موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ يونيو / حزيران ٢٠٢٤

عظة عيد العَنصرة 2024

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
نَحنُ بحاجَةٍ إلى "عَنصَرَةٍ مُستَمِرَّة"

نَحنُ بحاجَةٍ إلى "عَنصَرَةٍ مُستَمِرَّة"

 

﴿إِنَّ الَّذينَ يَنقَادُونَ لِرُوحِ الله يَكونونَ أَبناءَ اللهِ حَقًّا﴾ (رومة 14:8)

 

أَيُّهَا الأحبَّاءُ جَميعًا في الْمَسيحِ يَسوع. في اليومِ الخَمسين عَلَى قِيَامَتِهِ الْمَجِيدَة، والعَاشِرِ لِصُعودِهِ إلى السّمَاء، أَتَمَّ يَسوعُ مَا سَبَقَ لَهُ أَنْ وَعَدَ بِهِ تَلامِيذَهُ، مُرسِلًا إِلينَا الرُّوحَ القُدُس، الْمُؤيِّدَ رُوحَ الحَقّ، لِيَكونَ مَعَنَا إلى الأَبَد (راجع يُوحنَّا 16:14).

 

قَبلَ مَجيئِهِ، كَانَ الفَزَعُ يَتَمَلَّكُهُم، مُقَيَّدِينَ بِسَلاسِلِ الذُّعر. أَمَّا بَعدَ أنْ: ﴿أُلْبِسُوا قُوَّةً مِنَ العُلَى﴾ (لوقا 49:24)، اِنطَلَقَ الرُّسُلُ يُبَشِّرونَ و: ﴿يُحَدِّثونَ بِعَجَائِبِ الله﴾ (أعمال 11:2)، بِجَسَارَةٍ وشَجَاعَةٍ، دُونَ خَوفٍ مِنْ إنْسَان. قَبلَ مَجيئِهِ، كَانُوا مُجتَمِعينَ في مَكَانٍ وَاحِدٍ، مُضْطَربِينَ كَ: "يَتَامَى لا أَبَ لُهُم" (راجع مَرَاثي 3:5). أَمَّا بَعدَ مَجيئِهِ، وُهِبُوا القُدرَةَ عَلَى حَملِ البِشَارَةِ والتَّواصُلِ مَعِ الجَميع، إذْ: ﴿أَخَذُوا يَتَكلَّمونَ بِلغُاتٍ غَيرِ لُغَتِهم، عَلَى قَدرِ مَا وَهَبَ الرُّوحُ القُدسُ أنْ يَتَكلَّموا﴾ (أعمال 4:2).

 

قَبلَ مَجيئِهِ كَانَ صَوتُ البَاطِلِ والكَذبِ طَاغِيًا. أَمَّا بَعدَ مَجيئِهِ، غَدَا صَوتُ الحَقِّ عَالِيًا مُدَوِّيًا: ﴿كَريحٍ عَاصِفَة﴾ (أَعمال 2:2). ذَلِكَ أَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ هو: ﴿رُوحُ الحَقِّ الّذي يُقيمُ عِندَنَا ويَكونُ فِينَا﴾ (يو 17:14). شَريطَةَ أن نَكونَ مِنْ أَتْبَاعِ الحَقِّ وأَنْصَارِهِ، أي يَسوعَ الْمَسيح: الطّريقُ والحَقُّ والحَيَاة. ذَلِكَ أَنَّ الْمسيحَ لَهُ الْمَجد، في أَثنَاءِ العَشَاء، وبَعدَ غَسلِهِ أَقدَامَ تَلاميذهِ، قَالَ لَهُم: ﴿أَنتُمْ أيضًا أَطهَار، ولَكِن لا كُلُّكُم﴾ (يوحنّا 10:13). واليَوم أَيضًا كَمَا في الأَمس، يُوجَدُ تَلامِذَةٌ "غَيرُ طاهِرين"، دَنَّسُوا أنفُسَهم بِاتِّبَاعِهم البَاطِلَ، مُنْقَادِينَ للكَذِبِ، ومُواكِبينَ روحَ العالَمِ الفَاسِدَة. فَمِنْ جِهةٍ يَدَّعُونَ التَّلمَذَةَ لِلْمَسيح، ومِنْ جِهَةٍ أُخرَى أَعمَالُهم تُشيرُ إلى خِلافِ ذلِك!

 

وعَليهِ يا أَحِبَّة، نَحنُ بحاجَةٍ إلى "عَنصَرَةٍ مُستَمِرَّة"، إلى "أَلْسِنَةٍ مِنْ نَارٍ" لا يُطْفَأُ لَهيبُهَا ولا يُخمَدُ سَعيرُهَا، لِتَحرِقَ كُلَّ مَا اعتَرَى أَعضَاءَ جَسَدِ الْمَسيحِ، مِنْ فَسَادٍ وانْقِيَادٍ لرُوحِ العَالمِ البَاطِلَة، وتُطهِّرَهُم مِنْ كُلِّ دَنَسٍ وعَيب. نَحنُ بحاجَةٍ إلى "عَنصَرَةٍ" تُقَوِّمُ كُلَّ مَا أَعوَجَّ ومَال، وتَردُّ كُلَّ مَنْ انحرَفَ وحَاد، وتَشفِي كُلَّ سَقيمٍ وعَليل، وتضرِمَ كُلَّ فَاتِرٍ وبارِد، وتُحي كُلَّ مَنْ يَبِسَ وجَفّ!

 

نَحنُ بِحاجَةٍ إلى عَنصَرَةِ الرُّوحِ القُدس، لِيَتَكلَّمَ فِينَا هُوَ "النَّاطِقُ بالأنبِيَاء"، إذ: ﴿لَستُم أَنتُمُ الْمُتَكَلِّمين، بلْ رُوحُ أَبِيكُم يَتَكَلَّمُ بِلِسانِكم﴾ (متّى 20:10). نَحنُ بِحاجَةٍ إلى عَنصَرَةٍ فيهَا يحلُّ عَلينَا رُوحُ الْمَواهِب: ﴿روحُ الحِكمَةِ والفَهْم، روحُ الْمَشورَةِ والقُوَّة، رُوحُ الْمَعرفَةِ وتَقوَى الرَّبّ﴾ (أشعيا 2:11). نَحنُ بِحاجَةٍ إلى عَنصَرَةٍ فيهَا: ﴿نَحيَا حَياةَ الرُّوح﴾ (غلاطية 25:5)، ونُثمِرُ ثِمَارَ رُوحِ اللهِ النَّافِعَة، أي: ﴿الْمَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام، والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق، والإِيمانُ والوَداعَةُ والعَفاف﴾. (غلا 22:5-23). مُزْدَرين أَعمَالَ الجَسَدِ الْمُنكَرَةِ، أي: ﴿الزِّنَى والدَّعارةُ والفُجور، وعِبَادَةُ الأَوثانِ والسِّحرُ، والعَداواتُ والخِصامُ، والحَسَدُ والسُّخطُ، والْمُنازَعاتُ والشِّقَاقُ، والسُّكْرُ ومَا أَشبَه﴾ (غلا 19:5-21).

 

في رِسَالَتِهِ الأولَى إلى أَهلِ تَسَالُونيقي، يُنَاشِدُنَا القِدّيسُ بُولسُ بِقَولِهِ: ﴿لا تُخمِدوا الرُّوح﴾ (1تس 19:5). فَالرّوحُ القُدسُ الَّذي حُزْنَاهُ بالْمَعموديّةِ يا أَحِبَّة، هوَ لِسَانُ نَارٍ حَلَّ عَلينَا، ولَهيبُ مَحبّةٍ يَنتَظِرُ مِنَّا أَنْ نُبقِيهِ في حَياتِنَا مُشتَعِلًا. هَذَا الِّلسَانُ النَّارِيُّ يَظَلُّ فينَا مُضَاءً، مَا دُمنَا نُذَكِّيهِ بالأعمَالِ الصَّالِحةِ الْمَرضِيَّةِ عِندَ اللهِ أَبينَا، مُتَّبِعينَ شَريعتَهُ، مُفَضِّلِينَهُ عَلى كُلِّ مَا سِوَاه. وفي نَفَسِ الوَقت، يُمكِنُ لهذَا النُّورِ الإلهيِّ أن يَهجُرَنَا، إِذَا مَا قَرَّرنَا نحنُ هَجرَهُ والتَّخلّي عَنه، باتِّباعِنَا أَعمَالَ الشَّرِّ والسَّيرِ في الظَّلام!

 

وبِناءً عَلَى مَا تَختارُ، تَنَالُ جَزاءَكَ الأبَديّ وتَكونُ عَاقِبَتُكَ الأُخرَويّة، عَلَى حَدِّ قَولِ الرّبّ: ﴿إِنَّما الدَّينونَةُ هي أَنَّ النُّورَ جَاءَ إِلى العَالَم فَفَضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ عَلَى النُّورِ، لأَنَّ أَعمَالَهم كَانَت سَيِّئَة. فَكُلُّ مَنْ يَعمَلُ السَّيِّئات يُبغِضُ النُّورَ فَلا يُقبِلُ إِلى النُّورِ لِئَلاَّ تُفضَحَ أَعمالُه. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ لِلحَقّ، يُقبِلُ إِلى النُّورِ، لِتُظهَرَ أَعمالُهُ وقَدْ صُنِعَت في الله﴾ (يو 19:3-21).

 

فَيَا أَيُّهَا الإخوَةُ والأَخَوات، بِمَا أنَّنَا تَلَقّينَا: ﴿رُوحَ تَبَنٍّ بِهِ نُنَادي: أَبًّا، يا أَبَتِ﴾ (رومة 15:8)، فَلْنَعمَل إذًا أَعمَالَ أَبناءِ الله، سَالِكينَ في النُّورِ، سَائِرينَ بحسَبِ الرّوحِ، حَتّى نَنَالَ الحَيَاةَ والنَّجَاة، لإنَّ: ﴿الَّذينَ يَحيَونَ بِحَسَبِ الجَسَدِ يَنزِعونَ إِلى مَا هوَ لِلجَسَد، والَّذينَ يَحيَونَ بِحَسَبِ الرُّوح يَنزِعونَ إِلى مَا هو لِلرُّوح. فَالجَسَدُ يَنزِعُ إِلى الْمَوت، وأمَّا الرُّوح فَينزِعُ إِلى الحَياةِ والسَّلام﴾ (رومة 5:8-6).