موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥

إنَّكَ لفَرِيدٌ ومُتَمَيِّز

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
إنَّكَ لفَرِيدٌ ومُتَمَيِّز

إنَّكَ لفَرِيدٌ ومُتَمَيِّز

 

أَنْتَ لستَ مجرّد...

أَنْتَ لستَ مجرّد فكرةٍ ونَبضةٍ ووَمْضةٍ،

وإن كانت الأفكارُ والنَّبضاتُ والوَمْضاتُ مهمّةٌ وأساسيّة؛

أَنْتَ لستَ مجرّد قولٍ ولفظٍ وتصريحٍ،

وإن كانت الأقوالُ والألفاظُ والتّصريحاتُ مهمّةٌ وأساسيّة؛

أَنْتَ لستَ مجرّد فعلٍ وعَمَلٍ وتصرّفٍ،

وإن كانت الأفعالُ والأعمالُ والتّصرفاتُ مهمّةٌ وأساسيّة.

 

أجل، إنَّكَ فكرةٌ وقولٌ وفعلٌ في سرمديّة وأزليّة وأبديّة الألوهيّة؛

ولكنّكَ لستَ مجرّد هذا كلّه أيضًا.

فأنتَ فَرِيدٌ، ووجودٌ وكيانٌ وشخصٌ،

وما من فكرةٍ وقولٍ وفعلٍ –أيًّا كانوا– في استطاعتهم اختزالكَ وتحجيمكَ.

 

إنَّ فرادتَكَ ووجودَكَ وكيانَكَ وشخصَكَ في رباطٍ وثيقٍ بوجود وكيان وشخص الله الأحد-الواحد-الثّالوث؛

إنَّه أصلُكَ ومرجعُكَ وغايتُكَ،

إذ إنَّه علّتُكَ الفاعلة، وعلّتُكَ النّموذجيّة، وعلّتُكَ الغائيّة.

 

أَنْتَ مُتَمَيِّزٌ في تَمَيُّزِكَ...

إنَّ تَمَيُّزَكَ لا يخرج للعلن في فعل المدح فحسب، وإنّما في القدح والذّم أيضًا؛

فكلامهم المُسِيء –في العلن والخفاء– حِيال شخصك، إشارةٌ واضحة على أوهانهم وأوهامهم،

وعلامةٌ جليّة على تَمَيُّزكَ وتقدّمك،

وعلى أنَّ لك رسالةٌ في الحياة، وخطةٌ ومشروعٌ من لَدُن الله، وبمشيئته وعنايته.

 

إنَّ تَمَيُّزَكَ لا يتجلّى في تقبُّلك والتّرحيب بك، وبما تقوم به فحسب،

وإنّما في الرّفض القاطع وغير المبرّر –ورُبَّما المتوراي في الصّدور،

والتّشنيع والتّبشيع بشخصكَ وأفعالكَ وأقوالكَ؛

بل، وحتّى بصمتكَ الذى يتكلّم كلامًا بليغًا وصادقًا.

 

إنَّ تَمَيُّزَكَ لا يظهر ساطعًا بالمحبة تجاهك فحسب،

وإنّما بالكراهيّة الواضحة والفاضحة المصوّبة كسهامٍ مسنونة نحوك،

ونحو قلبك المحبّ الذي لا يعرف الكراهيّة المكروهة، والأحقاد المكتومة.

 

إنَّ تَمَيُّزَكَ لا يلمع مع التّعبيرات الجميلة التي تُقال في حقّكَ فحسب،

وإنّما في القذائف المسيئة والجارحة –الكامنة في النُّفوس والقلوب– تجاهكَ؛

فهي تُظهِر معدنَكَ وصلابتكَ وقوّة احتمالكَ،

وأعماق إنسانيّتكَ،

وإيمانكَ بالإله "ضابط الكلّ"، وبمشيئته وعنايته.

 

إنَّ تَمَيُّزَكَ لا يُرى في وسائل التّواصل الاجتماعيّ باللّيكات والإعجاب فحسب،

وإنّما في التّجاهل والتّعتيم والتّعطيل أيضًا،

وفي الأكل والشُّرب على مائدتكَ بطريقةٍ مستترةٍ ومتخفّية،

وفي المرور على محتوياتكَ خُلْسَةً،

بل، وتقليدها بطُرق لا-واعيّة، وأحيانًا غير مشروعة.

 

إنَّ تَمَيُّزَكَ لا يراه الناسُ في خطوات نجاحكَ الواثبة والثّابتة فحسب،

وإنّما في إخفاقاتكَ وسقطاتكَ وقيامكَ؛

ممّا يُظهِر أوّل ما يُظهِر خامةَ بشريّتك المتّجهة نحو التّأله،

والمحاولات المتعدّدة لتهذيبها وتأديبها وتأليها،

من خلال رَحِمِ المعاناة وبَوتقةِ الألم.

 

وأخيرًا، يا رفيقي،

من أجل هذا كلّه،

ومن أجل أمورٍ أُخرى أيضًا، التي رُبّما سوف أقصّها عليكَ فيما بعدُ،

أبوح لكَ بسِرٍّ مكتومٍ في قلبي:

إنَّكَ لفَرِيدٌ ومُتَمَيِّزٌ في تَمَيُّزِكَ؛

فلا تتخلَّ –ما دُمتَ حيًّا– عن تَمَيُّزِكَ المتميِّز الذي يميِّزكَ!

وكُنْ مُختلفًا ومُتَمَيِّزًا، حتّى لو صِرتَ بمفردِكَ ومعزولًا ومحجوبًا!

وكُنْ متيّقنًا أنَّ هذا لهو سببُ سعادتِكَ ومشقتِكَ في آنٍ واحدٍ!