موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

تذكار القديس متى الإنجيلي

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
تذكار القديس متى الإنجيلي

تذكار القديس متى الإنجيلي

 

الرِّسَالَة

 

لتكُنْ يا ربُّ رحمتُك علينا

ابتهجوا أيُّها الصِديقون بالرّبّ

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس (4: 9-16)

 

يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرسلَ آخري الناسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهداً للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاءُ وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون ونحنُ مُهانون وإلى هذه الساعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ ولا قرارَ لنا، ونَتَعبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك، نُضطهدُ فنحتمل، يُشنَّعُ علينا فَنَتضرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالمِ وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لأُخجِلَكُم أكتبُ هذا، وإنَّما أعظُكُم كأولادي الأحبَّاء. لأنَّهُ ولو كانَ لكم ربوةٌ من المرشدينَ في المسيح ليسَ لكم آباءٌ كثيرون، لأني أنا ولدتُكم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ اليكم أن تكونوا مقتدين بي. 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس متى (9: 9-13)

 

في ذلك الزمان، فيما يسوع مجتازٌ رأى انساناً جالساً على مائدةٍ الجبايةِ اسمُهُ متَّى فقال لهُ اتبعْني. فقام وتبَعهُ. وفيما كان متَّكئاً في البيت إذا بعشَّارين كثيرين وخَطأةٍ جاءُوا واتَّكأوا مَعَ يسوعَ وتلاميذه. فلَّما نظرَ الفريسيّون قالوا لتلاميذِِ: لماذا معلّمُكم يأكلُ مع العَشّارينَ والخطأة؟ فلَّما سمعَ يسوع قال لا يحتاجُ الأصحَّاءُ إلى طبيب لكنْ ذوو الأسْقام. فاذهَبوا واعلَموا ما هو، إنّي أريدُ رحمةً لا ذبيحةً. لأنّي لم آتِ لأدعُوَ صِدّيقين بل خَطأةً إلى التوبة.

 

التأمل

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

أيها الأحباء، "وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانًا..." استعمل متّى صيغة التّنكير (إنسانًا)، وكأنّه يتكلّم عن إنسانٍ مجهول الهويّة، أو بالأحرى عن إنسان لا قيمة له، مجرّد عشّار، وهو من فئةٍ ذات مستوى أخلاقيّ متدنٍّ بين البشر بحسب نظرة اليهود في ذلك الزّمان. مَن هو هذا العشّار؟ مَن هو هذا الإنسانُ النَّكِرة؟ إنّه في الواقع متّى نفسُه، كاتب هذا الإنجيل، والذي يصادف عيدُ أيضًا في هذا اليوم، والذي أصبح صيّادًا للناس بعد اتّباعه يسوع.

 

إنسانٌ مُبعدٌ من قِبل شعبه، لكونه بنظرهم خائنًا وسارقًا وظالمًا... هذا أصبح أقربَ الناس إلى الرّب يسوع. وبكلامٍ آخر: أحقرُ النّاسِ وأكثرُهم خطأً يُعطى فرصةً للتوبة، فيغتنمها دون تردّد.

 

لقد وجه إليك السيد المسيح الآن دعوة لتتبعه.. تماماً كما سبق أن وجَّه الدعوة لأحد جُباة الضرائب واسمه "متى". لما وصل المسيح إلى محل الجباية حيث يحصّل مأمور الحكومة الرومانية الضرائب على البضاعة المنقولة من بلاد إلى بلاد، وقف مقابل أحد هؤلاء الرجال، وبعد السلام ناداه: "اتبعني".

 

لم يكن باطن هذا الأمر بسيطاً كظاهره، لأنه كان في ظروف هذا المدعو الجديد ما ينفّر منه جميع الذين مع المسيح. ومع أنه ابن بلدهم كفر ناحوم، واسمه متى أي "عطية اللّه". واسمه العبراني لاوي يعلن أنه من العائلة الكهنوتية الشريفة. ومع أنه من أصحاب المعارف، ومن أهل اليُسْر المالي، لكنه كان من جباة الضرائب المرذولين المحتقرين. وهذا يكفي لاشمئزاز كل محب، ولشماتة كل مبغضي المسيح، إنْ لبَّى متى العشار دعوة المسيح وانضم إلى تلاميذه.

 

لم يكتف متى بترك وظيفته وأرباحها لأجل المسيح، بل أضاف على ذلك أنه صنع ضيافةً في بيته للمسيح، دعا إليها معه زملاءه العشارين والخطاة، لأن غيرهم لا يلبّون دعوة عشار. لا بد أنه قصد بذلك أن يفتح الباب لهم ليستنيروا كما استنار هو، وهذا دأْبُ كل مستنير. ومتى هو الوحيد بين الرسل الذي ذُكر له عمل كهذا، أظهر به امتنانه الزائد للمسيح الذي تنازل ودعاه ليكون تلميذاً ملازماً له بعد أن خلّصه من ورطة الآثام. قدّر متى هذه الدعوة حقَّ قدرها، فإن الخسارة التي تحمّلها في تركه كل شيء، لا تُقاس بما ربحه عوضاً عن تلك الخسارة. فضلاً عن الكرامة التي منحها الله له على مرّ السنين، إذ صارت بشارته فاتحة الإنجيل وخُلِّد اسمه فوق أسماء معاصريه من ملوك وعلماء وأغنياء، وربح بواسطة إنجيله نفوساً بلا عدد، كان هو هاديهم إلى الملكوت السماوي. هذا وكل من يترك منكرات هذا العالم، حتى وخيراته وملذاته، لأجل اتّباع هذا المعلم السماوي وخدمته، لا بد أن ينال ربحاً جزيلاً.

 

يذكر متى في بشارته دعوة المسيح له، لكنه أظهر تواضعه بعدم ذكره أنه ترك كل شيء وتبعه، وأنه صنع ضيافة كبيرة له. لوقا فقط يخبر بذلك. ثم بينما مرقس في قائمة الرسل، ولوقا في قائمته، يتحفّظان ولا يسمّيانه "متى العشار"، يطلق هو قائمته هذا اللقب على نفسه، فيعطي نفسه الاسم المحتقر، كأنه يتعمَّد أن ينسب الفخر للمسيح الذي تنازل وضمَّ عشاراً إلى رسله.

 

عندما دون متى اسمه في قائمة الرسل في الأصحاح العاشر من انجيله ذكر: «متى العشار». والاسم «متى» أو «عطية الله» هو الاسم الذي أعطاه له المسيح - على الأرجح. وكان يمكن أن يتحدث عن اسمه دون أن يلصق به اللقب القديم، ولكن الرجل أدرك النعمة الغنية المتفاضلة، والتي هي عطية الله المجانية التي أسبغت على العشار الذي وضعه العالم في مرتبة الزناة الآثمة الفجار المحتقرين.

 

كان متى ولاشك من أعمق الرسل الاثنى عشر إحساساً بغنى النعمة التي نقلته من وضعه المهين الآثم إلى مركزه الجليل العظيم، ولم يستطع الرجل أن يتجاوز الصفحة الأولى من إنجيله قبل أن يسجل نسب المسيح وارتباطه براحاب الزانية، وثامار الملوثة، وبثشبع بوقعتها الرهيبة، ولعله قصد بذلك أن يكشف عن غنى نعمة المسيح التي تمتد إلى أشر الخطاة والفجار والآثمة. أجل إن الكثيرين من المؤمنين وخدام الله سيجدون على الدوام متى أقرب إليهم في حياتهم وخدمتهم ورسالتهم من بطرس ويعقوب ويوحنا.

 

لقد ألفنا قراءة كلمة «عشار»، حتى أضحت الكلمة كالعملة الباهتة التي لا تظهر معالمها من كثرة الاستعمال، لكننا نستطيع أن ندرك وقعها على الناس من مجرد مقارنتها أو مقابلتها بغيرها من الكلمات التي كانت تستعمل في أيام السيد المسيح، وقد يكون أعمق وأدق أن نرى متى نفسه يستخدم الكلمة، ويقارنها بالمألوف في أيامه، فهو يذكر مثلاً في الموعظة على الجبل قول السيد : «فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم. أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك وإن سلمتم على أخوتكم فقط فأي فضل تصنعون. أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا؟» (متى 5 : 45 - 47).

 

أدرك المسيح شخصاً من الطبقة السفلى، لما بشّر السامرية وقادها إلى التوبة والإِيمان، وها هو يدعو متى ليُدخِله إلى ملكوته الروحي. فأوضح أن رداءة العشارين هي حُجَّتهم لينالوا منه التفاتاً ممتازاً، لأنه كطبيب لا يطلب الأصحاء بل المرضى. ومخلص الفريسيين هو أيضاً مخلص العشارين، حتى أنه قال مرة لرؤساء الكهنة وشيوخ الشعب: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللّهِ، لِأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ" (متى 21:31 ، 32). بهذا الكلام أظهر المسيح أن نصيب المعمدان كان نصيبه هو أيضاً، إذْ رفضه الرؤساء غير التائبين، بينما تمسك به الأشرار التائبون.

 

" متّى" فتح منزله على مصراعيه لرفاقه، علّهم يتبعون يسوع مثله، فما كان من اليهود إلّا أن أبدوا استياءهم سريعًا :" لماذا يأكل معلّمكم مع العشّارين والخطأة"؟ جواب الرّبّ أتى سريعًا وحكيمًا يعبِّر عن محبّة الله ورحمته للناس:" لا يحتاج الأصحّاءُ إلى طبيب بل المرضى".

 

عندنا هنا المرض الروحيّ، الخطيئة، والذي هو أخطر بكثير من المرض الجسديّ. مرض لا دواء له إلّا بالرّب يسوع المسيح.

 

أظهر المسيح بقوله: "لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة" أهمية التوبة.

 

وما هي هذه التوبة التي يدعو إليها؟

أولاً: هي شعور الإنسان بفظاعة الخطيئة وبأنه خاطئ.

ثانياً: الأسف الشديد على ما مضى من خطاياه.

ثالثاً: العزم الحقيقي بتركها في المستقبل.

رابعاً: الالتجاء إلى مانح الغفران الإلهي في روح التوبة، والاستعانة بنعمته للثبات فيها.

 

أصبح العشّار من الرّسل الأوفياء الذين جابوا العالم مبشّرين بالإنجيل ومعِّمدين كلّ الأمم كما أوصاهم الرّبّ "باسم الآب والابن والروح القدس". على غرار باقي الرسل، لم يخف "متّى" من البشارة بقيامة السيّد من بين الأموات بذات سلطانه، ولم يرتعد من المسيرة التي أوصلته إلى الموت. كان همّ التلميذ أن يكون أمينًا، وفيًّا، مُخلصًا للّذي غفر له خطاياه وجعله من أتباعه.


تذكار القدّيس الرّسول متى الإنجيليّ (القرن الأوّل)

 

هو أحد الرّسل الإثني عشر (متّى 10 :3، لوقا 6: 15). له في إنجيل لوقا اسم ثانٍ: "لاوي" (5: 27) وفي إنجيل مرقص "لاوي بن حلفى" (2 :14). كان عشّارًا، جابيًا للضرائب في كفرناحوم، المدينة التي كان الرّب يسوع المسيح مُقيمًا فيها في بلاد الجليل. وفي كفرناحوم دعاه الرّب يسوع وهو في مكان عمله بقوله "اتبعني"، "فترك كلّ شيء وقام وتبِعه" (لوقا :27 -28).

 

متّى يتحدّث عن دعوة يسوع له كما لو كان يتحدّث عن إنسان غريب لا يعرفه. هكذا عرَض للأمر: "فيما يسوع مُجتاز من هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متّى فقال اتبعني، فقام وتبعه" (9 :9). متّى يذكر أصله جيّدًا، يعرف من أيّ جبّ أخرجه يسوع. وهو الوحيد بين الإنجليّين الثلاثة الذي يقدّم نفسه في لائحة الرّسل الاثني عشر لا كمتّى وحسب بل كمتّى العشّار (3 :10).

 

ثمّ إنّ لاوي احتفى بالرّب يسوع، فصنَع له في بيته ضيافة كبيرة. في هذه الضيافة التي حضرها جمعٌ من العشّارين والخطأة، تفوّه الرّب يسوع بقوله المأثور: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى، لم آتِ لأدعوَ أبرارًا بل خطأة إلى التوبة" (مرقص 2 :17، لوقا 5: 31). قال ذلك في معرض ردّه على الكتبة والفريسيّين الذين تذمّروا: "ما باله يأكل ويشرب مع العشارين والخطأة" (مرقص 2 :16).

 

أمران يلفتانا في رواية متى: الأوّل إحجامه عن إضفاء طابع العظمة على الضيافة وعدَم نسبتها إلى نفسِه بشكل صريح كما نسَبَها مرقص ولوقا إلى لاوي مباشرة. وفي ذلك خفَر. والأمر الثاني إيراده القول السيّدي، دون الإنجيليّين الآخرين، بتوسّع. "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلّموا ما هو. إنّي أريد رحمة لا ذبيحة. لأنّي لم آت لأدعوا أبرارًا بل خطأة إلى التّوبة" (متى 9 :12-13). فالقول الزائد "اذهبوا وتعلّموا. إنّي أريد رحمة لا ذبيحة"، إلى جانب كونه يدين الكتبة والفرّيسيين، لا سيّما وأنّ الشقّ الثاني منه مأخوذ من نبوءة هوشع (6 :6)، فإنّ متّى حسّاس له وضنين به لأنّه يعرف جيّدًا ما فعَلَته به رحمة الله وأنّه بالنّعمة مخلَّص بالإيمان وهذا ليس منه، "هو عطيّة الله" كما يقول الرّسول بولس في أفسس (2 :8). وهذا ما يبرّر أيضًا دعوة متّى العشّارين والخطأة، أصحابَه، إلى العشاء، فرحمة الله مسكوبة على الجميع. أو لم يكن متّى الوحيد الذي أورد قول يسوع: "إنّ العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله" (متى 21 :31). ورافق متّى الرّسول الرّب يسوع في تنقّلاته وبشارته وعاين عجائبه قبل الصلب وبعد القيامة. كما كان في عداد الرّسل الذين كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم، أمّ يسوع، وإخوته بعد الصعود (أعمال الرسل 1 : 13-14).

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّامِن

إنحدَرْتَ من العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لكي تُعتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ المجدُ لك.

 

طروبارية الرسول متّى باللحن الثالث

أيّها الرسول القدّيس البشير متَّى، تشفَّعْ إلى الإله الرحيم، أن يُنعم بغفران الزلّات لنفوسنا.

 

قنداق دخول السيدة إلى الهيكل باللحن الرابع

إنّ الهيكلَ الكلّيّ النَّقاوة، هيكلَ المخلِّص، البتولَ الخِدْرَ الجزيلَ الثَّمن، والكَنْزَ الطاهرَ لِمجدِ الله، اليومَ تَدْخُلُ إلى بيتِ الرَّب، وتُدخِلُ معَها النِّعمةَ التي بالرّوح الإلهيّ. فَلتُسبِّحْها ملائكة الله، لأنّها هي المِظَّلةُ السَّماوّية.