موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مقدّمة
الاِسم (شِم في اللغة العبرية) في الكتاب المقدس يشير لهوية وشخصية الشخص الذي يحمل هذا الاسم وأيضًا للرسالة التي سيحملها فيما بعد. لازلنا في زمن القيامة الـمُفرح الذي فيه نشهد بأن خلاصنا تم من خلال موت وقيامة يسوع، "الـمُخلص-الخلاص" معنى اسمه. فهناك بعض من الشخصيات الّتي دعاهم الرّبّ وفي بعض الأحيان تمّ تغيير اسم بعض الشخصيات التي دعاها مثل يعقوب الّذي صار إسرائيل (راج تك 32: 29) وسمعان الّذي صار بطرس (راج يو 1: 42). والجديد الذي سنكتشفه في هذا المقال، هو أنّ اسم يسوع "الله يخلص" وهو اسم خاص، له جذوره بالعهد الأوّل ولكن سنكتشف أن في رسالة يسوع الخلاصيّة تتجسد في قيامته. في القيامة سيُتممّ معنى اسمه بالكامل والذي يحمل الخلاص لي ولك ولكل البشرية. يحمل "اسم يسوع" رسالة خلاصيّة لاسم كلاً منا. من خلال الاسم كتابيًا الذّي حدد هوية ورسالة يسوع بالعهد الثاني من مقطع الإنجيل بحسب متى (1: 20- 21) هكذا سنتعرف على دور يشوع، جذر اسم يسوع الخلاصي الّذي رافق بني إسرائيل في مرحلة هامة وملامح دوره (يش 1: 1- 5). هدف مقالنا هو أن نتعرف على هويتنا من خلال انتمائنا كمسيحيين لاسم يسوع. ثمّ سنتعرف على معنى اسم يشوع وتطبيق هويته من خلال رسالته الواردة في نص العهد الأوّل من سفر يشوع (1: 1- 5).
1. معنى اِسم يشوع-يسوع (يش 1: 1-5؛ مت 1: 20- 21)
يحمل اِسم أوّل القضاة العبرانيين يشوع ابن نون معنى يرتبط بشكل مباشر باِسم يسوع. اِسم "يشوع" مِن اللغة العبريّة على صلة قوية في جذوره باِسم يسوع. معنى ذات الاِسم يشوع أيّ يسوع باللغة العربيّة له علاقة بالتحرير والخلاص. في كل اللغات المختلفة، قد توجد أسماء متشابهة بالتأكيد، لكنها مختلفة تمامًا في جوهرية هوية صاحب الاسم ورسالته، بحيث تختفي العلاقة لاختلاف هوية الشخصيتين عمليًا. لم يُذكر اسم يشوع نهائيًا في الأناجيل المقدسة. ولكن ذُكِر في العهد الجديد مرتين فقط في نهاية خطاب إسطفانوس الشهيد القائل: «فتَسلَّمَها آباؤُنا [الأرض] ودَخَلوا بِها، يَقودُهُم يَشوع» (أع 7 :45). ثم في العظة إلى العبرانيين: «فلَو كانَ يَشوعُ قد أَراحَهم، لَما ذَكَرَ اللّهُ بَعدَ ذلِك يَومًا آخَر» (4: 8).
في كثير من الأحيان، في الكتاب المقدس تشير أسماء الشخصيات الكتابيّة إلى إتمام معنى خاص تمّ في وقت ولادة الطفل. هكذا، فإن أمهات أطلقن اسماء على أبنائهم وفقًا لظروف ولادتهم (راج تك 29 - 30) وهذه الأسماء تحمل هويتهم. ومن هنا نفهم المعنى الكتابي سواء لِاسم يشوع بالعبري أو لاِسم يسوع بالعربي بمعنى "الـمُخلص" أو بشكل أدق "الرّبّ يُخلص" أو "الرّبّ هو الخلاص".
أوّل مرة يُذكر فيها اسم يسوع قبل ولادته سواء بحسب متى أو بحسب لوقا، من الله مباشرة، وليس من أمه. بحسب بشارة متى الإنجيلي يأتي على لسان ملاك الرّبّ هذا صراحة في الحلم ليوسف: «ستَلِدُ [مريم] ابنًا فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم» (1: 21). وبحسب بشارة لوقا أيضًا على لسام الملاك جبرائيل في بشارته لمريم حينما قال لها: «لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابناً فسَمِّيهِ يَسوع» (لو 1: 30- 31).
2. يشوع: مُساعد موسى (عد 11: 28؛ خر 24: 13)
بالعهد الأوّل لدينا أوّل أسفار الكتب التاريخيّة، هو السفر الّذي يحمل اسم يشوع. يأتي هذا السفر مُباشرة بعد الأسفار الخمسة الأوّلى بالشريعة التي خُتمت بموت موسى بسفر التثنيّة. لكن يشوع، وهو أوّل قضاة عصره، لا يدخل في تاريخ الخلاص كنقطة فارغة في بداية الكتاب بل يُشار إلى السفر باسمه، مما يدل على أهمية دوره. رافق يشوع موسى وعاونه منذ حداثته في تحرير بني إسرائيل من مصر. وأوّل مرة نسمع فيها اسم يشوع بالعهد الأوّل حينما تحاور مع موسى: «يَشوعُ بنُ نون، وهو مُساعِدُ موسى مُنذُ حَداثَتِه» (عد 11: 28). ثمّ ظهر يشوع بدوره الواضح، للمرة الأولى بسفر الخروج (17: 9) حينما تم تكليفه بمهمة القتال ضد عدو إسرائيل، وهم العماليق، أثناء وجود موسى وهارون على جبل سيناء للصلاة. بعد ذلك بقليل، نجده هو الذي يصعد مع موسى إلى سيناء حينما تسَلَّم لوحي الشريعة من قِبل الله، بينما بقي هارون مع الشيوخ والناس في أسفل الجبل (خروج 24 :13). وأيضًا يشوع هو الّذي مكث في خيمة الاجتماع ولم يغادرها (راج خر 33 :11). وبسبب تمثيل يشوع لسِبطه وهو سبط إفرائيم، فأرسله موسى مع ممثلين الأسباط الإحدى عشر الأخرى لاستكشاف أرض كنعان؛ وهو الوحيد، الّذي عاد مع كالب، حتى لا يخاف مُشجعًا الشعب على الاستمرار في للاستقرار بأرض كنعان (راج عد 14: 7 - 9)؛ لهذا ساهم ممثلي الأسباط بإنقاذ حياة الشعب، وفي نهاية مسيرة الاستكشاف، كانوا الوحيدين من جيلهم الذين دخلوا أرض الميعاد (راج عد 4: 26 - 38؛ 26، 65). لذا موسى نفسه لم تتاح له فرصة رؤية أرض الموعد إلّا مِن بعيد. لذلك فقد هيأ يشوع خلفا له (عد 27: 12 - 23).
3. يشوع مُكمل لرسالة موسى (يش 1: 1- 5)
ما لم يتمكن موسى من تحقيق للخطة الإلهية وهي الدخول ببني إسرائيل إلى أرض الموعد بسبب موته. إلا أن الأمر سيكون متروكًا فيما بعد لـمُساعده لإتمام هذا المشروع الإلهي. وبالفعل يبدأ سفر يشوع برواية هذا الإتمام: «وكانَ بَعدَ وَفاةِ موسى، عَبدِ الرَّبّ، أَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ يَشوعَ بنَ نون، مُساعِدَ موسى، قائِلاَ: "إِنَّ موسى عَبْدي قد مات، فقُمِ الآنَ واعبُرِ الأردُنَّ هذا، أَنتَ وكُلُّ هذا الشَّعْب، إِلى الأَرضِ الَّتي أَنا مُعْطيها لِبَني إِسْرائيل. كُلُّ مَكانٍ تَطأُه أَخامِصُ أَقْدامِكم لَكمِ أَعطَيتُه، كما قُلتُ لِموسى [...] فلا يَقِفُ أَحَدٌ أَمامَكَ طولَ أَيَّام حَياتِكَ. كما كُنتُ مع موسى أَكونُ مَعَكَ، لا أُهمِلُكَ ولا أَترُكُكَ» (يش 1: 1-5)
عاون يشوع بني إسرائيل للدخول لأرض كنعان بعبور نهر الأردن، الّذي توقفت مياهه عند مرورهم بإرادة إلهية فهي بمثابة دعوة الله له: «فقالَ الرَّبُّ لِيَشوع: "في هذا اليَومِ أَبدأُ بتَعْظيمِكَ في عُيونِ إِسْرائيلَ كُلِّه، حتَّى يَعلَمَ أَنِّي كما كُنتُ مع موسى أَكونُ معَكَ. [...] هوَذا تابوتُ عَهدِ رَبِّ الأَرْضِ كُلِّها عابِرٌ قُدَّامَكم في الأُردُنّ. والآنَ فخُذوا لَكمُ اثنَي عَشَرَ رَجُلاً مِن أَسْباطِ إِسْرائيل، مِن كُلِّ سِبطٍ رَجُلاً. ويَكونُ عِندَ وَضعِ أَخامِصِ أَقْدامِ الكَهَنَة، حامِلي تابوتِ عَهدِ الرَّبِّ، سَيِّدِ الأَرضِ كُلِّها، في مِياهِ الأُردُنّ، أَنَّ مِياهَ الأردُنِّ تَنفَلِق، والمِياهَ المُنحَدِرَةَ مِن عالِيَةِ النَّهرِ تَقِفُ كُتلَةً واحِدة» (راج يش 3: 7-13). كما انشق البحر الأحمر للسماح بخروج بني إسرائيل من مصر (راج خروج 14؛ يش 4؛ 23). هكذا سمح الله بالدخول لأرض الميعاد، بتوقف مياه نهر الأردن. ثمّ جمع يشوع كل الشعب إلى شكيم وتجديد العهد (راج يش 24). ثمّ يخبرنا كاتب سفر يشوع بأنّ يشوع "عبدُ الرّبّ" مات في سن مائة وعشر سنة ودفن، مشيراً بارتباط رواية يشوع بتاريخ البطاركة، فقام بختام حياته مُضيفًا بأن عظام يوسف، ابن يعقوب، قد دُفنت في شكيم، ذات المكان الّذي تمّ فيه تجديد العهد مع يشوع، وبهذا يُختتم دوره.
كما أكمل يشوع دور موسى هكذا أكمل التلاميذ دور يسوع. يشوع خادم ومعاون موسى، مع التلاميذ لم يتمّ العبور إلى الأمم من خلال يسوع. كان تلاميذ يسوع المعاونين لـمَن قبل من الوثنيين دور يسوع الخلاصي بواسطة التلاميذ. هذه هي المهمة التي أوكلها يسوع المعلم لهم قبل أن يبتعد عن أنظارهم وقت الصعود. لذا قام الإنجيليين متى ومرقس ولوقا اتفقوا كلاً منهم على نقطة حاسمة وهي إرسالهم يسوع لكل العالم. هكذا يختتم الأناجيل الإزائية (مت 28: 18–20؛ مر 16: 15-20؛ لو 24: 46-53).
4. يسوع هو الـمُخلص الوحيد (مت 1: 21؛ لو 1: 31)
قام العديد من الشخصيات الكتابية بأدوار هامة ولها جوهريتها في المشروع الإلهي من خلال دور إبراهيم والبطاركة بالدخول في العهد الإلهي، ثم دور موسى لتحرير بني إسرائيل واكتماله بدور يشوع. كما أكمل يشوع عمل موسى معلمه، وبدوره تحقق الوعد الذي قطعه الله بإدخال شعبه واستقراره بأرض الموعد. هكذا في شخص يسوع ومن خلال إسمه اُعلنت رسالته وهي الخلاص، هذه المرة هي مرحلة الإتمام النهائية. مع يسوع وبه سيكون الاكتمال لــ "كل الأمم" (راج مت 28: 19) وفي "جميع أنحاء العالم" (مر 16:15) الذين تُعلن لهم بشرى الخلاص.
بالنسبة للاسم، بالعهد الأوّل لم يتجرأ أيّ إنسان للنطق أو مُناداة الرّبّ الإله باسمه. فالاسم الإلهي قد كُشف لموسى بعلامات خاصة (راج خر 3: 6). هكذا في الكتب المقدسة العبريّة يتم كتابة الاسم "يهوه" وينطق بشكل آخر الله، احترامًا وإجلالاً لعظمة الاسم الإلهي بخلاف نطق الاسم البشري. وهذا يعود إلى أنّ اسم الله يعود إلى هويته، وبما إنّ اسمه مقدس لذا لا يتم نطقه. وهذا يدل على اسم الله الساميّ لشعبه. فالله في الواقع، كشف عن ذاته بالكثير من الصفات. إلا أن يسوع بالعهد الثاني تم ندائه من الكل بسبب قربه وتجسده من كل إنسان ليس فقط نناديه بل يطلب منّا أن نناديه باسمه النازل من العلا. معنى اسم يسوع، الله يخلص. ففي كل مرة ندعو الرّبّ يسوع باسمه، الّذي أُعطي من العلاء وليس من البشر بحسب متى (1: 21)، وأيضًا لوقا (1: 31). من خلال اسم يسوع تتشابك علاقتنا بالله الّذي يدخل في حياتنا ويدخل الإلهي، دون أن يفقد هويته الإلهية، في علاقة حميمة وقوية في تاريخنا البشري لدرجة اننا نحن البشر يمكننا أن ندعوه باسمه. وبهذا نكتشف قربه منّا بشكل خاص بالرغم من عدم قدرتنا بمعرفته كاملاً. فالسّر الإلهي لا يمكننا تجاهله فقد أطاع يسوع ما تم تدوينه بالعهد الأوّل بحسب الشريعة من خلال ختانه. ويستمر بروح الطاعة للآب الّذي منحه الاسم حتى إتمام خلاصه على الصليب، فيصير اسم يسوع بالقيامة على مُسمى.
الخلّاصة
قد رأينا من خلال "اسم يسوع" أن القيامة هي علامة الخلاص النهائية، لذا من خلال اسم يشوع ويسوع في هذا المقال فتح لنا المجال للتعرف على رسالة كلاُ منّا على مثال يشوع الّذي رافق بني إسرائيل في مرحلة هامة وتحلى بدور أوّل القضاة بحسب المشروع الإلهي (يش 1: 1-5). إلا أنّه من خلال اسم يسوع ونلنا الخلاص من خلال اسمه. هذا يشجعنا بالسّعي للتعرف على هويتنا من خلال الاسم الشخصي وبالأحرى من خلال هويتنا المسيحية إذ نحمل اسم المسيح. وعلى ضوء هذا النص تعمقنا بالعهد الأوّل في اسم يشوع من خلال رسالته (يش 1: 1-5) التي حملت الإنقاذ لبني إسرائيل وأيضًا كان صورة مُصغرة واستباقية عن دور يسوع الخلاصي بشكل نهائي. وتوصلنا للتعرف على اسم يسوع بالعبريًة يعني "الله يخلص". واكتشفنا أن الاسم، هو طريقة دخول الرّبّ لحياتنا بطريقة حميمة وقوية تتشابك مع تاريخنا الشخصي. بإعطائه اسم من قبل الله، صارت لنا فرصة التفاعل معه بألفة لم يكن من الممكن أن نتصورها سابقًا، وهذا دون أن يفقد ألُوهيته. نتجت رؤيتنا اليوم من خلال التعرف على كيفيّة تَدّخُل يسوع التاريخ البشري بشكل بسيط، أيّ ليس فوق القانون ولكن بجعله مطيعًا لـ "القانون" البشري وهو أن يكون له اسم مثلنا. فهذا يساعدنا على تَعَّلُم الطاعة للقوانين البشرية، ولتاريخنا كما أعطانا الرّبّ إياه. طاعة تعني قبولًا مخلصًا وأيضًا ترحيبًا مثمرًا ومتواضعًا. علينا أن ننفتح في أعماقنا، على معنى اسمائنا كمسيحيين، ونفرغ ذواتنا من خلال الحياة التي طلبها الرّبّ منّا لنعيشها. قد تكون ليست تلك التي ربما خططنا لها أو تلك التي يمكن أن نتخيلها، يدعونا الرب إلى "طاعة الحياة" التي أُعطيت لنا مِن قِبله. وبينما ندخل في طاعة الحياة بالاسم الـمُعطي لنا ندخل في طاعة الرّبّ الّذي ننتمي إليه بإيماننا الـمسيحي فهو اسمنا الحقيقي مسيحي/ة. لذا يأتي اللص اليمين ليعلمنا درسًا هامًا حينما ينادي على يسوع بالاسم وهو الوحيد لدى لوقا الّذي يقوم بهذا الفعل فقال: «أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ» وسريعًا يجيبه يسوع الـمُخلص: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس» (لو 23: 42-43). ما مِن إنسان نادى على اسم يسوع وعاد خائبًا بل مُخلصًا.