موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
المقدمة والتمهيد
موضوعنا لهذا اليوم هو ساعة تأمل وقراءة عن الذاكرة والتذكر التي طلب الرب يسوع المسيح ان نستخدمها حين تقديم البشارة الى المؤمنين لما تحتويه من المحبًة والخلاص لجميع البشر بقوله "اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي" وبين لنا في تعليمه التطبيق العملي لها وما اضافه بطرس الرسول هو استعدادنّا للإجابة عن أسئلة الرجاء الذي فينا.
طلب رسل المسيح من المؤمنين أن يكونوا مستعدين للإجابة عن أية سؤال يوجه اليهم عن تفاصيل، هذه الذكرى التي ما زال عطرها في كنائسنا والى انقضاء الدهر وخير دليل يشير الى ما حدث في ذلك العشاء هو ما قدم له الرسولين بطرس وبولس عن المسيح يسوع، (رسالة بطرس الرسول الأولى 3: 15) "بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ..." (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 23-29)، والتي سنتناولها لاحقاً.
أعزائي يتمتع جميعنا باستحضار احداث من الذاكرة، تساعدنا في استرجاع وفهم المواقف الحالية وتفسير أخرى لو طلب الينا ذلك وغالباً ما يكون ملازماً لحركتنا الروحية كالمثال الذي نقدمه اليوم، ما يتم تذكره وتنفيذه بمناسبة وليمة الحَمَل القداس الإلهي التي أوصى بها الرب يسوع حين أشار على تلاميذه ونحن معهم : "اصنعوا هذا لذكري"، وصنعنا تذكاره بحسب وصيته ونستنتج مما سبق أن الفعل (اصنعوا) جاء بصيغة فعل الأمر مضارع تام المستمر القابل للتكرار*، فالكلام هنا لا يعنى التذكر العقلي الفردي والجمعي للحدث فقط بل استمرار تذكره وتكراره، وصاحب الوصية سيكون حاضراً معنا (بقوله لذكري) وليس لتذكري وهو يعني ما قاله لنا (انني معكم وليكون اسمي حاضراً بالجسد. لأقدسكم وامنحكم البركة عندما تلبوا دعوتي في الكنيسة، لأن حضوركم هو تمامًا كما فعل تلاميذي في ليلة العشاء الأخير معهم وأوصيتهم وأنتم من بعدهم "اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي". وبناءً على ذلك سنطالب ذواتنا للقيام بذلك لأهمية هذا التذكر واستمرار استخدامه في الحياة الروحية، ما زال فعله أو أثره مستدًام في الزمن الحاضر والى انقضاء الدهر بمشيئة الاله الاب.
مسار الأحداث التي تشير الى ما اوصانا به الرب يسوع كما وردت في الكتاب المقدس:
1- "أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى" (يو 13: 1).
2- "وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ" (مت 26: 17).
3- "فقالَ لَهم: إِشتَهَيتُ شَهْوَةً شديدةً أَن آكُلَ هٰذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم" (لو 22: 15).
4- كانت هذه البداية التي حولت خطة الله من اجل العالم الى حقيقة، استفاد منها وما زال ملياري ونصف المليار انسان.
5- ونستطيع أن ندرك ذلك بسهولة من خلال الفداء الذي اختاره المسيح وتحدث عنه مع خاصته اولاً ومن ثم توجه الينا به لأجل خلاصنا وبإرادته بعد عشاء الفصح كما اورده الكتاب المقدس العهد الجديد.
6- حين قال لتلاميذه اني ارغب العشاء معكم اليوم. وأضاف قائلا: "فإِنِّي أَقولُ لَكم: لا آكُلُه بعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلَكوتِ الله" (لو 22: 16).
تفاصيل مهمة حول العشاء الأخير:
يسوع المسيح عندما التقى بتلاميذه طلب أليهم تهيئته وليمة الفصح واخبرهم بهذه الرغبة...
وأمر يسوع بطرس ويوحنا بن زبدي بحسب إنجيل لوقا أن يذهبا إلى المدينة ويطلبا من أحد الرجال إعداد المكان الذي سيتناول به الفصح مع التلاميذ، وهو مكان قريب من بستان الزيتون حيث يسوع قد انتقل بعد العشاء اليه. "فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي" (مت 26: 18).
"إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ" وتلاميذ المسيح احتاجوا الى الوقت لأعداد الفصح:
الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إنّ وقتي قريب، إنها الإشارة الاولى التي أراده يسوع المسيح ان يبقيها بعيدة عن تلاميذه وانه لن يتمكن من اللحاق بالفصح مكتفياً بالعشاء معهم فهو سيقدم للمحاكمة وسيصلب، وكانت الاشارة الثانية هي عليهم الذهاب إلى فلان لم يحدد الاسم بل حدَّد لهم علامة أنه شخص حامل جرة ماء (لو10:22)، كان الرب يسوع قاصدا إخفاء الاسم حتى لا يعرفه احد التلاميذ الذي كان يتفاوض مع اليهود ليسلم المسيح لهم لقاء ثلاثين من الفضة كما وردة في الكتاب المقدس وتبين لاحقاً انه يهوذا الإسخريوطي، كان ذلك ليبعده عن معرفة الاسم فيذهب للوشاية به لتسليمه قبل أن يؤسس لسر الفصح الجديد، وعندما لم يحدد الاسم استغرب التلاميذ حين قال ان هناك رجل يحمل جرة لان هذا كان من عمل النساء حينها. ويتبين لنا ان الذي أشار اليه كان احد المقربين للرب يسوع وعلى معرفة به ويقال انه مرقس وان حدث عشاء الفصح في العلية لمنزله وورد هذا الاسم في التعليم الكتابي بعد اطلاق سراح بطرس من سجنه وكما يلي: "ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ" فَلَمَّا قَرَعَ بُطْرُسُ بَابَ الدِّهْلِيزِ جَاءَتْ جَارِيَةٌ اسْمُهَا رَوْدَا لِتَسْمَعَ. فَلَمَّا عَرَفَتْ صَوْتَ بُطْرُسَ لَمْ تَفْتَحِ الْبَابَ مِنَ الْفَرَحِ، بَلْ رَكَضَتْ إِلَى دَاخِل وَأَخْبَرَتْ أَنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ" (أع 13،12:12، 14). وفي هذه العلية قضى تلاميذ المسيح بعد صعوده اياماً لحين حلول الروح القدس عليهم.
العلّية… مكان العشاء الأخير والعنصرة في التاريخ المسيحيّ:
في مدينة القدس موقع يسمّى العلّية فهو يُعدّ المبنى الأول للكنيسة، إذ منه انطلقت البشارة السارة بالمسيحية إلى مختلف أرجاء العالم فكان شاهدًا على ولادة الكنيسة وبداية رحلة الإيمان. كما شهدة أحداثًا مهمة عدة، ذُكِرَت "العلّية" في العهد الجديد، إذ فيها غسل المسيح أرجل تلاميذه وتناول معهم عشاءه الأخير، وحلّ الروح القدس على الكنيسة المجتمعة يوم العنصرة. ويتّسم هذا المكان بأهمية كبيرة فهناك أسّس يسوع سرَّ القربان المقدس الافخارستيا والكهنوت. كما عُقِدَ فيه المجمع الأول للرسل لاحقاً، وقد وردت هذه التسمية في العهد الجديد كما يلي: "وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا أَخُو يَعْقُوبَ، هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِدًا مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ، فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ" (أع 1: 22،21،14،13).
يقع هذا البناء خارج أسوار مدينة القدس، البلدة القديمة. وسمّيت في حينها علية صهيون نسبةً إلى جبل صهيون الذي يطلق الناس عليه أحيانًا جبل النبي داود، وهو واحد من الجبال الأربعة التي بُنِيَت عليها المدينة المقدّسة إلى جانب جبال موريا وأكرا وبزيتا وصهيون، هذه التسمية قديمة جدًّا... يُذكر أنّ قداسة البابا فرنسيس زار المكان في خلال جولته الأولى في أيّار 2014، قاصداً العلّية مدار بحثنا واحتفل فيها بالذبيحة الإلهية. ونقلاً عن أحد الكرادلة وبطريرك المدينة المقدسة المشاركين في الصلاة*، قوله أنّ جبل صهيون بالنسبة للمسيحيين احد الأماكن المهمة.
ومن الواجب ذكره هنا ان مناسبة أحد الشعانين سبقت الفصح وهي بداية أسبوع الألآم وتحمل دروساً وعِبر عن الذي دخل اورشليم منتصراً، لنتعلم من الفصح ان الإيمان هو بداية الانتصار والخير والثقة بان الله أمين لمن يسلم نفسه له، ويتمسك به في المحن والشدائد، لنتعلم عدم الخوف وعدم الشك، وهذا ما أكده لنا يسوع المسيح عندما قال: "ثِقُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا" (مر 6: 50).
اليوم نحن نستحضر ونتمتع برمزية هذا العشاء بالأيمان الذي قادته كنيسة المسيح عبر الزمن الفصحي الذي تحول الى سر عظيم في الكنيسة تحت مسمى الافخارستيا الذي اسسه الرب يسوع واتخذته الكنيسة كلاماً جوهرياً يقدمه رموز الكنيسة لنا في القداس الإلهي مطابقا لما ورد في العهد الجديد.
اليوم نتذكر العشاء الأخير من خلال عشاء الرب أو التناول (كورنثوس الأولى 11: 23-33). يعلمنا الكتاب المقدس أن موت المسيح يرمز له بتقديم ذبيحة الفصح (يوحنا 1: 29). ويقول يوحنا أن موت المسيح يشبه ذبيحة الفصح في عدم كسر عظامه (يوحنا 19: 36 أيضاً خروج 12: 46). وقال الرسول بولس: "فِصْحَنَا ... الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (كورنثوس الأولى 5: 7). المسيح هو إتمام الناموس، بما في ذلك أعياد الرب (متى 5: 17).
أعزائي الحاضرين معي لهذه المناسبة المباركة هذا اليوم لنؤكد مع بعض اننا نعيد هذه الذكرى كما طلبها منا ولأجلنا الرب يسوع بقوله. (اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي) بكل ما يعنيه هذا التذكر الروحي والوجداني من معاني رمزية وإنسانية...
اخوتي اخذت الكنيسة على عتقها الاعداد لهذا العشاء بإجراءات طقسية نظمتها لتعود بالذاكرة الإنسانية الى المناسبة التي اكدها يسوع المسيح حين قال اِصْنَعُوه لِذِكْرِي واعطانا معلومة وسبق معرفي بان هذا الفصح هو الاخير في حياته حين قال... "آكُلَ هٰذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم هذا قبل أكثر من 2000عام استخدمته الكنسية حينها واليوم والى انقضاء الدهر لتؤكد لنا ان المسيح بيننا كلما ذهبنا لحضور الوليمة الإلهية كتلاميذه. واعدت لغة جسد طقسية مناسبة يؤديها رموز الكنيسة الروحين لأدائها امام الجموع المحتشدة في الكنيسة لمتابعة هذا الحدث الكبير الذي سعى يسوع الى جعله رمزا لوجوده في الذبيحة الإلهية حينما اعطانا تفاصيل القيام بها وتم ادراج ما ورده في العهد الجديد وفي جانبيه الروحي والتطبيقي، وكما يلي:
1- "ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ،" (لو 22: 17).
2- "فإِنِّي أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ اليَومِ مِن عَصيرِ الكَرمَةِ حتَّى يَأتيَ مَلَكوتُ الله" (لو 22: 18).
3- "ثُمَّ أَخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: هٰذا هو جَسَدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هٰذا لِذِكْري" (لو 22: 19).
بولس الرسول والتحول الى المسيحية ومازالت الدعوة مفتوحة للجميع...
يقول بولس الرسول في رسالته الى أهل غلاطية يصف تحوله الى المسيحية كما لو كان إلهامًا إلاهيًا بظهور يسوع له، فقال: "وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلًا فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا. وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي. وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا، (رسالة بولس الرسول الى أهل غلاطية 1: 16:11).
المهم هنا ان رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس:
قدّمت لنا شهادة ومشاهدة روحية وفكرية للعشاء الأخير طبقاً لما حدث فعلاً وكأننا نعيشها اليوم .... يقدم لنا بولس الرسول صورة وصفية روحية جميلة عن تأسيس سرّ الافخارستيا على يدي الرب يسوع المسيح نفسه في العشاء الأخير ليقول لنا، "لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا، وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي، كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلًا: هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي، فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ، إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ، وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ، لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ" (1 كو 11: 29،23)، بحسب الترجمة اليسوعية ايضاً هكذا يقدم لنا الرسول بولس عشاء المسيح الأخير ولم يشهده.
أصول عيد الفصح قد تسبق الخروج من مصر:
عيد الفصح اليهودي بالعبرية: פֶּסַח پيسَح من الأعياد الاساسية ويحتفل به لمدة 7 أيام بدأ من 15 أبريل بحسب التقويم اليهودي لإحياء ذكرى خروجهم من مصر الفرعونية كما يصف ذلك سفر الخروج، وكلمة فصح، بِسَح أو فِسح بالعبرية أو بسخة Pesach (פֶּסַח) وتعنى عبور. فهو تذكار عبور الملاك المهلك في مصر ونجاة اليهود وأبكارهم، ثم عبورهم من أرض العبودية لأرض الحرية، ويدعى اليوم الثاني من الفصح بيوم الفطير حيث تجتمع العائلات لاستذكارًا لأسلافهم، ويتناولون فطيرًا أي خبزًا غير مختمر، إذ إن أسلافهم عند خروجهم من مصر لم يتسع لهم الوقت ليختمر العجين فخبزوه دون خمير، وفق سفر الخروج أيضًا، كما يتناولون حمل الفصح وبعض الأعشاب المرّة في ذلك العشاء. كان طقس الفصح اليهودي يشمل على المستوى عائلي. فرب الأسرة يجتمع مع أسرته ويشتركون في أكل الخروف، او بالاجتماع مع عائلة أخرى ويتلون الصلوات، وتعرض تفاصيل منهاج الصلوات، يعرف عشية العيد باسم ليل هسيدر (לֵיל הַסֵּדֶר ليلة المنهاج) وبكتاب خاص بالصلوات والطقوس يسمى بهچداه (הַגָּדָה سرد).
وأن مصادر أخرى تشير الى طقوس الفصح تعود في أصولها إلى الوقاية من تأثير الشر، وقد تكون لا علاقة لها بحدث الخروج، بل هي لضمان حماية منزل العائلة، باستخدام نبات الزوفا لدهن دماء الأغنام المذبوحة على الأعتاب والأبواب لضمان عدم دخول القوى الشر الشيطانية إلى المنزل. وقد دمجت طقوس الوقاية بمهرجان الربيع الكنعاني الزراعي، وكان جزء مهم من هذا الاحتفال لاحقا بالخبز غير المختمر، إعداد الفصح يستغرق وقتًا كبيرًا والى مشتريات يحتاجونها للاحتفال به.
المعاني الرمزية لمناسبة العشاء الأخير:
أيها الرب يسوع نؤمن بأنك حي، وأنك قمت من بين الأموات. نؤمن بأنك حاضر فعلاً في كل مكان، وحاضر في وسطنا الآن ونقدم لك الشكر في كل حين يا رب على كل ما نحن فيه من عزة وفخر باسمك القدوس المخلص أنت القيامة وأنت الحياة.
1- أعزائي كانت وليمة الفصح مناسبة عائلية عند اليهود تقام بمناسبة وتذكار للوقت الذي أنقذهم فيه الله من الوباء والموت وأخرجهم فيه من العبودية في مصر حين قال موسى لهم ..."وَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: اذْكُرُوا هذَا الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجْتُمْ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَا" (خر 13: 3).
2- أعزائي كانت مناسبة الفصح في العهد القديم والى اليوم مع العهد الجديد تعد موسم تجدد فيها البشرية الاعتراف امام الله بالخلاص المادي والروحي والعشاء الذي قدمه المسيح يسوع لنا هو باجتماعنا معه في الكنيسة لتأمل ذلك الخلاص، والمطلوب ادراكه هو قبول المسيح بالإيمان.
3- أعزائي أن العشاء الاخير قدمه لنا المسيح بالجسد والدم واليوم نحن نتناوله برمزية الخبز والخمر نحن الحاضرين معه بحسب نعمة الإيمان والنمو فيه والعهد الجديد يشير الى ذلك: "وفيما هم يأكلون، بارك الخبز وكسر وأعطى، وقال انه جسدي الذي يبذل عنكم، اصنعوا هذا لذكري. وبارك الكأس قائلا: هذا هو العهد الجديد بدمي الذي يهرق عنكم وعن الكثيرين وهنا تتضح حقيقة هي لم يَعُدْ الفصح عائلي كما عند اليهود، بل تغير المفهوم، وصار كل المؤمنين بالمسيح الرأس للكنيسة وجسدها الى انقضاء الدهر ومن خلال العلاقة الروحية بين المؤمنين، وقد أشار المسيح بصورة مباشرة في العهد الجديد ان هناك تدبير جديد يلوح في الأفق. وبنعمة الله، ليشمل أكثر من شعب إسرائيل؛ بل الى كل من يؤمن بالمسيح سوف ينال الخلاص معه، ويضيف بولس الرسول بقوله، "أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ، وَبِلاَ إِلهٍ فِي الْعَالَمِ، وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ" (أفسس 2: 12-14).
4- أعزائي عندما تجلى الرب يسوع مصاحباً تلميذيّ عمواس الى مكان السكن، نجد أنهم تعرفوا عليه حينما كسر الخبز أمامهما إنفتحت أعينهما وعرفوه والمعنى أنهم ونحن لن نعود نراه على الأرض بالجسد، بل في صورة الخبز والخمر. فهو يقدم نفسه يوميا لكنيسته جسده -ذبيحة حية دائمة، "وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ" (رؤ 5: 9)، "قَائِلِينَ: آمِينَ! الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ" (رؤ 7: 12)، يعطي غفرانًا للخطايا وثباتا فيه وفي جسده وحياة أبدية.
5- أعزائي أن المسيح اتبع في هذه الليلة طقوس الفصح اليهودي، لكنه بدلا من خروف الفصح قدم الخبز الذي حوله إلى جسده. وكانت كأس العهد الجديد بدم المسيح هي كأس البركة قالاً: "هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لو 22: 20)، والمعنى أن المسيح صار فصحنا، "إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا" (1 كو 5: 7). وكأساً واحداً نشرب منه هو ينبوع الحياة والكلمة المتجسدة في العهد الجديد، "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ"(يو 5: 24) كما ورد ذلك في ارميا 31 ايضاً وبالعودة الى الرابط ادناه.
https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showChapter.php?book=30&chapter=31&nod
6- أعزائي تُردد صدى ما قاله الرب يسوع في التعليم الكتابي عندما قال: "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَداً...أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ.. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ" (يو 6: 35، 51، 54-55). فالخلاص يأتي من خلال المسيح وذبيحة جسده المقدمة على الصليب...
في الختام علينا ان نعلم أن العشاء الأخير هو آخر ما تناوله المسيح مع تلاميذه قبل تسليمه لقيافا واتباعه. وهو مسجل في الأناجيل (متى 26: 17-30؛ مرقس 14: 12-26؛ لوقا 22: 7-30). هذا العشاء كان أكثر من الأخيرة في حياة المسيح، ومن أهم لحظات حياته عندما أوصى تلاميذه ونحن ايضاً أن يذكروا ما سوف يصنعه من أجل البشرية بأكملها.
هو يبارك جمعنا، ويقدّس شعبنا الذي حضر وتنعم بقوة الاسرار المقدسة المحبة الإلهية، وبعلامة الصليب الحي تكونون موسومين ومحفوظين من كل أذية خفية وظاهرة الآن وإلى الأبد. آمين. "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ". الى الرب نطلب.
أعزائي القراء الأكارم، أنتم على موعد مع الجزء الثاني من الموضوع تحياتي.
-----------------------
* يستخدم فعل الامر المضارع التام والمستمر في لغتنا العربية وفي لغات أخرى للتعبير عن الأفعال التي بدأت في الماضي البعيد والقريب والتي تستمر حتى الوقت الحاضر.
* إنجيل لوقا 19:22-20 الكتاب المقدس (AVD) وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: "هَذَا هُوَ جَسَدِي ٱلَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي". وَكَذَلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ ٱلْعَشَاءِ قَائِلًا: "هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي ٱلَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (إقرأ إنجيل لوقا 22).
إنجيل لوقا 19:22-20 الترجمة العربية المشتركة (المشتركة) وأخَذَ خُبزًا وشكَرَ وكسَرَهُ وناوَلَهُم وقالَ: "هذا هوَ جَسَدي الذي يُبذَلُ مِنْ أجلِكُم. اَعمَلوا هذا لِذِكري". وكذلِكَ الكأسُ أيضًا بَعدَ العَشاءِ، فقالَ: "هذِهِ الكأسُ هيَ العَهدُ الجديدُ بِدَمي الذي يُسفَكُ مِنْ أجلِكُم" (اقرأ إنجيل لوقا 22).
إنجيل لوقا 19:22-20 الترجمة الكاثوليكيّة (اليسوعيّة) (ت.ك.ع) ثُمَّ أَخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: "هٰذا هو جَسَدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هٰذا لِذِكْري. وصَنَعَ مِثلَ ذٰلكَ على الكأسِ بَعدَ العَشاءِ فقال: هٰذِه الكَأسُ هي العَهدُ الجَديدُ بِدمي الَّذي يُراقُ مِن أَجْلِكم" (إقرأ إنجيل لوقا 22).
ملاحظة الترجمات AVD والكاثوليكية اليسوعية متفقة على قول الرب يسوع "اصنعوا هذا لذكري"، بينما اختلفت عنهم الترجمة المشتركة بكلمة "اعملوا" بدلاً من "اصنعوا"، ومن الطبيعي هذا الاختلاف، لكن المعنى مقارب وربما واحد في الترجمات الأخرى.
* الكردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس وتوابعها لكنيسة اللاتين
* التلاميذ ظلوا مقيمين في العلية طوال فترة الأربعين يومًا وبعدها