موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الرِّسَالَة
رَتِّلُوا لِإِلَهِنَا رَتِّلُوا
يَا جَمِيعَ الأُمَمِ صَفِّقُوا بِالَأَيادِي
فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية (6: 18-23)
يا إخوةُ، بعدَ أنْ اُعْتِقْتُم من الخطيئَةِ أصبحتُم عبيدًا للبِرِّ. أقولُ كلامًا بشريًّا من أجل ضُعفِ أجسادِكُم. فإنَّكُم كما جَعَلْتُم أعضاءَكُم عبيدًا للنَّجَاسَةِ والإثمِ للإثم، كذلك الآنَ اجْعَلُوا أعضاءَكم عبيدًا للبِرِّ للقَدَاسَة. لأنَّكُم حينَ كُنْتُم عبيدًا للخطيئةِ كُنْتُم أحرارًا منَ البِرّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ حَصَلَ لَكُم من الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحْيُونَ مِنْهَا الآن. فإنَّمَا عَاقِبَتُهَا الموت. وأمَّا الآن، فإذ قد أُعْتِقْتُم من الخطيئةِ واسْتُعْبِدْتُم لله، فإنَّ لكم ثَمَرَكُم للقَدَاسَة. والعَاقِبَةُ هي الحياةُ الأبديَّة، لأنَّ أُجْرَةَ الخطيئةِ موتٌ وموهِبَةُ اللهِ حياةٌ أبديَّةٌ في المسيحِ يسوعَ ربِّنَا.
الإنجيل
فصل شريف من بشارة القديس متى (8: 5–13)
فـي ذلـكَ الـزَّمانِ، دخـلَ يـسوعُ كـفرنـاحـومَ، فَـدَنَـا إلـيـهِ قـائِـدُ مئةٍ وطَلَبَ إليهِ قائلًا: يا ربُّ، إنَّ فَتَايَ مُلقًى في الـبـيتِ مُخَـلَّـعٌ يُعَذَّبُ بعذابٍ شديد. فقالَ لهُ يسوع: أنا آتي وأَشْفِيه. فأجابَ قائدُ المئةِ قائلًا: يا ربُّ، لستُ مُسْتَحِقًّا أن تدخُلَ تحتَ سقفي، ولكنْ قُلْ كلمةً لا غيرَ فيبرأَ فَتَايَ ، فإنِّي أنا إنسانٌ تحتَ سُلْطَانٍ ولي جُنْدٌ تحتَ يدِي، أقولُ لهذا اذْهَبْ فيذهَبُ وللآخِرِ ائْتِ فيأَتي ولعَبْدي اعْمَلْ هذا فيَعْمَلُ. فلمَّا سَمِعَ يسوعُ تَعَجَّبَ وقالَ للَّذينَ يتبعونَهُ: الحقَّ أقولُ لكم، إنّي لم أَجِدْ إيمانًا بمقدارِ هذا ولا في إسرائيل. أقولُ لكم إنَّ كثيرينَ سَيَأْتُونَ مِنَ المَشَارِقِ والمَغَارِبِ ويَتَّكِئُونَ معَ إبراهيمَ واسحقَ ويعقوبَ في ملكوتِ السَّماوات، وأمَّا بَنُو الملكوتِ فيُلْقَوْنَ في الظُّلْمَةٍ البَرَّانِيَّةِ. هناكَ يكونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأسنان، ثُمَّ قالَ يسوعُ لقائدِ المِئَةِ: اذْهَبْ ولْيَكُنْ لكَ كما آمَنْتَ. فَشُفِيَ فَتَاهُ في تلكَ السَّاعَة.
بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين
الحرية في المسيح
من العبودية إلى الحرية
في قراءة اليوم الرسولية، يُقارن الرسول بولس بين عبودية الخطيئة والحرية في المسيح. ولذلك يقول لمسيحيي روما: "بعد أن تحررتم من الخطيئة، صرتم عبيدًا للبر". وبعد أن تحررتم من الخطيئة، صرتم عبيدًا للفضيلة. ويتابع: "أستخدم تعبيرًا بشريًا بسبب ضعف طبيعتكم البشرية التي تميل إلى الخطيئة، ولذلك تبدو لكم ممارسة الفضيلة عبودية. أي كما قدّمتم أعضاءكم عبيدًا للخطيئة لفعل الإثم، هكذا قدّموا الآن أعضاءكم عبيدًا لحياة فاضلة للتقدم في القداسة. لكن خضوعكم لحياة فاضلة ليس عبودية بل حرية.
بالطبع من يعيش بعيدًا عن نعمة الله يعتقد ذلك. إنه يعتقد أن الحرية تكمن في الإثم، في نبذ كل وصية. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. الحرية الحقيقية تكمن في وصايا المسيح. فالإنسان يصير حرًا حقًا عندما يتحرر من أعظم عبودية، ألا وهي عبودية الخطيئة. وهذا لا يتحقق إلا بطاعة إرادة الله. ولكن كيف يظن الإنسان أنه غير حر عندما يخضع لوصايا الله؟ يحدث هذا لأن العقل الجسدي الذي فينا جميعًا يتمرد ويقاوم نضال الفضيلة. وهذا يخلق صعوبات كثيرة. ولذلك عندما يفكر الرسول بولس في ضعف طبيعتنا، يُسمي الحرية في المسيح عبودية. لأن هذا ما يبدو عليه الأمر في البداية.
لكي نشعر بطاعتنا لله حرية لا معاناة، لا بد أن نكون قد أحرزنا بعض التقدم في طاعتنا للإرادة الإلهية. حينها سنتمكن من الشعور بحريتنا الحقيقية عندما نصل إلى النقطة التي تصبح فيها ممارسة الفضيلة أعظم وعندما تصبح الفضيلة فعلًا طبيعيًا وعفويًا فينا. هذه هي الحالة التي يعيش فيها الملائكة القديسون والقديسون الكاملون بثبات. إن إخلاصهم الكامل لله هو سعادتهم. إن أسر إرادتهم التام بمشيئة الله هو اكتمال فرحهم. لكن هذا ليس حالنا نحن الفاترين، خاصةً في أولى خطواتنا في الحياة المسيحية. ففساد طبيعتنا يجعل صراعنا صعبًا. لذلك يجب أن نكافح باستمرار. وكلما خضعنا لمشيئة الله، ازدادت حريتنا في المسيح.
فوائد الخطيئة
ثم يسأل الرسول بولس: حين كنتم عبيدًا للخطيئة، "فأي ثمر كان لكم؟" وأي منفعة كانت لكم؟ لا شيء! وعندما تتذكرون أعمالكم الخاطئة، تخجلون. لأن عاقبة هذه الأعمال هي الموت الروحي. أما الآن وقد تحررتم من الخطيئة وخضعتم لله، فقد تقدمتم في القداسة، وستحصلون في النهاية على الحياة الأبدية. أليس خضوعكم لله إذن حرية حقيقية؟ نعم. في ذلك الوقت، كنتم عبيدًا تعساء، لأن أجرة الخطيئة لعبيدها هي الموت. "أجرة الخطيئة هي موت"؛ بينما هبة الله لعبيده هي الحياة الأبدية.
إذن، أجرة الخطيئة هي موت. الموت الروحي، أي انفصال روحنا عن الجسد، ولكنه أيضًا موت أبدي، أي جهنم. هذا الموت الأبدي هو نتيجة حياة ضائعة في الملذات، حياة حب الذات والضياع. لكن إلى جانب أضرار الأبدية التي لا تُحصى، وإلى جانب أفظع شر يمكن أن يُعانيه الإنسان، وهو حرمانه من نعمة الله على الأرض وفي الجحيم إلى الأبد، تُدمر الخطيئة الإنسان في هذه الحياة بطرق عديدة. مخاوف، قلق، شبع، إرهاق، اشمئزاز، خيبات أمل، فساد، عار، إذلال. هذه هي الملذات اللحظية والزائلة التي يسعى إليها الإنسان في الخطيئة.
فماذا يجني الإنسان من الخطيئة؟ لا شيء على الإطلاق. إنها تُضحي بأشياء ثمينة وأبدية من أجل أهواء تافهة لا تُوصف، أو من أجل ملذات لا تدوم إلا لحظات ثم تتلاشى وتتبخر. تتدفق حياتنا بسرعة هائلة، ومعها تختفي جميع رغباتنا وأفعالنا الأنانية والعاطفية. يصبح كل شيء سحابة كثيفة من الدخان، تخنقنا وتملأ قلوبنا بخيبة أمل. إن الأجر الذي تدفعه الخطيئة هو الموت. أجر يجب أن نتوقعه حتمًا. فلا تنخدع بإغراء الخطيئة. لا تنخدع بسهولة. ليس لديه ما يقدمه لنا سوى الظلام والموت.
أما المقطع الإنجيلي:
"يا ربُّ، لستُ مُسْتَحِقًّا أن تدخُلَ تحتَ سقفي، ولكنْ قُلْ كلمةً لا غيرَ فيبرأَ فَتَايَ". لقد أُعْجِبَ الرَّبّ يسوع بإيمانِ قائدِ المئةِ الوثنِيّ، حيثُ قالَ لتلاميذه ولليهود: "إنّي لم أَجِدْ إيمانًا بمقدارِ هذا ولا في إسرائيل".
يأتي هذا الحدث من ضمن سلسلة الأعمال والعجائب الَّتي بدأ الرَّبّ يسوع يعملها بعد عظته على الجبل، أي بعد أن أَلْقَى على مسامِعِ تابِعِيه الكلمات الإلهيَّة والوصايا الجديدة. المسيحُ عَلَّمَ وعَمِلَ. آمَنَ به النَّاس من كلماته وأفعاله. عَلَّمَ بالكلمةِ وبالأفعال، لأنَّ اللهَ، القادِر، هو أكثر بكثير من معلِّم محترف. إنَّ كلامه يجب أن يكون دائمًا للفِعْل. لهذا، عندما بَدَأَ الرَّبُّ يسوع يعمَلُ الآيات، كان قبل كلِّ آيةٍ (عجيبة) يسأل: "أَتُؤْمِن"، "أَتُرِيد"؟. في حال أنّ الإنسان لا يؤمن أو لا يريد لا تكفي إرادة الله وحدها. إرادة الرَّبّ قادِرَة لكنَّها لا تَعْمَلُ دون الإرادة البـشـريَّة. لغةُ الرَّبِّ هي الجواب على الرَّغبة البشريَّة وليس فرض الأمر الإلهيّ. هذه الموافَقَة البشريَّة على إرادة الكلمة الإلهيَّة الصَّالِحَة تَظْهَرُ في موقفٍ من الحياةِ نسمِّيهِ "الإيمان".
الإيمان هو القَنَاة الَّتي تلتَقِطُ مَوْجَات القِوَى الإلهيَّة الفاعِلَة. لكن، الإيمان البشريّ بالله له أشكال عديدة ومتنوِّعَة في عيشِه. أمَّا الإيمان الحقيقيّ، وشكله الصَّحيح الَّذي أحبَّه الرَّبّ يسوع كثيرًا، فكان إيمان قائد المئة. فإيمانه تميَّزَ بظُهُورِ أهمِّ شرطٍ من شروطِ الإيمان الحقيقيّ بالله. تلك الميزة الأساسيَّة هي العبارة الَّتي سَبَقَتْ صرخته "يا سيِّد قُلْ كلمةً لا غيرَ"، أي "يا رّبُّ لستُ مستحِقًّا أن تدخُلَ تحتَ سقفِ بيتِي". هذا هو موقف الإيمان الحقيقيّ بالله وهو عدم استحقاقنا. نحن نؤمن بحقيقة واحِدَة، لكن كعُمْلَة بوجهَيْن. وجهها الأوَّل محبَّة الله وعنايته، ووجهها الثَّاني انكسارنا وعدم استحقاقنا. لذلك، بتواضعٍ يخاطِبُ إيمانُنَا الحبَّ الإلهيّ. دون هذا التَّواضُع نُصَيِّرُ إلهَنَا خادمًا لا سـيِّدًا. "يا سـيِّد لستُ مستحِقًّا"، هذه خلفيَّة الإيمان الحقيقيّ بإلهنا المحبّ للبشر. ومع كلّ صلاة وكلّ طَلَب، يجب أن نُرْفِقَ هذه العِبَارَة. وإيماننا بعدم الاِستحقاق يؤهِّلنا لمعرفة الله الحَقّ.
التَّواضُع هو فاتِحَة الإيمان وأساسه. فامنحنا يا رب تواضعًا مع كلّ صلاة نرفعها إليك لأنَّ "القلب المتخشِّع المتواضِع لا يرذُلُهُ الله". آمين.
الطروباريات
طروباريَّة القيامة باللَّحن الثَّالِث
لِتَفْرَحِ السَّمَاوِيَّات، وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضِيَّات، لِأَنَّ الرَّبَّ صَنَعَ عِزًّا بِسَاعِدِهِ، وَوَطِئَ الْمَوْتَ بِالْمَوْتِ، وَصَارَ بِكْرَ الأَمْوَاتِ، وَأَنْقَذَنَا مِنْ جَوْفِ الجَحِيمِ، وَمَنَحَ الْعَاَلَمَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.
القنداق باللَّحن الثَّاني
يا شفيعَةَ المَسيحيِّينَ غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المَرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أَصْوَاتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالمَعُونَةِ بِمَا أَنَّكِ صَالِحَة، نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكِ بإيمانٍ: بَادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطَّلِبَةِ يا والِدَةَ الإِلهِ، المُتَشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.