موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣

إن الله هو الذي يُسكّن الحروب، وهو الذي يطفئ نارها

بقلم :
د. طلال فرج كيلانو - هولندا
إن الله هو الذي يُسكّن الحروب، وهو الذي يطفئ نارها

إن الله هو الذي يُسكّن الحروب، وهو الذي يطفئ نارها

 

المقدمة والتمهيد:

 

الحروب لماذا تحدث بين البشر:

 

اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْناً فِي الضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيداً، لِذَلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ.

 

الحروب: هل هناك من يمكنه تفسير كل هذا العنف من خلالها وفي الغالب يكون غير مبرر في كثير من الأحيان وحتى لو تم تبريره فان الحجة والدليل ربما تكون مخترقة تاريخيًا؟ في التاريخ هناك اربعة دوافع لبدء الحرب هي: الخوف، والمصلحة، والمكانة، والانتقام. ونسبة ضئيلة من تلك الحروب مدفوعة بالأمن او لمصالح مادية، وسأحاول كباحث نفسي أن أعرض مجموعة من الأسباب التي اتوقع أن لها دورا في نشأة الحروب بين البشر، والانطباع العام يذهب بنا الى:

 

1- من المستحيل ان البشر سيعيشون يوما ما بسلام، والامثلة على ذلك ما يتناوله التأريخ والجغرافية السياسية وعلم الاجتماع السياسي وعلم النفس في الكيفية التي تؤثر فيها هذه الحروب واثارها والى يومنا هذا. ويضاف الى ذلك امتداد وجود اثارها لما بعد الصدمة فضلاً عن ضهور التكنولوجية الصناعية الهائلة في الإنتاج الحربي والتي استغلتها الدول في الحروب الخاطفة والسريعة، وعند مراجعة تاريخ الحروب، سنجد ازدياد عدد القتلى باثر هذه التقنيات الحديثة، ليتجاوز اعدادهم الألف او الملاين من البشر كما حدث في الحربين العالميتين في القرن العشرين لأكثر من 63 مليون انسان يضاف اليها اعداد القتلى في حروب متفرقة هنا وهناك والى يومنا لتكون الحصيلة اكثر من 100 مليون انسان.

 

2- الحروب قد تفسر على انها سلوك يسوده "الأنانية والاستحواذ" لما يصاحبها من قتل وتدمير متعمد، وهناك حقيقة مفادها ان البشر يخوض حروبا للحصول على الغنائم وثروات البلدان التي تعرضت للغزو والحروب.

 

3- محاولات التفسير البايولوجي للحروب تشير أن البشر مهيؤون بيولوجيّا لخوض الحروب بسلوكيات عدوانية لوجود هرمون* يساعد على ذلك، هو(المسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية)، علماء الأنثروبولوجيا والآثار اعتقدوا أن الأدلة تشير وتدعم ذلك، وهؤلاء الباحثين النظريات قدمت لنا تفسير للأسباب وراء اندلاع الصراعات، وأشارت إلى احتوائها أبعادا أعمق في جوهرها، كنشاط مخططا له ومنظماً للغاية بدهاء ومكر فيه عنصر المفاجئة.

 

4- الحروب تسبب آثاراً نفسية سلبية وإيجابية احيانًا، ففي جانبها الإيجابي تؤدي الى خلق شعور بالتكاتف والوحدة الوطنية في وجه التهديد الذي يوحدها، ولا تكون المعارك مقتصرة على القوات النظامية، بل يشارك بها أفراد المجتمع، وتجلب إحساسا بالامتثال واحترام الأهداف المشتركة وقد تؤدي في جانبها السلبي الى عكس المطلوب منها ان تحققه.

 

5- الحروب تبعث في نفوس بعض البشر شعورا بأنهم على استعداد للمشاركة، وتجاوز رتابة الحياة اليومية وسطحيتها، وتمنح فرصة للتعبير عن بعض القيم الإنسانية لديهم، وهذا ايضاً يخضع لمزاج البشر المنخرطين بلعبة الحروب ويكون متزامنا مع الظروف المحيطة بالحدث.

 

6- الحروب المرتبطة بالهُوية الجماعية. فالبشر يتحركون نحوها بمشاعر الانتماء والهوية والنزعات العرقية والقومية والدينية، والشعور بالفخر، ويتكون ذلك كنتيجة لسبب الشحن السياسي والعرقي والديني والطائفي والمذهبي، وووو...الخ. وإذا شعر هؤلاء البشر باحتيال القائمين على هذا التحريض والمروجين له سينصرفون الى نتيجة مغايرة تمامًا.

 

 

مفهوم الحروب قائمة على نزاعات مسلحة

 

قد تنشأ الحروب كنتيجة لسبب حماية المجتمع والافراد من تهديد متوقع او قائم فعلاً يهدد السلام والامن، ولا يمكن اعتبار كل أعمال العنف والنزاعات قانونية أو غير مشروعة، لان البعض منها من أجل حماية حقوق الانسان، وقد تستعين الدول بأخرى لمساعدتها لقصور في قدراتها الذاتية في الحماية وحصولها على الامن كدولة ذات سيادة.

 

تحدث الحروب  بين كيانات والتحالفات غير المنسجمة، حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على مكاسب مختلفة ونتائج مصممة بشكل ذاتي بين الأطراف المتنازعة، ومن منظور عسكري ان الحرب عمليات هجومية ذات غلاف  سياسي، تستخدم فيها الات وأدوات اعدت لغرض خاص، لها اثار مميته واسعة الضرر بالإنسان والبيئة  لتضمنها استخداماً للأسلحة والقوة البدنية، وقد يستخدم مصطلح الحرب أيضا كرمز للصراع غير العسكري كالحروب الباردة الاقتصادية والسياسية والصرعات الاجتماعية كالعشائرية والطبقية...

 

غالباً ما تتبدل الجوانب الإستراتيجية والتكتيكية للحروب وكذلك النظريات والمذاهب المتعلقة بها وتصاغ نظرة جديدة قبل، وأثناء الحرب فإن لكل عصر نوع خاص من الحروب وظروفها لنجد حروب ظهرت في العقود الماضية قصيرة في مداها الزمني فتكون خاطفة ومباغه للمقابل وهذه الحروب والصراعات بين دول ومجموعات مسلحة تطالب بحقوقها المغتصبة او قد تكثر في بيئات غياب القانون، وتحتل الفرق المتحاربة الاراضي، وغالبًا يمكن ان تربح في الحرب بقيادات (شخصية او منظمة) ويمكن ان تستسلم او تنهار وتكون نهاية للحرب. إذًا الحروب هي سلسلة من الحملات العسكرية التي تشن بين جانبين متضادين، تتضمن نزاعا حول السيادة والاراضي والمصادر الطبيعية والاقتصادية، والأيدلوجيا الفكرية، والسياسية، والدينية.

 

الحَرْبُ في اللغة تُؤَنَّثُ، يقال: وقَعت بينهم حربٌ وتصغيرها حُرَيْبٌ، وكلمة حرب اسم صحيح والمثنى منها حربان (في حالة الرفع) أو حربين (في حالة النصب والجر) وجمع هذه الكلمة جمع تكسير حروب، والفعل من حرب فعلٌ متعد معتل تام التصرف حَارَبَ، يُحَارِب، حَارِبْ.

 

 

أنواع الحروب بحسب اهميتها وتأثيرها:

 

1- الحرب غير المتكافئة: هي صراع بين أطراف متحاربة ذات مستويات مختلفة اختلافًا جذريًا من ناحية الحجم أو القدرات العسكرية.

 

2- الحرب البيولوجية، أو الحرب الجرثومية: يستخدم فيها المواد السامة البيولوجية أو العوامل المعدية مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات.

 

3- الحرب الكيماوية: تنطوي على استخدام الأسلحة الكيميائية في المعارك. كاستُخدام الغاز السام يسفر عن ملايين الإصابات.

 

4- الحرب الباردة: وهي تنافس دولي عنيف وخالٍ من أي نزاع عسكري مباشر، لكنّه ينطوي على تهديد دائم باستخدام القوة العسكرية.  كالعمليات السرية، أو التجسس، أو حرب الإنترنت، أو الحرب بالوكالة.... الخ.

 

5- الحرب التقليدية: وهي حرب معلنة بين الدول، لكن لا تُستخدم فيها أيّ أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيماوية. وتتّسم هذه الحرب بأنها محدودة الانتشار.

 

6- حرب الإنترنت: وهي حرب منطوية على إجراءات دولة قومية أو منظمة دولية بهدف مهاجمة نظم المعلومات التابعة لدولة أخرى أو محاولة إلحاق الضرر بها.

 

7- العصيان المسلح: هو تمرّد على السلطة، ولا يُعتبر المشاركين فيه مقاتلين (شرعيين). يصبح العصيان حربًا عندما يُقابل بحرب لمكافحته.

 

8- حرب المعلومات: وهي تطبيق القوة المدمّرة على نطاق واسع ضد نظم المعلومات ومواردها، وأجهزة الكمبيوتر، والشبكات الداعمة للبنى التحتية الحيوية.

 

9- الحرب النووية: هي الحرب التي تنطوي على استخدام الأسلحة النووية بصفتها الوسيلة الرئيسة أو الأساسية للحصول على الاستسلام المرجو.

 

10- الحرب الشاملة: تتجاهل قوانين الحرب لا مبالية بالقيود المفروضة على الأهداف العسكرية المشروعة. تُستخدم في هذه الحرب الأسلحة والتكتيكات التي من شأنها إلحاق خسائر هائلة.

 

11- الحرب غير التقليدية: هي النقيض التام من الحرب التقليدية. تُعتبر الحرب غير التقليدية بمثابة محاولة لتحقيق نصر عسكري عبر الإذعان، أو الاستسلام.

 

 

سيكولوجيا الحرب.. لماذا يصعب على البشر أن يعيشوا في سلام ويتفاوضوا على كل شيء:

 

"وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ"(مت 10: 28)، وَيَهْزِمُ الرَّبُّ أَمَامَكُمْ أَعْدَاءَكُمُ الْقَائِمِينَ عَلَيْكُمْ، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْكُمْ فِي طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ أَمَامَكُمْ فِي سَبْعِ طُرُقٍ" (تث 7:28).

 

الآثار النفسية للحروب أكبر من الآثار التي تسببها الإصابات الجسدية، وكل من يتعرض للحرب يتأثر بها نفسيًا سواء كان شيخاً أو طفلاً نساء ورجال حتى الشاب، ولكن هذه الآثار النفسية المدمرة تختلف باختلاف عوامل متعددة من أهمها: مشروع المساندة النفسية في الكوارث الذي يبدأ بعد انتهائها، بزيارة الناجين للاطمئنان على حالهم وإشعارهم بان هناك اهتمام بهم، فالتفريغ النفسي يقود الى الاطمئنان كما يساعد على معرفة الوضع لبعض المضطربين واستمرار إحساسهم بكرب ما بعد الصدمة (PTSD) ويقدموا لهم  الدعم النفسي.

 

وما يفرض على الدولة ممارسة العنف احياناً هو في إطار مشروع ومبرر ومنظم، لكن هذا لا يمنع في جانبه الأخر احترام حقوق الضحايا، وهذا يثير بعض التساؤلات حول سيادة هذه الحقوق والسعي الى تلبيتها فضلاً عن نشر ثقافة السلام وتحويل النزاع، الى مصالحة، وهذا السلام يعد جزء من العمل الذي يقود الى تحمل مسؤولية إحلال هذه الثقافة ولحياة خالية من العنف وحث المجتمعات على تجنب تكرار الاحداث المؤلمة ضد الإنسانية، وإحداث التغيرات السياسية والاجتماعية المطلوبة للتوصل الى السلم الدائم في عالم ما زال يجابه في أرجائه الحروب المحلية والاقليمية المسلحة.

 

على المجتمعات تشجيع الدولة والقادة السياسيين على إبدال العنف المتوقع او القائم بالسلام، ورفع الوعي البشري حول تكلفة العنف والحروب ومواجهتها، والتوجه نحو أهمية الحوار كبديل، وتعزيز النزعة الانسانية، وتحقيق كرامة الانسان، والحرية، والتضامن بدلا ًمن العداوة والفتنه وتحويل الصراع لثقافة العيش المشترك وتوظيف التربية والتعليم من أجل نشر ثقافة التسامح، "فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ" (مز 139: 10).

 

 

ماذا يعني حق الانسان في العيش بسلام؟

 

هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قِفُوا عَلَى ٱلطُّرُقِ وَٱنْظُرُوا، وَٱسْأَلُوا عَنِ ٱلسُّبُلِ ٱلْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ ٱلطَّرِيقُ ٱلصَّالِحُ؟ وَسِيرُوا فِيهِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَا نَسِيرُ فِيهِ! (مَزَ 42:‏11).

 

أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ" (مز 139: 7-10).

 

لغوياً السلام مصدر مشتق من الفعل سَلًمَ، ويعني الطمأنينة أو الأمان، أما اصطلاحًا، فيعرف السلام على أنه حالة من الأمان، والسكينة، ومنافٍ للحرب، والنزاعات تسعى العديد من الدول والمجتمعات حول العالم إلى نشر السلام ومن أجل التخلص من الخلافات وتسويتها التي قد تقف وتمنع تحقيقه.

 

السلام هو أكثر من مجرد غياب العنف، فتوقُّف القتال وبالعودة إلى الحياة الطبيعية أمرٌ مرحَّب به، وغالبًا ما يخفي هذا الاستقرار حقيقة المظالم وأسبابها واذا لم تتم معالجتها قد تعود مجددًا، وتسعى منظمات بناء السلام إلى تعزيز ما يوصف بـ"السلام الإيجابي".

 

السلام ضد الحرب وأعمال العُنف، والإرهاب، أو النزاعات الدينية، أو الطائفية، أو المناطقية، وقد يكون السلام كحالةً إيجابيّةً مرغوبةً، تسعى إليه الجماعات البشرية أو الدول، في عقد اتفاق فيما بينهم للوصول إلى حالة من الهدوء والاستقرار، فالسلام لا يعني عدم وجود الاضطرابات بكافة أشكالها، وإنما يعني السعي في الوصول إلى المظاهر الإيجابية والسعي لحلها، واليوم الدولي أو العالمي للسلام يحتفل به سنوياً في 21 سبتمبر، يكرس للحديث عن السلام، والاحتفال به بوقف مؤقت لإطلاق النار في مناطق القتال. تم تأسيس اليوم الدولي للسلام في عام 1981 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

 

"سيكولوجية التحكم بالعقول: الإشاعة والدعاية والحرب النفسية والإلكترونية"

 

من الدراسات النفسية والاجتماعية معاصرة، التي تناولت موضوع التحكم بالعقول، الإشاعة والدعاية.

 

في ظل التطور المتسارع لتقنيات الاتصال الحديثة والمعلوماتية وهيمنة وسائل الاتصال الحديثة التي اخذت تنتشر الشائعات والحرب الإعلامية والدعائية، عزيزي القارئ تُعتبر الحرب النفسية والإعلامية التي تتخذ من الإشاعة والدعاية وسيلة لها من أهم وأخطر الحروب التي عرفتها المجتمعات عبر تاريخها، لأنها تستهدف عقل الإنسان وشخصيته وسلوكه من جهة، ولتنوع وسائط التأثير التي تستخدم فيها من جهة ثانية، ولسرعة الانتشار عبر وسائل الاتصال الحديثة من جهة ثالثة. من هنا يُعتبر بناء الشخص وتحصينه وتنمية فكره الناقد عملية تربوية استراتيجية لمواجهة الآثار الخطيرة للشائعات والحرب النفسية والتحكم بالعقل.

 

 

بتحفظ الكتاب المقدس في تعليمه الروحي والتربوي على ذكر النزاعات والحروب...

 

فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ" (مز 139: 10)

 

إنَّ هداية البشر هي بمشيئة الله، عندما يوفر نور الايمان في عقولهم وقلوبهم، ويطالَبهم بالصبر والاستقامة، وبالإرادة الحرة، ليختاروا بها خيرهم وليتعرفوا على الشر فإذا توصلوا الى هذه الحقيقية، حرص الله على أن يمنحهم الحياة والرجاء، "وَإِنَّمَا أَقُولُ هذَا لِئَلاَّ يَخْدَعَكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ مَلِق. فَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ غَائِبًا فِي الْجَسَدِ لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ، فَرِحًا، وَنَاظِرًا تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ فِي الْمَسِيحِ. فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ، مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ، وَمُوَطَّدِينَ فِي الإِيمَانِ، كَمَا عُلِّمْتُمْ، مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِالشُّكْرِ" (كو 2: 7،4).

 

كل شيء صار معقّدا في الحياةً: أن كان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وكثرت النزاعات والحروب واصطف البشر معها كل بحسب معتقده في المكسب المتحقق من هذا الاصطفاف.

 

"بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ" (2 كو 11: 26)، هذه الأخطار موجودة في أيامنا وينبغي اخذ العبرة منها وتأثيراتها.

 

"هَلُمُّوا انْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ، كَيْفَ جَعَلَ خِرَبًا فِي الأَرْضِ، مُسَكِّنُ الْحُرُوبِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. يَكْسِرُ الْقَوْسَ وَيَقْطَعُ الرُّمْحَ. الْمَرْكَبَاتُ يُحْرِقُهَا بِالنَّار، كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ، أَتَعَالَى فِي الأَرْضِ، رَبُّ الْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلهُ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ" (مز 46: 11،8).

 

"يَجْعَلُ الرَّبُّ أَعْدَاءَكَ الْقَائِمِينَ عَلَيْكَ مُنْهَزِمِينَ أَمَامَكَ. فِي طَرِيق وَاحِدَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَيْكَ، وَفِي سَبْعِ طُرُق يَهْرُبُونَ أَمَامَكَ" (تث 28: 7).

 

"فَمَعَ أَنَّنَا نَعِيشُ في الْجَسَدِ، فَإِنَّنَا لَا نُحَارِبُ وَفْقاً لِلْجَسَدِ. فَإِنَّ الأَسْلِحَةَ الَّتِي نُحَارِبُ بِها لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ الْحُصُونِ: بِها نَهْدِمُ النَّظَرِيَّاتِ وَكُلَّ مَا يَعْلُو مُرْتَفِعاً لِمُقَاوَمَةِ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَنَأْسِرُ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ" (2 كو 10: 3-5)، وإن كنا نعيش في الجسد إلا أننا نطلب مسرة اللَّه ونعمل بطريقٍه الروحيٍ. إذ لا استخدام لأسلحة جسدية أو زمنية، بل أسلحة اللَّه الروحية القوية غير فاسدة. أذاً هي معركة من أجل خلاص العالم وبنيان الكنيسة روحية وليست جسدية. إن الرب يسوع المسيح كقائد روحي يحمل روح القوة، ويعمل بالروح لحساب ملكوت اللَّه، لا يخشى أحدًا، لأنه يتحدث في الحاضر ويشير إلى قوة اللَّه الكلية. ولم يقل "روحية" إنما يقول أته "قادرة" كتطبيق عملي للروحية، ومعلناً أن أسلحتهم ضعيفة وبلا قوة.

 

هكذا يقدم لنا الكتاب المقدس الطرق التي يسلكها الرب في الحرب ضد الخطيئة وَكُلَّ مَا يَعْلُو مُرْتَفِعاً لِمُقَاوَمَةِ مَعْرِفَةِ اللهِ، أن الله هو الذي يُسكِّن الحروب، وهو الذي يطفئ نارها، وهو الذي ينصر، بكسر القوس من أيدي الأعداء وبقطع الرمح، وبحرق مركباتهم بالنار. ويتحفظ ويبتعد الكتاب المقدس كثيرا عن ذكر الحروب ويشير الى إِنَّنَا لَا نُحَارِبُ وَفْقاً لِلْجَسَدِ. فَإِنَّ الأَسْلِحَةَ الَّتِي نُحَارِبُ بِها لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً أو زمنية.

 

في ختام هذا العرض الملخص لنقول "بِتَسْبِيحِ الرَّبِّ يَنْطِقُ فَمِي، وَلِيُبَارِكْ كُلُّ بَشَرٍ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ" (مز 145: 21)،"لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (لو 1: 37). ولَيْس لَدَى الله وَعد يَسْتَحِيل عَلَيه إِتْمَامُه. يتبين لنا ان المعني العام للأحداث الدامية التي تدعى الحروب في هذه الأرض وتحفظ الكتاب المقدس في طريقة عرضها وبالإشارة ليها تحت مسمى الحروب الروحية التي يؤكد حدوثها دفاعاً عن الحق الإنجيلي الصادق. بها يدخل إلى القلوب ويطيح بجيوش الأعداء في مواجهة من النوع الروحي بالضد لمن يعيش في الظلمة، انها مواجهة ليست ضد إنسانٍ حين قال "اننا لسنا جسديين" بل "اسلحتنا ليست جسدية"، فمركز السلاح وجوهره هو تجلي يسوع المسيح نفسه في داخلنا، هو الذي غلب عدو الخير ويبقى غالبًا له من خلالنا... السيد المسيح نفسه هو سلاحنا وغلبتنا ونصرتنا على الشر ومروجيه، ما دام المسيح معنا، "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ" (يو 12: 35).

 

"أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أف 6: 10-12).

 

ارحمنا يا رب من الحروب والكوارث، وامنحنا الأمان والاطمئنان ومكن كنيستك المباركة والقائمين عليها من رعاية المؤمنين وامنحنا السلام، "أَمِينٌ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ" (2 تس 3: 3). إلى الرب نطلب.

 

------------------

 

*لأنهم يتمتعون بكميات كبيرة من هرمون التستوستيرون المرتبط بسلوكيات عدوانية، ويعانون من انخفاض هرمون السيروتونين (المسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية) ، وقد وجدت تجارب بحثية بالفعل أن حقن الحيوانات بالسيروتونين يجعلها أقل عدوانية.

*عام 2001، صوتت الجمعية العامة بالإجماع على تسمية اليوم بأنه يوم لمنع العنف ووقف إطلاق النار. الاحتفال بهذا اليوم معترف به من قبل العديد من الدول والشعوب. في عام 2013، ولأول مرة، خصص اليوم لتعليم السلام، أي بوسائل الوقاية الرئيسية للحد من الحرب على نحو مستدام.

**"لِذَلِكَ اتَّخِذُوا سِلاحَ اللهِ الْكَامِلَ، لِتَتَمَكَّنُوا مِنَ الْمُقَاوَمَةِ فِي يَوْمِ الشَّرِّ، وَمِنَ الصُّمُودِ أَيْضاً بَعْدَ تَحْقِيقِ كُلِّ هَدَفٍ. فَاصْمُدُوا إِذَنْ بَعْدَ أَنْ تَتَّخِذُوا الْحَقَّ حِزَاماً لأَوْسَاطِكُمْ، وَالصَّلاحَ دِرْعاً لِصُدُورِكُمْ، وَالاسْتِعْدَادَ لِنَشْرِ بِشَارَةِ السَّلامِ حِذَاءً لأَقْدَامِكُمْ. وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ، احْمِلُوا الإِيمَانَ تُرْساً بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُشْتَعِلَةِ. وَاتَّخِذُوا الْخَلاصَ خُوذَةً لِلرَّأْسِ، وَكَلِمَةَ اللهِ سَيْفَ الرُّوحِ. صَلُّوا فِي كُلِّ حَالٍ، بِكُلِّ صَلاةٍ وَطِلْبَةٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا الْغَرَضِ عَيْنِهِ مُوَاظِبِينَ تَمَاماً عَلَى جَمِيعِ الطِّلْبَاتِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعاً" (أف 13:6- 18).

أَيُّهَا الأَوْلادُ الصِّغَارُ، أَنْتُمْ مِنَ اللهِ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَ الْمَسِيحَ: لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ السَّاكِنَ فِيكُمْ أَقْوَى مِنَ الرُّوحِ الشِّرِّيرِ الْمُنْتَشِرِ فِي الْعَالَمِ. (يوحنا الأولى 4:4).

ذَلِكَ لأَنَّ الْمَوْلُودَ مِنَ اللهِ يَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ. فَالإِيمَانُ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُنَا نَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ. وَمَنْ يَنْتَصِرُ عَلَى الْعَالَمِ إِلّا الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟ (يوحنا الأولى 4:5-5).

هذِهِ التَّوْصِيَاتُ، يَا تِيمُوثَاوُسُ وَلَدِي، أُسَلِّمُهَا لَكَ، بِمُقْتَضَى النُّبُوآتِ السَّابِقَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِكَ، وَغَايَتِي أَنْ تُحْسِنَ الْجِهَادَ فِي حَرْبِكَ الرُّوحِيَّةِ (تيموثاوس الأولى 18:1).

إِذَنْ، كُونُوا خَاضِعِينَ لِلهِ. وَقَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. (يعقوب 7:4).

تَعَقَّلُوا وَتَنَبَّهُوا. إِنَّ خَصْمَكُمْ إِبْلِيسَ كَأَسَدٍ يَزْأَرُ، يَجُولُ بَاحِثاً عَنْ فَرِيسَةٍ يَبْتَلِعُهَا. (بطرس الأولى 8:5).