موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الأب د. ريمون جرجس، النائب العام للنيابة الرسوليّة للكنيسة اللاتينيّة في سوريّة
يشكّل تحليل "المسألة المسيحية" في سوريا مؤشرًا حاسمًا لفهم الديناميكيات الأوسع التي تؤثر على السياق الإسلامي بأكمله في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإنَّ الوضع الحالي، الذي يتسم بعناصر من القلق والتوتر، لا يزال يكتنفه قدر معين من الغموض، مما يوحي بأن مستقبل المجتمعات المسيحية في البلاد لا يزال في مرحلة التعريف. ومن ناحية الأخرى، يمثل الخطر الناتج عن التطرف الإسلامي تهديدًا جادًا بالانقراض لهذه الجماعات التاريخية؛ ومن ناحية أخرى، يتم التمييز بين إمكانيات النهضة في إطار يمكن أن يضمن الحقوق العالمية.
في هذا السياق، تطرح "المسألة المسيحية" نفسها كمقياس لصحة الديمقراطية في هذه الأمم. ومن الضروري أن يكون هناك اعتراف فعلي بالحقوق الدينية والمدنية للأغلبية الإسلامية، سواء السنية أو الشيعية. ومع ذلك، بالتوازي، من الضروري ضمان حقوق الأقليات -سواء كانت دينية أو عرقية أو سياسية- بطريقة تضمن الحرية والمساواة الكاملتين. إن المجتمعات المسيحية، التي تمتلك العديد منها جذورًا عميقة في نسيج هذه المجتمعات، تمتلك القدرات الثقافيَّة والاجتماعيَّة اللازمة للمساهمة بشكل كبير في تقدم دولها الأصلية، كما يتضح من التجربة التاريخية.
إنَّ الطريق نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والاعتراف الحقيقي بالحقوق يجب أن يتم في إطار الالتزام بالتقاليد المحلية والتشريعات السائدة في الشرق الأوسط، حيث يلعب الإسلام دورًا بارزًا. ومع ذلك، فإنه من الضروري تعزيز مجتمع يضمن حقوقًا متساوية لجميع الأفراد، وتجنب معاملة الأديان الأقلية كأطراف تحت حالة من التبعيَّة. يتطلب ذلك توازنًا دقيقًا بين احترام التقاليد الثقافيّة والدينيّة والحاجة إلى إدماج حقيقي لكافة الفاعلين الاجتماعيين المعنيين. إنَّ الانتقال نحو نظام ديمقراطي وتطبيق إطار حقوق الإنسان ينبغي أن يتسم بالالتزام الدائم والاحترام الصبور للوقت اللازم لمثل هذه التحولات.
غالبًا ما تكون محاولات فرض تغييرات اجتماعية جذرية من الخارج غير مثمرة، بل تغذي أشكالًا من التطرف العنيف التي تعارض عمليات التحديث والانفتاح. لذا، فإنه من الضروري المضي قدمًا بصبر محترم، لضمان أن تكون التحولات حقيقية ومستدامة على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن أهمية الصبر يجب أن تكون متوازنة مع الالتزام المتواصل بالسعي إلى تحقيق هذه الأهداف. ومن الضروري عدم التضحية بالتقدم في حقوق الإنسان من أجل مكاسب سياسيَّة أو استراتيجيَّة أو اقتصاديَّة آنية. إنَّ نجاح هذه العملية الدقيقة من الشمولية والاحترام المتبادل يتطلب رؤية طويلة الأمد قادرة على مواجهة التحديات الحالية دون المساس بالاستقرار المستقبلي لهذه المجتمعات وبلادها.
في إطار أوسع من التأمل، يتبين أن "المسألة المسيحية" في سوريا ليست مجرد قضية محليَّة، بل تمثل دعوة عالميَّة لاحترام حقوق الإنسان وأهمية التنوع الثقافيّ والدينيّ في عالم يزداد ترابطًا. سيكون تطورها حاسمًا ليس فقط لمستقبل المجتمعات المسيحية والمسلمة في سوريا، بل أيضًا كنموذج لدول أخرى في المنطقة.