موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٣ مارس / آذار ٢٠٢١

مقاومة ضد المسيح وتجديف على الروح القدس

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
الاحد العاشر للسنة ب: مقاومة ضد المسيح وتجديف على الروح القدس (مرقس 3: 20-35)

الاحد العاشر للسنة ب: مقاومة ضد المسيح وتجديف على الروح القدس (مرقس 3: 20-35)

 

الاحد العاشر للسنة ب (مرقس 3: 20-35)

 

النص الإنجيلي (مرقس 3: 20-35)

 

20 وجاءَ إِلى البَيت، فعادَ الجَمعُ إِلى الازدحام، حتَّى لم يَستَطيعوا أَن يَتنَاوَلوا طَعامًا. 21 وبَلَغَ الخَبَرُ ذَويه فَخَرَجوا لِيُمسِكوه، لِأَنَّهم كانوا يَقولون: ((إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد)). 22 وكانَ الكَتَبَةُ الَّذينَ نَزَلوا مِن أُورَشَليم يَقولون: ((إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين)). 23 فدَعاهم وكَلَّمَهم بِالأَمثالِ قال: ((كَيفَ يَستطيعُ الشَّيطانُ أَن يَطرُدَ الشَّيطان؟ 24 فإِذا انقَسَمَت مَملَكَةٌ على نَفْسِها فلا تَستَطيعُ تِلكَ المَملَكَةُ أَن تَثبُت. 25 وإِذا انقَسَمَ بَيتٌ على نَفْسِه، فلا يَستَطيعُ ذلك البَيتُ أَن يَثبُت. 26 وإِذا ثارَ الشَّيطانُ على نَفسِهِ فَانقَسَم فلا يَستَطيعُ أَن يَثبُت، بل يَنتَهي أَمرُه. 27 فَما مِن أَحدٍ يَستَطيعُ أَن يَدخلَ بَيتَ الرَّجُلِ القَوِيِّ وينهَبَ أَمتِعَتَه، إِذا لم يُوثِقْ ذلكَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أَوَّلاً، فعِندئذٍ يَنهَبُ بَيتَه. 28 ((الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئةٍ وتَجْديفٍ مَهما بَلَغَ تَجْديفُهم. 29 وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد)). 30 ذلك بأَنَّهم قالوا إِنَّ فيه رُوحاً نَجِساً. 31 وجاءَت أُمُّه وإِخوتُه فوقَفوا في خارِجِ الدَّار، وأرسَلوا إِليهِ مَن يَدْعوه. 32 وكانَ الجَمعُ جالِساً حَولَه فقالوا له: ((إِنَّ أُمَّكَ وإِخوَتَكَ في خارجِ الدَّار يَطلُبونَكَ)). 33 فأَجابَهم: ((مَن أُمِّي وإِخَوتي؟)) 34 ثُمَّ أجالَ طَرفَه في الجالِسينَ حَولَه وقال: ((هؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخوَتي، 35 لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي)).

 

المقدمة

 

يصف نص انجيل مرقس (مرقس 3: 20-35) في هذا الاحد خدمة السيد المسيح في الجليل المملوءة حبًا لخلاص الناس، لكنها كانت تُواجه مقاومة من فئتين: من ذويه والكتبة معا. فأقاربه يقولون "ِنَّه ضائِعُ الرُّشْد"؛ وأما الكتبة فيجذِّفون عليه بقولهم عنه " إِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين" (مرقس 3: 20-35). اما يسوع فدعا الكتبة ليُجيب على اتهامهم ليُخرجهم من التجديف كي يسيروا وراءه ودعا ذويه كي يعرفوا ان القرابة الحقيقية هي السماع الى كلمة الله والعمل بها؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته.

 

أولاً: وقائع النص الإنجيلي (مرقس 3: 20-35)

 

20 وجاءَ إِلى البَيت، فعادَ الجَمعُ إِلى الازدحام، حتَّى لم يَستَطيعوا أَن يَتنَاوَلوا طَعاماً.

 

عبارة "البَيت" في الأصل اليوناني οἶκον (معناها بيت دون أداة تعريف) تشير إلى بيت سمعان وأندراوس في كفرناحوم (مرقس 1: 29) حيث يجد يسوع نفسه في بيته. وذلك بعد ان ترك يسوع بحيرة طبرية (مرقس 3: 7) ثم صعد الجبل (مرقس 3: 13)، وهو الآن يدخل مع تلاميذه الى بيته. ويُعلق القديس بيدُس "عاد الربّ إلى بيت مَن اختارهم على الجب كما لو كان يريد أن يُعلّمهم أنّهم بعد أن نالوا شرف الرسالة، يجب أن يدخلوا إلى ضمائرهم".  أمَّا عبارة "الجَمعُ" فتشير الى احدى الالفاظ المتكررة في انجيل مرقس (مرقس 2: 13، 3: 7، 4: 1، 5: 21، 6: 34، 7: 14) مما يدلُّ ان يسوع لم يعاشر افرادا، بل جمعاً منذ بدء رسالته العلنية. أمَّا عبارة "الازدحام" فتشير إلى حماس الجمع الذي اثاره يسوع منذ حياته العلنية، لان الجمع كان يلتف حوله ويرافقه في تجواله ويرافقه (مرقس 2: 1-2) رغبةً منهم في سماع كلامه وحصولهم على الشفاء ومشاهدتهم معجزاته؛ فكلّ واحد من الناس يريد أن يصل إلى يسوع لأجل غايته الخاصّة. أمَّا عبارة "لم يَستَطيعوا أَن يَتنَاوَلوا طَعاماً" فتشير الى انشغال يسوع والرسل بتعليم الجمع وصنع المعجزات، لأنه لم يْعد لديهم متسعٌ من الوقت لتناول الطعام في وقته. فمشيئة الله تُشغلهم عن نفوسهم وعن ذويهم، وهمّهم غذاء الجمهور الروحي، ولكن لا أحد ينتبه إلى حاجتهم إلى الأكل والراحة.

 

21 وبَلَغَ الخَبَرُ ذَويه فَخَرَجوا لِيُمسِكوه، لِأَنَّهم كانوا يَقولون: ((إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد)).

 

تشير عبارة "بلغ الخَبَرُ" الى أنباءٍ الذي سمعها ذويه عن معجزات يسوع وتعليمه وازدحام الناس عليه، إذ انتشر صيته بين عامة الناس في أماكن كثيرة (مرقس 3: 7-8) وبين الكهنة (مرقس 3: 6)، والآن بين أقربائه. أمَّا عبارة "ذَويه" في الأصل اليوناني οἱ παραὐτοῦ  (معناها خاصته) فتشير الى الأقارب أي إِخوة يسوع (مرقس 3: 31) الذين خافوا عليه، وخافوا على أنفسهم من ملاحقة السلطة، وهكذا رذلوه كما رذله الكتبة والفريسيون. ويقول لما يوحنا الإنجيلي ان اقرباءه لم يكونوا يومئذٍ مؤمنين (يوحنا 7: 5). أمَّا عبارة "فَخَرَجوا" فتشير الى سفرهم من الناصرة الى كفرناحوم (مرقس 3: 31).  ونجد هنا التناقض بين موقف الله الذي يأتي الى البيت (مرقس 3: 20) كي يضم الانسان الى حبه، وموقف الإنسان في غباوته الذي يخرج من دائرة الحب، متهمًا حتى الله أنه مختل!  أمَّا عبارة " لِيُمسِكوه" فتشير الى ذويه الذين جاؤوا ليأخذوا يسوع ويرجعوه الى الناصرة معهم ويوقفوا عمله الرسولي، لأنهم لم يكونوا يومئذٍ يؤمنون به (يوحنا 7: 5) وكانت سيرته في ذلك تختلف اختلافا كثيرا عما عهدوا منه مدة ثلاثين سنة حيث سكن فيها معهم، ومع ذلك لم يفهموا عمق الحكمة التي كان يُعلّمها للجمع، بل اعتقدوا أنّ كلامه خالٍ من أيّ منطق؛ أمّا عبارة " يَقولون" فتشير الى رابط الذي يجمع بين شخصيات رواية النص: ذويه (مرقس 3: 21) والكتبة الَّذينَ نَزَلوا مِن أُورَشَليم (مرقس 3: 22، 30). أمَّا عبارة " إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد" في الأصل اليوناني ἐξέστη(معناها اختَّل وخرج عن صوابه)  فلا تشير الى فقدان يسوع عقله وصوابه ، إنما الى معاناته من الهوس الديني، وقد أصبح يسوع متطرفا كما جاء في انجيل يوحنا" إِنَّ بِه مَسّاً مِنَ الشَّيطان، فهُو يَهْذي"( يوحنا 10: 20). ولقد وُجّه أتهام مماثل الى بولس الرسول "بَينَما هو يُدافِعُ عن نَفسِه بِهذا الكَلامِ، قالَ فَسطُس الحاكم بِأَعلى صَوتِه: ((جُنِنْتَ يا بولُس، فَإِنَّ تَبَحُّرَكَ في العِلمِ يَنتَهي بِكَ إِلى الجُنون" (اعمال الرسل 26: 24) واستخدم بولس الرسول هذه العبارة عن نفسه " فإِن خَرَجْنا عَن صَوابِنا ἐξέστημεν ففي سَبيلِ الله، وإِن تَعقَّلْنا ففي سَبيلِكَم" (2 قورنتس 5: 13). وكان ذويه قلقين عليه، ولكنهم أخطأوا فهم هدف خدمته، لم يفهموا ولم يتقبَّلوا أنّ من يعرفونه منذ صغره صار على هذا القدر من الأهميّة، ولم يدركوا حقيقته إلا بعد وقت طويل.

 

22 وكانَ الكَتَبَةُ الَّذينَ نَزَلوا مِن أُورَشَليم يَقولون: ((إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين)).

 

تشير عبارة "الكَتَبَةُ" في الأصل اليوناني γραμματεῖς إلى الذين خصَّصوا أنفسهم: أولاً لدرس الناموس وتفسيره، وكان شرحهم، كما هو معروف عنه مدنياً ودينياً، وكانوا يحاولون تطبيقه على تفاصيل الحياة اليومية. حيث أن قرارات عظماء كتبة الشريعة الشفاهية أصبحت تدعى التقاليد. وثانياً لدرس الأسفار الإلهية بنوع عام وذلك من الوجهة التاريخية والتعليمية. وثالثاً للتعليم. وبلغوا أوج نفوذهم على الشعب في أيام المسيح. وكان بين أعضاء السنهدريم (مجمع اليهود) الكثيرون منهم (متى 16: 21). وأغلبيتهم قاوموا يسوع وتذمَّروا عليه وظنُّوا أنهم وجدوا أخطاء في أكثر ما عمله أو قاله هو وتلاميذه (متى 21: 15). وقد ارسلهم رؤساء الشعب في اورشليم ليراقبوا يسوع، ويمنعوا تأثير تعليمه ومعجزاته بنميمتهم وتُهمهم الخبيثة. ويقع عليهم جزء كبير من مسؤولية صلب المسيح. وقد وصف السيد المسيح بعضهم بأنهم مراؤون، لأنهم اهتموا بالأمور المادية العرضية واهملوا الأمور الروحية الجوهرية (متى 23). وفي انجيل متى نجد ان الذين قاوموه هنا كانوا من الفريسيين (متى 12: 24) كما بيَّن مرقس ايضا ان الكتبة كانوا فرقة من الفريسيِّين.  أمِّا عبارة " نَزَلوا " فتشير الى بعثة الكتبة من مجمع السنهدريم في اورشليم لإفساد خدمة السيد، إذ ذاع صيته. ويُعلق الراهب السسترسياني إسحَق النجمة "إنّ ميزة هؤلاء الفاسدين الذين مسّتهم الغيرة هي أن يغمضوا أعينهم طالما استطاعوا دون مشاهدتهم فضائل الآخرين؛ فإمّا يحجبون نظرهم عمّا هو حقّ، وإمّا يحطّون من شأن ما هو عظيم، وإمّا يشوّهون ما هو حسن" (العظة 39). أمّا عبارة " أُورَشَليم " فتشير الى مكان مرموق في الأناجيل. لكن لوقا الإنجيلي ينوّه بدور اورشليم أكثر من غيره، كنقطة اتصال بين الإنجيل وأعمال الرسل. اما بحسب إنجيل مرقس، وصل صدى بشارة يوحنا المعمدان حتى أورشليم (مرقس 1: 5). لكن إنجيل الملكوت الذي يعلنه يسوع يبدأ أولاً في الجليل وينحصر فيها. ويسوع لا يحوّل نشاطه صوب أورشليم إلاَّ بعد أن اصطدم بعدم إيمان مدن الجليل (مرقس 6: 1 -6، 8: 11، 9: 3)، وبعد أن أعلن ثلاثة مرات عن آلامه. فهو لا يصعد إليها إلا لكي يتمّم ذبيحته الخلاصية (مرقس 10: 32). وخلال رسالته العلنيّة، يأتي خصوم يسوع الأشدّاء من أورشليم (مرقس 15: 1). أمَّا عبارة "الشيطان" بالعبرية، הַשָׂטָן (معناها المقاوم) وباليونانية "إبليس" διάβολος (معناه المشتكي زوراً) فتشير إلى أكثر الأسماء التي يستعملها الانجيل للدلالة على عدو الله وملكوته، ويُسمى أيضاً بعل زبول  ( مرقس 3: ) أو بليعال أو بليعار ( 2 قورنتس 6: 15)، وهو روحٌ غير مرئي " نجس" لآن تأثيره مناقضٌ لقداسة الله وشعبه  ( مرقس 1: 33)، ويظهر بعمله أو بتأثيره إما من خلال نشاط كائنات أخرى (أرواح نجسة) وإمّا من خلال التجربة يحاول بها الشيطان أن يُبلبل علاقات الله مع شعبه فيدفع الناس إلى ارتكاب الخطيئة، ثم يشكوهم أمام الله، وهكذا يُعرقل مخطّط الله الخلاصي. فيقوم ا بدور المجرّب، جاهداً أن يوقع البشر في الخطيئة (1 تسالونيقي 3: 5)، جاعلاً منهم هكذا مقاومين لله ذاته (أعمال 5: 3). وفي الأيام الأخيرة، وبعد أن يُقيّد ألف سنة، نراه يضاعف الشيطان جهوده ليُدمّر مملكة الله ويطغي الشعوب (رؤية 20 :7). وهناك أسماء أخرى للشيطان: "أَبو الكَذِب"(يوحنا 8: 44)، " سيِّدَ هذا العالَمِ " (يوحنا 14 :30) " المُتَّهِمُ " (رؤية 12 :10)، " الشِّرِّيرُ "ا (متى 13 :19)، " العَدُوُّ "(متى 13 :39)، "الحَيَّةُ " (2 قورنتس 11 :3).  وتتضمّن فكرة الشيطان في العهد الجديد ميزتين: إنّه الملاك الجاحد (2 بطرس 2 :4) وعدو الله العظيم وسيّد هذا العالم. إنّه سيُغلب أمام المسيح ومملكته. المسيح نزع سلطانه (متى 12 :28). وقد بدأ هذا النصر بمجيء المسيح على الأرض (لوقا 10 :18) وموته على الصليب (يوحنا 12 :31) وسيتمّ عند مجيئه الثاني (رؤية 12 :12). أمَّا عبارة " بَعلَ زَبول " فتشير إلى أحد أسماء رئيس الشياطين (مرقس 9: 34)، وهو في الأصل اسم إله ينطبق على إله أوغاريت العلي (عليان). وقد يكون أصلها "بعل زَبوب " (مرقس 3: 22) أي رب الذباب، وهو إله عقرون (2 ملوك 1: 2) وأسموه هكذا إذ كانوا يعتقدون أن فيه القدرة على طرد الذباب من المنازل، او " بعل الزِّبل" وقد حوّر الربانيُّون المعنى وتحدّثوا عن الزبل "بعل الزبل، أي "إله المزابل" للدلالة على عبادة الاوثان. وامَّا لقب بعل زبول في فم الفرّيسيّين فهو رئيس الأرواح الشرّيرة الذي به يطرد يسوع الشياطين (متى 10 :25). ويُسمَّى أيضا في أقوال الرابينيّين بليعال او بَليعار (اسم عبري בְּלִיַּעַל معناه عديم الفائدة أو شرير) كما يظهر جليا في تعليم بولس الرسول" وأَيُّ ائتِلافٍ بَينَ المسيحِ وبَليعار؟ "(2 قورنتس 6: 15). امَّا عبارة " يَطرُدُ الشَّياطين " الى اتهام الكتبة ليسوع حسداً وبغضاً بأنَّ لا قدرة له على الشياطين إلا برئيسهم بعل زبول. لأنهم لم يستطيعوا ان يُنكروا معجزاته، ولم يبق لهم الاّ أحد الامرين: إما ان يقرّوا بصحة دعواه استنادا على تلك المعجزات، وإمّا ان ينسبوها الى الشياطين، فاختاروا الأخير. فالكتبة لا يريدون أن يروا، وإن رأوا فهم يرون ما يشاؤون، وهذا ذروة التجديف على الرُّوح القدس. فهم لا يرون مملكة الله بل مملكة رئيس الشياطين. ويُعلق القدّيس العلامة أمبروسيوس " يا له من جنون وعار! لقد تجسّد ابن الله ليسحق الأرواح الدنسة وليجرّد أمير العالم من غنائمه، وقد أعطى أيضًا للإنسان السّلطان على تدمير روح الشرّ (لوقا 10: 19)، وفي الوقت عينه ما زلت تجد البعض يطلبون المساعدة من قوّة الشيطان" (تعليق على إنجيل القدّيس لوقا 7). أظهر يسوع بأعمال قدرته ان ملكوت السماوات اتى في شخصه، لكن الكتبة راوا في تلك الاعمال ظهورا للشيطان.  فاذا كان امر المسيح ان اقرباءه حسبوه مختلا ورؤساء الدين اتهموه شريك الشياطين، فليس من الغريب ان يقع على بعض تلاميذه اليوم اللوم والاهانة من الأصدقاء والاعداء.

 

23 فدَعاهم وكَلَّمَهم بِالأَمثالِ قال: ((كَيفَ يَستطيعُ الشَّيطانُ أَن يَطرُدَ الشَّيطان؟

 

تشير عبارة "دَعاهم" الى دعوة يسوع الى الكتبة الذين دعاهم ليُجيب على اتهامهم ليُخرجهم من التجديف كي يسيروا وراءه كما سار التلاميذ عندما دعاهم (مرقس 3: 6-18).  أمَّا عبارة " الأَمثالِ " في الأصل اليوناني παραβολή فتشير إلى اول استعمال لهذه الكلمة في إنجيل مرقس، الذي يرى أن الامثال تحجب سِرَّا يُخفى على " الذي في الخارج"، وهو سر ملكوت الله (مرقس 4: 11)، وفي الوقت عينه تكشف للذين في الداخل سر الملكوت الذي بدا يعمل يُنهي مُلك الشيطان.  إن أقوال يسوع هنا هي أمثال، لا بسبب طابعها المُتسم بالاستعارات، بل لأنها تكشف لمن يفهم أن ملكوت الله يعمل منذ الآن على نهاية مُلك الشيطان. وفي الواقع، منذ نشأة الكنيسة الأولى، أطلقت تسمية "مثل " على كل قصة قالها يسوع إيضاحاً لتعاليمه: في المثل فكرة المقارنة، واللغز لأنه يثير الفضول ويحمل على البحث.  والجدير بالذكر ان "مثل او حكمة " (παροιμία )  تختلف عن παραβολή ، فهي بمثابة اقوال مختصرة توضح قوانين السلوك ونتائجه على نوع مؤثر. ولكل شعب امثال عديدة تظهر خصائص ذلك الشعب وحكمته وجهالته وعواطفه وهزلياته (عدد 23: 18 و24: ومتى 24: 32).

 

 24 فإِذا انقَسَمَت مَملَكَةٌ على نَفْسِها فلا تَستَطيعُ تِلكَ المَملَكَةُ أَن تَثبُت.

 

تشير عبارة "انقَسَمَت مَملَكَةٌ على نَفْسِها" الى كشف يسوع عن غباوة تفكير الكتبة وسخافة ادعائهم؛ وذلك إن حدثَ شقاقٌ في المملكة يتبعه خراب لا محالة. ويُعلق القدّيس العلامة أمبروسيوس "أراد يسوع أن يُظهر لهم، بواسطة هذه الجملة، أنّ مملكته أبديّة وغير قابلة للانقسام. لذا، بحقٍّ ردّ أيضًا على بيلاطس قائلاً: "لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم" (يوحنا و18: 36)" (تعليق على إنجيل القدّيس لوقا 7).

 

25 وإِذا انقَسَمَ بَيتٌ على نَفْسِه، فلا يَستَطيعُ ذلك البَيتُ أَن يَثبُت.

 

تشير عبارة "بَيتٌ" في الأصل اليوناني οἰκία إلى عائلة او عشيرة او مبنى (2 صموئيل 7: 5-16). فاذا انقسمت العائلة على نفسها جلبت الخراب عليها.  

 

26 وإِذا ثارَ الشَّيطانُ على نَفسِهِ فَانقَسَم فلا يَستَطيعُ أَن يَثبُت، بل يَنتَهي أَمرُه.

 

تشير عبارة "ثارَ الشَّيطانُ على نَفسِهِ فَانقَسَم" الى انقلاب الشيطان على نفسه الذي يجلب على نفسه الخراب. ويوضِّح لوقا الإنجيلي " فإِن كانَ الشَّيطانُ يَطرُدُ الشَّيطان، فقدِ انقَسَمَ على نَفْسِه، فكيفَ تَثبُتُ مَملَكتُه؟" (متى 12: 26). وهنا نجد تدرج في الانقسام: ملكوت، بيت، الشيطان.  فكلما كانت الجماعة صغيرة كان الانقسام أْدْعى الى الهلاك. ولم يكن الشيطان منقسما على ذاته فقط، بل هو في اندحار أمام المسيح القوي الجبار.  وفي هذا درس لنا ألاَّ ننقسم على أنفسنا سواء على مستوى الذات او على مستوى العائلة او على مستوى الكنيسة. وكل انقسام سواء على مستوى الكنيسة أو مستوى العائلة او على الذات فهو غريب عن روح المسيح. إنه من عمل الشيطان، أبو الكذب والفساد والانقسام. وبهذا القول ردّ يسوع على اتّهام الفريسيِّين له فوضعهم أمام خيارين لا مخرج منهما: إمّا أنَّ يسوع يطرد الشياطين بإبليس، فيكون الشيطان يحارب الشيطان، وإما أنَّ يسوع يطرد الشيطان بقدرة الله. فإذا اختاروا القرار الأخير، عند ذاك لا تُغفر خطيئتهم، لأنّهم لا يريدون أن يروا قدرة الله في عمله الخلاصيّ.

 

 27 فَما مِن أَحدٍ يَستَطيعُ أَن يَدخلَ بَيتَ الرَّجُلِ القَوِيِّ وينهَبَ أَمتِعَتَه، إِذا لم يُوثِقْ ذلكَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أَوَّلاً، فعِندئذٍ يَنهَبُ بَيتَه.

 

تشير عبارة "بَيتَ الرَّجُلِ القَوِيِّ" الى مملكة الشيطان وممتلكاته التي هي الأشخاص الذين يمتلكهم، في حين يسوع جاء كي يُحررّهم بإعلان إنجيل الخلاص وخدمته.  أمَّا عبارة " الرَّجُلِ القَوِيِّ " فتشير الى الشيطان الذي احتل الإنسان وحبسه في بيته، ونهب كل طاقاته وإمكانياته ومواهبه لتعمل لحساب مملكة الشر؛ لكن الأقوى هو يسوع المسيح الذي يقوِّض مملكة الشيطان ويدمِّرها (لوقا 11: 22، 3: 16)، ويطرحه خارجا الى الابد (رؤية 20: 2، 10).  ان القوة، هي من صفات المسيح (أشعيا 11: 2)؛ إذا كان التحرر مستحيلا على الإنسان، فالله هو سيد المستحيل. امَّا عبارة "يُوثِقْ ذلكَ الرَّجُلَ القَوِيَّ" فتشير الى هجوم يسوع على الشيطان "القوي" وجعله لا يقوى على شيء (متى 4: 1-11)، وذلك بمقاومة سلاحه، الذي يكمن في إغراءات العالم من كبرياء الغنى وشهوة السلطة. وقد رفض يسوع كل ما عرضه عليه الشيطان في تجربته على الجبل (متى 4: 11-11). واستطاع يسوع ان يقلب الدليل على الكتبة الذي اتهموه بطرد الشياطين باسم رئيس الشياطين، إذ افتتح ملكوت الله عصرا جديدا بوضع حداً لسيطرة الشيطان (لوقا 10: 18).  أمَّا عبارة "إِذا لم يُوثِقْ ذلكَ الرَّجُلَ القَوِيَّ أَوَّلاً، فعِندئذٍ يَنهَبُ بَيتَه" فتشير الى صراع يسوع مع الشيطان. هذا هو اول مثل يُرويه مرقس في انجيله. مع ان الله سمح للشيطان بالعمل في عالمنا، إلا أن الله هو الأقوى، وحيث انَّ يسوع هو الله، فهو يقدر ان يطرد الشيطان ويقضي على عمله الرهيب في حياة الناس. ويُعلق القديس كيرلس الكبير "يقصد بالقوي الشيطان، وما هو بيته إلا مملكته على الأرض، وأما أمتعته فهم أولئك الناس الذين يتشبهون بإبليس أبيهم في شئونهم وأعمالهم... دخل المسيح الكلمة وحده بيت إبليس، هذا العالم الأرضي، وربط الشياطين " كما صرَّح بطرس الرسول:" أَهبَطَهم أَسفَلَ الجَحيم وأُسلَمَهم إِلى أُحابيلِ الظُّلُمات" (2 بطرس 2: 4)". وفي الواقع، بميلاد الرب يسوع، تمزَّقت قوة الشيطان وسلطانه، وفي البرية غلب الرب يسوع تجارب الشيطان، وبقيامته قهر آخر اسلحته، وهو الموت، وسيقيد الرب يسوع الشيطان نهائيا الى الابد فلا يعود يقوم بعمله الشرير كما جاء في سفر الرؤيا " إِبْليسُ الَّذي يُضِلُّهم أُلقِيَ في مُستَنقعَ النَّارِ والكِبْربت، حَيثُ الوَحشُ والنَّبِيُّ الكَذَّاب، وسيُعانونَ العَذابَ نَهارًا ولَيلاً أَبَدَ الدُّهور"(رؤية 20: 10). ولن يسود الشر العالم بعد ذلك. فالرب يسوع له سلطان كامل على الشيطان وكل قواته. وباختصار، المسيح إنما يُخرج الشيطان من الناس بأمره وسلطانه ويُحرِّرهم ويضمَّهم لملكوته. ويؤكّد الربّ يسوع على أنّ سلطته في طرد الأرواح الشرّيرة هي برهان ساطع لحضور ملكوت الربّ وإثبات أنّ ملكوت الربّ قد أتى.

 

28 ((الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئةٍ وتَجْديفٍ مَهما بَلَغَ تَجْديفُهم.

 

تشير عبارة "الحَقَّ أَقولُ لَكم" الى تأكيد يُعطي به يسوع قوة لأقواله. أمَّا عبارة " إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئةٍ وتَجْديفٍ " فتشير الى يسوع الذي هو الأقوى من الشيطان من خلال قدرته على مغفرة كل خطيئة. إنه يغفر كل شيء من خطيئة وتجديف. فالإنسان غير المؤمن قد يتعثر في المسيح إذ يراه إنسانًا عاديًا فيتكلم عليه كلامًا غير لائق، لكنه حين يؤمن ويعترف بهذه الخطيئة تُغفر لهُ. الأمر الوحيد الذي لا يغفره يسوع هو خطيئة التجديف على الروح القدس، لأنها تصف عمل الروح بأنه عمل الشيطان. أمَّا عبارة "تَجْديفٍ" في الأصل اليوناني βλασφημίαι  ( معناها استهزاء او كفر) فتشير الى التلفظ بأقوال مهينة لله او لاسمه القدوس بشكل مباشرة (خروج 22: 27) او ضد قدرته او امتيازاته (مرقس 2: 7)، او مقاومة  شخص مكلَّف برسالة من الله (أعمال الرسل 6: 11)، او إلى مؤسسة مقدسة (حزقيال 35: 12).  والاناجيل تتكلم عن تجذيف ضد يسوع، مُرسل الآب وحامل قدرته (مرقس 15: 29) والتجديف ضد الروح القدس أي الرفض المُتعمِّد لعمل الروح القدس.

 

29 وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد)).

 

تشير عبارة "مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس" الى الخطيئة التي تقوم على رفض الاعتراف بالقدرة العاملة بيسوع، ونسبة الأعمال التي يعملها بالروح القدس الى الشيطان. وهذا الرفض للتوبة يحول دون المغفرة؛ إن يسوع المسيح مستعد أن يغفر جميع الاتهامات والاهانات ، إن رجع الانسان عن شره، أمَّا إن بقي الانسان مُصراً على عدم التوبة، فيُعتبر مُجدِّفاً على الروح القدس، أي رافضا عمله الذي هو التوبة، فيُحرم من المغفرة ويسقط تحت الدينونة؛ اظهر يسوع هنا ان الناس الذين نسبوا الى الشياطين معجزاته التي صنعها بقوة الروح القدس انهم جذَّفوا على الروح القدس، لانَّهم منعوا نور القدس من الدخول الى قلوبهم وبالتالي الى تغييرها وتوبتها،  وهي خطيئة لا تغفر كونها رفض الحق عمداً، وارتدادا عن الله عنادا ، ومقاومة الضمير كرها للإنجيل. امَّا عبارة " فلا غُفرانَ له أبداً " فتشير الى الأمر الوحيد الذي لا يغفره يسوع، لان التجديف على الروح القدس تصف عمل الروح بأنه عمل الشيطان. هذا ما حصل مع الكتبة الذين يصنِّفون عمل يسوع على أنه عمل الشيطان. إن من يقوم بذلك، ينغلق على نعمة الله وسيبقى خارجا عنها. أمَّا عبارة " هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد " في الأصل اليوناني οὐκ ἔχει ἄφεσιν εἰς τὸν αἰῶνα (معناها تورط في خطيئة ابدية) فتشير الى التجديف على الروح القدس الذي "لا يُغفر في الدنيا ولا في الآخرة" (متى 12: 32). قد يُنكر الانسان سر المسيح، ولكن لا عذر له على سوء تفسير العلاقة القائمة على طرد الشياطين الذي أجراه يسوع بروح الله. يسوع هو موسى الجديد الذي يطرد الشياطين بسلطانه الخاص كما صرح يسوع للناس الذين اعترضوا على سلطة يسوع " أَمَّا إذا كُنتُ بإِصبَعِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فقَد وافاكُم ملَكوتُ الله" (لوقا 11: 20). وقد حذّر يسوع الكتبة من شناعة العواقب المُترتِّبة على تلك التُهمة، ان موقف كهذا لعدم الايمان المُتعمِّد قد تنجم عنه حالة عناد   تُصبح معها التوبة، ومن ثم الغفران مستحيل، ولكن كان يسوع أكثر ميلا منه لإتاحة فرص المغفرة والإصلاح وفتح باب النعمة والرحمة الالهية غير المحدودة. أمَّا عبارة "بِخَطيئةٍ لِلأَبَد" فتشير الى رفض الانسان قدرة الله العاملة في يسوع، ونسبها الى الشيطان. هذا الرفض يتعارض كل التعارض مع الغفران الذي يقدِّمه الله " مَن قالَ كَلِمَةً على ابنِ الإِنسانِ يُغفَرُ له، أَمَّا مَن قالَ على الرُّوحِ القُدُس، فَلَن يُغفَرَ لَه لا في هذهِ الدُّنيا ولا في الآخِرة "(متى 12: 32).

 

30 ذلك بأَنَّهم قالوا إِنَّ فيه رُوحاً نَجِساً.

 

تشير عبارة "رُوحاً" الى كائن غير مادي قد يلبس أو لا يلبس جسداً؛ أمَّا عبارة "نَجِساً" فتشير الى رمز للخطيئة (متى 23: 27)، والنجاسة هي مساومة مع الآلهة الكاذبة (حزقيال 20 :30-31)، وهي حالة عابرة تَستبعد من المشاركة في القدسيّات (تثنية الاشتراع 12 :15، وتصدر عن القلب وتمتد الى الفكر والضمير (متى 15: 11) وتجلب الويل (الاحبار 18: 25 وأشعيا 24: 5). امَّا عبارة "رُوحاً نَجِساً" فتشير الى الشيطان مرقس 1: 23؛ 5: 2؛ 7: 25). أنه روح نجس، لانَّ تأثيره مناقضٌ لقداسة الله وشعبه.

 

31 وجاءَت أُمُّه وإِخوتُه فوقَفوا في خارِجِ الدَّار، وأرسَلوا إِليهِ مَن يَدْعوه.

 

تشير كلمة "أُمُّه" الى مريم العذراء التي يذكرها مرقس الإنجيلي لأول مرة. إن مريم تحتل وضعاً خاصاً ليسوع لا يحتله أي عضو آخر في الكنيسة. إذ يتجلّى مجدها وفرحها كأمّ المسيح في كلمات الربّ " مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات هو أَخي وأُختي وأُمِّي" (متى 12: 50). وتعرف مريم أولاً وقبل كل شيء بصفتها "أم يسوع " (لوقا 1: 3، 31)، وذلك بملء حريتها قبلت أن تلد يسوع، من أجل شعب الله. وهي تُمثل جميع هذا الشعب، وتحمله على قبول الخلاص الذي يُعرضه الله عليه. وسرّ الأمومة يقتضي اشتراكاً كاملاً في سرّ يسوع، في حياته على الأرض، حتى تجربة الصليب (يوحنا 19: 25-26) واتحاداً في مجده، حتى الاشتراك في قيامته (رؤيا 21)؛ ولكن لا ننسى أن بواسطتها، صار يسوع، ابن الله، الوسيط " الوحيد، أخاً لكل الناس، وأقام معهم علاقة عضوية؛ والناس لا يستطيعون الاتصال به بدون وساطة الكنيسة التي هي جسده (قولسي 1: 18). وهذه الحقيقة الأساسية التي تُحدِّد موقف المسيحيين تجاه مريم؛ لذلك يرتبط موقفهم هذا إزاء مريم ارتباطاً مباشراً بموقفهم إزاء أمهم الكنيسة (يوحنا 19: 27). امَّا عبارة " إِخوتُه " فتشير في الكتاب المقدس، كما العادة هي في بلادنا، إمَّا إلى أبناء الأم الواحدة تربطهم رابطة الدم، وإمَّا الى أبناء عمومته، لان اليهود يعتبرون أولاد الخالة والخال وأولاد العمومة أنهم إخوة. والدليل على ان "أخوة يسوع" هم ليسوا أولاد مريم خطيبة يوسف، إنما أولاد مريم زوجة قلاوبا أخت مريم التي كانت بجانب مريم امه عند الصليب كما ورد في الانجيل "كانَ أَيضاً هُناكَ بَعضُ النِّساءِ يَنظُرْنَ عن بُعْد، مِنهُنَّ مَريَمُ المِجدَلِيَّة، ومَريَمُ أُمُّ يَعقوبَ الصَّغيرِ ويوسى، وسالومَة" (مرقس 15: 40). وأمَّا يسوع فكان لأمِّه البكر الوحيد.  وذُكر مرقس الإنجيلي هؤلاء الاخوة بقوله " لَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟ (مرقس 6: 3)، وكثيرا ما كان ابناء العم او الخال او العمة او الخالة، يًقال عنهم إخوة في تلك الايام.  وخير مثال على ذكر الاخوة على أنهم أبناء العمومة مثل إبراهيم ولوط، إذ قال َإبراهيم لِلُوط "لا تَكُنْ خُصومةٌ بَيْني وبَينَكَ، ولا بَينَ رُعاتي ورُعاتِكَ، فنَحنُ إخْوَة"(تكوين 13: 8)، وفي الواقع إن لوط هو ليس اخ إبراهيم، إنما ابن أخيه. ومثل آخر هو علاقة لابان بن ناحور خال يعقوب (التكوين 28: 2)، ومع ذلك نسمع لابان يقول ليعقوب " ((إِذا كُنتَ أَخي، أَفتَخدِمُني مجَّانًا؟" (تكوين 29: 15). أمَّا عبارة " فوقَفوا في خارِجِ الدَّار" فتشير الى قضاء اقاربه فترة خارج البيت التي كان يسوع يتحاور مع الكتبة اثنائها.

 

32 وكانَ الجَمعُ جالِساً حَولَه فقالوا له: ((إِنَّ أُمَّكَ وإِخوَتَكَ في خارجِ الدَّار يَطلُبونَكَ)).

 

تشير عبارة "أُمَّكَ" الى مريم ام يسوع المسيح. نلاحظ هنا غياب الآب في اللائحة، ولم ترد اية إشارة ليوسف؛ فلعلَّ ذلك يفيد أنه قد مات. أمَّا عبارة " إِخوَتَكَ في خارجِ الدَّار" فتشير الى إخوته الذين وقفوا خارجًا لأنهم كانوا لا يؤمنون به. حيث أن الوقوف خارجًا يدلّ على فقدان علاقتهم بالمسيح. أما من يدخل للداخل فهم هؤلاء الذين قبلوا المسيح وحفظوا وصاياه.  وفي هذا الصدد يقول لوقا الإنجيلي " فتَنَبَّهوا كَيفَ تَسمَعون! "(لوقا 8: 18)، فالكل يسمع ولكن من يسمع وينفذ ويطيع الوصايا هو المقبول أمام الله. أمَّا عبارة "يَطلُبونَكَ " فتشير الى أقرباء يسوع الذين جاؤوا ليأخذوه، خلافا لما ورد في انجيل لوقا حيث جاء اقرباؤه ليروه " إِنَّ أُمَّكَ وإخوتَكَ واقِفونَ في خارِجِ الدَّارِ يُريدونَ أَن يَروكَ" (لوقا 8: 20). وهنا تجاهله اهله كما رفضه أبناء بلده الناصرة، حيث نشأ وترعرع فيه (مرقس 6: 1-6).

 

33 فأَجابَهم: ((مَن أُمِّي وإِخَوتي؟)) 

 

تشير عبارة "مَن أُمِّي وإِخَوتي؟" الى مفهوم جديد للارتباط به وعلاقة روحية جديدة، ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "إنه لم يقل: "أنتِ لست أمي"، بل قال: "من هي أمي"، وكأنه يقدِّم مفهومًا جديدًا للارتباط به ليس خلال علاقة الدم واللحم والنسب، وإنما خلال العلاقة الروحية من خلال الطاعة لإرادة أبيه. ألا ترى أنه في كل مناسبة لم ينكر القرابة حسب الطبيعة، لكنه أضاف إليها ما هو بواسطة الفضيلة؟". وفي هذا الامر تعزية لمن يتركهم اصدقاؤهم لأجل حبهم للمسيح، لان يسوع نفسه يحبهم ويعتني بهم ويحسبهم من عائلته فيستطيعون ان يترنَّموا مع صاحب المزامير "إِذا ترَكَني أَبي وأُمِّي فالرَّبُّ يَقبَلني " (مزمور 27: 1).

 

34 ثُمَّ أجالَ طَرفَه في الجالِسينَ حَولَه وقال: ((هؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخوَتي،

 

تشير عبارة "هؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخوَتي" الى عائلة يسوع الجديدة وبيته الجديد، غير العائلة المرتبطة بقرابة اللحم والدم بل بالقرابة الروحية. ويتم الانتماء الى هذه العائلة من خلال العمل بمشيئة الله وهبة الذات من اجل يسوع وإنجيله الطاهر: "فقالَ يسوع: ((الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتاً أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمَّا أَو أَباً أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هذهِ الدُّنْيا مِائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ" (مرقس 10: 30). ومن يعمل بمشيئة الله يكون اخا للمسيح وأما، وأمَّا الاخوة فبالإيمان. يعلق القدّيس العلامة أوغسطينوس "لقد أشار بهذه الكلمات إلى القرابة الروحيّة الّتي تربطه بذاك الشعب الّذي افتداه. فإنّ إخوته وأخواته هم الرجال والنساء القدّيسون الشركاء معه في الميراث السماويّ (رومة 8: 17)" (في البتوليّة، الفصل الخامس). والجدير بالذكر ان يسوع لم يرفض هنا القرابة الجسدية بل شدَّد على القرابة الروحية بينه وبين الذين يؤمنون به. وأوضح أنَّ صلتنا بعائلتنا الروحية هي أوثق وأهم من صلتنا بعائلاتنا حسب الجسد. ومن هذا المنطلق، فإن جواب يسوع ليس فيه استبعاد لامه، او انتقاد لها، بل هي أوّل العاملين بمشيئة الله وهي التي قالت للملاك جبرائيل: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ" (لوقا 1: 38).

 

35 لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي)).

 

تشير عبارة "مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي" الى عائلة يسوع الروحية لان أصلها الوحيد هو الآب السماوي " لَيسَ مَن يَقولُ لي ((يا ربّ، يا ربّ)) يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متى 7: 21). ويوضِّح لوقا الإنجيلي أنه يجب سماع الكلمة في ايمان للعمل بها "إِنَّ أُمِّي وإخوَتي هُمُ الَّذينَ يَسمَعونَ كَلِمَةَ اللهِ ويَعملونَ بِها" (لوقا 8: 21). ويُعلق القديس اوغسطينوس: "أمّه هي أيضًا كلّ نفس مقدّسة تنفّذ مشيئة أبيها، والتي تظهر محبّتها الخصبة من خلال أولئك الذين تلدهم له "حتَّى يُصوَّرَ فيهمِ المسيح" (غلاطية 4: 19)" (في البتوليّة، الفصل الخامس).  ومن هذا المنطلق، فإن جواب يسوع لا يقلل بأية حال قدسية العلاقة العائلية، ولكنه يؤكد ان العلاقات الروحية أعمق وأقوى لأنها قائمة على الطاعة لإرادة الله، وهذا هو مبدأ نشأة الكنيسة الاولى. أمَّا عبارة "هو أخي وأُخْتي وأُمِّي " فتشير الى إعلان يسوع انه أخ لكل إنسان يعمل بمشيئة الله. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " الإنسان يصير كأم ليسوع بالكرازة به، إذ يكون كمن يلد الرب في قلوب سامعيه". ويضيف القديس أمبروسيوس "احرص أن تتمم مشيئة الآب لكي تكون أمًا للمسيح". ويُعلق القدّيس العلامة أوغسطينوس "أمّه هي الكنيسة جمعاء، لأنّها بنعمة الله تلد أعضاء المسيح، أي هؤلاء الّذين هم أمناء له" (في البتوليّة، الفصل الخامس).

 

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (مرقس 3: 20-35)  

 

بعد دراسة وقائع النص الانجيلي وتحليله (مرقس 3: 20-35)، يمكن ان نستنتج انه يتمحور حول نقطتين: مقاومة ذوي يسوع ضده والتجديف على الروح القدس.  إذ تنشأ المقاومة من مصدرين: يُتهم يسوع عن سوء نية من عائلته ومن الكتبة الآتين من اورشليم، وهو بمثابة سلطات أورشليم الدينية.

 

1) المقاومة من اسرته (مرقس 20-21؛ 31-35)

 

المقاومة التي أبداها أقرباء يسوع هي بمثابة احتجاج منبعث من حسن النيّة، ولكن في غير محله. لِأَنَّهم كانوا يَقولون "إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد" (مرقس 3: 21) وأرادوا ان يمسكوه ليأخذوه ويرجعوه الى الناصرة معهم ويوقفوا عمله الرسولي، لأنهم لم يفهموا عمق الحكمة التي كان يعلّمها للجمع، بل اعتقدوا أنّ كلامه خالٍ من أيّ منطق، تلك هي خطة أقاربه.  لكن يسوع كشف عن هويته. فهو ليس ضائع الرشد بل هو ذلك الشخص الأقوى (مرقس 1: 21-26) الذي أعلن عنه المعمدان، الشخص الذي سيأتي ليُقيم ملكوت الله.

 

وانطلق يسوع من مقاومة ذويه له لكي يعلمهم قرابة جديدة روحية، فأجابهم "مَن أُمِّي وإِخَوتي؟" (مرقس 3: 33). وأجالَ يسوع طَرفَه في الجالِسينَ حَولَه وقال ((هؤُلاءِ هُم أُمِّي وإِخوَتي، لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي"(مرقس 3: 35) مشيرا الى تلاميذه والجموع التي التف حوله في البيت مصرِّحا " مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي " (مرقس 3: 35)، أنه دخل معهم في قرابة روحية على مستوى يفوق القرابة الدم واللحم والنسب. إنه لم يحطِّم القرابة حسب الجسد ولا قاومها، لكنه أعلن الالتزام بقرابة أسمى وأعلى وهي القرابة الروحية.  ويعلق البابا فرنسيس " أن يسوع قد أسس عائلة جديدة لا تقوم على الروابط الطبيعية بل على الإيمان به، بمحبته التي تقبلنا وتوحِّدنا في الروح القدس، فجميع منَ يقبلون كلمة يسوع هم أبناء الله وأخوة فيما بينهم" (عظة البابا فرنسيس 2018-06-10).

 

والجدير بالذكر أن انجيل مرقس لم يقل أنَّ يسوع أجال طرفه في تلاميذه، بل "أجالَ طَرفَه في الجالِسينَ حَولَه" (مرقس 3: 34)، وهو لم يميّز بعد بين التلاميذ والناس، بل بين التلاميذ والاقارب حيث ان عائلته الحقيقة هم الناس بقدر ما يقفون موقف السامع المُصغي. لأَنَّ "مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي" (مرقس 3: 35)؛ ولذلك أكد يسوع لهم ان القرابة الحقيقية هي القرابة الروحية، وشدَّد على تضامنه مع الذين قبلوا ان يسمعوا الكلمة والتزموا بها وبإتباعه من أجل الملكوت. مع ان يسوع أهتم بكل من أحبوه، لكن لم تكن عنده محاباة، بل كان يقدِّم لكل إنسان فرصة ان يطيع الله، وبالتالي الانضمام لعائلته الروحية.

 

 ولا يجوز ان نجد في جواب يسوع استبعاداً لامه، او انتقاداً لها، إذ وصفها الانجيل بصورة المؤمنة (لوقا: 1: 45) ولا فيه احتقار لإخوته. مريم هي والدة يسوع بصفتها أمّه، وهي والدته وأخته وقريبته بصفتها أوّل العاملين بمشيئة الله، وقد صرَّحت للملاك جبرائيل: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ" (لوقا 1: 38).  وفي الواقع، كانت أمه مريم تسمع كلمة الله وتعمل بها كما ورد في انجل لوقا: "كانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها" (لوقا 2: 19)، لذا طوّبها يسوع بقوله "طوبى لِمَن يَسمَعُ كَلِمَةَ اللهِ ويَحفَظُها" (لوقا 11: 28). ويُعلق البابا فرنسيس " لا يعني عدم الاحترام لأمه ولذويه، بل هو بالنسبة لمريم أكبر تقدير، لأنها التلميذة الكاملة التي أطاعت مشيئة الله في كل شيء" (عظة البابا فرنسيس 2018-06-10).

 

2) المقاومة من الكتبة (مرقس 3: 22-30):

 

لم يلقَ يسوع مقاومة من اسرته فحسب، إنما من فئة الكتبة أيضا.  وكانت هذه المقاومة التي جاءت من الكتبة أشد خطرا حيث نشأت نتيجة الكراهية والحسد بغرض إبعاد الناس عنه (متى 12: 22-37).  إذ لم يستطع الكتبة إنكار معجزات يسوع وقوته الخارقة للطبيعة، وأبوا الايمان بأن قوته هي من الله وإلا لكان عليهم أن يقبلوه على انه المسيح الذي كانوا ينتظرونه، ولكن منعهم كبرياؤهم من ذلك.  وفي محاولة منهم للقضاء على شعبيته اتهموه بأنه يستمدَّ قوته من الشيطان، فقالوا عنه "إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين" (مرقس 3: 22). وهذا هو التجديف. هو كل إهانة تُوجّه إلى الله نفسه! وهي نقيض السجود والتسبيح.

 

واستمر الكتبة باتهام يسوع بالتجديف لدى شفائه المقعد في كفرناحوم قائلين إِنَّ هذا لَيُجَدِّف" (متى 9: 3)، فردّ يسوع عليهم في موضوعين رئيسيين: الموضوع الأول: المملكة المنقسمة على نفسها تُخرب "فلا تَستَطيعُ تِلكَ المَملَكَةُ أَن تَثبُت" وينتهي امرها (مرقس 3: 24). 

 

والموضوع الثاني، هو خياران لا ثالث لهما: إن كنت أطرد الشيطان برئيس الشياطين، فهذا يعني أن الشيطان يحارب نفسه. وهذا غير معقول، لأنه لا يمكن أن يكون يسوع مرسلاً من الشيطان لسبب وجيه وبسيط وهو أنه، لهذه اللحظة، لم يقم بأي أمر آخر سوى هزيمة الشيطان وتجريده من سلطته. انتصر عليه في وقت التجربة (متى 4: 1-11)، وطرده عن رجل فيه روح نجس (مرقس 5: 1-20)، وألغى تحــــــريم بعض الأطعمة الذي يبرز حلول ملكوت الله وانتصاره على الشيطان (مرقس 7: 7: 14-23)، وطرد الشياطين وأغرق الخنازير في بحيرة طبرية (متـى 8: 28-34).  فطرد الشياطين والشفاء يَخضعان لسلطان واحد هو سلطان يسوع، فالمرض علامة لمُلك الشيطان والخطيئة، والشفاء علامة الانتصار على الشيطان (متى 17: 18)، لذلك فإنه من الغريب أن يقوم أحد مرسَلي الشيطان بمعارضة مرسِلِهِ بدلاً من طاعته.

 

وأعطى يسوع مَثَلْ ثاني (مرقس 3: 27)، إذ دخل بيتاً كان يحكمه الشيطان وكان فيه قوياً، وقام بتقييده وإضعافه والانتصار عليه. وقد استطاع القيام بذلك لأنه أقوى منه.  ومن هذا المنطلق يسوع هو "الأقوى" الذي أعلن عنه المعمدان، الشخص الذي سيأتي ليقيم ملكوت الله (مرقس 1: 21-26). وصرَّح يسوع أيضا " إذا كُنتُ بإِصبَعِ اللهِ أَطرُدُ الشَّياطين، فقَد وافاكُم ملَكوتُ الله" (لوقا 11: 20). وفي الواقع، طرد الشياطين بقدرة الله يدل على ان ملكوت الله حلّ في البشر.  وبهذا الكلام، دحض يسوع ادعاء الكتبة اللامنطقي والسخيف ببرهان منطقي.  وبالتالي، نحن امام عمل جديد، هو عمل يسوع الذي يُنهي سلطان الشيطان في العالم (لوقا 10: 18). ويبقى على المؤمن ان يكتشف هذا العمل بالإيمان.

 

وأعاد عظماء الكهنة والشيوخ والكتبة كلهم اتهام يسوع بالتجديف مرة أخرى لدى شهادته عن نفسه امامهم قبل الحكم عليه بالموت مُبيِّنا مقام منزلته الإلهية: "سَوفَ تَرونَ ابنَ الإنسانِ جالِساً عن يَمينِ القَدير، وآتِياً في غَمامِ السَّماء"(مرقس 14: 63)، فكان رد فعل رئيس الكهنة أنه شَقَّ ثِيابَه قائلا "ما حاجَتُنا بَعدَ ذلكَ إِلى الشُّهود؟  لَقَد سَمِعتُمُ التَّجْديف" (مرقس 14: 163-64).

 

تجعل مقاومة كتبة اليهود وعماهم خطيئتهم تامة، لأنهم يواصلون توجيه الإهانات ليسوع " أَلَسْنا على صوابٍ في قَولِنا إِنَّكَ سامِريّ، وإِنَّ بِكَ مَسّاً مِنَ الشَّيطان؟ " (يوحنا 8: 49)، فيسوع الذي يُكرِّم الآب يتَّهمه اليهود بالتجديف، لأنه يقول عن نفسه إنه ابن الله كما جاء في قولهم له: "لا نَرجُمُكَ لِلعَمَلِ الحَسَن، بل لِلتَّجْديف، لأَنَّكَ، وأَنتَ إنْسان، تَجعَلُ نَفْسَكَ الله" (يوحنا 10: 33)، ولهذا السبب يحكمون عليه بالموت " لَنا شَريعَة، وبِحَسَبِ هذهِ الشَّريعة يَجِبُ علَيه أَن يَموت لأَنَّه جعَلَ نَفْسَه ابنَ الله " (يوحنا 19: 7). وعلى الصليب يوسعونه تجديفاً واستهزاءً: "أَيُّها الَّذي يَنقُضُ الهَيكلَ ويَبْنيهِ في ثَلاثةِ أَيَّام، خَلِّصْ نَفْسَكَ فَانزِلْ عَنِ الصَّليب (مرقس 15: 29-30). وقد استخدم الانجيل كلمة يشتمون (في الأصل اليوناني ἐβλασφήμουν معناها يجدِّفون) ويهزّون رؤوسهم تعبيرا عن احتقارهم (مزمور 109: 25).

 

لو لم يكن ثمّة إلا خطأ يتعلق بهويّة ابن الإنسان، لكانت الخطيئة قابلة للغفران (متى 12: 32)، على أساس أنها من قبيل الجهل (لوقا 23: 34). ولكن هناك تجاهل أعظم، لأن أعداء يسوع ينسبون إلى الشيطان العلامات التي يتمِّمها بروح الله "إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين" (مرقس 3: 22).  انقلب حال الكتبة بعد كشف يسوع ملكوته لهم من الجهل الى القساوة بسبب رفضهم إياه.  هذا هو تجديف على الروح، لا يمكن أن يُغفر، لا في هذا العالم، ولا في الآخر (متى 12: 31-32)، لأنه رفض إرادي للوحي الإلهي بعد ان لمسه الكتبة في يسوع، رفض يدل على ان الانسان يضع نفسه عمداً خارج الملكوت، ومن هنا يُطرح بعض الأسئلة:

 

3) التجديف على الروح القدس

 

 التجديف على الروح هو ليس إحزان الروح كما يقول بولس الرسول "لا تُحزِنوا رُوحَ اللّه القُدُّوسَ الَّذي به خُتِمتُم لِيَومِ الفِداء" (أفسس 4: 30)، ولا إخماد الروح (1 تسالونيقي 5: 19)، ولا مقاومة الروح كما قال إسطفانس لليهود "يا صِلابَ الرِّقاب، ويا غُلْفَ القُلوبِ والآذان، إِنَّكُم تُقاوِمونَ الرُّوحَ القُدُسَ دائمًا أَبَدًا، وكما كانَ آباؤُكم فَكذلِكَ أَنتُم" (اعمال الرسل 7: 51)، إنما التجديف على الروح القدس هو الرفض الكامل والدائم كل عمل الروح القدس في القلب، رفض يستمر مدى الحياة ونتيجة هذا الرفض، لا يتوب الانسان، فلا يغفر الله له. وصدق القول "لا توجد خطيئة بلا مغفرة، إلاّ التي بلا توبة"، حسب قول يسوع "إِن لم تَتوبوا تَهِلكوا بِأَجمَعِكُم كذلِكَ" (لوقا 13: 5). ويُعلق البابا القديس يوحنّا بولس الثاني " لماذا التجديف على الروح القدس لن يُغفَر؟ " جوهر هذه الخطيئة يكمن في رفض الإنسان تلقّي الغفران الذي يقدّمه الله الآب للإنسان بواسطة الروح القدس باستحقاق ذبيحة الابن على الصليب. إنّ خطيئة التجديف على الروح القدس تكمن بالتحديد في الرفض المُطلق لهذا الغفران الذي يشكّل الروح القدس نبعًا له، ويشكّل الارتداد الحقيقيّ الذي يقوم به الروح في الضمير شرطًا أساسيًّا له. فذلك عدم الغفران هذا مرتبط بعدم التوبة أي الرفض المطلق للارتداد "الرسالة العامّة: "الربّ المُحيي Dominum et vivificantem، الفقرة 46).

 

ونستنتج مما سبق إن التجديف على الروح القدس هو الخطيئة التي يرتكبها الإنسان الذي يطلب "حقّ" البقاء في الشرّ –أي في حال الخطيئة مهما كانت– ويرفض الخلاص بذات الفعل. هكذا يبقى الإنسان محبوسًا في الخطيئة جاعلاً من المستحيل توبته، وبالتالي أيضًا غفران خطاياه. ان عدم التوبة حتى الموت، هي خطيئة الوحيدة التي بلا مغفرة. الانسان يقع في اليأس وبالتالي في كآبة التي لا تساعده على أي عمل روحي.  يكون الانسان هو السبب في هلاك نفسه، وليس السبب الله الغفور الرحيم. وأية خطيئة يتوب عنها الانسان يغفرها الله بحسب وعده " وإِذا اعتَرَفْنا بِخَطايانا فإِنَّه أَمينٌ بارّ يَغفِرُ لَنا خَطايانا وُيطَهِّرُنا مِن كُلِّ إِثْم" (1 يوحنا 1: 9). الملحدون الذين آمنوا، يغفر لهم عدم إيمانهم وسخريتهم بالله وبروحه القدوس. والدليل على ذلك، كل الذين أتبعوا مقدونيوس، أسقف القسطنطينيّة، عام 360 في هرطقته القائل "ان الروح القدس مخلوق مثل الملائكة"، بالتالي أنكر لاهوت الروح القدس، وعندما تابوا قبلتهم الكنيسة وأعطتهم الحل والمغفرة. ويقول القديس أوغسطينوس "حقًا إن كل خطيئة وتجديف يغفر للبشر ليس فقط ما يقال ضد ابن الإنسان. فما دامت لا توجد خطيئة عدم التوبة هذه التي توجَّه ضد الروح القدس الذي به تغفر الكنيسة جميع الخطايا، فإن جميع الخطايا تغفر".

 

ومن هنا تطرح ثلاث أسئلة:

 

السؤال الاول: لماذا التجديف على الروح القدس لن يُغفَر؟

 

لقد أجاب القدّيس توما الأكويني على هذا السؤال بتفسيره أنّ هذه الخطيئة غير قابلة للغفران بطبيعتها لأنّها تفتقر إلى المقوّمات التي يرتكز عليها غفران الخطايا. فإنّ هذه الخطيئة لا تُرتَكب حين يقوم إنسان ما بالتفوّه بكلام نابٍ على الروح القدس؛ إنّما جوهر هذه الخطيئة يكمن في رفض الإنسان تلقّي الخلاص الذي يقدّمه الله الآب للإنسان بواسطة الروح القدس باستحقاق ذبيحة الابن على الصليب. إذا رفض الإنسان كشف خزي الخطيئة، هذا الكشف الآتي من الروح القدس، والذي يحمل طابعًا خلاصيًّا (يوحنا 16: 8)، فإنّه يرفض في الوقت نفسه مجيء الروح القدس. هذا المجيء يتجسّد من خلال السرّ الفصحى باتّحاد مع قوّة الخلاص لدم الربّ يسوع المسيح، هذا الدم الذي "يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعبدَ اللهَ الحَيّ" (العبرانيين 9: 14).

 

نحن نعرف أنّ ثمرة هذا التطهير هي غفران الخطايا. وبالتالي، فإنّ مَن يرفض الروح والدم (1يوحنا 5: 8) يبقى في "الأَعمالِ المَيْتَة" أي في الخطيئة. إنّ خطيئة التجديف على الروح القدس تكمن في الرفض المُطلق لهذا الغفران الذي يُشكّل الروح القدس نبعًا له، ويُشكّل الارتداد الحقيقيّ الذي يقوم به الروح في الضمير شرطًا أساسيًّا له. إن قال يسوع: "كُلُّ خَطِيئَةٍ سَتُغْفَرُ لِلنَّاس، وكُلُّ تَجْدِيف، أَمَّا التَّجْدِيفُ عَلى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَر لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي"، فذلك لأنّ عدم الغفران هذا مرتبط بعدم التوبة أي الرفض المطلق للارتداد. ولا يمكن أن تغفر الخطيئة بفعل من الله دون شرط تغيير روح الإنسان وقلبهويعلق البابا فرنسيس " الخطيئة ضد الروح القدس هي خطيئة لا يمكن أن تغفَر لأنها تنطلق من إغلاق القلوب أمام رحمة الله الذي يعمل في يسوع" (عظة البابا فرنسيس 2018-06-10).


ويعلق البابا القديس يوحنّا بولس الثاني في الرسالة العامة "إن التجديف على الروح القدس هو الخطيئة التي يرتكبها الإنسان الذي يطلب "حقّ" البقاء في الشرّ – أي في حال الخطيئة مهما كانت – ويرفض الخلاص بذات الفعل. هكذا يبقى الإنسان محبوسًا في الخطيئة جاعلاً من المستحيل توبته، وبالتالي أيضًا غفران خطاياه الذي يعتبره غير ضروريٍّ وغير ذي أهمّية لحياته. نحن هنا أمام حالة من الدمار الروحي لأنّ التجديف على الروح القدس لا يسمح للإنسان بالخروج من سجن الخطيئة الذي أدخل نفسه إليه" ( Dominum et vivificantem، الفقرة 46).

 

ونستنتج مما سبق ان التجديف على الروح القدس هو الإصرار على مقاومة صوت الروح القدس الذي يبكت على الخطيئة داعيًا للتوبة (يوحنا 16: 8)، أي أن يصر الإنسان على عدم التوبة ومقاومة الحق حتى آخر نسمة من نسمات حياته. لذا إصرار الإنسان على المقاومة لصوت الروح القدس ينطفئ صوته. لذلك يحذِّر الرسول بولس "لا تُخمِدوا الرُّوح" (1 تسالونيقي 5: 19) " و "لا تُحزِنوا رُوحَ اللّه القُدُّوسَ " (أفسس 4: 30) وإذا انطفأ الروح داخل إنسان لعناده سُيصبح غير قادرًا على التوبة، لأنه لا يسمع صوت الروح القدس، وإذا يتوب لا تغفر خطيئته، وهذا هو التجديف على الروح الذي لا يُغفر.

 

السؤال الثاني: ما علاقة عدم التوبة بالتجديف على الروح القدس؟

 

من يرفض الروح لا يتوب، ولا يأتي بثمر روحي. والانسان لا يتوب الاّ بعمل الروح فيه. فالروح القدس "أَخْزى العالَمَ على الخَطيئِة" (يوحنا 16: 8). وهو الذي يقود الانسان الى الحياة الروحية. أنه القوة التي تساعد على كل عمل صالح والثمر الروحي. ولا يستطيع أحد ان يعمل عملا روحيا بدون معونة الروح القدس.  فإن رفض الانسان معونة او شركة الروح القدس (2 قورنتس 13: 14)، لا يمكن ان يعمل خيرا على الاطلاق، لانَّ كل اعمال البِرِّ هي ثمر الروح (غلاطية 5: 22).  ومن يكون بلا ثمر يقطع ويلقى في النار كما أعلن يوحنا المعمدان: " ها هيَ ذي الفَأسُ على أصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمراً طيِّباً تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار" (متى 3: 10). ويُعلق الراهب السسترسياني إسحَق النجمة "التوبة ليست محجوبة عمّن يثمر ثمرًا يدلّ على توبته (لوقا 3: 8). إلاّ أنّ المرء عندما يرزح تحت ثقل الشرّ، لا تعود له القدرة على التطلّع إلى تلك التوبة التي تقود إلى المغفرة" (العظة 39). فمن يجذِّف على الروح القدس هو اعمى روحيا، فالعمى الروحي يُعمى الإنسان أيضًا عن فساد طريقه فلا يعرف أنه خاطئ ولن يطلب التوبة، ويعميه أيضًا عن رؤية الهلاك الأبدي، فلا يقع بصره إلاّ على ملذات العالم.

 

 السؤال الثالث: هل التجديف على الروح القدس يحد من قدرة الله على المغفرة؟

 

التجديف على الروح القدس هي الخطيئة الوحيدة التي بطبيعتها، تُبعد الانسان عن نطاق الغفران. الروح القدس هو الذي يأتي بهبة الخلاص لقلب الانسان. هذا يعني أننا نرفض النظر إليه، اننا نكفر بالروح القدس. فالتجديف على الروح القدس هو إنكار عملية تبكيت الروح القدس على الخطيئة، لأنه لا يمكن أن يخلص إنسان، إلا بعمل الروح القدس؛ ورفض التوبة والاعتراف بالخطيئة، هو رفض لغفران الله. فكل من يرفض عمل الروح القدس، يحرم نفسه من القوة الوحيدة التي تستطيع ان تقوده الى التوبة والعودة الى الله. وهذا الامر لا يعني ان الخطيئة ضد الروح القدس تضع محدودية في الله، وكأن الله لا يستطيع أن يغفر.

 

تنبع خطيئة التجديف على الروح من الحدود التي يضعها الإنسان أمام غفران الله. الخطيئة بشكل عام، والتجذيف بشكل خاص يغفران، لان الله إله الغفران، (متى 13: 29) من تجاهل سر يسوع وما فهم كيف يطرد الشيطان، غفر الله له. أما من تجاهل عمل الروح القدس في يسوع لا يُغفر له، لأنه يعارض عمل الروح وإلهامه.  نحن أمام تحذير وتهديد يُبقي غفران الله مفتوحاً.

 

الخلاصة

 

يصف نص إنجيل مرقس خصوم يسوع: وهم نوعان: أقاربه الذين يحالون ان يستعيدوه إليهم، والكتبة الذين قدموا من أورشليم. قاوم أقارب يسوع عن حسن نية خدمة يسوع في الجليل. فأَجابَهم يسوع: "مَن أُمِّي وإِخَوتي؟" (مرقس 3: 33) وهكذا ابتعد يسوع عن قرابته وبين ان عائلته الحقة هي التلاميذ والناس بقدر ما يقفون موقف السامع" "لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي" (مرقس 3: 35).  

     

اما الكتبة فقاوموا خدمة يسوع عن خبث وحسد وكراهية فجذّفوا عليه قائلين "فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين". أنهى يسوع أمرهم بجدال قصير: بيًّن لهم أنهم يجدِّفون على الروح، وهذه الخطيئة لا تغفر قائلا "مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد" (مرقس 3: 29).

 

وخطيئة التجذيف التي لا تغتفر ليست عملا واحد، بل هو موقف متعمد لرفض النور، وتفضيل الظلمة على النور "إنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جاءَ إِلى العالَم ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة" (يوحنا 3: 19). أوضح يسوع ان نتيجة المقاومة للكتبة ليسوع هو تجديف على الروح، وهذه الخطيئة لا تغفر (مرقس 3: 23-30) لأنهم لم يتوبوا. وإن التوبة هي الخطوة الأولى في طريق مغفرة الخطايا. ومتى رفض الانسان التوبة فقد حُرم من غفران خطيئته. إذ يرفض إرشاد روح الربّ ويرفض البصيرة والمعرفة لكي يتعرّفوا على الحق. إنّه يفقد معرفته لحالته الشرّيرة الفاسدة، وبالتالي يعجز عن معرفة حقّ الربّ.

 

وبتعبير آخر، إنّ الخطيئة ضدّ الروح القدس هي أن يفقد الإنسان معرفته لحالته الشرّيرة الفاسدة نتيجة رفضه لإرشاد الروح القدس، وبذلك لا يستطيع أن يأتي تائباً ونادمًا. وبهذا المفهوم التجديف على الروح القدس هو الاصرار على عدم التوبة، ومن ارتكب هذه الخطيئة يكون قد حرم نفسه من ينبوع المغفرة واستحق الإدانة بروحه المنقسم على ذاته.

 

ومن يرفض يسوع علانية لا يمكن ان ينال الغفران، ولا يمكن للإنسان ان ينال رسالة الغفران الى ان يقبل مُعطي الغفران أي يسوع المسيح. وأنه لكي نصل إلى الغفران من المهم أن نتوب بقوة الروح القدس ونغيّر عقليتنا. كما قال يسوع "الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئةٍ وتَجْديفٍ مَهما بَلَغَ تَجْديفُهم أمَّا وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد" (مرقس 3: 28-29). إن التجديف أي المقاومة المستمرة لتأثير الروح القدس، يتضمن الرفض المستمر عن عمد لعمل الروح القدس، وبالتالي لله ذاته. إن من يرتكب هذه الخطيئة يغلق عل ذاته بعيداً عن الله، بصورة شاملة، حتى انه لا يعي أي خطيئة على الاطلاق.  فيتوجب علينا ان نقاد لإلهام الروح القدس، كي نساهم في انتصار يسوع على "قوى الشر" و"شيطان" و"عدو الله"، كي ننشر ملكوت الله بيننا.

 

دعاء

 

أيها الآب السماوي، نطلب اليك باسم المسيح، ان تملك على عقولنا وقلوبنا وتكون سيد بيوتنا، فنصغي دوما الى إرشادات الروح القدس ولا يكون أي شيء في حياتنا خارجا عن سيادتك بل نعمل مشيئتك الإلهية ونقاوم الشيطان فيُطرد الى الخارج فنتحرر من الخطيئة ومن قبضته وحبائله الشريرة ويسود ملكوت الله على الأرض. آمين.