موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ مارس / آذار ٢٠١٧

الملك جالس على عرشه

بقلم :
الأب سالم لولص - الأردن

يتمنى كل واحد منا أن يجلس على العرش، عرشٍ مليءٍ بالأقمشة الخمرية وكرسيٍّ مطلي بالذهب الخالص الغالي الثمن، ويكون القصر مليئا بالحرير والأقمشة الفاخرة ذات الألوان الرائعة، وعلى رأس الملك تاجٌ من ذهبٍ وألماسٍ وفضة، وأن يكون ذا مال وجاه كبير، ويحب أن يحترمه الناس ويقبلوا يديه ورجليه . هذا هو الملك الجالس على العرش، هو الذي يأمر وكلمتُهُ لا يتنازل عنها، وغير مستعد لتغيرها، ولا يريد من اي شخص ان يتدخل في شوؤنه. نعم هذا هو الملك الحقيقي، هذا الملِكُ والملْك الذي تسعى وراءه جميع دول العالم. الجميع يريد الوصول الى العرش دون إسثتناء، وريثما استلموا هذا العرش تظهر لدينا الحروب والقتل والدمار لأن الجميع يريد أن يحمي عرشه حتى على حساب شعبِهِ الذي أوكل عليه عندما استلم العرش. وفي خضم هذه الأحداث هنالك عرشٌ غريبٌ من نوعه وشخصٌ لا يتخيله أيُّ إنسان، عرشٌ من ذهب وكل ما يخطر على قلب بشر من جمال وروعة، لكنه مختلف عن باقي العروش. مَلكٌ ينحني أمام شعبه وهو الذي يُقبِّل ويغسلُ أقدام شعبه، مَلِكٌ ينزلُ عن عرشِهِ ويتمشى وسط شعبِهِ ويتكلمُ معهم ويعتني بهم، ملكٌ يُغيِّرُ القلوب والأذهان، مَلكٌ غريب ليس كباقي الملوك الذين تعرفنا عليهم طوال حياتنا، مَلكٌ لا يهتم بذاته بل يهتم فيَّ، يهتم بنا، يهتم برعيته، يعرف رعيته باسمها واذا ضل احدٌ عن الطريق يُعيدهُ اليها. من هذا يا ترى؟ من هذا الملك الذي تهلّلت به الجماهير وفرحت وصرخت بأعلى صوتها: هوشعنا في الأعالي تبارك الاتي باسم الرب، هذه الجماهير نفسها التي هتفت بعرش جديد وبمُلكٍ جديد للملك الذي إنحنى أمامهم، ستهتف بعد حين من جديد، ولكن بكلماتٍ عكس تلك الكلمات، سيصرخون: إصلبه، إصلبه، اقتله، لا ملك علينا إلا قيصر والكهنة ورئيس الكهنة. لو كنت مكانه لهربت وابتعدت عنهم لانهم ناكري الجميل، نَسَوْا ماذا فعل مدة ثلاث سنوات. ولكنه لم يهرب بل بقي مكانه! لأنه لم يأتِ ليعمل مشيئته بل بمشيئة الذي أرسلَهُ، بمشيئة الذي يُحبهُ، بمشيئة أبيه. نعم، لقد جلس الملك على عرشه، هذا العرش المصنوع من خشبتين، فعرشُهُ الصليب، وتاجُهُ إكليل من الورود والمحبة، إكليل مزروعٌ على رأسه مرصَّعٌ بالشوك. هذا العرش الذي إختاره عندما رفض إختيارات إبليس الثلاثة واختار طريقا رابعة، طريق بذل الذات حتى الموت من إجل الذين يحبهم، طريق المحبة والخلاص. فيا رب، عرشك الصليب وعرشي أن أسكن في قلبك المطعون الذي خرج منه دم وماء، منهُ خَرَجَت الحياةُ الجديدة، حياة القيامة. أَسْكِنّي يا رب في قلبك المطعون لأُعلن مدى حبك لنا ومدى أمانتك لنا. عرشك هو عرشي، صليبك هو صليبي، خلاصك هو خلاصي، فرحك هو فرحي، وقيامتك هي قيامتي.