موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
(4 (2) ملوك 5: 14-17، لوقا 17: 11- 19) كان نعمان السّوريّ رئيس جيش ملك آرام أبرص. وأبرأه الله على يد النبي إليشاع. لنسألنّ الله أن يخلّص بلاد آرام وآشور أي سورية والعراق من برص الحرب الأهليّة والحروب الدوليّة ويوقف نزف الدماء في هذين البلدين وسائر المشرق. ويلحظ المرء صدق الكتّاب الملهمين إذ يعرضون لنا من غير تكلّف ولا لفّ ولا دوران – في نص سابق- اعتراض الضّابط السّوريّ على النبي العبريّ وكيف استشاط نعمان غيظًا عندما طلب منه رجُل الله أن يغتسل في نهر الأردن سبعًا لكي يبرأ. في فكره نهرا دمشق "آبانة وفرفر" أفضل من كل مياه فلسطين (مع أنهما اليوم مليئان بالدماء)! يعترض بتعصّب قوميّ ونعرة شعوبيّة بعد أن أجبرته الضّرورة على التّخلّي عن كبريائه الدّيني وعن آلهته الأشوريّة وقد تقبّل على مضض وساطة نبيّ يهوديّ موحّد مؤمن ب "الرب". "مكره أخوك (نعمان) لا بطل". هو فخور ولكنه واقعيّ يقبل المُر لأنّ الأكثر مرارة أجبره على ذلك. وهذا حالنا نحن مسيحيي الشرق... وفي نهاية المطاف، نقبل بالهمّ ولكنه لا يقبل بنا، وكأنّ الأمر الوحيد المطلوب منا هو إمّا أن نهاجر أو نموت.ولكن سنبقى بقوّة الذي أبرأ الأبرص وأقام الميت. تنير المعجزة السوري نعمان الذي طهر عقله أكثر مما تطهّر جسده. فعبادة الأصنام برص ما بعده برص وعمى بصيرة نصلّي بحرارة كي تبدده "إشراقة نور إنجيل مجد المسيح" . وإننا لنرى هذه "الوثنية الجديدة" (التي طالما شكا منها قداسة البابا العبقري بندكتوس السادس عشر) وقد تخطّت حدود المعقول وجاوزت كل الخطوط الأخلاقية والمنطقية الحمراء، مثلاً لدى نفر في الغرب (منهم في استراليا، على ما يبدو) عقدوا على كلابهم قرانهم! أمّا الذين أورثوا كلابهم أو قططهم أموالاً طائلة، فقصّتهم قديمة ما عادت تثير فينا استغرابًا! ومن دوافع الخجل في بولندا "الكاثوليكية" مهد البابا القديس الكبير يوحنا بولس الثاني تعالي الأصوات الوثنية الإباحية المطالبة بتوسيع إمكانيات الإجهاض متجاهلة الألف باء من الأخلاق والقيم وأصول الحياة وأول حقوق الطفل وبديهيات الزواج. هكذا، في نهر الأردن، هذا النهر الصغير الذي يفصل فلسطين عن سائر العالم العربيّ، تمّت معجزة تدلّ على أن الله "لا يفضّل أحدًا على أحد" على أساس قوميّته . وبلغت الرحمة الإلهيّة مبلغًا كبيرًا لا حدّ له ولا حدود إذ رئفت بجندي وثنيّ (كما سيفعل يسوع). ومن طرف السوريّ المرشّح للمعجزة طلب الله عن طريق نبيّه أليشاع أن يسمو الأمميّ على وثنية آبائه ومعبودات أجداده من جهة وكبريائه الوطنيّ من جهة أخرى. وأحيانًا عندنا يغلب "الانتماء الوطيّ" متخطّيًا المنطق والأصول فنتخلّى عن ديننا وقيمنا المسيحية بذريعة "الوطن". في البلاد ذات "التقاليد والجذور المسيحية" – سواء اعترف القوم بذلك أم لم يعترفوا- انتصرت المساواة وسمت فوق النعرات القوميّة. ولكن هنالك مساع لإلغاء المسيحية على الأقل اجتماعيًّا ووطنيًّا عن طريق الوثنية الجديدة وبمكايد أعداء المسيح وتذرّعهم الكاذب ب "التعددية". وهكذا، تمّ استغلال هذه المساواة وهذه "الأخوّة الإنسانية" الشاملة (المسيحية) وعدم التمييز المسيحي الإنجيلي الذي لا يفرّق بين الناس لديانتهم أو عرقهم، وتطبيق "حقوق الإنسان"، كي ينشأ بمنتهى الظُّلم واللؤم نوع جديد من محو الهوية المسيحية وضرب جديد من ضروب العنصرية والنعرة القائم على تفضيل الغرباء الأجانب خصوصًا من غير المسيحيين على المواطنين (المسيحيين مبدئيًّا أو غير اليهود)، وكأننا بمسيحيي كثير من البلاد الغربيّة يدفعون الضريبة لإعالة غير المسيحيين، وهم أي المسيحيون وهم على أمرهم مغلوبون وقد قهرتهم حكومات انتخبوها ديمقراطيا فقمعتهم دكتاتوريًّا. من قرائتَي سِفر الملوك والإنجيل الطّاهر في هذا الأحد يمكننا الاستنتاج أنّ الرب يسوع بعد أليشاع ما اكتفى بإقصاء النعرات بل انتصر على ضيق آفاق "توحيد تلموديّ حاخاميّ" فهمه نفر من اليهود تزمّتًا واحتقارًا وتنكيلاً بغير اليهود. وغلب يسوع –وصورته السابقة أليشاع النبي -برص الخطيئة والأنانية والوثنية الجديدة من سوريّة أشوريّة مستكبرة متعددة المعبودات ومن "سامريّة" خائنة (لها ضلع في العجل الذهبي، حسب القرآن) والمنشقّة بهيكلها الجديد وكهنوتها الضالّ بعمالته مع احتلال آشور ومصاهرته له في آل "شنبلاط"! ملحوظة: إذا استصعب القرّاء الكرام إدراك كل تلميحات الفقرة السابقة فالسبب في تجاهل كتب التاريخ لكل تلك الحقبات والأحداث وضعف تعليمنا المسيحي للتاريخ المقدس في مدارسنا ووهن الحوار والمعرفة المتبادلة بين المسيحية والإسلام. كما لا يأتي هنا الاستشهاد بالمصادر الإسلامية اعتناقًا للعقيدة الإسلامية بل تسهيلاً للتعايش والتفاهم بإدراك أفضل للآخر ولمراجعه ومواقفه التي منها ما يتفق مع الكتاب المقدس ومنها ما يختلف عنه. وحسبنا ألاّ يتدهور الاختلاف خلافًا كما حصل في بلاد "آرام وآشور" وسواهما. اعتراف الإيمان التوحيديّ عند نعمان السّوريّ أقرّ نعمان: " ها قد علمتُ (أي الآن أعلم) أن ليس في الأرض كلّها إله إلاّ في يسرائيل". بصراحة، ما كان الآراميّ مستعدًّا لمثل هذا الإيمان لولا المعجزة. ولو عُرض عليه لرفض أوّلاً بسبب ارتياحه للأصنام وثانيًا تبعيّةً بالآباء وثالثًا خوفًا من "رئيسه" ملك آرام فالكرسي ثمين والمنصب كريم وبقاء العنق فوق الرأس أوّل الأولويات وأوجب الواجبات! وفي إطار الحوار والتعايش مع إخوتنا المسلمين، يقرأ المرء في سورة يونس أن فرعون ، إذ أدركه الغرق، كان قد أقرّ: "آمنتُ أن لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو اسرائيل، وأنا من المسلمين". هذا الاعتراف بالتوحيد لدى فرعون غير وارد في سِفر الخروج، بل في بعض المصادر العبرية الأخرى، وهو ذو شبه كبير مع إعلان نعمان السوريّ المهتدي. سعة آفاق المسيح الجليل الجليليّ وعرفان جميل السامريّ (لوقا 17: 11- 19) من ناحية أخلاقية وروحانيّة، بقي علينا الدرس الأقسى والعبرة الرهيبة من إنجيل اليوم: أي قلّة الشّكر أو انعدامه عندنا نحن البشر، بشكل عام! إنه واقع مرير يصعق فينا التفكير! كيف يُعقَل، ونحن كائنات "عاقلة"، أن ننكر الأفضال والفضائل بسرعة البرق وننسى المعروف ونذكر الأسى والجور ؟ كيف نتعدّى مرحلة عرفان الجميل، التي لا يجوز بأي عُذر تخطّيها، وننزلق بسهولة إلى إيذاء من خدمنا وقتل من بقوة الله أحيانا والتشنيع بالذي جمّلنا وفضح من سترنا وتدمير من بنانا وقلع من زرعنا ؟ نسبة عرفان الجميل هي واحد من عشرة أي تسعة من عشرة ناكرو معروف. وربّما علينا نحن أن نشكر إخوتنا الذين خدمناهم (بنعمة الله) لأنهم اكتفوا بأن لم يشكرونا بل ما "غلطوا علينا". ونكون قد حققنا النصيحة الشّعبية: "أتّق شرّ من أحسنتَ إليه". خاتمة سريعة بعد مقدّمة طويلة بما أنّ الكبرياء والأنانيّة ورفض الردّ على الخير بالخير والمعروف بالمعروف من دواعي داء نكران الجميل، فالتواضع والوداعة والمحبة والعدالة والنشاط في عمل الخير هي الدواء. ولنا في هذا الموضوع كلام سهل بسيط قولاً صعب عسير فعلاً. فلنسمعنّ باستمرار الدرس من يسوع بعد إبرائه للبرص العشرة ، ونزد على الكلمات والأفعال السيدية المؤثرة المأثورة نصيحة رسول الأمم : "وكونوا شاكرين" (قولسّي 3: 15).