موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
انطلقت في بلدة الطيبة فعاليات ليالي الميلاد 2025 تحت شعار "عيدُنا حكايةُ أرض"، في أجواء حملت مزيجًا من الفرح والإيمان والرسائل الوطنية، وسط حضور واسع من أهالي البلدة والوفود الأجنبية وممثّلي السلك الدبلوماسي.
أقيم الافتتاح في مجمع دير اللاتين بتنظيم لجنة الكهنة التي تضم الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، في مشهد يعكس وحدة الكنائس الثلاث في الطيبة وتعاونها المستمر في خدمة مجتمع صغير لكنه متجذّر عميقًا في تاريخه المسيحي.
كلمة لجنة الكهنة: الفرح فعل صمود
افتُتِتحت الأمسية بكلمة للأب داهود خوري نيابةً عن لجنة الكهنة، أكد فيها أن فعاليات هذا العام تتميز بطابع خاص نتيجة التنسيق والتعاون المشترك بين الرعايا الثلاث: اللاتين، والروم الأرثوذكس، والروم الملكيين الكاثوليك، مثنيًا على الجهود الكبيرة التي بذلها شباب وصبايا الطيبة لإعداد برنامج متكامل، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلدة.
ووجّه الأب خوري تحية "مسيحية فلسطينية وطنية ميلادية طيباوية"، مشددًا على ضرورة حماية الفرح ورسم البسمة على وجوه الأطفال في ظل ما تتعرض له البلدة والمنطقة من ضغوط ناجمة عن الاحتلال واعتداءات المستوطنين. وختم بالتأكيد أن رسالة الميلاد تبقى مساحة أمل وصمود تعكس روح الطيبة وتراثها المسيحي العريق.
كلمة السفير البولندي: تضامن ورسالة سلام
ألقى السفير فيسلاف كوسيل، رئيس مكتب تمثيل جمهورية بولندا لدى دولة فلسطين، كلمة شدّد فيها على عمق العلاقة الروحية التي تربط بولندا بالأرض المقدسة، مؤكدًا تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني ودعمها للمجتمع المسيحي المحلي.
واعتبر السفير أن وجوده في الطيبة، "البلدة المرتبطة بجذور المسيحية الأولى"، فرصة للتأكيد على التراث الحي الذي تقدّمه فلسطين للعالم المسيحي. وأشار إلى أن افتتاح المغارة الميلادية في ساحة كنيسة اللاتين "علامة رجاء للمنطقة بأسرها".
وتوقف عند الظروف الصعبة التي يعيشها الأهالي، مثنيًا على "كرامة وصمود سكان الطيبة في مواجهة التحديات"، معتبرًا أن حضور السلك الدبلوماسي يحمل "رسالة تضامن وصداقة مع مجتمع يواجه آثار الصراع والاحتلال والعنف ضد المدنيين".
كما تحدّث عن وقف إطلاق النار الأخير في غزة، معربًا عن أمله بأن يفتح نافذة أمل للمدنيين، خاصةً العائلات التي تنتظر الأمان في موسم الميلاد. ودعا المجتمع الدولي إلى السعي نحو "سلام قائم على العدالة والاحترام المتبادل والمغفرة"، مستشهدًا بقول القديس يوحنا بولس الثاني: "لا تخافوا".
وعبّر السفير عن أمله بعودة السياحة والحج، مشيرًا إلى أن الزوار البولنديين كانوا دومًا جزءًا مهمًا من الحياة الدينية والاقتصادية في فلسطين، قبل أن يختم بتهنئة أبناء الطيبة متمنيًا لهم عيدًا يحمل "سلامًا وعدلًا وكرامة".
الأب بشار فواضله: الشعار ولِد من قلب الجرح
من جهته، قال الأب بشار فواضله، كاهن رعية المسيح الفادي للاتين، في حديث خاص لـ "نبض الحياة" أن شعار هذا العام جاء نتيجة واقع قاسٍ يعيشه الناس يوميًا، لكنه يعبّر في الوقت نفسه عن صمود البلدة التي تقدّم رسالة رجاء تنبثق من أرض تتألّم لكنها لا تنكسر.
وأشار إلى أنّ حرمان الإنسان من أرضه أو من حرية عبادته وتنقله وعيشه الكريم، يمثّل انتهاكًا لحق أصيل منحَه الله لكل إنسان، معتبرًا أن "عيدُنا… حكايةُ أرض" هو صوتٌ يطالب بالعدالة والسلام ويدافع عن كرامة الإنسان.
حضور دبلوماسي ورسمي واسع
شهد الافتتاح حضورًا دبلوماسيًا ورسميًا واسعًا، إذ شارك فيه ممثّلون عن بولندا وجمهورية التشيك والقنصلية الأمريكية والمكسيك وفنلندا والإكوادور والاتحاد الأوروبي والتعاون الألماني. وحضر أيضًا كهنة البلدة والرهبانيات العاملة فيها، إلى جانب رئيس وأعضاء بلدية الطيبة، وممثلي الأجهزة الأمنية والشرطية، وعدد من المؤسسات الكنسية والأهلية، ما أضفى على انطلاقة الفعاليات بعدًا رسميًا وروحيًا يعكس مكانة البلدة ودورها في المشهد المسيحي الفلسطيني.
فعاليات اليوم الأول: صلاة، مغارة، شجرة، وموسيقى
بدأت الليلة بصلاة مسكونية جمعت مختلف الكنائس، تلاها افتتاح مغارة الميلاد في ساحة كنيسة اللاتين وإضاءة شجرة العيد. ثم افتُتحت الخيمة الميلادية التي تضم بازار الميلاد بمشاركة متاجر ومبادرات محلية.
إطلاق أغنية الميلاد
أُطلقت خلال الافتتاح أغنية الميلاد الرسمية لعام 2025 بعنوان "عيدُنا حكايةُ أرض"، من فكرة وكلمات الأب بشار فواضله، ومكس وماستر ثائر عبد الكريم، بأداء الفنان إحسان سعادة وجوقة مدرسة البطريركية اللاتينية في الطيبة. جرى التسجيل في The One Studio واستديو نبض الحياة، وتولّى الإخراج سند ساحلية، في حين جاءت الأغنية من إنتاج إذاعة ومنصة نبض الحياة.
تلاها عرض موسيقي مميّز قدمته فرقة بيات بعنوان "ميلادك سلام"، إلى جانب مجموعة من الأغاني الميلادية التي أضفت أجواءً احتفالية دافئة، وسط تفاعل لافت من الجمهور الذي شارك بالتصفيق والغناء، كما تم خلال الفعالية توزيع "البربارة" على الحضور في تقليد محلي عريق يعكس تراث البلدة وروحها المجتمعية.
دعم محلي ومؤسسي
وجاء الاحتفال بدعم عدد من الجهات والمؤسسات التي ساهمت في إنجاحه، حيث كان ابن البلدة سليم عرنكي الراعي الماسي للفعالية، فيما تولّى البنك الوطني، ممثّلًا بمحمد حمايل، رعاية الحفل. كما شاركت البطريركية اللاتينية، وكاريتاس القدس وكاريتاس إيطاليا، إلى جانب وديع جاسر ونجيب خوري، في دعم هذه المناسبة. وقد عبّرت هذه المساهمات عن التزام مؤسسات الطيبة وأبنائها بدعم المبادرات المجتمعية والروحية وتعزيز الفعاليات الثقافية والدينية في البلدة.
بهذه الصورة، افتتحت الطيبة موسم الميلاد برسالة واضحة: هذه أرض لها حكاية… وشعبها ما يزال يرويها بثبات وإيمان.