موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٠ مايو / أيار ٢٠٢٢

أكرم أباك وأمك

بقلم :
د. طلال فرج كيلانو - هولندا
أكرم أباك وأمك

أكرم أباك وأمك

 

قدّم قداسة البابا فرنسيس في المقابلة العامة، الأربعاء 20 نيسان 2022‏، في ساحة القدّيس بطرس، لنا تعليمًا عن الشّيخوخة بعنوان: "أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّك": محبّة الشيخوخة أي الحياة التي مضت*. وبهذه المناسبة سيكون هناك مشاركة بثلاثية محبة الشيخوخة وكما يلي:

 

أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ**، هل هو رد للجميل أم أنه حق مكتسب وما يقدمه لنا الكتاب المقدس من تعليم. ج1

 

جميعنا ولد خالياً من الخبرات والمعارف والسلوكيات الاجتماعية، الأسرة هي التي تسهم في تكوين وتشكيل الوعي والإدراك لمحيطنا الاجتماعي بما يكفل التواصل الإيجابي الاسري أولا والتربوي وفق منظومة القيم والقوانين ثانيا ومثيراتها الإيجابية أو السلبية ثالثا، والتي تسهم في تكوين ملامح دور الوالدين في تكوين هذه الشخصية الاجتماعية الجديدة للأبناء اذآ نحن امام رعاية وعناية وتربية وتعليم وتأمين مادي ومعنوي والقائمة تطول.

 

الأبناء هم الرابح الوحيد لجهود ابائهم بعد ان اجتازوا مراحل عمرية متعددة كان للوالدين دور أساسي في تحديد معالمها ومحتوياتها ولنفترض انها قد تستغرق ربما اكثر من ثلاثين سنة ، والذي يؤدي بعد ذلك الى تقدم العمر للوالدين وتغيير سلوكهما الصحي وتراجع قدراتهما البدنية وهذا يوضح لنا الجهد المبذول في التأسيس لمن سيخلفهما هذا من جانب والأخر هو انهم الان تحت تسمية المسنين التي لها اثر بعيد في مواقفهم وادائهم في الحياة ،‏ ومن اول مراحل رد الجميل اظهار المحبة والاهتمام بالوالدين المسنين كما ورد في رسالة بولس الرسول، "أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ" (اف 6:‏1-‏4).

 

أن من لا يستطيع أن يكرم أباه وأمه اللذان ربياه وسهرا عليه، فهو لن يستطيع أن يكرم الله، فإكرام الوالدين هو نموذج لإكرام الله، ويوضح لنا لوقا البشير ذلك "ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا. وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ" (لو51:2-52)، نجد المسيح يعلن أنه يطيعهما وأباه السماوي كثيرا. ويشير بولس الرسول “لا تَزْجُرْ شَيْخًا بَلْ عِظْهُ كَأَبٍ، وَالأَحْدَاثَ كَإِخْوَةٍ وَالْعَجَائِزَ كَأُمَّهَاتٍ، وَالْحَدَثَاتِ كَأَخَوَاتٍ، بِكُلِّ طَهَارَةٍ" (تيم 5:‏1-‏2‏)‏، "مِنْ أَمَامِ الأَشْيَبِ تَقُومُ وَتَحْتَرِمُ وَجْهَ الشَّيْخِ، وَتَخْشَى إِلهَكَ. أَنَا الرَّبُّ" (لاو 19: 32)، هذا الارتباط بين احترام الأشيب (الشخص المسن) والشيخ وخشية الرب يمثل أحد اركان الايمان، فكل وقار نقدمه للآخرين من أجل الوصية إنما هو خلال اتحادنا في الرب، نقدمه للرب نفسه، "أحبوا بعضكم بعضا محبة شديدة من القلب" ‏(‏1 بط 1:‏22‏).

 

فمخاطبة الوالدين بألفاظ الاحترام، عدم المشي أمامها، بل بجانبهما وذلك من الأدب، عدم التلفظ بكلمة معهما فإنها كلمة تغضب الله وقد حذّر منها، وتقديم العون والمساعدة لهما. عدم مقاطعتهما أثناء الكلام، والاستماع الجيّد لهما، وخفض الصوت أثناء الحديث معهما، ردّ السلام عند الدخول عليهما، وتقبيلهما، توديعهما إذا خرجا من المنزل والدعاء لهما بالحفظ والعودة بالسلامة، والتودد لهما، ومحاولة إدخال السرور إليهما، وكل ما يحتاجونه منكم تقديم الشكر لهما على الدوام على ما قدموه لكم ايه لأبناء، وما يقدمانه طوال حياتهم والى ألان، وربما تلتزم بعض الدول بمساعدة الإباء المسنين تحديدا تدعوهم الى إمكانية الاستفادة من التدابير التي توفرها الحكومات لهم، فضلا عن وقد يتمكن الأبناء ان يقدِّموا لهم المساعدة في ذلك على الصعيد فردي، ولكن‏ اذا لم تكن هذه الوسائل متاحة فهناك تدابير أخرى يمكن للابنا القيام بها.‏

 

واستنادا الى كل ما تقدم يضيف الكتاب المقدس تعليم لإكرام الإباء: ان معرفة حاجات الإباء المسنين بالتحديد تتطلب الصبر وربما العديد من الزيارات الودية.‏ ،‏ قراءة الكتاب المقدس وجلب المطبوعات ،‏ وأشياء كثيرة اخرى.‏ ولسد هذه الحاجات ينبغي،‏ قدر الإمكان،‏ صنع ترتيبات عملية ثابتة والالتزام بها، "ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ" (1بط  5: 2) "وَلكِنْ إِنْ كَانَتْ أَرْمَلَةٌ لَهَا أَوْلاَدٌ أَوْ حَفَدَةٌ، فَلْيَتَعَلَّمُوا أَوَّلًا أَنْ يُوَقِّرُوا أَهْلَ بَيْتِهِمْ وَيُوفُوا وَالِدِيهِمِ الْمُكَافَأَةَ، لأَنَّ هذَا صَالِحٌ وَمَقْبُولٌ أَمَامَ اللهِ" (1تيم 5: 4).

 

ومن الجدير بالذكر والتذكيران الاباء يتحملون المسؤولية كاملة عن تربية الأبناء وان استخدام "التوبيخ بأنواعه احيانا يعطي الحكمة للأبناء كما ورد في: "اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبِيُّ الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ" (أم 29: 15)، "أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ وَيُعْطِيَ نَفْسَكَ لَذَّاتٍ" (أم 29: 17)، الوالدان اللذان لا يهتمان بتربية الأبناء ربما يؤدي ذلك الى فقدان الابناء لبوصلة السلوك والحكمة في الحياة، لذلك فلابد ان يستخدم الوالدين النصح والإرشاد وأحيانا التوبيخ والتأديب بحكمةٍ وحبٍ كي تستقيم الحياة، وهذا دليل على الرعاية والمُحبَّة، "فَإِنَّ اللهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا" (مت 15: 4)، "تَاجُ الشُّيُوخِ بَنُو الْبَنِينَ، وَفَخْرُ الْبَنِينَ آبَاؤُهُمْ" (ام 17: 6).

 

أيها الأحباء والمتابعين الكرام لكي ندرك المحبة بيننا ونتبادلها علينا ان نحوِّل مساكننا الى مكان "الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ" (أف 2: 21)، والأسرة إلى أهل بيت الله، ويتلامس الكل مع وعده، "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20)، واعطانا الكتاب المقدس دليل واضح جدا ففي إشارة من البشير يوحنا نجد ما يلي: "وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: هُوَذَا أُمُّكَ، وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ" (يو 19: 27.25)، مريم قد انشغلت بآلام ابنها، أما هو فآلامه لم تشغله عنها، فحبه الشديد لها ولكل البشرية. وكان ما يشغله خلاص الكل ومجدهم. في بادرة أخيرة نحو أمه أراد أن يَّؤمن لها عناية وعونًا بعد ذهابه، فسلّمها إلى من كان يحبه، سلمها وهو على الصليب للقديس يوحنا الحبيب بكونها أمه وهو ابنها، وليعلمنا ان نعتني بوالدينا ونفكر بهم قبل أنفسنا.

 

يا رب مكن أبنائنا وامنحهم الايمان والقناعة بما أمرتهم به بإكرام الإباء والعناية بهم، كما علمنا الكتاب المقدس….. ومكن الإباء من التربية المسيحية الأبنائهم وساعدهم فيها. أعزائي يحل المسيح حيثما يجتمع الكل معًا باسمه ومن كل الأمم والألسنة والقبائل والشعوب، من كل الثقافات، ومن كل الأعمار، ويراه الكل واحد منا في الآخرين مجدا، بارك يا رب كنيستك المقدسة كلها وامنح المؤمنين نعمة المحبة …. الى الرب نطلب.

 

--------

 

"أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ، وَلِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ علَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (تث 5: 16).

"أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ" (خر 20: 12).

 

**أكرم أباك وأمك أول وصية مقترنة بمكافأة هي الوعد الذي وعد به الله من يكرم والديه ان "تطول أيام حياتك التي يعطيك الرب إلهك" (خر12:20) وهذه الوصية التي تعد أولي الوصايا الخاصة بالعلاقات البشرية تعطينا فكرة عن اهميتها بركتها المزدوجة:

لقد حبا الله الوالدين كرامة خاصة في الكتاب المقدس، في الوصايا العشر حيث قال (أكرم أباك وأمك لكي...) المقصود بها إكرام الوالدين اللذين أنجبا الابن بالجسد وقد اتسع معناها ومفهومها حتى شملت الأقارب الذين هم في منزله الأب والأم كالعم والخال والعمة والخالة ثم شملت كبار السن، الذين هم بسنهم في منزل الأب والأم … وشملت ايضا الأبوة الروحية ومن لهم علينا واجب الرعاية وأصبحت تتطبق على الذين يهتمون برعاية أرواحنا وعقولنا كالمعلمين… وعكس هذا صحيح. فالذي لا يكرم والديه. يحدث له عكس هذه البركة، فتكون أيامه قليلة، وردية.

القارىء العزيز لقد اعطيت اللون الأحمر الى تعليم قداسة البابا فرنسيس كونه يمثل ارشاد اجتماعي عام وملزم للمجتمع والحكومات حول العالم بضرورة رعاية المسنين، بما في ذلك كرامتهم في الحياة.

في المقابلة العامة لقداسة البابا فرنسيس يتحدّث عن كرامة المسنين: "إن محبّة الإنسان المشترك بيننا، بما في ذلك كرامة الحياة المُعاشة، ليست موضوعًا للمُسنين، بل هو طموح سينير الشباب الذي يرث أفضل صفاته" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في مقابلته العامة مع المؤمنين.

استهل تعليمه الأسبوعي بالقول اليوم، بمساعدة كلمة الله، نفتح ممرًّا إلى هشاشة الشيخوخة، تتطبعه بشكل خاص خبرات الضياع والإحباط، والخسارة والهجران، وخيبة الأمل والشك. بالطبع، يمكن لخبرات ضعفنا، إزاء المواقف المأساويّة - والمُفجِعة أحيانًا - في الحياة أن تحدث في أي وقت من الحياة. ومع ذلك، في سن الشيخوخة، يمكنها أن تولِّد القليل من الأحاسيس وتُحدث في الآخرين نوعًا من الإدمان، وحتى من الانزعاج. إن الجراح الخطيرة للطفولة والشباب تسبب شعورًا بالظلم والتمرد، وقوة رد فعل ونضال. أما جراح الشيخوخة، حتى الخطيرة منها، تترافق حتماً بالشعور بأن الحياة، على أي حال، لا تناقض نفسها، لأنهم قد عاشوها.

تابع البابا فرنسيس يقول إن الحب، في الخبرة البشريّة المشتركة -كما يقولون- يتنازل: لا يعود إلى الحياة التي تكمن وراءنا بنفس القوة التي ينصبُّ فيها في الحياة التي لا تزال أمامنا. إنَّ مجانية الحب تظهر في هذا أيضًا: لقد عرف الوالدون ذلك دائمًا، وسرعان ما يتعلمه المسنون أيضًا. على الرغم من ذلك، يفتح الوحي دربًا من أجل مبادلة مختلف للحب: إنه درب إكرام الذين سبقونا. هذا الحب الخاص الذي يفتح طريقه في شكل الإكرام - حنان واحترام في الوقت عينه - والموجه لسنِّ الشيخوخة هو مختوم بوصيّة من الله. "أكرم أباك وأمك" إنّه التزام جليل، الأول من "اللوحة الثانية" للوصايا العشر. لا يتعلق الأمر فقط بالأب والأم. وإنما بالجيل والأجيال التي سبقته، والتي يمكن أن يكون رحيلها بطيئًا وطويل الأمد، فيخلق وزمانًا ومكانًا لتعايش طويل الأمد مع المراحل الأخرى من الحياة. بمعنى آخر، يتعلق الأمر بشيخوخة الحياة.

أضاف الأب الأقدس يقول الإكرام هي كلمة جيدة لكي نضع إطارًا لهذا المجال من مبادلة الحب التي تطال سنَّ الشيخوخة. نحن اليوم قد اكتشفنا مجدّدًا مصطلح "الكرامة" للإشارة إلى قيمة احترام حياة كل فرد والعناية بها. والكرامة هنا تعني جوهريًّا الإكرام. لنفكر مليًا في هذا التجسيد الجميل للحب الذي هو الكرامة. إن العناية بالمريض، ودعم الذين لا يتمتعون بالاكتفاء الذاتي، وضمان القوت، جميع هذه الأمور قد تفتقر إلى الكرامة. تغيب الكرامة عندما يتحول الإفراط في الثقة، بدلاً من أن يتجسّد كرقة ومودّة، وحنان واحترام، إلى قسوة ومراوغة. عندما يوبَّخُ الضعف لا بل يُعاقب كأنه ذنب. عندما يصبح الضياع والارتباك معبرًا للسخرية والعدوان. قد يحدث ذلك حتى في المنزل، وفي دور رعاية المسنين، وكذلك في المكاتب أو في الأماكن المفتوحة في المدينة. إن تشجيع الشباب، حتى بشكل غير مباشر، على موقف الاكتفاء - وحتى الازدراء - تجاه سنِّ الشيخوخة ونقاط ضعفها وعدم استقرارها، يسبِّب أشياء مروعة. ويفتح الدرب أمام تجاوزات لا يمكن تصورها. إنَّ الشباب الذين يشعلون النار في بطانية مُتشرِّد، لأنهم يرونه كفضلة بشرية، هو فقط قمة جبل الجليد، أي الازدراء لحياة بعيدة عن استقطابات واندفاعات الشباب، والتي تبدو وكأنها حياة منبوذة.

تابع الحبر الأعظم يقول هذا الازدراء، الذي يهين المسنين، هو يهيننا جميعًا في الواقع. إن المقطع من سفر يشوع ابن سيراخ، الذي سمعناه في البداية، هو قاسٍ بحقٍّ ضد هذا العار، الذي ينادي بالانتقام أمام الله، وهناك مقطع في قصة نوح معبر جدًا في هذا الصدد. نوح الشيخ، بطل الفيضان والعامل المجتهد أيضًا، يرقد ممدودًا بعد أن شرب الكثير. ولكي لا يوقظه أبناءه في حرج، غطوه برفق بأعين منخفضة واحترام كبير. هذا النص جميل للغاية ويقول كل شيء حول الكرامة التي يستحقها المسنّ.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول على الرغم من كل الأدلة المادية التي توفرها المجتمعات الغنيّة والمُنظّمة للشيخوخة - والتي يمكننا بالتأكيد أن نفتخر بها – يبدو لي أنَّ النضال من أجل استعادة هذا الشكل الخاص من الحب الذي هو الكرامة لا يزال هشًا وغير ناضج. علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لكي نعضدها ونُشجّعها، ونقدِّم أفضل دعم اجتماعي وثقافي أفضل للذين لديهم حساسية إزاء هذا الشكل الحاسم من "حضارة الحب". إنها ليست مسألة مستحضرات تجميل وجراحة تجميلية. وإنما هي مسألة كرامة، يجب أن تحوّل تربية الشباب فيما يتعلق بالحياة ومراحلها. إن محبّة الإنسان المشترك بيننا، بما في ذلك كرامة الحياة المُعاشة، ليست موضوعًا للمُسنين، بل هو طموح سينير الشباب الذي يرث أفضل صفاته. لتسمح لنا حكمة روح الله بأن نفتح أفق هذه الثورة الثقافية الحقيقية بالطاقة الضروريّة.

المصدر: الفاتيكان نيوز 20/4/2022