موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
حسب الوحي المسيحيّ، اللّه كائنٌ واحدٍ في شراكه ثلاثة أشخاصٍ، ذات طبيعةٍ إلهيّةٍ واحدةٍ، فكيان الأب هو أبوي، له علاقةٌ مع الابن والرّوح القدس؛ وكيان الابن هو في علاقته مع الأب والرّوح القدس؛ وكيان الرّوح هو في علاقته مع الأب والابن. لذا "اللّه ليس عزله أزليّة، بل محبّة أبديّة تضع وجودًا معًا لثلاثة أشخاصٍ وهي أساس كلّ كيان وحياة. إنّ الوحدة الّتي تنشئ المحبّة –الوحدة الثّالوثيّة- هي وحدة أسمى من وحدة آخر الحجارة المادّيّة غير القابلة للتّجزئة في البناء. الوحدة ليست شيئًا متحجّرًا، إنّها محبّة". العهد القديم يؤكّد مرارًا وتكرارًا على أن الله واحد (تثنية 6:4): يُقال: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا، الرب واحد". وشعب إسرائيل مدعو ليكون شعبًا موحدًا يلتزم بعهد سيناء (خرّ 19: 8؛-حكمة 10: 20) تحت قيادة الله الذي يقودهم عبر الآباء والملوك والأنبياء. وهي أخيرًا وحدة الإخوة الّذين هم سعداء في عيشٍ الإيمان الواحد: “ما أطيب أن يسكن الإخوة معًا" (مزّ 132: 1). الوحدة بين الشعب غالبًا ما تواجه تحديات بسبب الانقسامات الداخلية، لكن الوعد الإلهي يبقى نقطة ارتكاز. فالعهد بين الله وإسرائيل عنصر أساسي في الوحدة الكتاب المقدّس. العهد القديم، إذن، لا يؤكد فقط تفرد الله، بل أيضًا أهمية وحدة شعبه وإيمانهم.
اهتمّ القدّيس بولس بموضوع وحدة الجماعة المسيحيّة، رافضًا فكره التّحزّب لهذا أو لذاك من الرّسل. فالإيمان بالرّبّ الواحد لا يمكن أن يُقسم، نعبّر عنه بوحدة حقّه بين جميع الّذين نالوا العماد عينه. هذا ما يعبّر عنه لفظ "واحدٍ". هذا التّوافق الّذي تحقّق بسبب الإيمان الواحد والمعمودية الواحدة، نجده في سفرٍ الأعمال حيث "المعيّة" تميّز الجماعة المسيحيّة الأولى: كان المؤمنون كلّهم معًا (أع 2: 44): "أُناشِدُكُم، أَيُّها الإِخوُة، باِسمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَن تقولوا جَميعا قَولاً واحِداً وأَلاَّ يَكونَ بَينَكُمُ اختِلافات، بل كُونوا على وِئامٍ تامّ في رُوحٍ واحِدٍ وفِكرٍ واحِد. فقَد أَخبَرَني عَنكم، أَيُّها الإِخوَة، أَهلُ خُلُوَة أَنَّ بَينَكُم مُخاصَمات، أَعني أَنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنكُم يَقول: أَنا لِبولُس وأنا لأَبُلُّس وأَنا لِصَخْر وأَنا لِلمسيح. أَتُرى المسيحُ انقَسَم؟ أَبولُسُ صُلِبَ مِن أَجْلِكُم؟ أَم باَسمِ بولُسَ اعتَمَدتُم؟"(1 قوّر 1: 10-13). )، إلّا أنّه شدّد على أنّ الوحدة يجب أن تسوّد في الكنيسة: "فلا تَستَطيعُ العَينُ أَن تَقولَ لِليَد: لا حاجَةَ بي إِلَيكِ ولا الرَّأسُ لِلرِّجْلَينِ: لا حاجَةَ بي إِلَيكُما" (1 قوّر12: 21)؛ " لِكُلِّ واحِدٍ يوهَبُ ما يُظهِرُ الرُّوحَ لأَجْلِ الخَيرِ العامّ" (1 قوّر12: 7)؛ "فإِنَّنا اعتَمَدْنا جَميعًا في رُوحٍ واحِد لِنَكونَ جَسَدًا واحِدًا" (1 قوّر12: 13). وكما في الجسم البشريّ، الرّأس (= المسيح) هو الّذي يحقّق الوحدة بين مختلف الأعضاء، والمسيح "يرتّب القدّيسين لعمل الخدمة من أجل بناء جسد المسيح" (أفّ 4: 12). منه "ينال الجسد كلّه التّماسك والالتحام بفضل جميع المفاصل الّتي تغذّيه وتعمل فيه" (أفّ 4: 16). إذن، يجب "أن نجتهد في المحافظة على وحدة الرّوح برباط السّلام" (أفّ 4: 3). وضح القدّيس بولس الرّسول هذا التّعليم بحديثه عن الطّابع التّأسيسيّ للإفخارستيَّا بخصوص الشّركة الكنسيّة. فالشّركة في الحقائق المقدّسة هي الّتي تدخل المؤمن في شركة الأقداس كما هو مذكورٌ في الرّسالة أهل قوّرنتس: "أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟ 17 فلمَّا كانَ هُناكَ خُبزٌ واحِد، فنَحنُ على كَثرَتِنا جَسَدٌ واحِد، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هذا الخُبْزِ الواحِد" (1 قوّر10: 16-17). هذا ينصّ يتضمّن أساس الاكلسيولوجيّة للشّركة، حيث إنّ شركة الإفخارستيَّا ليست فقط اتّحاد شخصيّ مع الرّبّ يسوع المسيح، إنّما أيضًا شركة كنسية.
بهذه الكلمات ينوي بولس الرّسول توضيح الوحدة والتّعدديّة في الوقت نفسه الّتي هي الكنيسة: " فكما أَنَّ لَنا أَعضاءً كَثيرةً في جَسَدٍ واحِد، ولَيسَ لِجَميعِ هذِه الأَعضاءِ عَمَلٌ واحِد، 5فكذلِكَ نَحنُ في كَثْرَتِنا جَسَدٌ واحِدٌ في المسيح لأَنَّنا أَعضاءُ بَعضِنا لِبَعْض" (روم 12، 4-5). يريد القدّيس بولس القول أنَّ الكنيسة ليست له وليست لنا: الكنيسة جسد المسيح، هي "كنيسة اللّه"، حقل اللّه، بناءً اللّه، هيكل اللّه" (1 قوّر 3، 9، 16). الكنيسة سرّ إرادة اللّه الخلاصيّة؛ اللّه الّذي يريد أن يخلّص الجميع وأن يبلغوا لمعرفة الحقيقة (طيمو 2، 4). الكنيسة، سرّ "شركةٍ" على ضوء الشّركة في الثّالوث الأقدس "فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يو 17: 21). "الكنيسة سرّ وعلامة ملموسة لحقيقة مخفيّة الّتي هي حضور اللّه بيننا؛ أنّها حاملةٌ اللّه في العالم". ولأنّ الكنيسة سرّ حضور اللّه في العالم، إذن هي جوهريًّا الشّركة مع اللّه.
والقول أنّ الكنيسة سرّ هذا يعطيها مهمّة أساسيّة وهي جعل الإنسان في شركة مع اللّه وإقامة شركةً بين جميع المعمدين، فتصبح سرّ "شركةٍ" على ضوء الشّركة في الثّالوث الأقدس (كما أنت أيّها الأب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا في شيءٍ واحدٍ (يوحنّا 17: 21). فالكنيسة سرّ: "اللّه في الكنيسة. فالكنيسة سرّ وعلامة ملموسة لحقيقة مخفيّة الّتي هي حضور اللّه بيننا. إنّها حاملةٌ اللّه في العالم" . ولأنّ الكنيسة سرّ حضور اللّه في العالم، إذن هي جوهريًّا الشّركة مع اللّه. والسّيّد المسيح أظهر هذا السّرّ على أنّه جسده السّريّ وهي الكنيسة: "الأساقفة والمؤمنون هم شعب اللّه الوحيد. نحن جميعًا ننتمي للعائلة الدّينيّة نفسها، الّتي تسمّى الكنيسة؛ نحن جميعًا جسدٍ واحدٍ، جسد المسيح السّريّ...نحن شيءٌ واحدٌ، كما أراد المسيح. نحن شركة.
أوضح القدّيس توّما إلّاكوينيّ هذه الحقيقة بقوله: "كما أنّ الكنيسة جمعاء يقال عنها جسد المسيح السّريّ للتّشابه مع جسد الطّبيعيّ للإنسان، كذلك المسيح يقال عنه رأسٌ الكنيسة، للتّشابه لرأس الإنسان. حيث في الرّأس، نستطيع اعتبار ثلاثة أشياء: النّظام، الكمال، الفضيلة. النّظام، لأنّ الرّأس هو الجزء الأوّل من الجسم، نبدأ من الأعلى، ولذلك كلّ مبدأ ينبغي تسميته رأس؛ الكمال، لأنّ في الرّأس تجتمع كلّ الأحاسيس الباطنيّة و الخارجيّة، بمانّ اللّمس هي في بقيّة الأعضاء فقط؛ الفضيلة، لأنّ في الرّأس مركز محرّك و حواسي لبقيّة الأعضاء" .
قدّم المجمع الفاتيكانّي الثّاني، رؤية جديدةً عن الكنيسة: هي جماعةٌ مجتمعةٌ بدعوةٍ من اللّه، الظّهور الأرضيّ للملكوت، المكان الّذي تلتحم فيه الأرض والسّماء، وذلك يتحقّق في اللّيتورجيا، ولا سيّما في سرّ الإفخارستيا. وهي أيضًا:" مجتمع مجهز بأعضاء ذوي سلطات، جسد المسيح السّريّ، الجماعة المنظورة والشّركة الرّوحيّة، كنيسة الأرض والكنيسة الغنية بنعم السّماء، يجب إلّا يعدّا حقيقتان، بل هو حقيقةٌ واحدةٌ مركّبةٌ، ذات عنصرين بشرى وألهى". هذا يعني أنّ نفهم الكنيسة كحقيقة غير منظوره، أي حقيقةً إلهيّة، خلاصيه، تظهر نفسها بشكل منظور. وجعل الجانب المؤسّساتي في خدمة الشّركة، وإن يكون تعبيرًا منظورًا لسرّ الكنيسة ولرسالتها ولخلاص النّاس. وإن المؤسّسة مرتبطة بسر شركة الكنيسة، وليس العكس: "الكنيسة في المسيح هي بمثابة السّرّ، أي العلامة والأداة في الاتّحاد الصّميم باللّه ووحدة الجنس البشريّ". فالمخطط الكبير للشّركة يتحقّق تاريخيًّا بواسطة سرّ التّجسّد، والإنسان يشترك فيها فعليًّا. فالكنيسة الواحدة، هي سرّ الشّركة ومؤسّسة المنظورة، وكلاهما أساسيّين لكنيسةٍ حقيقيّة. إنّها سرٌّ كونها نشأت من الثّالوث القدّوس وإليه تتّجه بشكلٍ مستمرٍّ: "إنّ جميع الّذين يؤمنون بالمسيح (الأب) قرّر أنّ يدعوهم في الكنيسة المقدّسة، الّتي، بعد إذ بشّر بها بالرّموز منذ بدء العالم وهييت بوجهٍ عجيب بتاريخ شعب إسرائيل والعهد العتيق، أنشئت في الأزمنة الأخيرة، وأعلنت بحلول الرّوح القدس، وستتمّ في المجد في اليوم الاخر" .
لم يرفض المجمع الفاتيكانّي الثّاني الحديث عن الكنيسة على أنّها "مجتمع"، لكن نظر إليها من جانب "الشّركة"، الّذي منها تكتمل وهذا يندرج ضمن مفهوم الكنيسة على أنّها "أكلسيولوجيّة الشّركة". هذه النّظرة ساهمت بشكل دقيق وعميق في فهم الاكليسلوجيا الكاثوليكيّة، وفي تصحيح نظره الكنيسة إلى ذاتها وإلى علاقاتها بسائر الكنائس وبالعالم، وهذا ما شكل أيضًا تغييرًا في التّراتبيّة والمفهوم الهرميّ للكنيسة. فالجديد في المجمع الفاتيكانّي الثّاني، أنّه تحدّث عن الكنيسة كشركة وسرّ إلهي، وجميع المسيحيّون، مدّعوين لأنّ يعيشوا في الحياة الثّالوثيَّة كأبناء اللّه. وأنّ كانت الكلمة "شركة" ليس لها موقعٌ مركّزي في المجمع الفاتيكانّي الثّاني، لكن استخدمت كمختصر للعناصر أساسيّة للإكلسيولوجيّة الكنيسة الكاثوليكيّة. فتحدّثت وثائق المجمع الفاتيكانّي الثّاني صراحةً عن شركة التّراتبيّة، وهي تبنى وتنشأ على أساس سرّ الكهنوت، وبالتّالي هي بين أولئك الّذين قبلوا سرّ الكهنوت. على وجه الخصوص، نقول شركةً بين الأساقفة مع الحبر الرّومانيّ .
اعتبر المجمع الفاتيكانّي الثّاني من خلال رؤيته لواقع الكنيسة الحيويّ، على أنّها شعب اللّه يحجّ "حالًّا" و"ليس بعد"، أنَّ الحركة المسكونيّة "طريق الكنيسة"، جزءًا عضوٍيا من الحياة والنّشاط الرّعويّ للكنيسة. وإنَّ ضرورة تعزيز هذه الحركة تعدّ من مهمّات الكنيسة الرّئيسيّة: فالوحدة كما يريدها المسيح لكنيسته تتحقّق بواسطة: التّبشير بالإنجيل بأمانة، وبتوزيع الأسرار وبالرّعاية في المحبّة بفعل الرّوح القدس وأيضًا بالمجاهرة بالإيمان الواحد وبالاحتفال المشترك بالعبادة الإلهيّة وبالاتّفاق الأخوي في عائلة اللّه. فالإيمان والأسرار والحكم الكنسيّ هي بمثابة العناصر الأساسيّة للشّركة الكاملة بين المعمدين مع الكنيسة الكاثوليكيّة. على سبيل المثال، اعتبرت أكسيولوجيّة العصور الوسطى، هذه الخصائص المذكورة أعلاه، خصائص أساسيّة لهويّه الكنيسة. واعتبر لاهوت المجمع الّتريدنتيني، هذه العناصر الأربعة كخصائص أساسيّة لكنيسة واحدة: إذا كانت الكنيسة واحدة، مقدّسة، كاثوليكيّة ورسوليّة، فهي كنيسة المسيح الوحيدة والحقيقيّة.
يعلن المجمع الفاتيكانّي الثّاني أنّ وحده الكنيسة القائمة "هي الّتي أتاها المسيح لكنيسته منذ البدء؛ ونؤمن بأنّها ستظلّ في الكنيسة الكاثوليكيّة؛ ونرجو أنّها ستنمو باطّراد، يومًا بعد يومٍ، حتّى منتهى الدّهر". لهذا السّبب نحن في القانون الإيمان نعلن: "نؤمن بكنيسة واحدةٌ" الّتي هي قائمةٌ في الكنيسة الكاثوليكيّة. والكنيسة الكاثوليكيّة لا تتطابق مع الكنيسة اللّاتينيّة، إنّما هي مكوّنه من كنائس خاصّةً أو طقوس، لديها تقاليد مختلفةً، ممّا يسمح بأن نفهم بطريقه كاملة طبيعة اتّحادهم ودرجة استقلالهم.
يقول البابا بولس السّادس: "على الكنيسة أن تجد هويتها في الوحدة على نحو أفضل، وهي الّتي صلّى من أجلها المسيح في العشاء الأخير، وعلى جميع التّيّارات الموجودة داخل الكنيسة، أن تقوم بمحاولة صادقة لإيجاد وحده فريدة ذات نوعية وعضويّة غير متجزّئةٍ للإيمان والمحبّة" . يربط البابا بولس السّادس وحده الكنيسة بالمسيح، بالتّوافق مع الرّؤية الكنسيّة ذات الطّابع الشّركة. لاهوتيّاً نفهم وحدة الكنيسة بصلتها بسر الثّالوث: "هذا هو السّرّ: يسوع نفسه يشرحه بإعلانه أنّ هذه الوحدة، الخاصّة باتّباع المسيح، تأتي من الوحدة نفسها الابن مع الأب".
لكي نوضّح المبادئ الكاثوليكيّة المتعلّقة بالبحث عن وحدة المسيحيّين حسب تعاليم المجمع الفاتيكانّي الثّاني، ينبغي التّركيز على قرارات المرسوم في الحركة المسكونيّة ( أصدر رسميًّا يوم 21 تشرين الثّاني 1964)، الّذي كما يقول أوسكار كولمان- الّذي كان من المراقبين في المجمع الفاتيكانّي الثّاني- "نحن لسنا أمام باب جديدٍ، إنّما نجد أنفسنا إمام أرض جديدة بالكامل، لأنّها الوثيقة الكاثوليكيّة الرّسميّة الأولى الّتي تكلّمت بلغه الانفتاح نحو المسيحيّين غير الكاثوليك" . أعطى المرسوم "في الحركة المسكونيّة" تعريفًا للحركة المسكونيّة: "المشاريع والمبادرًات الّتي تنبع وتنسّق، حسب حاجات الكنيسة المتعدّدة ومقتضيات الأزمنة، في سبيل تعزيز وحده المسيحيّين. وهي أوّلًا تبذل كلّ جهدٍ لإزالة الأقوال والأحكام والأعمال الّتي لا تتّفق حقًّا وعدلًا وأوضاع الإخوة المنفصلين، والّتي تجعل العلاقات المتبادلة معهم أكثر صعوبة. بعد ذلك تدعو إلى "الحوار" في اجتماعات المسيحيّين من كنائس وجماعات مختلفة منظّمة بروح ديني، حوار يقوم به ذوو الخبرة والثّقافة المواتية، ويشرح فيه كلّ واحدٍ تعليم جماعته شرحًا أشدّ عمقًا، ويعرض ميزاته بوضوح"(رقّم 4).
وضّح مرسومٌ في الحركة المسكونيّة مفهوم وحده الكنيسة بارتباطها بالتّعدّديّة الشّرعيّة وبحرّيّة أبناء اللّه؛ فأعلن مبدأ عامٍّ: "على الجميع في الكنيسة، كلّ حسب المهمّة الموكلة إليه، إن يتمتّع بالحرّيّة اللّازمة سواءٌ في الأنماط المتعدّدة للحياة الرّوحيّة والمسلكية أو في مختلفٍ الطّقوس اللّيتورجيّة، أو في المحاولات للتّعبير اللّاهوتيّ عن الحقيقة الموحاة. وعليهم في كلّ شيءٍ إن يحافظوا على المحبّة" ، وإن "التّراث المنقول من الرّسل قد قبل بصور وطرق متنوّعة، منذ بدء الكنيسة، وفسّر تفسيرًا مختلفًا وفقأ لاختلاف العبقريّة والأوضاع الحياتيّة". نتيجةً لذلك، الحركة المسكونيّة لا تعني إنكار التّنوّع ولا حتّى التّوحيد، بل في الواقع، الحركة المسكونيّة يجب أن تكون وستكون الأساس لإعادة اكتشاف هويتها الخاصّة، في عمليّة جدليّة حيث الخصوصيّة في خدمة التّعدّديّة والتّعدديّة تحمى وتضمن بقاء وازدهار الخصوصيّة.
إنّ استخدام المجمع الفاتيكانّي الثّاني لاهوت الشّركة koinonía كمنهج مفضّل لفهم الكنيسة ووحدتها، يجد صدئ إيجابيٍّ في قلوب العديد من المؤمنين، حتّى المعمدين غير الكاثوليك. لذلك، حدّد المجمع إمكانيّة الشّركة غير التّامّة مع الكنائس والجماعات المنفصلة، بدون استخدام التّعبير "شركةٌ" لكن بقوله على وجه الشّبه "متّحدةٌ مع" . وهذا يعتبر تعليمٌ جديدٌ قائمٌ على مبدأ أنّ كنيسةً المسيح لا تتطابق مع الكنيسة الكاثوليكيّة.
يقول Visioli:"إنّ الصِّياغة الدّقِيقة لِلفِقرة 8 ب من مرسوم نور الأمم، تُفهم فِي ضوءِ العلاقةِ بين الكنِيسة الجامِعة والكنِيسة الخاصّة، كتعبير عن واقِعٍ فِي الوقتِ ذاتِهِ مُوحِّد ومُتعدِّد، دُون أن تُلغى إحداهُما الأُخرى. وبِالتّالِي، فإِنّ العلاقة بين كنِيسة المسِيح والكنِيسة الكاثُولِيكِيّة فِي ضوءِ الشِّراكة الكامِلةُ الّتِي هِي أيضًا شِراكة الكنائِس، يبدُو أنّها تُفترض طبِيعة الواقِع الكنسِيّ، ليس فقط فِي علامةِ الوحدة، بل أيضًا فِي علامةِ الِاختِلاف. بِلا شكٍّ، أنّ كنِيسةً المسِيح تتجسّد بِشكل كامِل فقط فِي الجماعاتِ الكنسِيّة الّتِي تشترِكُ فِي نفسِ الإِيمانِ تحت قِيادةِ خلِيفة بُطرُس والأُسقُف المُتّحِدِ معهُ: فالكنِيسة الجامِعة تتحقّق فِعلِيًّا فِي الكنِيسةِ الخاصّة (فِيما بينها) بِشرطِ أن تكُون جمِيعُ العناصِر الأساسِيّة لِكنِيسة المسِيح موجُودةٌ فِيها. ومع ذلِك، فإِن العلاقةِ بين تعدّدِيّة الِانتِماءات ووحدةُ كنِيسة المسِيح يُمكِنُ، على الأقلِّ بِطرِيقِه تشبِيهِيّة، أن تفهم فِي العلاقةِ المُتميِّزةِ فِي المجالِ الكنسِيّ. ليس لِأنّ الكنِيسة الكاثُولِيكِيّة تتحقّق بِشكلٍ غيرِ مُميِّزٍ فِي أيِّ تعبِيرٌ عن الكنِيسةِ الخاصّةِ، ولكِن لِأنّ فِي وُجُودِ الكُلِّيِّ فِي الجُزئِيِّ، تشمل كنِيسة المسِيح وتُعكس أيضًا تمايُز الشِّراكِة. الكنيسة الّتي هي شركة الوحدة والتّعدديّة ليس بسببٍ تعدّد الكنائس الكاثوليكيّة الخاصّة، لكن أيضًا بقوّة اختلاف درجات الشّركة الّتي تعبّر عنها مختلف المعتقدات في كنيسةٍ المسيح الواحدة".
الكنيسة واحدة ومتعدّدة: هي كنيسة جامعةٌ أي كاثوليكيّة، وهي كنيسة خاصّة "جزءٍ من شعب اللّه". بينما مصطلح "شعب اللّه" يعكس التّعدّديّة، فإن "جسد المسيح" يشير إلى الوحدة في هذه التّعدّديّة، والمسيح هو أساس ومنبع هذه الوحدة: "أنتم جسد المسيح وكلّ واحدٍ منكم عضوٍ منه" (1قوّر 12، 27). فتعدديّة الأعضاء، تنوّع الوظائف لا يمكنها أن تهدّد الوحدة، كذلك الأمر الوحدة لا تستطيع إزالة التّعدّديّة واختلاف الأعضاء والوظائف. يقول بولس: "لئلّا يقع في الجسد شقاق، بل لتهتم الأعضاء بعضها ببعضٍ اهتمامًا واحدًا" (1 قوّر 12، 25). فأعضاء الكنيسة متّحدة فيما بينهم على أساس وحدة الحياة الّتي تنشأ من المسيح. "أما تعلمون أنّ أجسادكم هي أعضاء المسيح؟" (1 قوّر 6، 15).
وكلمة الوحدة unitas توضّح من جهة، حقيقة سرّ الكنيسة الّتي تمتدّ في كلّ الأحقاب وفي كلّ الأماكن وهي حاضرةٌ بشموليتها ووحدتها في كلّ أجزائها بشكل totum ut unum، أي الكلّ غير المنظورة في الوحدة، وفي ذات الوقت هي totum ut summa الكلّ في الكلّ. ومن جهة أخرى، الكلمة unitas تحيّل إلى الوحدة في الإرث التنظيميّ للكنائس الشّرقيّة، تمثّلت بالقوانين المقدّسة، الّذي يشكل المصدر الأساسيّ لكلّ تشريع قانونيٍّ للكنائس الشّرقيّة وأيضًا الشّرع النافذ ius vigens للكنائس الأرثوذكسيّة. فلا يمكن تجاهل التّعدّديّة في الطّقوس في الكنائس الشّرقيّة الّتي هي من صلب تقليد الكنيسة منذ القرون الأولي ومن وقت الرّسل، فيجب احترامها. ومن يترأّس الشّراكه المحبّة الجامعة عليه حمايةً التّنوّع الشّرعيّ، مستبعدًا كلّ تماثل في مستوًى واحدٍ، فاتحًا المجال للتّعدّديّة الليتورجيَّة، اللّاهوتيّة، الرّوحيّة والتّنظيميّة. فالوحدة في الكنيسة الجامعة لا تضحّي بالتّعدّديّة واختلاف الكنائس الخاصّة، الّتي، بدورهما، لا يعرقلّان الاتّحاد، لكن يمنحهما طابعٌ الشّراكة. هذه التّعدّديّة تصلح سواء لمختلف الخدّام، والمواهب، وإشكال الحياة والإرسإليّة في داخل كلّ كنيسةٍ خاصّةً، سواءٌ باختلاف التّقاليد الليتورجيَّة والثّقافيّة، بين مختلف الكنائس الخاصّة. أن طريقه التّعايش هذا الاختلاف لم ينظر إليها دائمًا كعنصر إيجابيّ، وفي بعض الأوقات أصبح شعور الاختلاف بين مختلف الكنائس الخاصّة عائقًا للتّفاهم وللتّعاون وللحركة المسكونيّة، مسبّبًا الشّلل للنّشاطات الرّعويّة المشتركة ومعطيا شهادة مضادّة إمام العالم. مثل هذه الصّعوبات يجب تجاوزها من خلال الاحترام الصّادق والتّعاون بين الكنائس، حسب الأنظمة القانونيّة للجسد القانوني الكنسيّ للكنيسة الكاثوليكيّة.
الوحدة، سواءٌ على الصّعيد العام أو على الصّعيد المحلّيّ، لا يعني تماثل أو امتصاص جماعةٌ من طرف الاخر. هي في خدمة جميع المجموعات لمساعدة كلّ واحدٍ أن يحيا الهبات الّتي قبلها من الرّوح القدس بشكل أفضل". "فالتّنوّع المشروع لا يناقض ألبتّ وحدة الكنيسة، بل ينمي مكانتها ويسهم بوفره في تمام رسالتها" . أشارت الوثائق الكنسيّة على مرور العصور، إلى أربعة أقسامٍ من التّنوّع: تنوّع الطّقوس اللّيتورجيّة، التّنوّع التّشريعيّ، التّنوّع الطّقسي والتّنوّع الكنائس متمتّعة بحكم ذاتيّ. إنّ طريقة التّعايش هذا التّنوّع لم ينظر إليها دائمًا كعنصر إيجابيّ، فقد أصبح في بعض الأوقات عائقًا للتّفاهم وللتّعاون وللحركة المسكونيّة، مسبّبًا الشّلل للنّشاطات الرّاعوية المشتركة ومعطيا شهادة مضادّة أمام العالم. مثل هذه الصّعوبات يجب تجاوزها من خلال الاحترام الصّادق والتّعاون بين الكنائس. والمرسوم المجمع الفاتيكانّي الثّاني في الحركة المسكونيّة يؤكّد على شرعيّة التّنوّع في التّعاليم المسيحيّة: "إنّ ما قيل سابقًا عن شرعيّة التّنوّع، من المستحسن أيضًا أنّ يقال عن تنوّع التّعبير اللّاهوتيّ حول العقيدة. ففي التّنقيب عن الحقيقة الموحى بها فقد استعملت في الشّرق والغرب طرائق ومناهج مختلفة لمعرفة الحقائق الإلهيّة والمجاهرة بها. فلا عجب إذنٍ إن بعض نواحي السّرّ الموحى به قد أدركها الواحد وعبّر عنها أفضل من الاخر، بحيث إنّه ينبغي اعتبار تلك الصّيغ اللّاهوتيّة المتنوّعة متكاملة أكثر من كونها متناقضة". فالوحدة في الكنيسة الجامعة لا تضحّي بالتّعدّديّة واختلاف الكنائس الخاصّة، الّتي، بدورهما، لا يعرقلّان الاتّحاد، لكن يمنحهما طابعٌ الشراكة. هذه التّعدّديّة تصلح سواء لمختلف الخدّام، والمواهب، وإشكال الحياة والإرسالية في داخل كلّ كنيسةٍ خاصّةً، سواءٌ باختلاف التّقاليد الليتورجيَّة والثّقافيّة، بين مختلف الكنائس الخاصّة.
يعترف البابا بولس السّادس بالتّعدّديّة المشروعة والغنية في مختلفٍ الطّقوس في الكنيسة، في مختلفٍ الإرث اللّاهوتيّ والرّوحيّ، في الإشكال الكثيرة من نماذج التّبشير، في الإشكال المختلفة من اتّباع المسيح . وهذا يوضّح وحده الكنيسة في شموليّتها: "في حضنٍ هذه الكنيسة، سواءٌ لتنوّع الغنيّ في الطّقوس اللّيتورجيّة أم للتّنوّع الشّرعيّ في الإرث اللّاهوتيّ والرّوحيّ والتّنظيمات الخاصّة، بعيدًا عن الإساءة لوحدتها، يضعونها بوضوح أكثر" . والتّعدديّة في التّعبير عن الإيمان الواحد لا يعرقل الشّركة في الكنيسة، بل يجعلها ممكنة، وذلك، لأنّ الوحدة في الكنيسة هي في التّعدّديّة. وهذا يوضّح العلاقة بين الوحدة في المضمون والتّعدديّة في التّعابير الكنسيّة المختلفة. فكما الوحدة مطلب جوهريّ كذلك التّعدّديّة تصبح ضرورة. هذه التّعدّد يه في الكنيسة مبرّر لاهوتيّا على وجه التّحديد من خلال عمل الرّوح القدس. فالتّعدّديّة واختلاف الكنائس الخاصّة، بدورهما لا تتعارض مع الوحدة، إنّما الأخيرة تمنحمها طابعٌ الشّراكة. هذه التّعدّديّة هي ضروريّةٌ سواءٌ لاختلاف الخدمات، والمواهب، وإشكالٌ من الحياة و العمل الرّسوليّ في داخل كلّ كنيسةٍ خاصّةً، سواءٌ لاختلاف التّقاليد اللّيتورجيّة والثّقافيّة بين مختلف الكنائس الخاصّة.
أكد البابا يوحنّا بولس الثّاني أنّ في كنائس خاصّة "ملء الكنيسة الجامعة"، أو إن "الكنيسة الكاثوليكيّة نفسها قائمةٌ في كلّ كنيسةٍ خاصّةً" . "في الواقع، ملء الكنيسة الجامعة يمكن أن يكون في كلّ كنيسةٍ خاصّةً، بمعنى أنّ في كلّ كنيسةٍ خاصّة "الكنيسة الجامعة بجميع عناصرها الأساسيّة حاضرة"، ونتيجةً لذلك، هي نشأت على " صورة الكنيسة الجامعة "، وإن في كلّ واحدةٍ منها" كنيسةً المسيح قائمة حقًّا، واحدةً، مقدّسة، كاثوليكيّة ورسوليّة". هذا ملء الكنيسة الخاصّة لا ينتج من خصوصيّتها، ولكن من وجود جميع العناصر الأساسيّة للكنيسة فيها، بما في ذلك الأولويّة للخليفة بطرس ومجلس الأساقفة. في الواقع هذه العناصر، وإن لم تكن لها أصولٌ في خصوصيّةٍ الكنائس، هي تنتمي إلى جوهر الكنيسة "من الدّاخل". فلكي يكون لها الملء، الكنيسة الخاصّة يجب أن تكون ضمن شركة الكنيسة الجامعة، وفي شركة مع كرسيّ رومًا ومع أسقفها . لكن، هذا الملء الكنسيّ ليس كافيًا لمنح الكنيسة الخاصّة تعبير "قائمةٌ في" حسبٍ ما جاء في نصّ "نور الأمم رقّم 8"، لأنّ هذا النّصّ لا يحتوي فقط على العناصر الأساسيّة لكنيسة المسيح لكن أيضًا استمراريتها إلى الأبد، وإن الكنيسة الخاصّة لا تستطيع أن توفّر هذه الدّيمومة، فهي لأسباب يمكن أن تنتهي. ويجب ألّا نفهم بالمصطلح الجامعي أو الكثلكة بالمعنى الجغرافي أو الكميّ، لكن بالمعنى التّكاملي والملء الإيمان والعقيدة، في الأمانة للوديعة المقدّسة. نتحدّث عن "تحقيقٍ كامل لكنيسة المسيح" أي إن الكنيسة الكاثوليكيّة، لكونها تحتوي على جميع وسائل الخلاص، هي الوحيدة الّتي تحتفظ بالوحدة التّامّة مع خليفة بطرس الرّسول، والتي تعد من العناصر الدّاخليّة التّأسيسيّة لجوهر كنسيّ لأيّ كنيسة. والكنيسة الكاثوليكيّة الّذي يحكمها الحبر الرّومانيّ مع الأساقفة في شركة معه، هي هذه الكنيسة الجامعة، الحاضرة في زمان ومكان، وبشكل محدّد هي "الكنائس الخاصّة" المصنوعة على صورة الكنيسة الجامعة، والّتي فيها ومنها تتكوّن الكنيسة الجامعة الواحدة والفريدة".
أقرّ البابا يوحنّا بولس الثّاني، بوضوح أنّ الكنيسة جامعةً لا يمكن فهمها كمجموعة كنائس خاصّةً، أو فيدراليّة للكنائس خاصّةً؛ ولا حتّى كمجموعة الكنائس الخاصّة تشكل الكنيسة الجامعة. بدون شكٍّ أنّ في الكنائس الخاصّة "الكنيسة الجامعة حاضرة بجميع عناصرها الأساسيّة، بهذا المعنى يمكن الحديث عن "الكمال" في الكنيسة المحلّيّة . حسب الوثائق الرّسميّة للكنيسة الكاثوليكيّة، لكي تكون الكنائس الخاصّة أعضاء حقيقيّة للكنيسة الجامعة (كاثوليكيّة)، يجب أن يصبح تحقيقها الكامل فقط عندما تكون منفتحة بشركة مع الكنائس الخاصّة الأخرى وتعترف بإرادة يسوع المسيح فيما يخصّ الخدمة البطرسيه لخليفة القدّيس بطرس، كخدمة الوحدة وليس الهيمنة. الوحدة في كنيسةٍ مرئيّةً لا يعني امتصاص ولا انصهار ، إنّما غنيّ التّعدّديّة في الحقيقة. وبالتّالي تصبح حركة مختلف الكنائس نحو الوحدة التّامّة مع خليفة القدّيس بطرس هو بالتّأكيد المسار نحو كماليّة وحدتهم الدّاخليّة. وإذا وجدت الكنائس الخاصّة أوالمحلّيّة كتجسيد للوحدة أي للكنيسة الجامعة، فالأخير لا يحيا إلّا من تنوعٍ الكثلكة أي من الكنائس الخاصّة والمحلّيّة . وتشكّل علاقة الشّركة بين الكنائس الخاصّة والكنيسة الجامعة بشكل ضمنيّ ومادّيّ كعلاقة كيان، وبشكل خارجيّ وشكّلي كعلاقة تمايز. ومهمّة الكنيسة الجامعة في ما يتعلّق بالكنائس الخاصّة هو ضمان بشكل شكليّ لوحدة الكنائس الخاصّة في العقيدة، في شركة كنسية وفي الحكم. ووحّده الكنيسة الجامعة لا تضحّي بالتّعدّديّة وبتنوع الكنائس الخاصّة، والّتي بدورها لا تعيق الوحدة، لكن تمنحها الطّابع الشّركة.
أعد مجمع العقيدة والإيمان رسالةً إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة بشأن بعض جوانب الكنيسة كشركة Communionis notio، والّتي نشرت بتاريخ 28 أيار 1992. أكّدت هذه الوثيقة إن الشّركة الكنسيّة لها طابع منظور وغير منظورٍ، وتتضمّن السّلطة التّراتبيّة وحياة الأفراد، الانضمام في حياة السّيّد المسيح، وفي الوقت نفسه شركة حميميه مع إخواننا فى أيمان. نذكر هنا بعض المقاطع: "أن مفهوم الشّركة هو "في قلب وعى الكنيسة، لكونها سرّ الاتّحاد الشّخصيّة لكلّ إنسانٍ مع الثّالوث الإلهيّ ومع البشر الاخرين، بدأت من الإيمان، وموجّهه نحو ملء تحقيق الأسكتولوجيّ في الكنيسة السّماويّة، بوصفها حقيقة واقعة بالفعل في الكنيسة الأرضيّة". و"الشّركة الكنسيّة هي على حدّ سواءٍ غير منظوره ومنظورًة. في حقيقتها غير المنظورة، هي شركة كلٍّ إنسانٌ مع الأب بالمسيح في الرّوح القدس، ومع الاخرين هي شركة في الطّبيعة الإلهيّة، في الأمّ المسيح، في الأيمان نفسه، وفي الرّوح نفسه. في الكنيسة على الأرض ، بين هذه الشّركة غير المنظورة والشّركة المنظورة في تعاليم الرّسل ، في الأسرار، وفي النّظام التّراتبيّة في السّلطة، هناك علاقة عميقة. في هذه الهبات الإلهيّة ، حقائق منظوره، يعمل المسيح بطرقٍ مختلفةٍ في التّاريخ مهمّته النّبويّة، الكهنوتية والملوكيّة للخلاص النّاس. العلاقة بين العناصر غير المنظورة والعناصر المنظورة للشّركة الكنسيّة هي أساس الكنيسة كسر الخلاص" .
البعد الجماعيّ للكنيسة وما له من علاقة مع البعد الخاصّ، يمكن تحديده كشركة كنائس "communio ecclesiarum"، "ولأنّ الكنيسة الجامعة هي جسدٌ الكنائس، يمكن تطبيق مفهوم "الشّركة" بشكل مشابه على الوحدة بين الكنائس الخاصّة أيضًا، وفهم الكنيسة الجامعة كشركة كنائس . أنّه يمثل مستوى الشّركة والوحدة لجميع المؤمنين ولجميع الجماعات المسيحيّة. من بين العناصر الّتي تشكّل وتعطى مضمون هيكلي خاصٌّ إلى الكنيسة الجامعة نذكر بعضها: 1-الوظيفة البطرسيَّة لمهمّة الأولويّة الّذي هو "الأساس الدّائم المنظور لوحدة الإيمان والشّركة" ؛ 2-العلاقة بين أعضاء الهيئة الأسقفيّة القائمة بشكلٍ دائمٍ؛ 3-الاهتمام بشؤون جميع الكنائس بما فيها الرّأس وأعضاء الهيئة الأسقفيّة، ولا سيّما بتحقيق واجب تعزيز إتمام مهمّة الكنيسة بمساعدة أولئك الّذين تمّ تعيينهم بمهمّة الأسقف. وبالتّالي، فإنّ الكنيسة الخاصّة ليست شخصًا في حدّ ذاته كاملًا ومستقلًّا، لكن يمكن اعتباره شخصًا كنسيا كاملًا فقط من خلال الشّركة، عندما تكون فيها الكنيسة الجامعة قائمة. والكنيسة الجامعة الّتي تتحقّق في الكنائس المحلّيّة وأنّه خارجٌ عن هذا التّعبير هو غير واقعيٍّ، هو الكيان ذاته الّذي تشكل من الكنائس المحلّيّة: "لذلك، صيغةٌ المجمع الفاتيكانّي الثّاني: الكنيسة في وتنطلق من الكنائس؛ لا تنفصل عن القول: الكنائس في وتنطلق من الكنيسة".
كما حدّدت العلاقة بين البعد الخاصّ والجامعي بتعابير انطولوجيّة (الباطنيّة المتبادلة) "mutua interiorità" في قرار المجمع العقيدة والإيمان Communionis notio (رقّم 9)، الّذي اعترف أنّ عناصر كثيرةٌ في كنيسةٍ المسيح هي موجودةٌ في الكنائس غير الكاثوليكيّة "وتسمّح بالاعتراف بفرح وبرجاء، بوجود شركة ما وإن كانت غير تامّةٍ". مع ذلك، توضّح لاحقًا، طبيعة هذه الشّركة غير التّامّة"، مؤكّدة: "لكي تكون كلّ كنيسة خاصّة كنيسة بشكلٍ تامٍّ، أي حضور خاصّ لكنيسة جامعه مع جميع عناصرها الأساسيّة، أي مؤسّسةً على صورة الكنيسة الجامعة، يجب أن يكون فيها حاضرٌ، كعنصر خاصٌّ، السّلطة الكنسيّة العليا: هيئة أسقفيه مع رئيسها الحبر الرّومانيّ وليس بدونه. ولكي تكون جميع الكنائس الخاصّة أعضاء حقيقيّين في الكنيسة الجامعة (الكاثوليكيّة)، وفقأ لتعليم الكنيسة الكاثوليكيّة، هذه الكنائس تحقّق بشكلٍ تامٍّ الكنيسة الجامعة فقط عندما تكون منفتحة بشركة مع بقيّة الكنائس الخاصّة وتعترف بإرادة الرّبّ يسوع بخصوص الخدمة البطرسيَّة لخليفة القدّيس بطرس، كخدمة الوحدة وليس السّلطة. هذا يعني أنّ الكنائس الخاصّة بنشأتها في ومن الكنيسة الجامعة، فيها ومنها تحصل على طابعها الكنسيّ. في الحقيقة، ينشأ الطّابع الكنسيّ لكلّ كنيسة خاصّةً من الكنيسة الجامعة، بينما الكنيسة الجامعة لا تستمدّ الطّابع الكنسيّ من كونها شركةً كنائس خاصّةً، لأنّ لديها في طبيعتها حقائق جوهريّة (الهيكليات لخدمة الوحدة في الشّركة: الهيئة الأسقفيّة والأولويّة) الّتي ليست ناجمه عن خصوصيّة الكنائس، لكن مع ذلك هي أقلّ من أيّ كنيسة خاصّةً.
في هذا الصّدد، يقول جورًج كاسبر: "لِتجاوُز هذِه الفجوة، يجِبُ علينا مِن جانِبِنا أن نعمل على إعادةِ تفسِير جدِيدة واستِقبال جدِيد لِلمجمع الفِاتيكانيّ الأوّلُ، الّذِي يُنقِذ هِبة الخِدمة البطرسيّة مِن أجلِ وحده وحُرِّيّة الكنِيسة، ويحتفِظ فِي الوقتِ نفسِهِ بِالتّقلِيد الشّرقِىّ لِلكنائِس ذاتُ الحقِّ الخاصِّ مع تقالِيدِها اللّاهُوتِيّةِ والرُّوحِيّة والقانُونِيّة الخاصّةِ بِها، ولكِن دُون الوُقُوعِ فِي فخٍّ الكنائِس الوطنِيّة المُستقِلّةِ. كما يرى عُلماء اللّاهُوت الأرثُوذكس فِي هذِهِ الِاستِقلالِيّة الوطنِيّة ضعفًا فِي الأرثُوذكسيّة المُعاصرةُ. يجِبُ إيجادُ حِلِّ جدِيد لِلمُشكِلة القدِيمة المُتعلِّقة بِالوحدة والتّنوُّع المشرُوع. حتّى وإِن واجهنا فِي المُستقبلِ صُعُوبات ومُشكِلات، فإِن انطِباعيّ هُو أننا فِي بِدايةِ مرحلة جدِيدة وأعدّه." "لا شكّ أنّ الحركة المسكُونيّة اليوم فِي نُقطةٍ تحوّل. ومِن بينِ الأسباب العدِيدة لِذلِك، أنّهُ بعد توضِيحِ العدِيدِ مِن المفاهِيمِ الخاطِئة وإِقامة تُوافِق أساسِيّ حول مركز الإِيمانُ، قد وصلنا الان إلى جوهرٍ اختِلافِاتِنا، أي اختِلافِاتِنا الاكِلِيسيُولُوجِيّة المُؤسّساتيّة. فِي اللِّقاءِ مع الكنائِس الشّرقِيّة القدِيمة ومع الكنائِس الأرثُوذكسيّة، يُمثِّلُ هذا الجوهرِ الخِدمة البُطرسيّة؛ وفِي اللِّقاء مع كنائِس الإِصلاح البُرُوتِستانتِيّ، يتكوّنُ مِن مسألةِ التّسلِيم الرّسُوليّ فِي الرِّسالةِ."وفقأ لِفهمنا الكاثُولِيكِي، فإِن كِلاهُما يُشكِّلانِ عُنصُرين أُساسِيِّين مِن أجلِ تحقِيقِ الشّرِكةِ الكنسِيّة الكامِلة، وبِالتّالِي فإِنّ الشّرِكة الإفخارستيّا تعتمِدُ على حِلِّ هذِهِ القضايا. أن المُؤسّسات، وبِالأخصّ المُؤسّسات القدِيمة والموقُرة والتّقلِيدِيّة مِثلُ تِلك المذكُورةِ، لها وزنِها، ولكِن أيضًا ثِقلِها، مِمّا يجعلُ الطّرِيق المُؤدِّي إلى اتِّفاقِ ليس سهلًا ومِن المُحتملِ أن يكُون طوِيلًا. "