موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لقد علّم الله الانسان منذ بدء الخليقة أن يستريح في اليوم السابع ويقدّسه أي أن يستخدم هذا اليوم في عبادته تعالى. وكلمة سبت في اللغة الأصليّه تعني الراحة. وأوصى النبي موسى اليهود بتقديس (السبت) والهدف من ذلك هو تخصيص وقت لعبادة الله. ولكن مع الوقت جعل اليهود من يوم السبت هدفهم الأعلى ، وعبدوا ولا زالوا يعبدون السبت بدلاً من تقديم قلوبهم للرب ، وجعلوه ثقلاً على الناس ومنعوا في السبت حتّى أعمال الخير والرحمة. لذلك حارب السيّد المسيح فكرة عبادة يوم الراحة ، والانجيل الطاهر حافل بصدامات يسوع المسيح مع الفريسيين. وعلّمنا يسوع بأنّ الإنسان هو سيّد اليوم وليس العكس ، ولهذا ينبغي أن نعبد الله في كلّ وقت ، مع تخصيص يوم لعبادة الله. ولذلك كان يسوع يتعمّد صنع العجائب أيّام السبت. لقد كان يوم الرب "يوم الأحد" منذ الأزمنة الرسوليّة الأولى موضوع إكرام خاصّ في تاريخ الكنيسة ، بسبب ارتباطه بصميم السرّ المسيحي. واختار الرسل يوم الأحد ليكون هو اليوم الذي نقدّسه ، ونعبد فيه الرب ، وليس السبت وذلك لأنّ نهار الأحد يُذكّر بيوم قيامة المسيح المجيدة. إنّ يوم الأحد هواليوم الذي تحتفل فيه المسيحيّة بغلبة المسيح على الخطيئة وعلى الموت. والحقيقة أنّ المسيحيين كانوا يُعطون عبارة "يوم الرب" ملء معناها النابع من البلاغ الفصحي: (1 قور 12، 3 ؛ فيلبي 2،11 ؛ رسل 2 ، 36). وكان المؤمنون من مدينة "ترواس" مجتمعين في يوم الأحد "لكسر الخبز" حين وجَّه إليهم بولس خطابه الوداعي وصنع معجزة ردَّ بها الحياة إلى الفتى أفطيخس (رسل 20، 7-12). ويشهد سفر الرؤيا بما شاع بين المسيحيين من تسمية هذا اليوم الأول من الأسبوع "بيوم الربّ" (1، 10). ولاحظ بلينوس، حاكم آسيا الصغرى ، عادة المسيحيين في "أن يجتمعوا في يوم محدّد قبل بزوغ الشمس ، لينشدوا في ما بينهم نشيدًا للمسيح ..." وكتب تقريرًا بذلك إلى الامبراطور الروماني "ترايانوس" الذي طلب منه تقريرًا وتحقيقًا عن المسيحيين وأوضاعهم وأحوالهم. في الفترة الأولى من تاريخ الكنيسة ، لم يكن النظام الأسبوعي معروفًا في المناطق التي انتشرت فيها المسيحيّة ، ولم تنطبق أيام العطلة في التقويمين اليوناني والروماني على يوم الأحد المسيحي. ومن ثمّ فقد كان حفظ الأحد يجرُّ على المسيحيين صعوبة خطيرة. لذلك اضطرَّ المؤمنون إلى الاجتماع قبل طلوع الفجر. وهذا ما نوّه به الوالي "بلينوس" أعلاه والفضل ما شهد به الأعداء كما يقول المثل. كما نوّه به المدافعون عن الإيمان وآباء الكنيسة في كتاباتهم ومواعظهم. منهم على سبيل المثال لا الحصر ، الفيلسوف والقديس "يوستينوس" الشهير وهو من مواليد نابلس سنة 90 للحساب الميلادي ، الذي كتب في دفاعه الأوّل عن المسيحيّة (رقم 67) والموجّهة الى الامبراطور "أنتونينوس بيوس" ما يلي : " كلّ يوم شمس (Sunday كما نقول بالانكليزيّة) ، نلتقي نحن المسيحيين حول المُترئس (أي الكاهن) من كلّ المدن والقرى ، ونقرأ من كتابات الأنبياء ومذكرات الرسل والرسائل والانجيل ، ثم نحضر خبزًا وخمرًا للقداس". يسمّي الوثنيون يوم الأحد "يوم الشمس" والمسيحيون يسمّونه يوم الرب. قام الامبراطور قسطنطين ، بتعيين يوم الشمس يوم عطلة رسميّة لأنّ المسيح قام في يوم الشمس. وكان الرسل وبخاصة القديس بولس، يتردّد إلى المجمع اليهودي ليبشّر اليهود المجتمعين هناك بيسوع المسيح (رسل 13، 27). وإليك ما يقوله الكتاب المقدس: "ولكن في اليوم الأول من الأسبوع (أي الأحد) باكرًا جدًا، جئن (بعض النساء) إلى القبر حاملات الحنوط الذي هيّأنه... عندئذ قال لهن الرجلان: "لماذا تبحثن عن الحيّ بين الأموات؟ إنّه ليس هنا، ولكنّه قد قام في اليوم الثالث " (لوقا 1:24ـ7). إنّ السيّد المسيح بعد قيامته كان يظهر لتلاميذه في يوم الأحد: "ولمّا حلّ مساء ذلك اليوم، وهو اليوم الأوّل من الأسبوع، كان التلاميذ مجتمعين في بيت أغلقوا أبوابه خوفًا من اليهود، وإذا يسوع يحضر وسطهم قائلا: "سلام لكم".. وبعد ثمانية أيام ، إذ كان تلاميذه مجتمعين ثانية... حضر يسوع والأبواب مغلقة ، ووقف وقال: "سلام لكم" (يوحنا 19:20،26). في سفر الأعمال الذي يحكي حياة الكنيسة الأولى نجد أنهم كانوا يجتمعون في يوم الأحد: "وفي أوّل يوم من الأسبوع، إذ اجتمعنا لنكسر الخبز، أخذ بولس يعظ المجتمعين، ولمّا كان ينوي السفر في اليوم التالي، أطال وعظه إلى منتصف الليل" (أعمال 7:20). كذلك كان الرسل يجمعون عطاياهم في نفس هذا اليوم: "ففي أول يوم من الأسبوع (أي الأحد) ، ليضع كل منكم جانبًا ما يتيسّر له مما يكسبه.." (1كورنثوس 2:16). خاتمة يقول القدّيس بولس الرسول الإناء المختار ورسول الأمم في رسالته الى أهل كولسي : "لا يحكم عليكم أحد في المأكول والمشروب أو في الأعياد والأهِلَّة والسُّبوت ، فما هذه كُلُّها إلاّ ظِلّ الأُمور المستقبَلة ، أمّا الحقيقة فهي في المسيحِ." (كولسي 2 : 16-17).