موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
وضع البابا فرنسيس الذي توفي الاثنين عن 88 عامًا، قضية إعادة الكرامة الإنسانية للمستبعدين في قلب رسالته، فحظي بشعبية كبيرة بين المؤمنين، وإن واجه معارضة داخلية داخل المؤسسة الكنسية بسبب إصلاحات وبعض المواقف التي أعتبرت جريئة.
تمّيز هذا اليسوعي الأرجنتيني بالعفوية والحيوية لكن أيضًا بإدارة اعتُبرت أحيانًا شخصية للغاية، وهو ما عرّضه لانتقادات. حتى أنه أقرّ هو نفسه في كتاب ضمّ حوارات له مع أشخاص مستضعفين من حول العالم نُشر عام 2022 قائلا "أنا عصبي، غير صبور (...) أحيانًا أتخذ قرارات على عجل".
سعى هذا "الحالم" الذي اعترف بأنه "يغفو أحيانًا أثناء الصلاة"، بلا كلل إلى تحقيق هدفه الرئيسي: إصلاح الكنيسة الكاثوليكية لجعلها أكثر اهتمامًا بالفقراء والمهمشين. وقال عند انتخابه عام 2013 موضحًا اختيار اسمه الكهنوتي تيمنا بالقديس فرنسيس الأسيزي الذي كان نصيرًا للفقراء والمهمشين، "كم أرغب في كنيسة فقيرة، للفقراء".
وكان فرنسيس، وهو أول بابا يتحدّر من أميركا اللاتينية، أيضًا من أشدّ منتقدي الليبرالية الجديدة وقد ركّز رسالته على الدعوة الى العدالة الاجتماعية والبيئة والدفاع عن المهاجرين الهاربين من الحروب والفقر. ويقول روبرتو ريغولي، الأستاذ في الجامعة الغريغورية البابوية في روما، "البابا أشرك الكنيسة في قضايا كانت في قلب الديموقراطيات الغربية، مثل البيئة والتعليم والقانون".
في روما، نظر البعض الى الأسلوب غير المألوف لفرنسيس الذي فضّل السكن في شقة صغيرة في دار الضيافة في الفاتيكان على القصر الرسولي، وكان يدعو بانتظام مشردين وسجناء إلى طاولته، على أنه ثورة أو تمرد، معتبرين أنه أعطى الموقع طابعًا أقلّ رسمية.
كان يعبّر عن مشاعره لمن يلتقيهم، وحتى أثناء جائحة كوفيد أو أثناء جلوسه على كرسيه المتحرك، لم يرفض المصافحة أبدًا. وكان لتمنياته السنوية للكرادلة الرئيسيين في مجمع الكرادلة، تأثير مدوّ عام 2014 عندما عدّد فرنسيس 15 "مرضًا" يصيب الأساقفة، بما فيها "الأزهايمر الروحي" و"التحجّر العقلي".
ورغم أنه غالبًا ما كان يُعد تقدميًا في الشؤون الاجتماعية، لم يخرج البابا فرنسيس عن العقيدة التقليدية. فقد وافق على مذكرة للفاتيكان تعتبر المثلية الجنسية "خطيئة"، وعبّر بانتظام عن رفضه للإجهاض، وقارن هذه الممارسة باللجوء إلى "قاتل محترف"، وكرّر أن الأسرة تتكوّن من أب وأم. وفي شباط 2020، أغلق البابا فرنسيس الباب أمام الكهنة المتزوجين والشمامسة النساء في منطقة الأمازون.
على الساحة الدوليّة، أعلن نفوره من تجار السلاح والحروب، لكن صوته لم يلق آذانًا صاغية. ذهبت دعواته التي لا تعدّ ولا تحصى من أجل السلام في أوكرانيا أدراج الرياح، وهو عجز جعله حتى يذرف الدموع في كانون الأول 2022.
كما دعا إلى وقف الحرب في قطاع غزة، وأظهر تعاطفًا مع الضحايا المدنيين. وفي ظهوره الأخير في عيد الفصح، ندّد في كلمة تلاها أحد مساعديه بـ"وضع مأساوي مخجل" في قطاع غزة، محذّرًا في الوقت ذاته من "تنامي جو معاداة السامية الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم".
وفي الشرق الأوسط، برز كرجل حوار بين الأديان.
كان فرنسيس الذي وُلد في 17 كانون الأول 1936 في حي شعبي في بوينس أيرس وهو الأكبر بين خمسة أولاد، حفيد إيطاليَين هاجرا إلى الأرجنتين. ووجّه بانتظام توبيخات قوية للزعماء الأوروبيين الذين يعارضون وصول المهاجرين وانتقد القادة الشعبويين.
حصل على شهادة في الكيمياء. وقال إنه شعر بالدعوة إلى الكهنوت عندما كان في كرسي الاعتراف في السابعة عشرة من العمر. في سن 21 عاما، أدت إصابته بالتهاب حاد إلى استئصال جزئي لرئته اليمنى، ما منعه من تحقيق حلمه بالذهاب إلى اليابان كمرسل. في سن 22، انضم خورخي برغوليو إلى الابتداء في الرهبنة اليسوعية، ورُسم كاهنًا في 13 كانون الأول 1969.
بعد أقل من أربعة أعوام، أي في سن السادسة والثلاثين، انتخب مسؤولاً وطنيًّا لليسوعيين الارجنتينيين. وتولّى هذه المسؤولية ستة أعوام. وخلال الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976-1983)، ناضل خورخي برغوليو للحفاظ على وحدة الحركة اليسوعية.
توجّه بعدها إلى فرايبورغ في ألمانيا حيث نال شهادة الدكتوراه. لدى عودته، استأنف نشاطه الرعوي ككاهن محلي بسيط في مدينة كوردوبا على مسافة 700 كيلومتر شمال بوينس أيرس. في 20 أيار 1992، عينه البابا يوحنا بولس الثاني أسقفًا على اوكا وأسقفًا مساعدًا في بوينس ايرس، قبل أن يصبح أسقف بوينوس أيرس. عيّن كاردينالا في 21 شباط 2001.