرض أسقفًا محبًا لله والشعب، يتمتع بحياة داخلية متينة وحساسية كبيرة لاحتياجات الشعب. وإزاء العديد من الاحتياجات العديدة التي واجهها في أبرشيته، لم يجد المطران ديلي نوكّي أي جماعة رهبانية مستعدة للمجيء والعمل هناك، لم تثبط عزيمته: بل قبل دعوة البابا بيوس الحادي عشر، وأسّس رهبانية جديدة يمكنها أن تساعده في خدمة الأخيرين. هكذا ولدت رهبانية تلميذات يسوع الإفخارستي، خادمات فقيرات لشعب فقير، متضامنات في مشاركته لجهوده ونبويات في تعزيز خلاصه الإنساني والديني.
وأشار البابا إلى أنّ الإفخارستيا، "سر المحبة وعلامة الوحدة ورباط المحبة"، كما يقول المجمع الفاتيكاني الثاني، كانت في محور حياتهنّ: "المحبة، والوحدة؛ العبادة والخدمة والتعويض، أي أن نملأ بالحنان الجراح والفراغات التي أحدثتها الخطيئة في الإنسان وفي المجتمع، بدءًا من الركوع أمام يسوع في القربان الأقدس، والبقاء هناك لفترة طويلة، كما أوصى الأسقف الصالح.
ولفت إلى أنّه وبالنسبة لمعايير العالم، فإنّ استراتيجية العمل هذه كانت تبدو سخيفة: إزاء الاحتياجات الهائلة وفي ظل عدم توفر الموارد تقريبًا. وتساءل الحبر الأعظم: ما هو المعنى من قوله للراهبات أن يركعن على ركبهن "للعبادة والتعويض"؟
أجاب: لقد ولّدت صلوات هؤلاء النساء الشجاعات قوة مُعدية، سرعان ما قادتهن إلى القيام بأعمال فداء مادي وثقافي وروحي تفوق جميع التوقعات وتعزيزها. لقد أيقظنَ إيمان والتزام العائلات والجماعات الرعوية، وأنشأنَ مدارس من مختلف الأنواع والمستويات، وأشعلنَ مجدّدًا التعبُّد ومعنى الكرامة الشخصيّة لدى العديد من الأشخاص، رجالًا ونساء، وشبابًا وبالغين ومسنّين، يعيشون في كثير من الأحيان ولفترة طويلة، في حالات قمع بسبب ظروف معيشية لاإنسانية وازدراء ولامبالاة العالم المحيط بهم، والذي لم يكن يرى فيهم سوى "فضلات" المجتمع. لقد أطلقنَ العنان لـ"حرب" مختلفة: حرب ضد الفقر والظلم؛ ونشرنَ وباءً مختلفًا: وباء الحب.
وخاطب الراهبات بالقول: أنتنّ شاهدات ووريثات لهذا كله، ولكنكنّ أيضًا إستمراريّة؛ بحضوركنّ في القارات الخمس، مع المراكز الإفخارستية والمدارس والإرساليات وجميع الخدمات التي تقمن بها. إنّ التحديات حاضرة اليوم أيضًا! لذلك، بدءًا من الوقوف أمام يسوع في الإفخارستيا، الخبز المكسور والمعلم الذي يغسل أرجل التلاميذ، تتعلّمنَ أنتنّ أيضًا أن تنظرنَ إلى إخوتكم وأخواتكم من خلال عدسة القربانة المكبرِّة.
أضاف: إنّ الإفخارستيا، "النقطة المحورية والمُعمية والمنيرة" لكل رؤية مسيحيّة للإنسان والعالم، تحثكنَّ لكي تعتنينَ.. بالأعضاء الأكثر فقرًا واحتقارًا وتهميشًا في جسد المسيح؛ وتحرّكُكنّ لكي تُعزّزنَ مسارات إدماج وافتداء لكرامة الأشخاص في الأعمال الموكلة إليكن.
وأشار إلى أنّ المطران رافايلو كان يطلب من الراهبات التلميذات أن يكُنّ "vasa Domini" أي "كؤوسًا وصوانيًا" يمكن من خلالها قبول تقدمة الفقراء المتواضعة وتقديمها إلى الله. وقال: يبدو لي أنها صورة جميلة لرسالتكنّ: أن تجرِّدنَ أنفسكنّ من كل شيء، وأن تكون "حقيبتكنَّ فارغة دائمًا"، كما كان يردد مؤسسكنَّ، لكي تكُنّ "أوعية" مفتوحة وواسعة، مستعدة لاستقبال الجميع وحمل الجميع في قلوبكنّ أمام الله، لكي يتمكن كل فرد بدوره من أن يجعل من حياته عطيّة.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول: كُنَّ هكذا "vasa Domini"، "كؤوسًا مضيافة"، جاثية أمام بيت القربان وبأذرع مشرّعة على الدوام نحو الإخوة! لترشدكنّ العذراء مريم على الدوام على هذه الدرب ولترافقكن بركتي. ومن فضلكنّ لا تنسينَ أن تُصلِّينَ من أجلي.