موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٣ يوليو / تموز ٢٠٢٤

الأحد الخامِس عَشَر من زمن السنة – ب، 2024

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
الأب فارس سرياني

الأب فارس سرياني

 

﴿أَنَا الطَّريِقُ والحَقُّ والحَياة﴾ (يوحنّا 6:14)

 

﴿وأَوصَاهُم أَلاَّ يَأخُذُوا لِلطَّريقِ شَيئًا سِوَى عَصًا﴾ (مرقس 8:6). فَمَنْ سَارَ مَع الْمَسيحِ يَتَحَرَّرُ قَلبُهُ مِنْ قُيودِ الأَرضِيّاتِ وعُبُوديّةِ الفَانِيات، وتَسمُو نَفسُهُ ورَغَبَاتُهُ مُحلِّقَةً صَوبَ السَّمَاويّاتِ البَاقِيَات، حَيثُ أُعِدَّ لَنَا الْمُقَامُ الأَبَديُّ. مَنْ سَارَ مَع الْمَسيحِ يُصبِحُ مِثلَ الرَّسولِ بُولس، مُدرِكًا أنَّ الخَيرَ الأسمَى، والغَايَةَ الفُضلَى، والرِّبحَ الأَعظَم، لَيسَت هُنَا ولا في هَذَا أو ذَاك، إِنّما هِيَ في الْمَسيحِ الّذي: ﴿مِنْ أَجْلِهِ خَسِرتُ كُلَّ شَيء، وعَدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفَايَةً، لأَربَحَ الْمَسيحَ وأَكونَ فِيه﴾ (فيلبّي 8:3-9).

 

مَنْ سَارَ مع الْمَسيحِ يا أَحِبَّة لا يَحتَاجُ شَيئًا، لِأنَّ الطَّريقَ هو الْمَسيحُ نَفسُهُ، الّذي فِيهِ تَجِدُ كُلَّ شَيءٍ يُفيدُ أَمرَ خَلاصِكَ. ومَعَهُ لا تَعودُ بِحاجَةٍ إلى أَيِّ شَيء، لأنَّ الأَشيَاءَ تَصيرُ عِندَكَ وَسَائِل، تُسَاعِدُكَ لِأنْ تَبلُغَ الغَايَةَ الوَاحِدَةَ أَلا وهيَ الْمَسيح. فَلا تَعودُ تَطلُبُ مِنَ الدُّنيا شَيئًا، سِوَى أَنْ تَحيَا بِسَلامٍ، وتَمضي بِأَمانٍ، وتَبلُغَ الْمُشَاهَدةَ الّتي تَحيَاهَا اليومَ بالرّجَاءِ والإيمان! في هَذَا الإنْسانِ الحَكيمِ العَاقِل، تَتمُّ الآياتُ الوارِدَةُ في سفرِ إرميا النّبي: ﴿مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبّ، ويَكونُ الرَّبُّ مُعتَمَدَهُ. فَيَكُونُ كَالشَّجَرَةِ الْمَغْروسَةِ عَلَى الْمِيَاه، فَلا تَخافُ الحَرَّ إِذا أَقبَل، وفي سَنَةِ الجَفَافِ لا خَوفَ علَيها، ولا تَكُفُّ عَنْ إِعْطاءِ الثَّمَر﴾ (7:17-8).

 

﴿وأَوصَاهُم أَلاَّ يَأخُذُوا لِلطَّريقِ شَيئًا سِوَى عَصًا﴾. فَالعَصَا رَمزُ الرِّعَايَةِ والقِيَادَة، وهي أَيضًا رَمزُ الاتِّكَاءِ والاتِّكَال! أَمَّا رَاعِينَا في الطَّريقِ فَهوَ الْمَسيحُ الرَّب، الّذي فِيهِ جَعلنَا رَجَاءَنا، وعَليهِ اتَّكلنَا، وإِليهِ الْتَجَأنَا، وأَودَعنَا حَياتَنَا لَديِهِ وبَينَ يَدَيه، مُوقِنينَ أَنَّه مَعَنَا، يُعنَى بِنَا، فَ: ﴿الرَّبُّ رَاعِيَّ فَمَا مِنْ شيَءٍ يُعوِزُني... عَصاكَ وعُكَّازُكَ يُسَكِّنانِ رَوعي﴾ (مزمور 1:23، 4).

 

وفي الوَقتِ عَينِه، تَظلُّ العَصَا رَمزًا للتَّأدِيبِ والتّقويم، مِثلَ شَجَرَةٍ تُسنَدُ بِعَصَا لِتَنْمُو باستِقامَةٍ ولا تَنْحَني! ومِثلَمَا يَقولُ سِفرُ أَمْثالِ الحَكيمِ سُلَيمان: ﴿لا تَرذُلْ تَأدِيبَ الرَّبّ، فَإنَّ الّذي يُحِبُّهُ الرّبُّ يُوبِّخُهُ، كَأَبٍ يُوبِّخُ ابنًا يَرضَى عَنه﴾ (11:3-12). فالرَّبُّ وإنْ أَدَّبَنَا حِينًا، فَلَيسَ ذَلِكَ لِكَي يُعَنِّفَنَا إِنَّمَا لِكَي يُقَوِّمَنَا، فَلا نَحيدَ بَعيدًا عَنِ السِّراطِ الْمُستَقيم والطَّريقِ الحَقّ.

 

أَمَّا عَدمُ قُبولِ تَأديبِ الرَّبِّ، والتَّمَرُّدُ عَلَى تَعَاليمِهِ، ونَبذُ وَصَايَاه، فَعَلامَةٌ عَلَى الكِبرياءِ الْمُتَفَشِّي في النُّفُوسِ اليَابِسَة والعُقولِ الْمُتَحَجِّرَة، الّتي تَأبَى التَّأدِيبَ، مُفَضِّلَةً التَّمرُّغَ بِوَحلِ الخَطيئَةِ وقَذَارةِ الْمَعصِيَة! وهُنَا يَتَحَقَّقُ قُولُ الرَّسُولِ بُطرس في رِسَالَتِهِ الثّانيَة: ﴿لَهُم عُيونٌ مَملوءةٌ فِسْقًا، ولَهم قُلوبٌ تَعوَّدَتِ الطَّمعَ. تَرَكُوا الطَّريقَ الْمُستَقيم، وضَلُّوا في سلُوكِهم... وهُمْ عَبيدٌ لِلمَفاسِد لأَنَّ الإِنسانَ عَبْدٌ لِمَا استَولَى عَلَيِه. فَقَدْ كَانَ خَيرًا أَلَّا يَعرِفوا طَريقَ البِرّ، مِنْ أَن يَعرِفوه ثُمَّ يُعرِضُوا عَنِ الوَصِيَّةِ الْمُقدَّسَةِ الَّتي سُلِّمَت إٍلَيهم. لَقَدْ صَدَقَ فيهِمِ الْمثَلُ القَائِل: مَا اغتَسَلَتِ الخِنزيرة، حتَّى تَمَرَّغَت في الطِّين﴾ (راجع 10:2-22).

 

﴿وأَوصَاهُم أَلاَّ يَأخُذُوا لِلطَّريقِ شَيئًا سِوَى عَصًا﴾. ومَنْ هو الطَّريق؟ هو الْمَسيحُ الَّذي هو أَيضًا طَريقُ الحَقِّ وطَريقُ الحَيَاة! وفي الوَقتِ عَينِه، هُناكَ طَريقُ البَاطِلِ الْمُؤدِّي إلى الْمَوتِ والهَلاك! هو الطّريقُ الواسِعُ والسَّهل، الْمَليءُ بالْمُغرَياتِ الّتي تَبدُو في ظَاهرهِا جَميلَةً وشَهِيَّة، ولَكنْ في بَاطنِهَا يَكمُنُ سَمٌّ مُهلِك! هو الطّريقُ الّذي بِسَبَبِه اِنْصَرفَ الشَّابُ الغَنيُّ مُغتَمًّا حَزينًا، لِأنَّهُ لم يْستَطِعْ أَنْ يَتَخَلَّى عَنهُ لِأجلِ الْمَسيح (راجع مرقس 17:10-23).

 

أَمّا الْمَسيحُ فَهو الطّريقُ الصَّعبُ والْمُتَطلِّب. وأَحيانًا هو الطّريقُ الْمُر، لكِنَّهُ كَحبَّةِ الدَّوَاء يَبقَى الطّريقَ الّذي يَؤولُ إلى الشِّفَاء! وقَدْ أَوصانَا رَبُّ الْمَجدِ بِذَلِكَ حِينَ قَال: ﴿أُدخُلُوا مِنَ البَابِ الضَّيِّق. فَإِنَّ البَابَ رَحْبٌ، والطَّريقَ الْمُؤَدِّي إِلى الهَلاكِ واسِع، والَّذينَ يَسلُكونَه كَثيرون. مَا أَضْيَقَ البَابَ، وأَحرَجَ الطَّريقَ الْمُؤَدِّي إِلى الحَياة، والَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَلِيلُون﴾ (متّى 13:7-14). فَاجْعلنا رَبّي مِنَ الْمُهتَدين الْمُخَلَّصِين، ولا تَسمَحْ بِأنْ نَكونَ مِنَ الضَّالينَ الهالِكين!