موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٥ يوليو / تموز ٢٠٢٢

الشّيخوخة ليست حكمًا، بل بركة!

بقلم :
د. طلال فرج كيلانو - هولندا
الشّيخوخة ليست حكمًا، بل بركة!

الشّيخوخة ليست حكمًا، بل بركة!

 

("الشّيخوخة ليست حكمًا، بل بركة!" "ما زالوا في المَشيبِ يُثمِرون"). هذه هي الفكرة الأساسية لرسالة قداسة البابا فرنسيس الموجهة نحو الأجداد وكبار السن، في 24/7/ 2022 بمناسبة الاحتفاء السنوي بهم... "وَأَمَّا أَنْتَ فَتَكَلَّمْ بِمَا يَلِيقُ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ: أَنْ يَكُونَ الأَشْيَاخُ صَاحِينَ، ذَوِي وَقَارٍ، مُتَعَقِّلِينَ، أَصِحَّاءَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالصَّبْرِ. كَذلِكَ الْعَجَائِزُ فِي سِيرَةٍ تَلِيقُ بِالْقَدَاسَةِ".

 

إنَّ الأجداد هم حلقة الوصل بين الأجيال لكي ينقلوا للشباب خبرة الحياة والإيمان. لذلك قرّر قداسة البابا فرنسيس إنشاء اليوم العالمي للأجداد والمسنّين والذي ستحتفل به الكنيسة بأسرها كل سنة في الأحد الرابع من شهر تموز يوليو.

 

أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا:

 

الإنسان يضعف جسده في شيخوخته، لكن باستطاعته ان يهب ثمرًا ثمينًا في الروح ومبهجًا للنفس، نحن نعجب حين نرى شجرة رغم عمرها الطويل، ولكنها تبقى خضراء، كذلك الذين يثمرون في الشيخوخة فطوبى لهم ينمون أكثر نشاطًا يومًا بعد يوم.

 

ما أجمل هذا الموعد الجديد الذي قدمه قداسة البابا في رسالته، فيه الكثير من الرجاء ومبعث الأمل، أعطى النفس اطمئنانًا عجيبًا إذ وضع علينا عملًا عظيمًا... وأورد تعليمًا إنسانيًا عميقًا هو ("الشّيخوخة ليست حكمًا، بل بركة!" "ما زالوا في المَشيبِ يُثمِرون")، وكأنه يقول ذلك: متمثلاً بالرب يسوع في تعليمه وتأكيده على ألا تقولوا إن العمل المُلقى عليكم صعب، فإنّني معكم وسنستطيع عمل كل شيء بسهولة، بل ومع جميع المؤمنين ومن سيأتي من بعدهم. هو يشعر بنا وبكل ما نعانيه من أجل اسمه.

 

تضمنت رسالة البابا محاور مختلفة في مجموعها تؤشر مدى حرص البابا على الانسان بمختلف مراحله العمرية وعلى وجه الخصوص الأجداد وكبار السن، وقد أشار إلى أنه سيكون هناك يوم عالمي جديد في الكنيسة هو الاحتفاء بالمسنين سنويًا بتقديم الدعم المعنوي والنفسي والمجتمعي مع التأكيد على أن دورهم كان وما يزال جوهري في الحياة وفي المشاركة في تقديم الخبرة وتحمل المسؤولية وفيما يلي محاور الرسالة:

 

هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي الثاني للأجداد والمسنّين:

 

1- إنَّ آية المزمور 92: 14" ما زالوا في المَشيبِ يُثمِرون" هي بشرى سارة لنا بما تحمله من معاني لذلك تم اختيارها كأيقونة روحية، بمناسبة اليوم العالمي الثاني للأجداد والمسنين أن نعلنه للعالم. إنّها آية تيسر لنا فهم التيار تربوي والانساني وتعليم يجب ان يتخذ لتغيير ما تعتقده بعض المجتمعات حول العالم عن هذا المرحلة العمرية في الحياة، وكذلك بالنسبة لموقف الاستسلام الذي يذهب اليه البعض منا نحن المسنين، الذين نتقدّم برجاء ضئيل وبدون أن ننتظر شيئًا من المستقبل وهذه هي الأخرى مشكلة إنسانية تلقي بضللها على الأجداد وكبار السن لما يعانيه بعضهم من تهميش واهمال من المجتمع.

 

2- الكثيرون يخافون من الشّيخوخة، ويعتبرونها نوعًا مِن المرض، مِن الأفضل تجنّب أي نوع مِن الاتصال بهم، ويعتقدون أنّ أمر المسنين لا يتعلّق بهم، ومن المستحسّن أن يبقوا بعيدًا قدر الإمكان، وربما ان يكونوا مع بعضهم البعض أفضل، وفي مؤسسات تعتني بهم وتتحمّل همومهم. إنها "ثقافة الإقصاء" يؤكد وجودها قداسته لدى البعض وتدفع الكثير الى الشعور بأنّنا مختلفون عنهم كأشخاص اشدّ ضعفًا وغرباء، وطرق حياتنا مختلفة.

 

3- يعلّمنا الكتاب المقدس – ان الشيخوخة هي بركة، والمسنون ليسوا منبوذين يجب أن نبتعد عنهم، وإنما علامات حيّة لمحبّة الله الذي يمنح الحياة بوفرة. مبارك البيت الذي يحافظ على المسنّ! ومباركة العائلة التي تُكرّم أجدادها!

 

4- الشّيخوخة، هي مرحلة لا يسهل فهمها بسهولة من قبل البعض، وحتى بالنسبة لنا نحن الذين نعيشها. على الرّغم من أننا نصل اليها بعد مسيرة طويلة في الحياة والخدمة في جميع مستوياتها، لا أحد يهيئنا لاستقبالها لكي نواجها، ويبدو وكأنّها تفاجئنا وهذا يعني الكثير في التغيير الذي تقدمه.

 

5- إنَّ المجتمعات المتقدّمة تنفق الكثير من أجل مرحلة الشيخوخة في الحياة لكنّها لا تساعد في تفسيرها: فهي تقدّم خطط المساعدة، ولكنّها لا تقدّم مشاريع لمستقبلها، لذلك من الصعب أن نتطلّع لنرى أفقًا نسعى إليه. هذا من جانب والأخر نحن نميل إلى التخلّص من الشيخوخة بإخفاء التجاعيد والتظاهر بأنّنا شباب على الدوام.

 

6- إنّ قبولنا لحقيقة مفادها ان قوانا التي تتراجع أو ظهور الامراض في زمن الشيخوخة، يمكن أن يقوّض شعورنا بالأمان، في العالم يسير بسرعة، ونحن نسعى لمواكبته قد لا يترك لنا أية بدائل تذهب بنا إلى قبول فكرة الإقصاء. وهكذا ترتفع إلى السماء صلاة المزمور، "لاَ تَرْفُضْنِي فِي زَمَنِ الشَّيْخُوخَةِ. لاَ تَتْرُكْنِي عِنْدَ فَنَاءِ قُوَّتِي." (مز 71: 9). "وَأَيْضًا إِلَى الشَّيْخُوخَةِ وَالشَّيْبِ يَا اَللهُ لاَ تَتْرُكْنِي، حَتَّى أُخْبِرَ بِذِرَاعِكَ الْجِيلَ الْمُقْبِلَ، وَبِقُوَّتِكَ كُلَّ آتٍ." (مز 71: 18)، هذه المعاني في المزامير التي تتعقّب حضور الله في مراحل الحياتنا المختلفة - تدعونا لكي نستمرَّ على الرّجاء: مع مجيء الشّيخوخة والشعر الأبيض، سيمنحنا الله المزيد من الحياة ولن يدع الشّرّ يغمرنا.

 

7- إذا نثق بالأب القدير، سنجد القوّة لكي نضاعف التّسبيح وسنكتشف أن الشيخوخة لا تعني فقط تردِّيًا طبيعيًّا في الجسّد أو مرورًا حتميًّا للزمن، وإنما هي عطية حياة طويلة. وبالتالي فالشّيخوخة ليست حكمًا بل بركة!  نهاية نشاط العمل والأبناء الذين أصبحوا مستقلّين يجعلون الأسباب التي من أجلها أنفقنا الكثير من طاقتنا في سبيلهم والتي تختفي الان.

 

8- علينا أن نسهر على أنفسنا ونتعلّم أن نعيش شيخوخة ناشطة، حتى من الناحية الروحيّة، وأن ننمِّيَ حياتنا الداخليّة من خلال القراءة المثابِرة لكلمة الله، والصّلاة اليوميّة، وممارسة الأسرار والمشاركة في الليتورجيا. وإلى جانب العلاقة مع الله، والعلاقات مع الآخرين: أوّلاً العائلة والأبناء والأحفاد الذين نقدّم لهم مودّة مليئة بالاهتمام، وكذلك الفقراء والمتألّمين، الذين علينا أن نقترب منهم بالمساعدة الملموسة والصّلاة. هذا كلَّه سيساعدنا لكيلا نشعر بأننا مجرد متفرّجين في مسرح العالم، ولكيلا نكتفي بالبقاء على "الشرفة"، أو عند النافذة.

 

9- إذا قمنا في زمن الشيخوخة بتحسين حواسنا لكي تتعرّف على حضور الله، سنكون مثل "أشجار الزيتون الخضراء في بيت الله"، ويمكننا أن نكون بركة للذين يعيشون بقربنا، أذا الشّيخوخة ليست مرحلة بدون فائدة نتوقّف فيها عن الدفع بمجاديف قارب الحياة، بل هي زمن نحمل فيه ثمارًا أُخرى.

 

10- هناك رسالة جديدة تنتظرنا وتدعونا لكي نوجه نظرنا نحو المستقبل، والانتباه للأفكار والعواطف التي تجعل منا بشرًا مجدّدًا، وسنقدم خيار حبٍّ المُسنّين تجاه الأجيال الجديدة. إنّها مساهمتنا في ثورة الحنان الروحيّة.

 

11- قداسة البابا يدعوا، الأجداد والمسنون الأعزّاء، ان نكون قد اجتزنا جميعا مرحلة اختبار قاسيّ، طبعته أوّلاً العاصفة الحادّة وغير المتوقعة للوباء الذي اجتاح العالم covid19، ومن ثمّ الحرب التي تجرح السّلام والتنميّة على نطاق عالمي. وبالتالي ليس من قبيل المصادفة أنّ تعود الحرب إلى أوروبا في الوقت الذي بدأ يختفي فيه الجيل الذي عاشها في القرن الماضي. وهذه الأزمات الكبرى تُعرِّضنا لخطر أن نصبح عديمي الإحساس تجاه "أوبئة" أخرى وأشكال عنف أخرى منتشرة تهدّد العائلة البشريّة وبيتنا المشترك.

 

12- قداسة البابا دعى الأجداد والمسنون بقوله: لدينا مسؤولية كبيرة أن نعلّم نساء ورجال عصرنا أن يروا الآخرين بالنظرة المتفهمّة والحنونة عينها التي نوجهها إلى أحفادنا. لقد قُمنا بتحسين إنسانيتنا من خلال العناية بالقريب، ويمكننا اليوم أن نكون معلّمين لطريقة حياة سلميّة ومتنبّهة للأشخاص الأشدَّ ضعفًا. ربما قد يُعتبر تصرّفنا هذا ضعفًا أو استسلام لكننا سنعمل بما ورد في البشارة (متى الإنجيلي)، "طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ." (مت 5: 5)، لكنَّ الودعاء، وليس العدوانيون والفاسدون، إنَّ إحدى الثمار التي نحن مدعوون إلى حملها هي حراسة العالم.

 

13- وأضاف قداسة البابا بقوله لقد مررنا جميعًا من خلال أحضان أجدادنا الذين حملونا بين أيديهم، أما اليوم فقد حان الوقت لكي نبقي في أحضاننا – بالمساعدة الملموسة أو حتى بالصّلاة -، مع أحفادنا، العديد من الأحفاد والآخرين الخائفين الذين لم نعرفهم بعد والذين يهربون من الحروب أو يتألّمون بسببها. لنحافظ في قلوبنا على السعادة حتى الأشخاص الأشدَّ ضعفًا.

 

14- وأشار قداسة البابا بقوله أعزائي الأجداد وأعزائي المسنين، نحن مدعوون في عالمنا هذا إلى أن نكون صانعي الأنسب لعمرنا: وهي الصّلاة. لنصبح نحن أيضًا شعراء صلاة: لنجد متعة في البحث عن كلمات خاصة بنا في صلاتنا، ولنستعد أيضًا تلك الكلمات التي تعلّمنا إيّاها كلمة الله". يمكن لصلاتنا الواثقة أن تفعل الكثير وأن نكون "الجوقة" الدائمة لمزار روحيّ كبير، حيث يعضد نشيد التّسبيح وصلاة الابتهال الجماعية.

 

وأخيرا أشار قداسة البابا الى اليوم العالمي للأجداد والمسنّين الذي يشكل فرصة، للكنيسة أن تحتفل مع الذين أشبعهم الله أيامًا، كما يقول الكتاب المقدس. لنحتفل به معًا! ويدعوا قداسة البابا من مسؤولي الكنيسة كي يعلنوا عن هذا اليوم في رعاياهم وجماعاتهم، وطلب منهم الذهاب لزيارة المسنين الذين يعيشون لوحدهم، في البيت أو في المؤسّسات التي تستضيفهم. لنعمل معا لكيلا يعيش أحد من المسنين في عزلة. وأن يكون لدى المرء المسن شخصا ما ينتظره للزيارة، إنَّ زيارة المسنين الذين يعيشون وحدهم هو عمل رحمة في زمننا! لنسأل سيّدتنا مريم العذراء، أمّ الحنان، أن تجعلنا جميعًا صانعي لثورة الحنان، لكي نحرِّر العالم معًا من ظلّ العزلة وشيطان الحرب.

 

"لتبلغكم بركتي جميعًا مع أحبائكم، أؤكّد لكم قربي الحنون منكم، لا تنسَوا أن تصلّوا من أجلي"! هكذا اختتم قداسة البابا تعليمه الإنساني الموجه نحو المجتمعات والامم كي يتمثلوا هذا التعليم لرعاية الأجداد وكبار السن في العالم.

 

وفي الختام اضيف من القول بهذه المناسبة واشير الى أهمية مرحلة الشيخوخة وان نحاول بذل جهودا واسعة في مساعدتهم، وعلى المجتمع ان يمنح الأجداد وكبار السن كل التسهيلات الممكنة فضلا عن تشريع القوانين الازمة لتطبيقها وأمام هذا كلِّه، نحتاج إلى تغيير عميق، في أرادات الافراد، وان نؤسس الى أساليب تربوية تسمح لكلّ فرد بأن يرى في الآخر أخًا له ويمنحه العون والمساعدة.

 

بارك يا رب جميع ابنائك في كل مراحلهم العمرية وامنحهم العناية وبارك الأجداد والمسنين على وجه الخصوص كي تتحقق البركة فيهم وفي المشيب يثمرون... وامنح كنيستك المقدرة على رعايتهم الروحية والاجتماعية... الى الرب نطلب.

 

------------------------------

 

https://www.vaticannews.va/ar/pope/news/2022-05/messaggio-per-la-giornata-mondiale-dei-nonni-e-degli-anziani.html

هذا الرابط أعلاه يقدم لنا تعليم قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العلمي للأجداد وكبار السن 2022

لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ." (2 كو 12: 10).

لاَ تَرْفُضْنِي فِي زَمَنِ الشَّيْخُوخَةِ. لاَ تَتْرُكْنِي عِنْدَ فَنَاءِ قُوَّتِي.

يتوقع داود مع شيخوخته أن يحل به الهزال الجسمي، لذا يطلب من الله ألا يفارقه وقت الشيخوخة. أما الإنسان الجاحد، فيترك حتى الذي خدمه، متى حلت به الشيخوخة أو المرض، ولم يعد قادرًا على خدمته، كما فعل الرجل العماليقي بالغلام المصري، الذي قال لداود: "قد تركني سيدي، لأني مرضت منذ ثلاثة أيام" (1 صم 30: 13). ما هو زمن الشيخوخة؟ عندما أضعف، لا تتركني... حتى يمكنكم أن تقولوا مع الرسول: "حينما أنا ضعيف، فحينئذٍ أنا قوي" (2 كو 12: 10).

لا تخافوا أنكم تُطردون في ذاك الضعف، في زمن الشيخوخة، لماذا؟ أليس ربكم صار ضعيفًا على الصليب؟ ألم يكن قدامه أناس أقوياء للغاية وثيران سمينة، كإنسانٍ لا قوة له، أُخذ أسيرًا وتحت ضغطة، يهزون الرؤوس قائلين: "إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب" (مت 27: 40) هل تُرك لأنه صار ضعيفًا، ذاك الذي فضل ألا ينزل عن الصليب، لئلا يبدو كمن يستعرض القوة، وقبل أن يخضع لشتائمهم؟ ماذا يعلمكم بعدم النزول إلا الاحتمال بصبرٍ على شتائم الناس، وأن تكونوا أقوياء بإلهكم؟ ربما في شخصه قيل: "صرت مسخًا لكثيرين، أما أنت فملجأي القوي". تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين" مزمور 71 - تفسير سفر المزامير.

اِحْتِفَاءٌ (مص. اِحْتَفَى) خَرَجَ النَّاسُ احْتِفَاءً بِقُدُومِهِ: تَرْحِيباً وَتَكْرِيماً مِن عَادَةِ الشُّعُوبِ الاحْتِفَاءُ بِذِكْرَى اسْتِقْلاَلِهَا: إِقَامَةُ عِيدٍ لِذِكْرَاهُ.