موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢

الهدية

بقلم :
د. طلال فرج كيلانو - هولندا
الهدية: كيف وردت في الكتاب المقدس وما هي فكرة استخدامها؟

الهدية: كيف وردت في الكتاب المقدس وما هي فكرة استخدامها؟

 

ملاحظة هامة:

 

عزيزي القارئ الكريم، قبل ان تقرر مطالعة هذا الموضوع عليك ان تحاول تذكر الاشخاص الذين هم محط اهتمامك في الحياة ونحن في زمن الميلاد كي تتطلع الى تقديم الهدية لهم وستكون النتائج مفرحة وسارة لهم ولك كما وردت في الموضوع ادناه:

 

 

المقدمة والتمهيد

 

الهدية تقرب النفوس وتفرح القلب، هي نشاط استثماري ناجح ومربح، ولها مفعول لتحويل الاعداء الى أصدقاء، عندما ترفق بابتسامة، الهدية تحل الكثير من المشاكل النفسية منها والمادية والاجتماعية فضلا عن الكثير من الخلافات، أذا الهدية هي ما يقدمه شخص لآخر، عن رضى، وبرهانًا على العاطفة والمجاملة، وتعبير عن الحب والعرفان بالجميل، ويُكْثِر الشرقيون من تبادل الهدايا، ومنهم انتقل هذا التقليد إلى كافة أنحاء العالم، "الْهَدِيَّةُ حَجَرٌ كَرِيمٌ فِي عَيْنَيْ قَابِلِهَا، حَيْثُمَا تَتَوَجَّهُ تُفْلِحْ" (أم 17: 8).

 

 

فما هو سلوك تبادل الهدايا وماذا يمثل:

 

الإنسان بطبعه اجتماعي، لذلك نسعى جميعنا للحصول على التقبل والحب من الأخرين، ومن هنا جاءت، سيكولوجية الإهداء (الهدايا). والفكرة الاساسية للأهداء هي تعبير عن مشاعر التقدير للآخرين، و لمن نريد أقامه علاقات اجتماعية معهم، أذا تقديم الهدية سلوك له رمزية، وتفاعل ايجابي متبادل بين افراد المجتمع، وألية هذا الاهداء تبنى على التأثير النفسي في الاخرين بشكل مباشر، والهدية تلعب دوراً مهماً في توطيد اواصر المحبة والود، أذا لتقديم الهدايا أهداف مختلفة مبنية على دوافع نفسية متنوعة منها:

 

1- الهدية بقيمتها المعنوية وهي اكرام لشخص اما لمحبة أو لصداقة او طلب حاجة، كما انها ابداع ايجابي في الاحاسيس والمشاعر عند تبادلها مع اخرين ويبقى اثرها ولا تنسى، "هَدِيَّةُ ٱلْإِنْسَانِ تُرَحِّبُ لَهُ وَتَهْدِيهِ إِلَى أَمَامِ ٱلْعُظَمَاءِ" (أَمْ 18:‏16) من يريد أن يقابل الاخرين لحاجة ما يقدم الهدايا  فتسهل مهمته، وأشارت الى ذلك القديسة الشهيدة دميانة (2).

 

2- الهدية تجمع في ثناياها كلمات الترحيب والتقدير والاعتذار والشكر والثناء وكل معنى جميل اخر يهدف الى ان يشعر المقابل بالتميز والخصوصية لديك، وهذا يتوافق مع تعريف الهدية وتقديمها، عند علماء الاجتماع وعلم النفس، وفي إشارة ايجابية نفسية واجتماعية أخرى إذا كان الاصدقاء يتبادلون الهدايا، فإن الهدايا هي التي تصنع الأصدقاء. "وَبِدُعَائِهِمْ لأَجْلِكُمْ، مُشْتَاقِينَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِ نِعْمَةِ اللهِ الْفَائِقَةِ لَدَيْكُمْ، فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا" (2 كو 9: 15،14)، العطاء موهبة ونعمة إلهية حيث يفتح بها اللَّه القلوب البشر.

 

3- الهدية تعكس الكرم لشخصية من يقدم الهدية فهي تعطي انطباع وتصور بناء، وهي من اهم مقومات الشخصية الناجحة، لأنها تصنع البهجة والسعادة للأخرين، ولا تكمن أهمية الهدية في قيمتها المادية، بل يتعدى ذلك الى مشاعر الامتنان.

 

 

أهمية الهدية في جانبها النفسي وعوامل نجاح عملية الاهداء يكمن في:

 

الجهد المبذول لانتقاء الهدية والوقت المستغرق في البحث عنها والاختيار لتكون هدية مناسبة وذات فائدة، وكافية لتغيير الحالة النفسية والمزاجية للآخرين، وتغليفها بشكل مناسب، مع اعتماد عنصر المفاجئة في اختيار الأوقات والمناسبات عند تقديمها، وترك الهدية تتحدث عن نفسها، مع امكانية تكرارها كلما كان ذلك ممكنا، وعندها  ستكون الهدية نفسها أكثر جاذبية وأثارة.

 

ومن الملاحظات الهامة عن الهدية:

 

قد يعتذر البعض عن قبول الهدايا النقدية، وهنا توصلت محلات بيع الهدايا وكل الاسواق إلى فكرة بطاقة الهدية وتتضمن مبلغ نقدي معبأ فيها ضمن حدود رغبة المُهدي وليستبدلها المهدات اليه ببضاعة يرغب بشرائها، والبعض قد يفضلون الهدايا العينية التي يمكن الاستفادة منها منزلياً أو شخصيًا. البعض يهتم جداً بالهدايا المصنوعة باليد، كالصورة فنية، أو تمثال صغير أو عدة مكتب أنيقة، وما شابه لأنهم يحتفظون بها في مكان يزيّن صالات بيوتهم بشكل دائم.

 

 

الهدايا المذكورة في الكتاب المقدس العهد القديم هي:

 

1- طلب الرضى والصفح ليستعطف وجهه أخيه، "فَقَالَ يَعْقُوبُ: لاَ. إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ تَأْخُذْ هَدِيَّتِي مِنْ يَدِي، لأَنِّي رَأَيْتُ وَجْهَكَ كَمَا يُرَى وَجْهُ اللهِ، فَرَضِيتَ عَلَيَّ، خُذْ بَرَكَتِي الَّتِي أُتِيَ بِهَا إِلَيْكَ، لأَنَّ اللهَ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ وَلِي كُلُّ شَيْءٍ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَأَخَذَ" (تك 33: 11،10)، "وَبَاتَ هُنَاكَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَخَذَ مِمَّا أَتَى بِيَدِهِ هَدِيَّةً لِعِيسُو أَخِيهِ، مِئَتَيْ عَنْزٍ وَعِشْرِينَ تَيْسًا، مِئَتَيْ نَعْجَةٍ وَعِشْرِينَ كَبْشًا، ثَلاَثِينَ نَاقَةً مُرْضِعَةً وَأَوْلاَدَهَا، أَرْبَعِينَ بَقَرَةً وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ، عِشْرِينَ أَتَانًا وَعَشَرَةَ حَمِي" (تك 32: 13-15).

 

2- إبداء القبول للهدية وترقب ذلك، مثال هدية يوسف لأخوته وأبيه، "وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُلَلَ ثِيَابٍ، وَأَمَّا بَنْيَامِينُ فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَ مِئَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَخَمْسَ حُلَلِ ثِيَابٍ، وَأَرْسَلَ لأَبِيهِ هكَذَا: عَشَرَةَ حَمِيرٍ حَامِلَةً مِنْ خَيْرَاتِ مِصْرَ، وَعَشَرَ أُتُنٍ حَامِلَةً حِنْطَةً، وَخُبْزًا وَطَعَامًا لأَبِيهِ لأَجْلِ الطَّرِيقِ" (تك 45: 22-23).

 

3- المال المفروض دفعه على الرعية تشابه في ذلك الهدية الجماعية الآن: ما كان الشعب يقدمه لملوك بني إسرائيل، "وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْهَدَايَا وَيَخْدِمُونَ سُلَيْمَانَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ" (1 مل 4: 21 ) ( 2 أخ 17: 5)، الفضة وغيرها، “وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَحُلَل وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْل وَبِغَال سَنَةً فَسَنَةً" (1 مل 10: 25).

 

 

اما الهدايا في العهد الجديد وردت تحت مسمى العطايا:

 

"مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ"(أع 20: 35)، "وَٱللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ ٱكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ"(2 كُورِ 9:‏8 )  "وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ ٱلَّذِي لَكَ فَلَا تُطَالِبْهُ"(لُوقَا 6:‏30)، "ٱلَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ"(رُو 2:‏6).

 

عطايا الله للإنسان، تحمل معنى الكرم والسخاء، كما في عطية الخلاص، "وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ، وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هكَذَا الْعَطِيَّةُ...... فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو 5: 17،16،15)، ويقول الرسول يعقوب: "لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ"(يع 1: 16-17).

 

 

ولمعرفة هدايا وعطايا الله للإنسان: يسوع المسيح: هدية الله

 

اختار الله أن ينزل للبشر مدفوعا بمحبّته الغير محدودة لخليقته، وليفهم البشر: "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 16)، "فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1 يوحنا 4: 10). يعطي الله هدية الإيمان المسيحي لمن يبحث عنه، ويتحدث الكتاب المقدس عن هدية فائقة القيمة وثمينة ولا تقدَّر بثمن في نظر مَن يتلقاها، الله أحب العالم كثيرا حتى انه بذل ابنة‏ كي لا يهلك كل مَن يمارس الايمان به،‏ بل تكون له حياة ابدية، "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يو 3: 16)، الهدية التي تمنح صاحبها الحياة الابدية انها فعلا هدية ولا كل الهدايا، صحيح ان كثيرين لا يعرفون قيمتها في هذا العالم المضطرب‏، والحقيقة تقول نها هبة كريمة وغالية، "لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ، نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ" (1بط 1:‏ 8،7،‏ 9‏)‏.

 

حمل المجوس إلى يسوع الطفل ذهبًا ولبانًا ومرًّا:

"وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا" (مت 2: 11). الذهب اعتراف بالمولود هو ملك، واللبان هو بخور للعبادة، قد ترَّنم به داود النبي وهو في ضيقة، "لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ" (مز 141: 2)، المرّ ويرمز للألم، وكان يستخدم بشكل خاص كدواء لشفاء العديد من الأمراض. ولأهمية المرّ وفوائده، فقد كان يقدم كهدايا ثمينة.

 

عندما قدَّم الله حياة ابنه هدية للعالم:

"وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى الدَّهْرِ، حَتَّى يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ فَلاَ يَرَى الْقَبْرَ" (مز 49: 9،8)، فالإنسان أخطأ عندما تمرَّد عمدا على الله.‏ فخضع بالتالي لعقوبة الموت وورَّثها لكل ذريته،‏ اي للبشر جميعا.‏ ولكي يخلِّصوا من عقوبة الموت، وبتضحية تُعرف بالفداء الذي يناله كل مَن يؤمن بيسوع والحياة الأبدية، "لِأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا عَطِيَّةُ ٱللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (روم 3:‏24‏).‏

 

الفداء الفريد من نوعه بماذا يتميز:

عن باقي هدايا الله وكيف ينبغي ان يؤثِّر فينا. كما عبر عنه بولس الرسول في،‏ "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ، "فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا" (2 كو 9: 15)، "وَدَعَا الْجَمْعَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي…" (مر 8: 34-38)، سألهم أن يحملوا معه الصليب بإنكار ذواتهم… وهنا يكون لكل منا هديته وهي، "مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ، وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ، يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ" (مر 16:17 ، 18). 

 

 

الروح القدس: قدم سبعة هدايا ومواهب:

 

وردت في الكتاب المقدس: الحكمة، والذكاء، والنصيحة، والقوة، والعلم، والتقوى، ومخافة الله: هذه الهدايا دعت لإنسان ان يكون عادلا ليعيش بحياة النعمة ويعمل بالفضائل، وقد ذكرها بولس الرسول في تسعة مجالات وهي: "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا" (1 كو 12: 1).

 

الهدايا والمواهب التسعة وهي: كلمة العلم، وكلمة حكمة ، وموهبة تمييز الأرواح، وتنوع الألسنة، وتفسير الألسنة، والنبوة، وهبة الإيمان، والشفاء، وهبة المعجزات التي تعني تدخل الله لتعليق القوانين الطبيعية ووضع خططه موضع التنفيذ ولتظهر بيننا، هذه الهدايا تحمل الصفة الإلهية الوحيدة البركة الروحية، "لأَنَّهُ، كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ... لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا" (1 كو 12: 13)، الجميع لهم نفس الهدية والموهبة ليقوموا باحتياجات الكنيسة ومعلمين فيها: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا، فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلًا رُسُلًا، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ، أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ، أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ، أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ، أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ، وَلَكِنْ، جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ" (ع 27-31):

 

أما التقدمات إلى الله فتسمى قرابين:

 

"فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلًا اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ" (مت 5: 23 و24). لحب الله المتزايد نحو الإنسان فإنه يهتم به ويوصيه بان يكون محبا لأخيه ويعطي المحبّة تقديرًا عظيمًا حاسبًا إيّاها أعظم ذبيحة، بقوله فإن كنت تقدّم صلاتك، فمن الأفضل أن تتركها وتذهب وتصطلح مع أخيك وعندئذ تقدّم صلاتك.

 

 

يميز الكتاب المقدس بين الهدية وتقديم الرشوة وقبولها:

 

الرشوة تعمي بصيرة المبصرين لأن المرتشي يضطر أن يجامل فيشهد كاذبًا.

 

الرشوة هي أموال، أو خدمات، أو أي شيء آخر يعطى مقابل التأثير على ما هو حق أو عدل وتغييره الى مسارات اخرى، أو في الحصول على خدمات غير مستحقة التنفيذ والاجراء، أذا عندما يتعطى البشر والمسئولين منهم الرشوة أو يتلقونها ويتقبلوها فإن ذلك يؤدي إلى فساد المجتمع. "اَلْمَلِكُ بِالْعَدْلِ يُثَبِّتُ الأَرْضَ وَالْقَابِلُ الْهَدَايَا يُدَمِّرُهَا" (أم 29: 4). الرشوة إحدى سمات المجتمع الفاسد، "الشِّرِّيرُ يَأْخُذُ الرَّشْوَةَ مِنَ الْحِضْنِ لِيُعَوِّجَ طُرُقَ الْقَضَاءِ" (أم 17: 23)، فيصدرون أحكامًا غير عادلة. لذا لا يليق تقديم رشوة لنوال ما لا حق لنا فيه، ولا أن نقبل رشوة من أحدٍ حتى لا ننحرف، يمنع قبول الرشوة "وَلاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً، لأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي الْمُبْصِرِينَ، وَتُعَوِّجُ كَلاَمَ الأَبْرَارِ" (خروج 23: 8)، "لا تُحَرِّفِ القَضَاءَ وَلا تَنْظُرْ إِلى الوُجُوهِ وَلا تَأْخُذْ رَشْوَةً لأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي أَعْيُنَ الحُكَمَاءِ وَتُعَوِّجُ كَلامَ الصِّدِّيقِينَ" (تث 16: 19)، "رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ" (إش 1: 23)، "رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِالرَّشْوَةِ، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِالأُجْرَةِ، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِالْفِضَّةِ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ الرَّبُّ فِي وَسَطِنَا لاَ يَأْتِي عَلَيْنَا شَرٌّ" (مي 3: 11).

 

ويوضح هذا التعليم الواسع كما ورد في العهد القديم حجم الضرر الذي اصاب المجتمع والآثار السلبية لتلقي الرشوة التي تحرِّف العدل. وتأثيرها يعمي الحكمة والتمييز، وتحجب الحق وتحرِّفه، "وَلَمْ يَسْلُكِ ابْنَاهُ فِي طَرِيقِهِ، بَلْ مَالاَ وَرَاءَ الْمَكْسَبِ، وَأَخَذَا رَشْوَةً وَعَوَّجَا الْقَضَاءَ" (1 صم 8: 3)، قبول الرشوة لقتل إنسان، والقاضي الذي يقبل رشوة لكي يحكم بالموت على إنسان بريء يعتبر مذنباً مثل القاتل الأجير، "مَلْعُونٌ مَنْ يَأْخُذُ رَشْوَةً لِكَيْ يَقْتُلَ نَفْسَ دَمٍ بَرِيءٍ. وَيَقُولُ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ" (تث 27: 25)، "لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ الإِلهُ العَظِيمُ الجَبَّارُ المَهِيبُ الذِي لا يَأْخُذُ بِالوُجُوهِ وَلا يَقْبَلُ رَشْوَةً" (تث 10: 17)، أخذت دليلة رشوة للإيقاع بشمشون، "وَقَالُوا لَهَا: تَمَلَّقِيهِ وَانْظُرِي بِمَاذَا قُوَّتُهُ الْعَظِيمَةُ، وَبِمَاذَا نَتَمَكَّنُ مِنْهُ لِكَيْ نُوثِقَهُ لإِذْلاَلِهِ، فَنُعْطِيَكِ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا وَمِئَةَ شَاقِلِ فِضَّةٍ (قض 16: 5). وقد أهان أبناء صموئيل منصبهم بأخذهم رشوة "وَلَمْ يَسْلُكِ ابْنَاهُ فِي طَرِيقِهِ، بَلْ مَالاَ وَرَاءَ الْمَكْسَبِ، وَأَخَذَا رَشْوَةً وَعَوَّجَا الْقَضَاءَ" (1 صم 8: 3)،

 

إن أفظع أمثلة الرشوة في الكتاب المقدس هو الثلاثين قطعة من الفضة التي أخذها يهوذا مقابل خيانته للمسيح. كانت النتيجة المباشرة لخيانة يهوذا هي القبض على المسيح وصلبه. وفي النهاية، أدرك يهوذا أن قبوله الرشوة كان شراً. ولكن عندما حاول أن يعيد المال إلى رئيس الكهنة والشيوخ، رفضوا ذلك، وقالوا أنه "ثمن دم" (متى 27: 3-9). وقد أعطى رؤساء الكهنة والشيوخ رشوة للجنود المكلفين بحراسة قبر المسيح لكي ينشروا الأكاذيب حول اختفاء جسد المسيح، "فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ. فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ" (مت 28: 12-15). وفي حادثة أخرى ترك فيلكس بولس في السجن راجياً ومنتظرا أن يقدم له رشوة "وَكَانَ أَيْضًا يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهُ بُولُسُ دَرَاهِمَ لِيُطْلِقَهُ، وَلِذلِكَ كَانَ يَسْتَحْضِرُهُ مِرَارًا أَكْثَرَ وَيَتَكَلَّمُ مَعَهُ" (أع 24: 26)، وفي كل من هذه الحالات، لم يكن من يتلقون الرشوة مهتمين بالحق أو العدل.

 

 

القراء الكرام لنتبادل الهدايا بعيد ميلاد المخلص ما أعظم الهدية:

 

ختامًا نقول، علينا أن نفهم مقاصد الرب ومحبته وعطاياه لنا وأن نشعر بها عندما يكافئنا لكي نقدم له الشكر في كل حين ونسجد له بفرح وهو سيأخذنا معه الى منازل السماء لكي يكرمنا بنعمه الغزيرة.

 

اعزائي بدء الاحتفال بالعيد، وهو ما يجعل موسم الميلاد أكثر مواسم السنة ترقبا واهتماما… فالهدايا القادمة الينا على عربات تجرها غزلان تدخل المنازل عن طريق المدافئ، وتقدم الى الابناء المحتفلين بمجيء الرب يسوع ويقوم جميع أفراد الأسرة بتبادل الهدايا بين بعضهم البعض وإن كانت رمزيّة.

 

والى المتابعين لنشاط الهدايا لابد ان يكون هناك ثمرة للهدية، كونها تعبر عن الاحترام والتقدير والعرفان بالجميل والمحبة والتألف وتزيد حسن الظن بين البشر كما انها تزيل الكره وتفتح القلوب المغلقة، اشتركوا في فرح العطاء!‏ هذا ما اعتدنا عليه أن نقدم لبعضنا الهدايا ومهما كانت قيمة الهدية، سيأتي وقت نتركها ونترقب تبادل أخرى غيرها معهم، لذا أحب أن أشير عليكم بهدية تبقى معنا إلى الأبد، هي شخص المخلص الرب يسوع المسيح هدية السماء لنا، باركنا يا رب بهذه الهدية، وكنيستك التي اهدت الينا الكتاب المقدس طريق الايمان وأعلمتنا انها هدية المخلص يسوع المسيح له المجد…

 

"الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 2: 14). إلى الرب نطلب.

 

 

------------

 

1- "الْهَدِيَّةُ حَجَرٌ كَرِيمٌ فِي عَيْنَيْ قَابِلِهَا، حَيْثُمَا تَتَوَجَّهُ تُفْلِحْ"(أم 17: 8)، "وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا." (مت 2: 11).

2- الشهيدة دميانة والأربعون عذراء الشهيدات نشأتها: وُلدت من أبوين مسيحيين تقيين في أواخر القرن الثالث، كان أبوها مرقس واليًا على البرلس والزعفران بوادي السيسبان. إذ بلغت العام الأول من عمرها تعمدت في دير الميمة جنوب مدينة الزعفران، وعندما توفيت والدتها، تقدم أحد الأمراء إلى والدها يطلب يدها، وكانت معروفة بتقواها ومحبتها للعبادة مع جمالها وغناها وأدبها. عرض الوالد الأمر عليها، فأجابته: "لماذا تريد زواجي وأنا أود أن أعيش معك؟ هل تريدني أن أتركك؟" تعجب والدها لإجابتها هذه، فأرجأ الحديث عن الزواج. لاحظ على ابنته أنها عشقت الكتاب المقدس وارتوت به، وكانت تلجأ إلى حجرتها الخاصة تسكب دموع الحب الغزيرة أمام الله مخلصها، كما لاحظ تعلقها الشديد بالكنيسة مع كثرة أصوامها وصلواتها، وحضور كثير من الفتيات صديقاتها إليها يقضين وقتهن معها في حياة نسكية تتسم بكثرة الصلوات مع التسابيح المستمرة. في أثناء السجن عذاباتها وشفاء الله العجيب لها وفرحها بهذه العذابات كان الجنود الذين يرونها يؤمنون فيقتلهم الأمير، ومرة قال لها الأمير ألا تخجلين فكل هؤلاء ماتوا بسببك فردت عليه الشهيدة "أنت حينما تذهب لملكك ترسل له هدايا قبل أن تصل وهكذا أفعل مع ملكي المسيح فكل هؤلاء الشهداء هم هدايا تفرح قلبه"   هذا الرابط يروي لنا حياة القديسة دميانة

https://st-takla.org/Saints/Coptic-Orthodox-Saints-Biography/Coptic-Saints-Story_905.html

إنّ الهدايا (الذَّهب واللبان والمُرّ) التي قدّمها المَجوس في يوم ميلاد يسوع (متى ١١:۲)، كان لها أبعاد ورموز نبويّة فُهِمَتْ معانيها فيما بعد عبر حياة يسوع على الأرض. فبحسبِ الكتاب المقدّس، يدلّ الذَّهب على الألوهيّة، إنّه يرمز إلى الله، لأنّ الذهب عنصرٌ إلهيّ لايستطيع أحد تصنيعه. لذلك يجب التَّنقيب عنه لاستخراجه من باطن الأرض. أمّا اللبان فإنَّه يرمز إلى أمرَين رئيسيَّين؛ القيامة والصَّلاة. كان البخور يحترق عادة في العهد القديم ويصعد إلى السَّماء برائحة عطرة. فهو يتحدّث عن جمال ما فعله يسوع لنا وما يعنيه لله. المر. في التقاليد اليهودية الهيلينية من هذه المادة أدهن الموتى قبل دفنهم. وكان يعتقد أنه يساعد الناس على السفر إلى عالم آخر. يرمز الرضع هدية المر التضحية في المستقبل أن المسيح سوف يجلب للشعب.