موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ مايو / أيار ٢٠٢١

نورُه أشرقَ علينا

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
نورُه أشرقَ علينا

نورُه أشرقَ علينا

 

النّورُ، وَمَا أدراكَ ما النّور! النّورُ نِعمةٌ عَظيمة لا نُدرِكُ قِيمَتَها، إلّا عِندَمَا نغرقُ في الظُّلمات، وهبةٌ غالية لا نشعرُ بفُقدانها، إلّا حين نتخبّطُ في العَتمة. النّور هدايةٌ مِن الضّلال، كاهتداءِ بولس، بنور سماءٍ سطَع في أرجاءِ قَلبِه الْمُعتِمِ حقدًا على يسوعَ وأتباعِه! النّور شعورٌ بالأمان والاستقرار، والظّلمة خوفٌ واضطراب. النّورُ وضوحٌ وَدِرَاية، والعَتمةُ إبهامٌ وجَهَالة.

 

مَا أَعظَمَه من نورٍ وما أَحلَاه! مَا أجملَ نُورَ الْمَسيحِ القائِم، وما أبهى ضياءَ الحيِّ من بينِ الأموات! ضِياءٌ أَزَلي، ونورٌ أشرقَ في الظّلمةِ، والظلمة لَن تغشاه (يوحنّا 4:1). بريقٌ سَطَعَ فَبَدّدَ ظُلمَتنا. وسَنا مجدٍ كالصُّبحِ تبلّجَ، فأزال عتمةَ الخطيئةِ من قلوبِنا. وخيوطُ فجرٍ لَمَعَت، مُتَلألِأةً كالنّجومِ، فأيقَظَنا من غَفوتِنا. وألسنةٌ من لَهَبٍ تَوَهّجَت، فأضاءَت لنا دَربَ الحياةِ، وكَشَفَت لنا سبيلَ الأبديّة.

 

أيّها الأحبّة: إنَّ المسيحَ قَد قام حقًّا مِن بين الأموات. ونحنُ لَم نَتَوقّف يومًا عن إعلانِ هذهِ الحَقيقة. واحتفالُنا بالأمس بذكرى آلامِ الرّبّ وموتِه، مَا هو إلّا تمهيدٌ للإعلانِ الدّائم بأنّ فَادينا حيٌّ فوقَ التّراب، ومَن رأيناهُ فوق الصّليب مُعلَّقًا، بالحقيقةِ قَد قام. هذا ما جِئنا نُجدّد إيمانَنا به في أمِّ الّليالي، نُعلِنُه في عَشيّةِ العبور هذه، بثقةٍ تامّة لا تتزعزع: المسيحُ قام، حقًّا قام.

 

وإن كانَ النّورُ كلَّ مَا أورَدناه أعلاه، فَهل يُعقَلُ أَن نَنسى بِأَنّ النّورَ حَياة؟! أَسبقَ لكم أن تَأمّلتُم في عَظَمةِ شَمسِنا؟! أُختنا كَما كان يَدعوها القديس فرنسيس الأسيزي! هذا الجرمُ السّماويّ السّاطِع، الّذي دونَ نورِه الْمُشرِق عَلينا كلّ نهار، لانتفت الحياةُ وانمَحت الخليقة! نُورها الّذي يمدُّنا بالدّفءِ، ويُحي الأرضَ ربيعًا بعد موتِها شتاءً. قيامةُ المسيح، حياةٌ لَنا. قِيَامَته تمُدّنا بدفءِ الرّجاء. قيامتُه تُحيينا ربيعًا مُزهِرًا، بعد انقضاءِ شتاءِ عُمرِنا. نورُ قيامتِه يُرشِدُ الّذين سَبقونا إلى الأبدية بعلامة الإيمان. ضِياءُ نُشورِه مصدرُ رجاءٍ لنا نحن المسافرين على وَجه البَسيطة. ولَهيبُ نورِه الفِصحِيّ منارةٌ تدُلّنا صوبَ الشُّطآنِ السّرمديّة، بعدَ أن نكون قد أَتْمَمْنا الإبحارَ بنجاح، وَاجتَزنَا لُجَجَ هذهِ الفَانية بسلام.

 

نحنُ لَسنا النّور، ولَكِنّنا كَيوحنّا جِئنا شهودًا للنّور، فيؤمن عن شهادتِنا كَثيرون (يوحنا 6:1-8). نحنُ لَسنا النّور، ولكنّنا انعكاسٌ حيٌّ ومَرئي لنورِ المسيحِ القائِم فينا. فَإذا كانَ القمرُ مُضيئًا ببهاءٍ، بِفَضل انعكاس أشعّة الشّمس السّاقطة عَلى سَطحِه، فَكَم بالأحرى نحنُ الّذينَ نُشِعُّ سَناءً، بِفَضلِ نورِ المسيحِ المنبعِث منّا!

 

أيها الأحبّة، المسيح قام، ونحن شهودٌ على ذلك. وإن كانَ المسيح لَم يَقُم، فَكلّ ما نعمل باطل، وكلّ ما نرجوه باطل، وبكل ما نؤمن باطل، باطل، باطل! "كَلاَّ! إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات. وكما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم، فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح" (1قورنتوس 20:15-22). هذا هو إيمانُنا، والّذي دونَهُ، يغدو الكلُّ وَهمًا وَكَذِبًا وَهَباءً مَنْثورًا.

 

في عِيد القيامة المجيدة، إليكَ يا ربّ نُصلّي: أن تمنَحنَا نورَك لكي يُزيح الحجرَ الرّازح على أبوابِ قلوبِنا وعقولِنا، ويدحرَ عنّا كلَّ عتمةٍ وظلمة. أن تمنحنَا نورَك لكي يزرعَ فينا سلامًا وسكينة. أن تمنحنا نورَكَ لكي يُعطينَا أملًا بِأيّامٍ أفضل. أن تمنحنا نورَك لكي يُبدّد كلَّ خصومةٍ ويُزيلَ كلّ نزاع. أن تمنحنا نورَك لكي ينزعَ الضّغينةَ من القلوبِ السّجينةِ لأحقادِها. أن تمنحنا نورَك لكي يمنحَنا قوّةَ المصالحةِ والمسامحةِ والغفران. أن تمنَحنا نورَك فيجعلَ كلّ شيءٍ جديدًا...