موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الخميس، ١٩ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣
إعلان أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

إميل أمين :

 

في فبراير 2020، وخلال منتدى دولي حول الذكاء الاصطناعي، عقد في حاضرة الفاتيكان، بمناسبة الجمعية العامة السادسة والعشرين للأكاديمية الحبرية للحياة، صدرت وثيقة عرفت تالياً باسم «نداء روما»، أكدت تعزيز الحس بالمسؤولية بين المنظمات والحكومات والمؤسسات لكي يُضمن أن يكون الابتكار الرقمي والتقدم التكنولوجي في خدمة الذكاء والإبداع البشريين.

 

وكانت الأكاديمية البابوية للحياة هي حجر الزاوية الرئيس في هذا النداء، وذلك بالشراكة مع شركتي «أي بي أم» و«مايكروسوفت»، إضافة لمنظمة الأغذية العالمية، «الفاو».

 

وغداة إعلان «وثيقة روما»، كان المدير العام للفاو «شو دونيو»، يقطع بأن «الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحمل في ثناياه أثراً إيجابياً هائلاً، بما يجعل الزراعة أكثر إنتاجية واستدامة». ولكنه على الجانب الآخر، حذر من أنه «ينبغي الحرص على ألا يؤدي إلى ظهور تحديات ومخاطر اقتصادية واجتماعية جديدة غير مرغوب فيها».

 

هل من الوارد أن يكون الذكاء الاصطناعي خطراً بالفعل على حياة الإنسانية؟

 

هذا ما أكده إيلون ماسك، عملاق التكنولوجيا المعاصرة، والرجل الذي يعمل جاهداً على زرع شرائح إلكترونية في عقل البشر، ربما بهدف التحكم فيهم من على بعد.

 

وقد عبّر ماسك مؤخراً عن مخاوفه بالقول: «إن سطوة الذكاء الاصطناعي لن يتمكن البشر من الهرب منه»!

 

وفي هذا السياق، يبقى من المؤكد أن تبادر الهيئات والمؤسسات التي تحمل مسؤولية العالم الأخلاقية، إلى بلورة رؤى ووثائق، تصون كرامة الفرد البشري، بحيث لا تنتهك من قبل تلك الأدوات العصرانية، فائقة التطور.

 

ومن هنا كان لابد للأديان الإبراهيمية، أن تأخذ موقفاً متقدماً، ولهذا جاء اللقاء الأخير في الفاتيكان، حيث اجتمع ممثلو الأديان الإبراهيمية للتوقيع على وثيقة بهذا الشأن.

 

وكعادتها دائماً كانت دولة الإمارات سباقة، ورائدة، في كل ما يُعلي ويُرقي من شأن الإنسان والإنسانية، وجاء حضورها ممثلاً في منتدى أبوظبي للسلم، الذي مثله أمينه العام الشيخ المحفوظ بن بيه.

 

ومشاركة الإمارات جاءت ضمن إطار رؤية القيادة الرشيدة التي تضيء بأقوالها وأفعالها ظلمات عالمنا المعاصر، وتجسيداً لمساعيها لنشر ثقافة السلم في العالم، وكذا الإسهام في الارتقاء بالضمير الأخلاقي للعالم.

 

وفي هذا اللقاء الذي جرى في حضرة البابا فرنسيس، كان حضور الديانة اليهودية ممثلة من خلال الحاخام الأكبر إليعازر سمحا فايس، عضو مجلس الحاخامية الرئيسة لإسرائيل، أما الجانب المسيحي، فقد مثله المونسنيور فينتشينزو باليا، رئيس الأكاديمية البابوية للحياة، وبدا المشهد رفع قواعد أخلاقية رصينة في عالم منفلت وما من أحد قادر على التنبؤ بخطواته القادمة، ولاسيما في مجال العالم السيبراني، حيث تلعب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دوراً قادراً على صنع الصيف أو حلول الشتاء!

 

 

هدف الوثيقة

 

وكان الهدف الرئيس الذي سعت إليه الأكاديمية البابوية للحياة من وراء وثيقة «نداء روما»، هو نشر ثقافة تضع تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة الخير العام للجميع، وحماية البيت الإنساني المشترك بما يشكل مثالاً لآخرين كثيرين.. هكذا تكلم البابا فرنسيس في اللقاء الأخير الذي شهد توقيع ممثلي الأديان الإبراهيمية على الوثيقة.

 

وفي كلمته كان الحبر الروماني فرنسيس يشير إلى أن هذه التقنيات تؤثر على أسلوبنا في فهم أنفسنا والعالم، كما تؤدي المستجدات المتواصلة في هذا المجال إلى تعاظم دور هذه الأدوات في نشاطات الإنسان، بل وأيضاً في قراراته.

 

وشجع البابا ضيوفه على مواصلة التزامهم هذا وأعرب عن سعادته للرغبة في إشراك الديانات الكبيرة الأخرى في العالم، والرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة في أن يكون هناك دائماً تأمل في الجانب الأخلاقي لاستخدام اللوغاريتمات، ليس فقط على صعيد النقاش العام، بل أيضاً خلال تطوير الحلول التقنية. كما شدد كذلك على ضرورة أن يتمتع كل شخص بتنمية إنسانية وتضامنية من دون استثناء أحد، وأكد أنه من اللازم اليقظة والعمل كي لا يتعاظم استخدام هذه الأدوات على حساب الأشخاص الأكثر هشاشة.

 

هل قضية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بالفعل على هذا القدر من الأهمية وربما الخطورة، ما يستدعي أن يكون هناك وازع أخلاقي وإيماني، يعتبر بوصلة في زحام الصراع المحتدم الحادث من مشارق الأرض إلى مغاربها، وبين القوى القطبية التي تسعى للهيمنة على العالم؟

 

قبل نحو ثلاثة أشهر، وعبر منتدى استضافه المركز الفكري «ماكين أنستيتيوت»، في واشنطن، تحدث منظّر السياسة الأميركية، هنري كيسنجر، عن مخاطر الذكاء الاصطناعي.

 

ويقطع كيسنجر، صاحب المئة عام، بأن القدرات التكنولوجية الهائلة التي وفرها هذا النوع من المخترعات، أي الذكاء الاصطناعي، قد تم تضمينها في أسلحة لم تعرفها البشرية من قبل، من حيث القوة والضراوة.

 

وذهب حكيم السياسة الأميركية المعاصر أبعد من ذلك، إذ يرى أنه على رغم أن خطر نشوب نزاع نووي كان كبيراً خلال الحرب الباردة، إلا أن التقدم التكنولوجي في مجال الأسلحة النووية، وخصوصا تلك التي تدار عبر العقول الإلكترونية، أدى إلى ارتفاع درجة المخاطر والتخوف من سيناريوهات بالغة الخطورة، والدخول في الشتاء النووي!

 

«نداء روما» ينبه البشرية إلى أنها باتت تمتلك القدرة على التدمير الذاتي في وقت محدود، وخاصة بعد أن طورت تقنيات تتمتع بقدرة وقوة لم يكن يمكن تصورها قبل سبعين عاماً.

 

والشاهد أن الآلة باتت اليوم شريكة للإنسان، وفي الغد يخشى كل الخشية من إمكانية قيام الذكاء الاصطناعي بماكيناته الخاصة، بعملية تطوير ذاتي.

 

وعطفاً على ذلك، فإن هناك تساؤلات أخلاقية، وإيمانية، حول المكانة التي ستشغلها تلك الآلات، وهل ستأتي على حساب العمالة البشرية.

 

المؤكد أن التوقيع الأخير قبل أيام في الفاتيكان، من قبل ممثلي الأديان الإبراهيمية، وفي معية البابا فرنسيس، يفتح باباً طيباً لأن تكون هذه الوثيقة أداة لحوار مشترك بين الجميع، وأن تساهم رؤاهم في تطور إنساني للتقنيات الحديثة.

 

 

ثلاثة محاور

 

إن الحقوق الإنسانية نقطة مهمة مشتركة في اللقاء بين رؤى مختلفة للعالم وذلك للتوصل إلى أرضية مشتركة.

 

وتنامي الذكاء الاصطناعي، وشبه هيمنته على كافة مناحي الحياة، يدعو إلى تأمل متواصل في مسألة الحقوق والواجبات، ذلك لأن عمق وسرعة تحولات العصر الرقمي يثيران قضايا غير متوقعة تفرض ظروفاً جديدة على الأخلاقيات الفردية والجماعية.

 

ما الأمر الذي يضيفه انضمام الأسر الإبراهيمية الثلاث لنداء روما؟

 

حكماً، والتعبير، لفرنسيس، يشكل خطوة مهمة في تعزيز أنثروبولوجيا رقمية تقوم على ثلاثة محاور أساسية: الأخلاقيات، والتربية، والحقوق.

 

ويأتي الحديث عن «نداء روما» هذه الأيام، في وقت تشتد فيه أزمة الجوع، وإشكالية تعطل سلاسل إمداد الحبوب، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً على أهمية الذكاء الاصطناعي في تحسين النظم الغذائية والزراعية، وكيف لهذه الأدوات المعاصرة أن تسهم في التخفيف من وطأة الجوع، الأمر الذي يشكل بكل وضوح هدفاً أخلاقياً.

 

غير أن المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، شو دونيو، ينبه إلى أنه لابد من الحرص على أن يتم تصميم أدوات الذكاء الاصطناعي واستحداثها واستخدامها بما يتسق مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية.

 

ومن أجمل وأفعل ما جاء به اللقاء الأخير في الفاتيكان، هو خروج الشركات الكبرى من قيود وأسر الربح المجرد، والانعطاف لجهة الأخلاقيات الإنسانية.

 

وعلى سبيل المثال صرح «براد سميث» رئيس شركة مايكروسوفت، ونائب رئيس مجلس إدارة الشركة بالقول: «ينبغي ضمان أن الذكاء الاصطناعي يظل أداة صنعتها الإنسانية من أجل الإنسانية».

 

أما، داريو جيل، نائب الرئيس الأول في شركة «أي. بي. أم»، فقد اعتبر أن اللقاء بمثابة اتحاد من قبل الأديان الإبراهيمية معاً للتفكير والتصرف حول تداعيات التقدم السريع لحدود العلوم والتكنولوجيا.

 

هل هذه هي نهاية جهود «نداء روما»؟

 

بالقطع لا، فهناك موعد في يوليو القادم، بحسب المنسنيور باليا، في اليابان، بهدف توقيع الديانات الشرقية على «نداء روما» الخاص بالذكاء الاصطناعي.