موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ يوليو / تموز ٢٠٢٢
البابا: إننا لا نخرج من الأزمات بمفردنا بل من خلال مدّ اليد إلى الآخرين

فاتيكان نيوز :

 

أجرت وكالة تيلام الأرجنتينية للأنباء مقابلة مع البابا فرنسيس تطرقت إلى مواضيع عديدة كان أولها الجائحة، حيث ذكَّرت الصحفية التي أجرت المقابلة برناردا يورينتي بتشديد قداسته على أننا لا يمكن أن نخرج من هذه الأزمة كما كنا، فإما أسوأ أو أفضل، وسألت بالتالي إلى أين نحن متوجهون.

 

وقال البابا فرنسيس إنّه لا يعجبه ما يرى حيث هناك نمو في بعض القطاعات ولكن ليس بشكل متساوٍ. وأعطى هنا مثلا عدم توفر اللقاح ضد كوفيد-19 في أفريقيا أو توفره بكميات قليلة ما يعني أن الإنقاذ من المرض قد قام على مصالح أخرى. كما وأكد قداسته أن الأزمات تغير الأشخاص بالضرورة كما وتشكل لحظات القيام بخطوات إلى الأمام. وذكَّر البابا بحديثه عن أننا لا نخرج من الأزمات بمفردنا بل من خلال مد اليد إلى الآخرين، ووصف هذا بالجانب الاجتماعي للأزمة. ثم أشار إلى أنه لا يمكن العودة إلى الضمانات الزائفة للبنى السياسية والاقتصادية ما قبل الجائحة.

 

ثم تطرق البابا فرنسيس إلى القضايا الإيكولوجية وتحدث هنا عن أزمة عالمية في علاقتنا مع الكون، فنحن لا نعيش في تناغم مع الخليقة بل نعتدي عليها. وتطرق الحديث بالتالي إلى الرسالة العامة "كن مسبَّحاً" وشدد الأب الأقدس على أنه لا يمكن التفكير في الشخص البشري بدون الطبيعة وبالعكس. وذكر البابا فرنسيس هنا أنه حين كان يقال له إن هذه الرسالة العامة وثيقة هامة حول البيئة كان يجيب إنها بالأحرى رسالة عامة اجتماعية حيث لا يمكننا فصل الجانب الاجتماعي عن البيئة.

 

ثم كان الشباب محور سؤال آخر تلقاه البابا فرنسيس، وتحدث قداسته هنا عن عدم اهتمام الشباب بالسياسة والناتج عن شعور بالإحباط أمام تدهور الثقافة السياسية. وعاد البابا إلى العناية بالبيت المشترك مشددا على أهمية دور الشباب ومشاركتهم من أجل إحداث تغيير. كما وأكد أن على الشباب تعلم أن مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تتطلب إعادة تقييم متواصلة ومواجهة بين الأفكار والمواقف تجعلنا نسير إلى الأمام معا. ثم شدد البابا فرنسيس على أهمية حوار الشباب مع المسنين حيث على الشباب أن يتحاوروا مع جذورهم وعلى المسنين أن يدركوا أنهم يتركون إرثا. ولا يعني هذا تشبثا بالتقاليد بل جعل التقاليد تنمينا، ووصف الأب الأقدس هذا بضمانة للمستقبل.

 

نقطة أخرى تطرقت إليها المقابلة هي حديث البابا عن شرور زمننا مثل النرجسية والإحباط والتشاؤم. ووصف الأب الأقدس هذه الشرور بشرور المرآة لأن الإنسان ينظر في المرآة ليرى نفسه ويشكو، بينما بدون التعامل مع الآخرين والحوار معهم لا يمكن أن ننمو. وتابع البابا أن حس الفكاهة مفيد جدا لمواجهة النرجسية والإحباط والتشاؤم وذلك لأنه يتعارض مع الشكوى المستمرة.

 

ثم انتقل الحديث إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا وحديث الأب الأقدس عن حرب عالمية ثالثة مجزأة. وقال البابا إن ما يحدث في أوكرانيا نعيشه عن قرب ولهذا نشعر بالقلق، ولكن فلنفكر في رواندا 25 عامًا مضت أو سوريا 10 سنوات مضت أو لبنان وميانمار اليوم، وتابع أن ما نشهده اليوم يحدث منذ فترة طويلة. وأشار قداسته في حديثه عن الحروب إلى بيع الأسلحة وقال في هذا السياق إن أحد الخبراء قد قال له إنه في حال عدم إنتاج أسلحة لمدة عام لن يكون هناك جوع في العالم بعد. وتابع البابا أنه قد حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم "الحرب العادلة"، وأضاف أن حل المشاكل بالحروب يعني رفض القدرة التي يتمتع بها البشر على الحوار وعلى البناء. شدد البابا بالتالي على أهمية الحوار مشيرا إلى عد القدرة على الإصغاء وإلى أننا لا نسمح للآخر بأن يقول رأيه.

 

ثم أجاب الأب الأقدس على سؤال حول ما يمكن اعتباره فشلا للأجهزة متعددة الأطراف أمام هذه الحرب وحول إمكانية التوصل إلى سلام من خلال هذه الأجهزة والمنظمات. وقال البابا فرنسيس في إجابته إنه كان هناك رجاء كبير في الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلا أن المنظمة الأممية ليست لديها اليوم سلطة فرض، تساهم الأمم المتحدة في تفادي الحروب لكنها لا تملك السلطة لإيقاف حرب أو حل نزاع مثل ذلك الدائر حاليا في أوروبا. وتابع الأب الأقدس أن هناك مؤسسات تعاني من أزمات وأخرى تعاني من نزاعات، وأضاف أن الأولى توحي برجاء في تطور محتمل أما تلك المعانية من نزاعات فهي منشغلة بحل قضايا داخلية، وشدد قداسته على الحاجة اليوم إلى الشجاعة والإبداع، فبدونهما لن تكون لدينا مؤسسات دولية يمكنها أن تساعدنا على تجاوز النزاعات الخطيرة.

 

طلبت الصحفية من البابا فرنسيس بعد ذلك أن يقيِّم سنوات حبريته التي ستبلغ العام القادم ١٠ سنوات وسألته إن كان قد حقق جميع أهدافه وما هي المشاريع غير المكتملة بعد. وقال الأب الأقدس في إجابته إن ما حققه ليست أشياء ابتدعها أو حلم بها في ليلة عانى فيها من مشاكل في الهضم، بل لقد أصغى إلى كل ما قال الكرادلة في اجتماعات ما قبل الكونكلاف حول ما على البابا الجديد أن يفعل، وأضاف أنه قد أطلق ما تم تقريره معا. وأعطى هنا مثلا إصلاح الكوريا والذي اختُتم بإصدار الدستور الرسولي Praedicate Evangelium والذي تَمكنّا من خلاله، حسب ما واصل الأب الأقدس، وبعد ٨ سنوات ونصف من تحقيق ما طلبه الكرادلة، التغيرات التي كان يتم تفعيلها. وتحدث بالتالي عن الخروج، أن نكون مرسلين، وهو ما تمت مناقشته في لقاءات الكرادلة.

 

ثم أجاب الأب الأقدس على سؤال حول الكنيسة في أمريكا اللاتينية وقال إن لهذه الكنيسة تاريخا طويلا من القرب من الشعب، وتابع إنها كنيسة شعبية بالمعنى الحقيقي للكلمة أي أنها كنيسة شعب الله، ولقد عبَّر الشعب عن نفسه بشكل أكبر دائما في الأوساط الدينية فأصبح بطل تاريخه. وشدد الأب الأقدس هنا على ضرورة التفرقة بين الشعبية والشعبوية، فالشعبية تعني اهتمام الشعب بقضاياه والتعبير عن أفكاره في حوار وتمتعه بالسيادة، أما الشعبوية فهي ايديولوجية تجمع الشعب وتحاول توحيده في اتجاه وحيد. 

 

نقطة أخرى تطرقت إليها المقابلة هي الضواحي حيث قال البابا فرنسيس إن الضاحية تجعلنا نفهم المركز، وإن أردنا معرفة ما يشعر به الشعب فيجب التوجه إلى الضواحي الوجودية أيضا لا فقط الاجتماعية. وتحدث قداسته بالتالي عن ضرورة التوجه إلى المسنين المتقاعدين، الأطفال، الأحياء، المصانع والجامعات حيث الحياة اليومية. وشدد على أهمية سياسة تنطلق من الشعب وتحترم قيم الشعب وإيقاعه وغناه. ثم أشار البابا فرنسيس إلى أربعة مبادئ فلسفية وسياسية واجتماعية تساعده أيضا في حل القضايا المتعلقة بالكنيسة. أولها أن الواقع يفوق الفكرة، والثاني أن الكل يفوق الجزء، ثم أن الوحدة تفوق النزاع، وأخيرا الزمن يفوق المكان.

 

هذا وتلَقى البابا فرنسيس بعض الأسئلة الشخصية مثل سؤال حول قدرته على تغيير أشياء كثيرة فقال إنه يعتقد أن بإمكان صوته إحداث تغيير لكنه لا يفكر في هذا كثيرا، فهو يقول ما يشعر به أمام الله والآخرين ولا يهتم إن كان هذا سيغيِّر الأمور أم لا، فهو يهتم بقول الأشياء ومساعدتها على أن تتغير بمفردها. ثم أجاب قداسته على سؤال حول كيف يرى فرنسيس برغوليو وكيف يرى برغوليو فرنسيس، فقال إن برغوليو لم يتخيل أبدا أن ينتهي به الأمر في هذا المكان وأضاف مازحا إن برغوليو كان سيشعر بالعطف إزاء فرنسيس. أما فرنسيس فيرى حياة برغوليو، حياة سارت إلى الأمام بفضل الكثير من هبات الله مع بعض العيوب مني، قال البابا. وأخيرا أجاب الأب الأقدس على سؤال حول ما طرأ عليه من تغيرات منذ أن أصبح بابا فتحدث عن أنه قد أصبح أكثر رحمة حيث كان حازما وصارما في بعض مراحل حياته.