موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٨ فبراير / شباط ٢٠٢١

أحد الفريسي والعشار 2021

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
لِنهُربنَّ مِن كلام الفرّيسيّ المُتشامِخ، ونتعلَّم تواضُعَ العشّار، بالتّنهُّداتِ هاتفين إلى المُخلّص: ارحمَنا أيُّها الحَسَنُ المصالحةِ وحدَك.

لِنهُربنَّ مِن كلام الفرّيسيّ المُتشامِخ، ونتعلَّم تواضُعَ العشّار، بالتّنهُّداتِ هاتفين إلى المُخلّص: ارحمَنا أيُّها الحَسَنُ المصالحةِ وحدَك.

 

الرسالة

 

صلوا وأوفوا الرب إلهنا

الله معروف في أرض يهوذا

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس (3: 10-15)

 

يا ولدي تيموثاوس إنّك قد استقريتَ تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهاداتي وآلامي، وما أصابني في أنطاكية وإيقونية ولسترة، وأيّة اضطهادات احتملتُ وقد أنقذني الربّ من جميعِها، وجميعُ الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهَدون. أمّا الأشرار والمُغوُون من الناس فيزدادون شرًّا مُضِلّين ومُضَلّين. فاستمرّ أنت على ما تعلّمته وأَيقنتَ به عالمًَا ممّن تعلّمت وأنّك منذ الطفوليّة تعرف الكتب المقدّسة القادرة أن تُصيّرك حكيمًا للخلاص بالإيمان بالمسيح يسوع.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس لوقا (18: 10–14)

 

قال الربُّ هذا المثَل . انسانان صعِدا الى الهيكل ليُصَلّيا احدَهما فرّيسيٌّ والآخر عشَّارٌ * فكان الفريسيُّ واقفاً يصلّي في نفسهِ هكذا اللَّهمَّ إنّي اشكرك لانّي لست كسائر الناس الخَطفَةِ الظالمين الفاسقين ولا مثلَ هذا العشَّار * فانّي اصوم في الاسبوع مرَّتيْنِ وأعشِّر كلَّ ما هو لي * امَّا العشارُ فوقـَف عن بُعدٍ ولم يُرِد أن يرفَع عينَيهِ الى السماء بل كان يقرَعُ صدرَهُ قائلاً اللَّهمَّ ارحمني انا الخاطىء * اقول لكم إنَّ هذا نزَل الى بيته مُبَرَّرًا دون ذاك . لانَّ كلَّ مَن رفَعَ نفسَهُ اتَّضع ومن وضع نفَسهُ ارتفع .

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

ابتداءً من هذا الأحد، يفتح كتاب التريودي الطقسي. هذا الكتاب يستعمل منذ الآن وحتى سبت النور العظيم المقدسة في كنيستنا المقدسة. هذه الفترة بالذات أكثر فترات العبادة الكنسية شمولاً. تقرأ كنيستنا اليوم مثل العشار والفريسي والذي يُظهر لنا أن التوبة البشرية الحقيقية تبدأ بفضيلة التواضع، التي تقرب الإنسان في النهاية من الله. على العكس من ذلك، الكبرياء يبعد الإنسان عن الله ويقوده إلى الهلاك الأبدي.

 

يأتي الإنجيل ليفتح بعض شقوق الضوء في عالمنا النفسي. نحن نعلم بالطبع أنه منذ بداية خدمته العلنية دعا الرب الناس للتوبة وإلى ملكوت الله.  لقد تاب كثيرون وخلصوا، لكن آخرين ابتعدوا ورفضوه. لذلك لأن الكثيرين اعتبروا أنفسهم يملكون الفضيلة ويحتقرون الآخرين، كما يُفترض أنهم أقل شأناً.

 

من هم الفرّيسّيون : كلمة "فرّيسيّ" بأصولها الآرامية تعني "المفروز" أي الذي يميّز نفسه عن سائر الناس على أساس أنّهم خطأة. هم كهنة وعلمانّيون، بدأوا نشاطهم في الفترة ما بين العهدَين القديم والجديد.استاؤوا من تدهور الحالة الدينيّة وإهمال قانون الله بين الشعب اليهودي في ذلك الزمن، انعزلوا في مجموعات.

 

فأخذوا يعلّمون حفظ الناموس اليهوديّ بدقّة (التوراة)، في محاولة لاستعادة التقوى بين الناس. ولكنّهم بالغوا في رغبة التقوى والبرّ فسرعان ما بدأوا يثقون بتفسيرهم الخاص للناموس بدلاً من السعي إلى تعلّم مغزاه.

 

أمسَوا يتباهون بحفظ الشريعة عن ظهر قلب وتعليمها، وتطبيقها حرفيًا. ولكن تصرّفهم هذا كان من الخارج فقط، إذ قال لهم الرب: ”تَرَكْتُمْ الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ”. حفظوا السبت والوصايا العشر وأداء العشور كمظاهر، فنالوا توبيخ الرب وشبّههم بالقبور المكلّسة، أيّ من الخارج بيضاء اللون ومن الداخل مليئة بالعفن.

 

كانت الغلبيّة فيهم تتكبّر على الناس وتتباهى بالسلطة، وأخذوا يركضون وراء المال والمناصب والمراكز والمكاسب الرخيصة، ولا يشعرون مع الشعب وخاصة الفقراء.

 

من جهة العقيدة، اعترف الفريسيّون بكل أسفار العهد القديم (التوراة والأنبياء والكتب التاريخيّة الأدبيّة)، بالإضافة إلى أسفار التلمود وغيرها مِن الكلمات الموسويّة المكتوبة. كما آمنوا بالقيامة والثواب والعقاب وبالملائكة عكس الصدّوقيين. وكانوا يتوقعون مجيء المسيا مخلّص إسرائيل كملك عظيم ليرفعهم فوق كل شعوب العالم. وكانو يتّهمون يسوع بانتهاك شريعة السبت ومخالطة الخطأة والعشارين (متى ١١:٩).

 

أما العشّارون : كلمة عشّار في الأساس تأتي من كلمة عِشْر، وتأدية العِشر مذكورة في العهد القديم وهي أن يقدّم الإنسان عشرة في المئة من كلّ ما يجنيه من مال أو غلال (اللاويين ٣٠:٢٧). ولكنّ العشّارين  لم يحترموا الشريعة ولا طبّقوها. كانوا يجبون الضرائب المفروضة من السلطات الرومانيّة على الشعب اليهودي، وكانوا ظالمين عديمي الرحمة، يأخذون أكثر ما يحق لهم. لذا كانوا يجنون أرباحًا طائلة مِن وظيفتهم هذه، ويتحرّون بين الناس لكسب المزيد.  فباتوا مكروهين  ومحتقرين جدًا من قبل الشعب بخاصة أنّ يمثّلون الاحتلال الروماني ويعتبرون خونة، حتّى أنّ معلّمي الشريعة وضعوا العشّارين واللصوص في الخانة نفسها، وقد ذُكروا في الإنجيل (متى ١٠:٩، مرقس ١٥:٢ولوقا ٢٩:٥).

 

وقد ضرب الرب يسوع المسيح فيهم المثل في عظة الجبل:”أَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟” (متى ٤٦:٥).

 

ماذا نستنتج من هذا المثل :

 

أولاً:  كان الفريسي في هذا المثل يفتخر بالله ويذكره في صلاته وأعماله الصالحة وفي الواقع أكثر من تلك التي تتطلبها الشريعة الموسوية. وفي نهاية المثل يؤكد ربنا أن الله رفض الفريسي ومن ثم أعماله لأنه كان أنانيًا ومتكبرًا. فالفريسيون لم يكونوا موجودين في زمن الرب فقط ، لكنهم موجودين حتى يومنا هذا.

 

ثانياً: أما العشار، فقد صلى ورأسه منحنياً، لأنه كان يعتقد أنه كان خاطىء جداً. ويمتلك فضيلة التواضع ولم يبرر نفسه. كان يسأل باستمرار عن مغفرة الله: "اللهم إني أخطأت". حيث يخبرنا الرب في نهاية المثل أن تلك العادات قد قبلها الله وأصبح العشار مساهمًا جديرًا بملكوت السموات.

 

ثالثأ: التواضع هو الفضيلة الأولى للمسيحي التي يجب أن يكتسبها منذ طفولته. أي بصحيح العبارة هو امتلاك الرأي الحقيقي والصحيح عن أنفسنا. نعترف بأخطائنا وسهونا طالبين رحمة الله وغفرانه. لهذا السبب نصلي باستمرار في كنيستنا إلى الله: "يا رب ارحمنا". إنها صلاة الناس المتواضعين، ويبررنا المسيح أخيرًا ويرفعنا إلى أعلى مرتبة. يعطينا برحمته ومغفرته ملكوت السموات ، أي أن نكون معه إلى الأبد.

 

رابعاً: بهذا التواضع والصلاة اللائقة يجب أن نبدأ التحضير لفترة التريودي والصوم الكبير. بالإعداد المناسب  التي تكمننا من العيش الروحي كي نحي على حب المسيح  الذي يقدمها لنا لنتمتع بخلاصنا معه. بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نشارك في مجد قيامة الرب والتي ستقودنا إلى تمجيد حقيقي، كما يؤكد لنا المسيح اليوم في مثل الفريسي والعشار.

 

يقول القدّيس إسحق السرياني عن التواضع: الذي يتنّهد كلّ يوم على نفسه بسبب خطاياه، خيرٌ من أن يقيم الموتى. والذي استحق أن يبصر خطاياه، خير له من أن يبصر ملائكة.

 

من يخال نفسه أنّه بلا خطيئة يضلّ ويكون متكبرًا. نحن في حاجة دائمة إلى أن نصرخ مع العشار "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" (لوقا 13:18). مهما نقتنِ من الفضائل فلنذكر دائمًا أننا ضعفاء معرّضون لأن نخطئ ولنطلب الرحمة والغفران من الله. تنبّهنا الكنيسة أنّ حجر الأساس لفترة الصوم هو التواضع المقرون بالتوبة. فالمغزى من  وضع إنجيل الفرّيسي والعشّار في الأحد الأوّل الذي يفتتح زمن التريودي هو التواضع.

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الرابع

إنّ تلميذاتِ الربّ تَعلَّمن من الملاك الكرزَ بالقيامةِ البَهِج، وطَرَحْنَ القضاءَ الجَدِّيَّ، وخاطَبنَ الرُّسُلَ مفتخِراتٍ وقائلات: سُبيَ الموت، وقامَ المسيحُ الإله، ومنح العالَمَ الرَّحمةَ العُظمى.

 

قنداق أحد الفريسي والعشار باللحن الرابع

لِنهُربنَّ مِن كلام الفرّيسيّ المُتشامِخ، ونتعلَّم تواضُعَ العشّار، بالتّنهُّداتِ هاتفين إلى المُخلّص: ارحمَنا أيُّها الحَسَنُ المصالحةِ وحدَك.