موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
من أصعب النصوص في الكتاب المقدس هي النصوص النبوية أو الأخروية لأنه من الصعب أن نعرف اذا كان معناها حرفياً أم رمزياً هذا من جهة ومن الصعب أن نعرف هل ومتى وكيف تتحقق من جهة أخرى. وبالفعل ففي الفصل الثالث عشر من إنجيل القديس مرقس عامة وانجيل هذا الأحد خاصة يتكلم يسوع عن نهاية العالم ومجيء المسيح الثاني والدينونة، وذلك بأوصاف مخيفة لا بل مُرعبة: فبعدما يصف السيد المسيح الحروب والزلازل والمجاعات والاضرابات يقول "هَذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ" ولكنه يضيف: "وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ"، ثم يتكلم عن الاضطهادات والالام للتلاميذ يقول لهم: "وَلاَ تَهْتَمُّوا" ويُضيف: "وَلَكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ"، ثم يتكلم عن "رجاسة الخراب" وكان يعني خراب الهيكل، ثم يتكلم عن المُسحاء الدجالين والأنبياء الكذبة ويحذرهم: "حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُوَذَا هُنَاكَ فَلاَ تُصَدِّقُوا". وبعد هذه النصوص نصل الى الظواهر الطبيعية الغريبة: "«وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ الضِّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ" وهنا ينبئ عن مجيئه الثاني: "وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ" لا بل يتكلم أيضاً عن الدينونة: "فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ". وبعد كل هذا الرعب والتشويق يفاجئنا بمعلومات متناقضة لا تشبع فضولنا: فمن جهة يقول بأنها ستتحقق قريباً "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ". ومن جهة أخرى يقول: "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ" لذلك يطلب منهم: "انْظُرُوا! اسْهَرُوا وَصَلُّوا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ" ومع ذلك يؤكد بأن ما يقوله صحيح وسيتحقق بحذافيره لأن "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ". هنا نقع في الحيرة: هل هذا كلام حرفي أم رمزي مجازي؟ هل تحقق في الماضي أم أنه سيتحقق في المستقبل؟ خاصة وأنه كلما تحدث شدة أو ضيق، حروب أو زلازل أو كوارث طبيعية يستشهدون بهذه الآيات ليؤكدوا اقتراب نهاية العالم ومجيء المسيح الثاني. يبدو لي من نهاية هذا الفصل بأن السيد المسيح يريد أن يشدد التلاميذ والمسيحيين من بعدهم في الايمان خاصة في وقت الشدة والضيق والاضطهاد ويقول لهم "لا تخافوا أنا معكم" ويشجعهم على الثبات "من يثبت الى المنتهى يخلص" ولكن أيضاً أن يعلمهم السهر والاستعداد والحيطة والحذر لأنهم لا يعرفون متى يأتي الوقت "اسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ أَمَسَاءً أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ أَمْ صَبَاحاً". وخوفاً من أن يأتي ويجدهم نياماً. باختصار ينهي الفصل بكلمة واحدة: "وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا». أما عن الموضوعين المحوريين لهذا المقال وهما نهاية العالم ومجيء المسيح الثاني، فلي رأي شخصي أود أن أشارككم فيه، علماً بأنه موقف للنقاش فقط، أما الموقف اللاهوتي الرسمي فأتركه لذوي الاختصاص من العلماء واللاهوتيين: نهاية العالم قد تعني نهاية الكون أو الكرة الأرضية وخاصة نهاية الحياة على الأرض، وأنا لا أرى ضرورة لهذه النهاية الحتمية وخاصة الدراماتيكية آجلاً أم عاجلاً لأن عمر الكون مليارات السنين، وبداية الحياة على الكرة الأرضية منذ ملايين السنين وقد تطورت الحياة البشرية عبر القرون وكل ما نعرفه من التاريخ البشري بضعة آلاف من السنين قد نرجعها لبعض الحضارات القديمة أي لا أكثر من عشرة آلاف سنة، ولا نبالغ اذا قلنا بأن المعرفة الإنسانية تطورات في القرن الماضي والحاضر أكثر مما حدث طوال التاريخ البشري، فلماذا يجب أن ينتهي العالم عندما وصلنا الى هذه الدرجة من المعرفة والتطور والعلم؟! إذن التفسير الوحيد يمكن أن يكون إما حدوث كارثة فلكية أو هزات أرضية عنيفة جداً تدمر الكون أو الكرة الأرضية، وإما أن يصاب البشر بالجنون ويدمرون الكرة الأرضية ويضعون حداً للحياة البشرية بحروب نووية كارثية خاصة وأننا نرى بأن الدول العظمى لديها القدرات التقنية والعسكرية التي يمكن أن تدمر أكثر من الكرة الأرضية.. وهذا ما نخشاه بالفعل اذا حدثت مواجهة عظمى – لا سمح الله...!!! إذن أنا أعتقد بأن الكون والكرة الأرضية والحياة البشرية يجب أن تستمر وتتطور أكثر وأكثر – ولا ندري أين سيوصلنا هذا التطور العلمي والتقني السريع – إلا إذا جُنَّ جنونُ البشر..!!! أما عن المجيء الثاني للسيد المسيح فأنا أعتقد بأن ليس لدينا موعداً محدداً ثابتاً له في الكتاب المقدس أو الانجيل، فالسيد المسيح ذاته يقول بأن لا أحد يعرف ذلك لا الملائكة ولا حتى ابن الانسان.. لذلك فأنا أعتقد بأن الحياة البشرية يجب أن تستمر وأن سُنَّة الحياة والموت مستمرة لا أحد يمكن أن يتدخل فيها، فكل مولود ذائق الموت، وبالتالي فإن المجيء الثاني يعني مجيئنا نحن لدى الله بعد موتنا إذ أننا سنعاين وجهه الى الأبد، وهذا ما نسميه الحياة الأبدية أو السعادة الأبدية. من هنا فكل ما يوصينا به السيد المسيح بأن نكون ساهرين مستعدين متسلحين بالأعمال الصالحة لأننا سنحاسب عنها خيراً كانت أم شراً. أنا أعرف جيداً التعليم الرسمي للكنيسة ولكن أردت أن أشارك بوجهة النظر هذه الشخصية فقط لإثارة التفكير والمشاركة والنقاش في أمور صعبة ومعقدة لا بل غيبية ليس لدينا عليها جواباً منطقياً إلا بالأيمان إذ نؤمن بأن السيد المسيح "صعد الى السماء وجلس عن يمين الآب وايضا يأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه" كما أننا نؤمن ايماناً ثابتاً بالموت والحساب والثواب والعقاب "ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي"... وفي كل الأحوال ليس لدينا اعتراض إذا كان العالم سينتهي وإذا كان السيد المسيح سيأتي لأننا على يقين بأن هذا سيحدث في ساعة موتنا الحتمية طال العمر أم قصُر.. وعلينا أن نكون على أتم الاستعداد لتلك الساعة متى جاءت فأهلاً وسهلاً... بالعكس سنفرح فرحاً شديداً لأننا سنبلغ غاية وجودنا وهدف حياتنا وهو اللقاء بالله وجهاً لوجه والفرح الدائم برؤيته والاتحاد به، حيث الايمان يتحول الى عيان والرجاء الى حقيقة اذ يبطل الايمان وينتهي الرجاء وتثبت المحبة..!! الأب رائــد أبو ساحلية مدير عام كاريتاس القدس