موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٦ يوليو / تموز ٢٠٢٤
إدراج أم الجمال على لائحة التراث العالمي لليونسكو

أبونا :

 

أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، عن إدراج أم الجمال موقعًا أردنيًا سابعًا على لائحة التراث العالمي لليونسكو، التي تضم البترا وقصير عمرة وأم الرصاص ووادي رم وموقع معموديّة السيّد المسيح (المغطس) والسلط، وذلك خلال الاجتماع السادس والأربعون للجنة التراث العالمي المنعقدة في الهند.

 

وقال وزير السياحة والآثار مكرم القيسي، خلال الاجتماع بعد الإعلان مباشرة "نحتفل اليوم بانضمام أم الجمال إلى لائحة التراث العالمي لليونسكو، ولكننا نحتفل أيضًا بالعلاقة الوطيدة بين المملكة وبين منظمتكم العريقة والتي امتدت لعشرات السنين".

 

وتابع "أم الجمال هي المدينة النبطية الثالثة بعد البترا وأم الرصاص والتي مثلت امتدادًا لحكم الأنباط شمالاً وشاهدًا على قدرة الأنباط على بناء منظومة ذكية مستدامة على الرغم من شح المياه وتمثل المنعة التي تمتع بها أهل المنطقة في ذاك الوقت وحتى اليوم".

 

وبحسب بيان للوزارة اليوم الجمعة، يأتي إدراج إم الجمال وحسب معايير اليونسكو لما تضمنه الملف الأردني والذي تم تقديمه سنة 2022 من قيمة عالمية استثنائية، واستيفائه أيضا لمتطلبات السلامة و/ أو الأصالة ونظام حماية وإدارة يضمن الحفاظ على الموقع.

 

مدينة أم الجمال

 

أنشأ الأنباط "أم الجمال" ولعل اسمها الأساسي "ثانتيا" التي يذكر عدد من الجغرافيين القدامى أنها في هذه المنطقة الصحراوية ويجهل مكانها لتكون محطة استراحة للقوافل التجارية بين البتراء عاصمة المملكة وبلاد الشام. وكانت في بادئ الأمر مركزاً صغيراً ازداد أهمية بازدهار التجارة على خط البتراء/ الشام.

 

تقع أم الجمال في قلب الصحراء الأردنية، إلى الشرق من مدينة المفرق، على بعد 15 كيلومترًا منها وعلى مقربة من طريق بغداد القديمة، وقد بنيت بالحجر البركاني الأسود الذي خلفته البراكين في تلك المنطقة، وعثر فيها على كتابات نبطية ولكنها لا تذكر اسمها في تلك الأيام، كما عثر خارج السور على قبور نبطية كثيرة كانت معظمها مدافن للعائلات النبيلة.

 

والماء أمر جوهري في كل مكان وزمان وخاصة في الصحراء، فقد حفر سكان أم الجمال، بئراً لكل بيت وأنشأت السلطة بركاً كبيرة، وأقامت السدود لخزن مياه الشتاء. وبعض الآبار لا تزال صالحة إلى اليوم وكذلك أعدت ساحات كبيرة وعديدة داخل المدينة لإقامة القوافل التي كانت تغشاها وهي السبب في تسميتها بأم الجمال، فكانت المدينة محطة ترتاح فيها القوافل وتتزود بالماء والطعام ومن ثم تتابع طريقها.

ازدهار المسيحيّة

 

سنة 557 للميلاد، جرى حدث تاريخي في مدينة أم الجمال، ألا هو تدشين كاتدرائية المدينة، فجاءت الوفود المشاركة من مختلف الأبرشيات المجاورة في الأردن وسورية وفلسطين. وكانت أم الجمال آنذاك في أوج عزها ومجدها. ولا بد أن خريطة مادبا الفسيفسائية التي تعود إلى حوالي سنة 565 أي ثماني سنين بعد تدشين الكاتدرائية قد ذكرت ورسمت مدينة أم الجمال وكاتدرائيتها والمدن والمراكز الأخرى التي تتمتع بشيء من الأهمية في الصحراء الأردنية.

 

عثر في مدينة أم الجمال على خمس عشرة كنيسة وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على ازدهار المسيحية وأصولها العريقة، وعلى تقوى أهلها وحبهم للسيّد المسيح. ولا غرابة في ذلك فالمدينة محط ترحال عشرات الألوف من البشر والقوافل، فلا بد أن السلطة الكنسية اهتمت اهتمامًا روحيًا موصولاً بالمسيحيين الوافدين إلى المدينة مع القوافل من كل فج وصوب. أما أقدم كنيسة فهي كنيسة يوليانوس التي تعود إلى سنة 345.

 

وفي العصر البيزنطي تحولت الثكنة العسكرية إلى دير وهي تسمى اليوم (الدير)، وتشير إلى ذلك الكتابة التي عثر عليها على دائر البرج في الزاوية الجنوبية الشرقية، وهو برج من ستة أدوار يبلغ ارتفاعه ستة عشر مترًا، وتبرز منه شرفة فوق كل جهة من جهاته الأربع كتب عليها اسم أحد رؤساء الملائكة: جبرائيل وميخائيل وروفائيل. وعلى الجهة الرابعة كتب اسم اوريئيل وهو ملاك أسطوري. والثكنة بناء مستطيل فيه كنيسة من ثلاثة أروقة وحول الكنيسة باحة مفتوحة ومحاطة بصف أو صفين من الغرف.

 

ومن أبرز كنائسها، الكنيسة الغربية الواقعة على مقربة من بوابة كومودوس، ويبلغ طول مدخلها الرئيسي حوالي أربعة وعشرين متراً، ويبلغ صحنها حوالي اثنين وعشرين متراً وعرضه ستة عشر متراً، وبجوار الهيكل قوسان نقش عليهما صليبان، ويحيط بالكنيسة رواقان من الشمال ومن الجنوب وبين صحن الكنيسة والأروقة صفان من الأقواس. وأما بقية الكنائس فبعضها يتخذ شكل قاعة كبيرة وبعضها يحوي صحناً في الوسط تفصله عن الأروقة الجانبية أقواس قائمة على قواعد.

تبقى جميلة

 

عوامل طبيعية وتجارية كانت سببًا في دمار أم الجمال وفي هجر السكان لها. فالزلزال الرهيب الذي حدث سنة 746 والتغيير الجذري الذي طرأ على طرق التجارة كانا سببين رئيسيين في زوال أم الجمال اقتصاديًا ومعماريًا، وفي دفنها في قبر النسيان. فقد راحت القوافل تمر بعيدة عنها، ولم يعد هنالك من يحلم بما يرقد بين أنقاضها سوى بعض البدو والمفتشين عن الذهب والكنوز.

 

لقد رضيت مدينة أم الجمال مرغمة بأن تُنسى وأن تهمل وأن تنشأ غيرها من المدن وأن تزدهر، ولكنها بقيت وفية تتحدث لمن يقرأ لغة الآثار عن مجدها المندثر وعزها الغابر. إنها جميلة وجمالها على ما تقول أخبارها وآثارها في مسيحيتها.