موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٣ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥
آلة أرغن من القرون الوسطى تصدح مجددًا في القدس بصوتها الأصلي
عالِم الموسيقى في العصور الوسطى دافيد كاتالونيا يشرح تاريخ أقدم أرغن في العالم المسيحي أثناء عرض الآلة في دير المخلص

عالِم الموسيقى في العصور الوسطى دافيد كاتالونيا يشرح تاريخ أقدم أرغن في العالم المسيحي أثناء عرض الآلة في دير المخلص

أ ف ب :

 

بعدما بقيت صامتة لقرون، عادت آلة أرغن من القرون الوسطى اكتُشفت قرب كنيسة المهد في بيت لحم، لتصدح من جديد في القدس بصوتها الأصلي نفسه بعد أعمال استمرت سنوات.

 

وقال الباحث الإسباني دافيد كاتالونيا الذي عمل لأكثر من خمس سنوات على هذا الأرغن العائد إلى القرن الحادي عشر إن هذه الآلة "نافذة حقيقية على الماضي، فريدة من نوعها في العالم". وأضاف "للمرة الأولى في التاريخ الحديث، تُتاح لنا فرصة سماع صوت من العصور الوسطى".

 

وشرح على هامش لقاء مع وسائل الإعلام العالمية أن الأمر "ليس عبارة عن إعادة تكوين (الصوت) ولا هو فرضية، بل إنه الصوت الأصلي، بالاهتزاز نفسه الذي سمعه الصليبيون في كنيسة المهد".

 

أقدم أرغن في العالم المسيحي (إلى اليسار) وقربه نسخة منه (إلى اليمين) لدى عرضهما في دير المخلص

بعد وضع قفازات بيضاء، عزف كاتالونيا موسيقى طقسية على هذه الآلة التي يصفها بأنها "معجزة"، وهي موجودة راهنًا في دير المخلص في البلدة القديمة بالقدس، وستُعرض في المتحف التابع لحراسة الأراضي المقدسة الفرنسيسكانية.

 

وتتسم النغمات الموسيقية لهذا الأرغن بشيء من الغموض، ولا تفاجئ السامع الذي لا يتوقع أن تصدر عن هذه الآلة ذات المظهر المتواضع.

 

ورأى عالم الموسيقى ألفارو تورينتي الذي شارك في مشروع الترميم أن "الأمر يشبه اكتشاف ديناصور حي، فهو شيء نعرف أنه كان موجودًا، لكننا لم نكن نعرف عنه إلا من خلال متحجرات، وبالتالي من خلال أدلة محدودة جدًا. أما هنا، (فالأرغن) ليس متحجرة: إنه الشيء الحقيقي والصوت الحقيقي".

خبير يتفحص آلة أرغن من العصور الوسطى في دير المخلص

أمل كي يصدح مجدّدًا

 

واكتُشف هذا الأرغن "مصادفة تقريبًا" عام 1906، وفقًا للأخ يوجينيو ألياتا، وهو عالم آثار فرنسيسكاني تابع لحراسة الأراضي المقدسة المسؤولة عن عدد من الأماكن المقدسة، ومن بينها كنيسة القيامة في القدس ومهد المسيح في بيت لحم، في الضفة الغربية المحتلة.

 

فأثناء أعمال بناء نزل للحجاج، عُثر على مجموعة من 222 أنبوبًا نحاسيًا ومجموعة أجراس بالقرب من موقع كنيسة المهد. ونظرًا إلى أن هذه الأجزاء كانت مدفونة "بعناية فائقة"، أتاحت إعادة تكوين أرغن صُنع في فرنسا في القرن الحادي عشر، ونقله الصليبيون إلى الأراضي المقدسة في القرن الثاني عشر، وفق الدراسة الفنية التي أجراها كاتالونيا.

 

أما كوس فان دي ليندي، أحد أبرز خبراء آلات الأرغن في العالم، والذي استُشير أيضًا، فشرح أن "أمل الصليبيين الذين دفنوا الأرغن كان أن يأتي الوقت الذي تصدح هذه الآلة مجددًا. ولم يذهب هذا الأمل سدى، بل كان شرفًا عظيمًا أن نشهد ونشارك في إحيائه".

الأنابيب النحاسية لأقدم أرغن في العالم المسيحي لدى عرضه في دير المخلص

"طليعي"

 

ولاحظَ هؤلاء الخبراء أن الأرغن المعاد إحياؤه يتصف بتقنية عالية (18 أنبوبًا تُصدر نغمة واحدة) وبكونه حُفِظ بطريقة ممتازة، بالإضافة إلى قِدَمِه. فهو يكاد يكون معاصرًا لتطور هذا النوع من الآلات. ويعود تاريخ معظم آلات الأرغن القديمة المحفوظة، ذات الحجم الأكبر، إلى القرن الخامس عشر.

 

واشار تورينتي إلى أن "المسيحيين الأوروبيين جلبوا إلى كنيسة بيت لحم الآلة الموسيقية الأكثر طليعية التي كانت تستخدم في القداديس آنذاك، وهي آلة الأرغن التي صُممت لتكون رمزًا للموسيقى المقدسة". وأمل في أن يُثير هذا "أرغن بيت لحم" هذا، كما يسميه فريق البحث، اهتمامًا لدى العامة أيضًا، إذ شدد على أن هذا الاكتشاف لا يزال يخبئ أسرارًا كثيرة".