موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣٠ مارس / آذار ٢٠٢٤

"مجدُ القائم" بين كاتبّ سفر المزامير والإنجيل الرابع

بقلم :
د. سميرة يوسف سيداروس - إيطاليا
سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 117 (118)؛ يو 20: 1- 10)

سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 117 (118)؛ يو 20: 1- 10)

 

مُقدّمة

 

المسيح قام، بعد عبور المتألم والمائت الموت الجسديّ وتوقفنا ككنيسة للتأمل ومعايشة سرّ الحبّ الإلهي من خلال الثلاثيّة الفصحيّة. ها نحن ككنيسة نحتفل في أحد قيامة الابن الإلهي، حيث نكتسيّ كعروس القائم بلُباس العُرس، والّذي يهديّنا إياه القائم كعربون حبه. وها نحن مع شاهد العيّان، الّذي هو بمثابة أحد التلاميذ الأوائل بحسب رواية كاتب الإنجيل الرابع (راج يو 1: 35- 39). حيث يسترجع نشيد التهليل لكاتب سفر المزامير الّذي سنتأمله في مقالنا هذا كمرحلة أوّلى من العهد الأوّل من خلال مزمور 117 (118) والّذي يدعونا فيه الكاتب إعلان الفرح والتسبيح بالرّبّ والسبب هو أعمال يمينه القديرة الّتي غيّرت وجه البشريّة. وفي مرحلة ثانيّة سنتأمل تكليل مسيرة تلميذ وهو يوحنّا، وهو الّذي تتبع معلمه في السنين الثلاث الأخيرة من حياته وعاش معه دراما اليوم الأخير من حياته. فهو يعلن لنا بحسب البشارة الّتي تستند إليه (يو 20: 1- 10) ليس عما سمعه بل عما إختبره ولازالت خبرته تبثّ فيه ملء الحياة الّتي إستلمها من القائم بمجانيّة. نهدف من خلال هذا المقال بأنّ نعيش خبرتنا أمام المسيح الّذي قام من بين الأموات من أجل خلّاصنا.

 

1. التهليل لقدرة الرّبّ (مز 118: 1. 19- 27)

 

ينتمي هذا المزمور 117 (118)، إلى مزامير التسبيح. لذّا يفتتح كاتب المزامير بدعوتنا كمؤمنيّن بالحمد والتسبيح للرّبّ والسبب مزدوج يعلنه مُهللاً: «اْحمَدوا الرَّبَّ لأنه صالِح لانَّ للأبد رَحمَتَه» (مز 118: 1). ويضع على لسّان المسيّا المستقبليّ، وهنا يستبق أحداث قيامة مسيح الرّبّ، بعض الآيات الّتي سنقرأها معًا بعد أنّ يُتممّ مشيئة الرّبّ، كلمات التهليل داعيًا إيانا بفتح أبواب البرّ: «إِفتَحوا لي أَبوابَ البِرّ فأَدخُلَ وأَحمَدَ الرَّبّ [...] أَحمَدكَ لأنَّكَ أَحبَبتَني وخَلاصًا كُنتَ لي. الحَجَرُ الَّذي رَذَلَه البَنَّاؤون قد صارَ رأسَ الزَّاوِيَة» (مز 118: 19- 22). يحمد المسيّا الرّبّ لأنّه هو محبوب الرّبّ وصار له خلاصًا وقت الضيق. وكما تأملنا كيف أنّ رفض البشريين لمسيح الرّبّ من خلال أناشيد عبد الرّبّ (راج أش 42- 53)، وهذا الرفض صار أساسًا في إظهار العمل الإلهي لأن الرّبّ هو الّذي أرسله وهو الّذي دعاه لُيتممّ إرادته الخلاصيّة، فيصير رأسًا ليقود عروسه المختارة نحو الملء.

 

في ختام المزمور يدعونا الكاتب بالإبتهاج: «هذا هو اليَومُ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ فلنبتَهِجْ ونَفرَحْ فيه. إِمنَحِ الخَلاصَ يا رَبُّ اْمنَحْ إِمنحِ النَّصرَ يا رَبُّ اْمنَحْ. تَبارَكَ الآتي باْسمِ الرَّبِّ نُبارِكُكم مِن بَيتِ الرَّبِّ. الرَّبّ هو اللهُ وقد أَنارَنا» (مز 118: 24- 27).الإبتهاج هو تعبير عن الفرح الّذي يمنحه لنا الرّبّ من خلال أعماله الخلّاصيّة. ما علينا سوى مباركة الرّب لأنّه من خلال أعمال يمينه القديره يحمل لحياتنا النور والفرح والتهيليل. هذا هو مصير مَن يقبل أعمال الرّبّ في حياته، فهو قادر أنّ يقلب الموازيّن رأسًا على عقبْ، لُينير قلوبنا وحياتنا ويحملنا كعروس لملء النور كما سنرى في نص العهد الثاني.

 

2. خطوة العروس الأوّلى (يو 20: 1- 2)

 

على ضوء كلمات كاتب سفر المزامير (118) الّذي يحملنا للتهليل سنقرأ الآيات الأوّلى والّتي يسردها التلميذ الّذي أحبّه يسوع (يو 20: 1-10). هذا المقطع الإنجيليّ لهذا اليّوم الفصحيّ، هو بمثابة إعلان لبدء حياة الكنيسة: «وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّةُ إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر» (يو 20: 1). هذه الكنيسة عروس القائم، الّتي بدأت مُتمثلة في مريم المجدليّة، الّتي بمفردها ذهبت في صباح اليّوم الأوّل، الأحد، إلى قبر عريس نفسها، وإذ بالمفاجأة الغير متوقعة فقد وجدت إزالة الحجر عنه! تحمل خطوة المجدليّة الأوّلى الـمُسرعة بُشرى وفرحة لتُعلن للتلاميذ الحقيقةً الخارقة، وهي القبر الفارغ، بالرغم من إنّها لمّ تفهمها بالكامل بعد: «أَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: "أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه"» (يو 20: 2). تُمثل خطوة المجدليّة، خطوتنا ككنيسة تنمو وتبحث عن العريس القائم.

 

3. خطوات التلميذيّن (يو 20: 3- 4)

 

بمجرد يجب أنّ يصغيا التلميذان يسرعا، بطرس والتلميذ الّذي أحبّه يسوع (راج يو 13: 23؛ 20: 2؛ 21: 7. 20)، إلى القبر ليروا علامات غياب العريس وحضوره الجديد، فيولّد فيهما الإيمان الفصحيّ: «فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً» (يو 20: 3-4). هذه هي صورة الكنيسة ورسالتها لنساء (المتمثلات في المجدليّة) والرجال (المتمثليّن في بطرس ويوحنّا) اليّوم ومعنى حياتها. الرسالة الّتي تحفظها المجدليّة، الـمُبشرة الأوّلى ورسولة الرسل بحسب إنجيل يوحنّا، فهي الّتي حملت إعلان القيامة للبشريّة. النساء بدءً من مريم أمّ يسوع إلى المجدليّة هنّ صورة الكنيسة الخصبة الّتي جددت صورة المرأة الأوّلى بحب حقيقي للعريس القائم. نجد إستمرارًا لهذا الإعلان الحيّ بالبشريّة، الّذي بدأته مريم، على لسان الرسل في بشارتهم بأنحاء المسكونة وقلّب تبشريهم هو المسيح المصلوب والقائم (راج 1بط 1: 10، 1يو 1: 1- 4). هناك التلميذ الّذي صمدّ حتّى تمّ قبر معلمه وهناك الّذي أنكر، وهما يمثلانا في علاقتنا بالرّبّ والآن يأتي القرار الإلهي ويكشف عن سرّه المسيانيّ لكليهما دون تمييز.

 

4. مجدُ القائم (يو 20: 5- 10)

 

حياتنا ككنيسة، هي على مثال حياة العريس، تتألم وتموت ثمّ تقوم حينما تفرح وتسبح الآب بقيامة عريسها الّذي كان مرفوضًا فصار بقدرة الآب رأسًا للزاويّة. وإذا تسألنا عن معنى حياتنا ككنيسة وهي الّتي حفظتها المجدليّة ويليها تلميذيّ يسوع؟ علينا بإدراكنا بأننا ككنيسة نحمل إعلانًا لحقيقة بل سرّ إلهي وهي قيامة يسوع، الّذي لا ينفردوا به ولكنهم تلقوه أيضًا كعطية مجانية وبدون إستحقاق. فهم يسلمونا ما تسلموه من سخاء وحبّ القائم. نعلم أنّ المجدليّة لا تملك حبًا كاملاً، فهي حينما وصلت للقبر لم تعد قادرة على تفسير ما تراه ولكن يقينها الوحيد هو حبها للرّبّ والمعلم الّذي ستدعونه لاحقًا في لقائه بها لاحقًا (راج يو 20: 11- 19). القبر الفارغ هو رمز لرسالتنا ككنيسة، مدعوين بالإيمان الدخول فيه لنختبر قوة وفرح القيامة حتى نتمكن ككنيسة بإعلان حياة القائم فينا.

 

إنّ سرّ إعلان القيامة، الّذي نحفظه كعروس شابة للبشرية هو كلمة قلبت جوهر التاريخ "المسيح قام"، لأنّنا نُدخل في تاريخنا واقعًا وسرّ إلهي نحياه فقط بالإيمان. إذا نظرنا إلى تاريخنا البشريّ اليّوم، حرب، ألم، موت، خطيئة، خيانة، ... فلا يوجد شيء يجعلنا نفكر في حدث القيامة بل بلأحرى في الموت. الحياة الّتي ليست لها نهاية هي الحياة الّتي إفتتحها القائم وهي أبدية. هذه الحياة لا يُهددها الموت ولا تنتمي إلى تجربتنا وإمكانياتنا. فلنتبع خطوات المجدليّة والتلميذيّن فقط الإيمان بالرّبّ هو الّذي دفع بهم للتمتع بمجد القائم الغائب جسديًا والحاضر في قلبنا كعروسه المختارة.

 

الخلّاصة

 

نختتم مقالنا الأوّل الفصحيّ، والّذي نبدأ من خلاله ولمدة خمسون يومًا لنتمتع ككنيسة شابة بفرح القيامة والتهليل بمجد القائم. ففي العهد الأوّل توقفنا أمام كلمات كاتب سفر المزامير 117 (118)، والّذي بنظرة إستباقيّة دعانا للتهليل بما سيتممّه الآب في حياة مَن كان مرفوضًا ثمّ صار رأسًا للزاويّة. المجد هو كلمة الآب الأخيرة لبشريتنا. وهذا يدعونا أنّ نستعيد مكان يسوع القائم بمجده في مركز حياتنا ككنيسة وليس الأنشطة أو الأعمال ... إلخ. نحن ككنيسة بناء على النص اليوحنّاوي مدعويّ، للتمثل بتتبع أقدام المجدلية، الباحثة عنه في القبور لنعلن سيّادة مجد قيامة الرّبّ وأنّ قيامته غيّرت تاريخنا البشريّنحن ككنيسة مدعوين لنعلن أنّ الممجد والقائم من بين الأموات هو المصلوب. وعلى غرار كاتب سفر المزامير والمجدليّة وبطرس والتلميذ الّذي أحبّه يسوع، مدعويّن بأنّ نُعلن مجد القائم في محيطنا اليّوميّ. هذا المجد النابع من القيامة، فهي الحياة الّتي بلّا نهاية، وتولّد في وجود يسوع القائم. مجد القيامة هي "نعم" الله لنمط يسوع، تتجدد فينا اليّوم رسالتنا ككنيسة باعلان مجد وبهاء القائم وليس موته فقط. علينا بالسير لإكتشاف القبر الفارغ في صباح اليّوم الأوّل بعد السبت، وهو ومز لليوم الأوّل للخلق. في سيّر خطوات المجدليّة والتلميذيّن نسير ككنيسة لنعلن قيامة يسوع كإنسان جديد سماويّ، الّذي لا يجعل الإنسان العتيق يسود ويدمر بل يقوم ويمجدنا معه. في يوم القيامة يتجسد مشروع الجمال والوداعة الّذي كان حلم الخالق في فجر الخليقة. مدعوين لنحمل قلب ووجهه وقدمي المجدليّة والتلميذيّن لنحمل وجه مجد القائم لكل آخر.

 

دُمتمّ في تمتع أبدي ببهاء وبمجد القائم، المسيح قام.