موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٦ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥

حَصَادُ عَامِ 2025 التّاريخيِّ كَنَسِيًّا (1)

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
البابا الراحل فرنسيس يفتح الباب المقدس معلنًا بدء يوبيل الرجاء

البابا الراحل فرنسيس يفتح الباب المقدس معلنًا بدء يوبيل الرجاء

 

في هذا العام الجاري (2025) والتّاريخيّ، الذي أوشَكَ أن ينتهي، تمرُّ أحداثٌ وذكرياتٌ دينيّةٌ متعدّدة ومتنوّعة متعلّقة بالكنيسة الكاثوليكيّة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكر بعضًا منها –بترتيبٍ زمنيّ تنازليّ–: يُوبِيل الرَّجاء؛ الاحتِفال بمُرور 1700 عامًا على انعِقاد مجمع "نِيقيَا" المسكونيّ؛ انتخاب البابا لاوُن الرَّابع عشر؛ رحيل ونياحة البابا فرنسيس؛ «الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"»؛ «الرّسالة العامّة " كُنْ مُسَبَّحًا"»؛ انتخاب البابا راتسينغر-بِنِديكْتُس السَّادس عشر؛ نياحة البابا يوحنّا بُولس الثّاني؛ «الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا"»؛ «الإرشاد الرّسوليّ "إعلان الإنجيل"»؛ تأسيس "سِينودُس الأساقفة"؛ مرورُ ستين عامًا على الإعلان المشترك للبابا بولس السّادس والبطريرك المسكونيّ أثيناغوراس؛ اختتام المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني؛ «بيان "أهمّيّة التّربيّة"»؛ «بيان "في عصرنا"»؛ وثائق أُخرى صادرة عن المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني.

 

 

أوّلًا: يُوبِيلُ الرَّجاء

 

لقد أعلن البابا فرنسيس، قبل نياحته (21 أبريل/نيسان 2025) ببضعة أشهر، أن عام 2025 هو يُوبِيلٌ عاديّ، إذ إنّه يحلّ كلّ خمس وعشرين سنة بإعلانٍ من بابا الكنيسة الكاثوليكيّة، طِبْقًا للتّقليد القديم؛ وكذلك أيضًا لمرور 1700 عامًا على انعقاد مجمع "نيقيا" المسكونيّ. وأعلن البابا، في مرسوم الدّعوة إلى اليُوبِيل العاديّ بعنوان "الرَّجاء لا يُخَيِّب"، أنّه في يوم الـ24 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2024 يُفتَتَح رسميًّا الباب المقدّس لبازيليكا القدّيس بطرس بالفاتيكان، ومعه سنة اليُوبِيل المقدّسة، والتي ستنتهي بدورها في يوم الأحد الـ28 من ديسمبر/كانون الأوّل لعام 2025. وسيُختَتَم اليُوبِيل العاديّ بإغلاق الباب المقدّس لبازيليكا القدّيس بطرس في الـ6 من يناير/كانون الثّاني لعام 2026، في عيد ظهور الرّبّ يسوع ("الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند 6).

 

 

ثانيًا: الاحتِفالُ بمُرور 1700 عامًا على انعِقاد مجمع "نِيقيَا" المسكونيّ

 

في هذا العام الجاري تمرّ الذّكرى الـ1700 على انعِقاد مجمع "نِيقيَا" الأوّل المسكونيّ (325-2025)، الّذي شَرَعَ في صياغة ما يُطلَق عليه "قانون الإيمان النِّيقاويّ"؛ وهو بدوره يقبل ويعترف بأُلوهيّة الرّبّ يسوع المسيح الكاملة والتّامّة، المتحدّة بإنْسانيّته الكاملة والتّامّة. وفي هذا الصّدد، أصدرت "اللّجنةُ الثّيولوجيّة العالميّة" (التّابعة لدائرة "عقيدة الإيمان" الكاثوليكيّة) وثيقةً جديدةً، بعنوان "يَسُوع المسيح، ابن الله، المخلِّص". وجديرٌ بالذّكر أنّها الوثيقة الثّيولوجيّة الـ31 ضِمْن الوثائق الّتي صدرت عن هذه "اللّجنة" منذ تأسيسها (عام 1969). وإضافةً إلى مقدّمةٍ وخاتمةٍ، تحتوي الوثيقة على فصول أربعة: 1) قانون إيمانٍ لأجل الخلاص (ذكصولوجيا وثيولوجيا مجمع نِيقيَا)؛ 2) قانون الإيمان النِّيقاويّ في حياة المؤمنين ("نحن نؤمن كما نعمّد؛ ونصلّي كما نؤمن")؛ 3) نِيقيَا كحَدَثٍ ثيولوجيّ وكحَدَثٍ كنسيّ؛ 4) إبقاءُ الإيمان في متناول شعب الله برُمّته.

 

في هذا المضمار عَيْنه، أي في مناسبة ذكرى مرور ألف وسبع مائة عامًا على مجمع "نِيقيَا" الأوّل، أصدر البابا لاوُن الرَّابع عشر الرّسالةَ البابويّة «في وَحدة الإيمان» (23 نوفمبر/تشرين الثّاني 2025)، قبل زيارته الرّسوليّة الأُولى إلى "تركيّا" و"لبنان" (27 نوفمبر/تشرين الثّاني – 2 ديسمبر/كانون الأوّل 2025). وأوضح قداسته ما يلي: «بينما أتهيّأ لأقوم بزيارة رسوليّة إلى تركيّا، أودّ بهذه الرّسالة أن أشجّع كلّ الكنيسة على اندفاعٍ متجدّدٍ في إعلان الإيمان، إذ إنّ حقيقته، التي كوّنت منذ قرون التّراث المشترك بين المسيحيّين، تستحقّ أن نعترف ونتعمَّق بها بأسلوب متجدّد دائمًا وحتّى في أيامنا. في هذا الصّدد، تمّت الموافقة على وثيقة غنيّة في مضمونها صادرة عن اللجنة اللاهوتيّة الدّوليّة، بعنوان: "يسوع المسيح، ابن الله، المخلِّص. ذكرى مرور ألف وسبعمائة سنة على مجمع نيقية الأوّل". وأُشير إليها، لأنّها تقدّم آفاقًا مفيدة لنتعمّق في أهمّيّة مجمع نيقية وتأثيره اليوم، ليس فقط على الصّعيد اللاهوتيّ والكنسيّ، بل أيضًا على المستويَين الثّقافيّ والاجتماعيّ» (بند 1).

 

 

ثالثًا: انتخابُ البابا لاوُن الرَّابع عشر

 

في يوم الـ8 من مايو/أيَّار لعام 2025، اُختيِر الأخ والأب الأغُسطينيّ "روبرت فرنسيس بريفوست"، وأسقف إيبارشيّة "شيكلاجو" البيرونيّة من قَبل، وكاردينال الكنيسة الكاثوليكيّة منذ 2023، ليكون البابا لاوُن الرَّابع عشر، البابا الـ267 للكنيسة الكاثوليكيّة. وجديرٌ بالذّكر أنّه أوّل بابا من أمريكا الشّماليّة، والثّاني على التّوالي من القارة الأمريكيّة، بعد البابا الأرجنتينيّ مثلّث الطّوبى البابا فرنسيس (1936-2025)، وأوّل بابا من الرّهبنة الأغُسطينيّة (نسبةً للقدّيس أغسطينُس).

 

 

رابعًا: رحيلُ ونياحةُ البابا فرنسيس

 

في صباح يوم الإثنين الموافق الـ21 من أبريل/نيسان لعام 2025، وفي تمام السّاعة 7:35 بتوقيت مدينة "روما" الإيطاليّة، رحل عن عالمنا البابا فرنسيس، الذي يحتلّ التّرتيب الـ266 في قائمة باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة. وأُقِيمَت صلاةُ الجَنَّاز ومراسم الدّفن يوم السّبت، الموافق الـ26 من أبريل/نيسان الماضي. وقد إمتدت حَبريّته إلى أكثر من 12 عامًا (2013-2025).

 

 

خامسًا: مرورُ خمسة أعوام على إصدار «الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"» للبابا فرنسيس

 

في الـ3 من أكتوبر/تشرين الأوّل لعام 2020، أصدر البابا فرنسيس «الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة"» حول "الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة"، وكذلك حول قضيّة "الأخوّة المنفتحة العالميّة الشّاملة". وضمن أمور عِدّة قد أكّد قداسة البابا على ما يلي: «لا يسعنا، نحن المسيحيّين، أن نخفي أنه "إذا توقّفت موسيقى الإنجيل عن أن ترنّ في أحشائنا، نكون قد فقدنا الفرحَ الذي ينبع من التعاطف، والحنانَ الذي يولد من الثقة، والقدرةَ على التصالح التي تنبع من إدراكنا بأنّ الله غفرَ لنا وأرسلنا. إذا توقّفت موسيقى الإنجيل عن العزف في بيوتنا، في ساحاتنا، في أماكن عملنا، في السياسة والاقتصاد، نكون قد أطفأنا النغمة التي كانت تدفعنا للنضال من أجل كرامة كلّ رجل وامرأة". إنّ الآخرين يستقون من ينبوع آخر. أمّا بالنسبة لنا، فمصدر الكرامة الإنسانية والأخوّة هو إنجيل ربّنا يسوع المسيح. ومنه تنشأ "بالنسبة للفكر المسيحي ولعمل الكنيسة، الأولوية التي تُعطى للعلاقة، وللالتقاء بسرّ الآخر المقدّس، وللشركة الروحية الشاملة مع البشرية جمعاء، باعتبارها دعوة للجميع"» ("جميعنا إخوة"، بند 277).

 

 

سادسًا: مرورُ عشرة أعوام على إصدار «الرّسالة العامّة " كُنْ مُسَبَّحًا"» للبابا فرنسيس

 

في الـ24 من مايو/أيَّار لعام 2015، أصدر البابا فرنسيس «الرّسالة العامّة "كُن مُسَبَّحًا"» حول "العناية بالبيت المشترك". وقد عَبَّرَ فيها عن إلهامه الرّائع الخاصّ بـ"الإيكولوجيا الشّاملة"، وبالرّسالة المهمّة للغاية الخاصّة بضرورة رعاية الخليقة –بيتنا المشترك– والاعتناء بها. وقد شجّع البابا فرنسيس جميعَ الأديان، ومن بينها المسيحيّة والإسلام، إلى الحوار فيما بينها في ما يتعلّق بـ"الإيكولوجيّة المتكاملة الشّاملة" و"الأزمة الإيكولوجيّة"؛ وطالب بالتّجاوب مع المشاكل البيئيّة، والتّعاون مع العلوم والحركات الإيكولوجيّة في البحث عن حلول لها، وكذلك على تربيّة وروحانيّة إيكولوجيتيْن أيضًا. ولذلك أُطلِق عليها وثيقة البابا "الخضراء".

 

 

سابعًا: مرورُ عشرين عامًا على انتخاب البابا راتسينغر-بِنِديكْتُس السَّادس عشر

 

بعد نياحة البابا يوحنَّا بولس الثّاني، في الـ2 من أبريل/نيسان للعام 2005، انتخَب الآباءُ الكرادلة جوزيف راتسينغر(1927-2022) بابا للكنيسة الكاثوليكيّة، فاتَّخذ اسم "بِنِديكْتُس السَّادس عشر"؛ ليكون البابا الـ265 في قائمة باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة، الذي إمتدت حَبريّته إلى ما يقرب من ثامنة أعوام (2005-2013). ففي الـ11 من فبراير/شباط للعام 2013، فاجأ البابا بِنِديكْتُس السَّادس عشر العالم أجمع بتقديم استقالته بمحض إرادته وبكامل قواه العقليّة؛ وأعلن باللّغة اللّاتينيّة أنّه لم يعد لديه القوّة اللّاَزِمة لمواصلة قيادة الكنيسة الكاثوليكية.

 

 

ثامنًا: مرورُ عشرين عامًا على نياحة البابا يوحنّا بُولس الثّاني

 

في مطلع الألفيّة الميلاديّة الثّالثة، في الـ2 من أبريل/نيسان لعام 2005، اللّيلة السّابقة "لأحد الرّحمة الإلهيّة"، رَقَدَ البابا يوحنّا بُولس الثّاني (1920-2005)؛ وهو البابا الـ264 في قائمة باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة (1978-2005). وخلال حبريّته التي إمتدت إلى ما يقرب من 27 عامًا، كتب البابا 14 رسالة عامّة، و15 إرشادًا رسوليًّا، ومئات الأحاديث والرّسائل والخطب؛ وزار 129 دولة. وهو مَن أنشأ "يوم الشّباب العالميّ" (WYD). وهو أوّل بابا يزور بلدنا الحبيب مِصْر في عام 2000. وقد أُعلِن قدّيسًا في الـ27 من أبريل/نيسان لعام 2014. ويُحتفَل بعيده في الـ22 من أكتوبر/تشرين الأوّل من كلّ عام.

 

 

تاسعًا: مرورُ ثلاثين عامًا على إصدار «الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا"»

 

لا شكّ أنّ الكنيسةَ الكَاثوليكيّة رائدةٌ ومتمرِّسةٌ وخبيرةٌ في الحوار بشتّى أنواعه وطرقه، ولا سيّما مع جميع الكنائس والطّوائف والجماعات والعائلات المسيحيّة. وفي هذا السّياق عَيْنه، أصدر البابا يوحنّا بُولس الثّاني، في الـ25 من مايو/أيَّار لعام 1995، أي منذ ثلاثين عامًا، «الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا"». وقد أكّدت هذه الرّسالة العامّة على التزام الكنيسة الكَاثوليكيّة بالعمل المسكونيّ، من أجل "وَحدة" المسيحيّين المنظورة والتّامّة. فقد أوضح البابا يوحنّا بُولس الثّاني أنّه:

 

 «في المجمع الفاتيكاني الثاني، تعهّدت الكنيسة الكاثوليكية بطريقةٍ لا رجوع عنها أن تسلك سبيل السعي إلى الوحدة المسكونيّة، مصغيّةً إلى روح الربّ الذي يعلّم بأن نقرأ بكلّ انتباه "علامات الأزمنة" [...] وهذه الحركة نحو الوحدة، التي تسمّى بالحركة المسكونيّة، يشترك فيها جميع الذين يدعون اسم الله الثالوث، ويشهدون ليسوع ربًّا ومخلّصًا. وليس ذلك من شأن المسيحيّين أفرادًا فقط، بل من شأنهم مجتمعين طوائف أيضًا قد سمعوا فيها الإنجيل، ويسمّونها كنيستهم وكنيسة الله. ومع ذلك فإنهم يصبون جميعًا، وإن على أنماطٍ مختلفة، إلى كنيسةٍ لله واحدة ومنظورة، جامعة حقًّا، قد أُرسلت إلى العالم كلّه ليهتدي إلى الإنجيل فيجد خلاصه لمجد الله"» (بندان 3 و7).

 

 

عاشرًا: مرورُ خمسين عامًا على إصدار «الإرشاد الرّسوليّ "إعلان الإنجيل"» للبابا بولس السّادس

 

لقد أصدر مثلّثُ الطُّوبى البابا بُولس السّادس (1963-1978) «الإرشادَ الرّسوليّ "إعلان الإنجيل"» حول "البشارة بالإنجيل في العالم المعاصر" (1975)، في الذّكرى العاشرة لاختتام المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الذي تتلخّص أهدافه كلّها، في نهاية المطاف، وفقًا لقناعة البابا، في هدفٍ واحد: «جعل كنيسة القرن العشرين أكثر قدرة على  إعلان الإنجيل لبشر القرن العشرين» ("إعلان الإنجيل"، بند 2). وأوضح البابا أنّه، انطلاقًا من المسيح المبشّر-الكارز، على الكنيسة أن تكون هي أيضًا مبشّرة-كارزة. ويختم البابا إرشاده الرّسوليّ بهذه العبارات الجميلة والمشجّعة: «فلنحافظ، إذًا، على حرارة الرّوح. ولنحافظ على فرحة التّبشير الحلوة والمعزيّة، حتى عندما يتعيّن علينا أن نزرع بالدّموع [...] وليكن هذا [التّبشير] أعظم فرحة في حياتنا المبذولة» ("إعلان الإنجيل"، بند 80).

 

 

[يُتبَع]