موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٥ يونيو / حزيران ٢٠٢٥

يا أم المشورة الصالحة، صلي لأجلنا

يا أم المشورة الصالحة، صلي لأجلنا

يا أم المشورة الصالحة، صلي لأجلنا

الأب رفعت بدر :

 

نُحيي اليوم ختام الشهر الحبيب، العزيز، الغالي على قلوبنا، شهر أيار، الشهر المريمي المبارك. أعبّر لكم عن سروري البالغ في أن آتي إلى هذه المنطقة في الكرك العزيزة، وإلى هذه المدرسة التي تشرّفت بخدمتها لمدة 7 سنوات، وكانت هي السنوات التحضيرية الغالية على قلوبنا جميعًا.

 

قبل عدة أيام، انتخب الكرادلة الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست، حبرًا جديدًا جليلاً، وخليفة للقديس بطرس الرسول. ومنذ أول لحظاته، صار يركز على مريم العذراء، فالشعار حمل الزنبقة الزرقاء التي ترمز إلى طهر مريم البتول. وفي الجهة المقابلة قلب يسوع المطعون شعار الرهبنة الأغسطينية، وأيضًا لأنّ البابا لاون الثالث عشر قد كرّس العالم لقلب يسوع الأقدس في 11 حزيران عام 1899.

 

وفي الصورة التي صارت توضع إلى جانب الهيكل في قداديسه، كان البابا فرنسيس يضع صورة مريم العذراء "خلاص الشعب الروماني"، Salus Populi Romani الموجودة أيضًا في بازيليك مريم الكبرى، حيث أراد أن يدفن بعدما زار الكنيسة، مش أقل من 150 مرّة أثناء حبريته. أمّا البابا لاون الرابع عشر فقد اختار صورة مريم التي نسميها "المشورة الصالحة" Mater Boni Consilii هذا اللقب من طلبة مريم  العذراء الذي وضعه البابا لاون الثالث عشر. اختاره البابا لاون الرابع عشر ليكون أيضًا شفيعًا لحبريته.

 

وقد أضاف البابا لاون "الثالث عشر" هذا اللقب إلى طلبة العذراء في عام 1903 لأنّ مريم تعرف أن تختار الخيارات السليمة. وتعرف أن تفيد أبناءها الملتجئين إليها عندما يكونون في ضيقة، أو في حيرة من أمرهم ويريدون مشورة صالحة.

 

والمشورة الصالحة عكس المشورة السيئة، وما أكثر المشورات السيئة في حياتنا (فالناس ترشد الناس: كيف تريد أن تتحايل على البنك في قروضك، على المعلم في علاماتك، الحصول على عطلة وأنت لا تستحقها، وخاصة أيضًا في قضايا الانتقام). النيات السيئة موجودة مع كل أسف والمشورات العاطلة أو السيئة موجودة أيضًا. لكننا الآن أمام مريم صاحبة الخيرات والخيارات الصالحة هي أم المشورة الصالحة.

 

شاهدوا في عرس قانا الجليل الذي وضع مثل الحافز لإعلان مريم أم المشورة الصحالة. إنّها تشير إلى الخدم أن يسمعوا كلام يسوع: "مَهما قالَ لَكم فافعَلوه"، "يا بني ليس عندهم خمر"، لذلك الفرح سينقص. لذلك، أعلنت مريم من قانا الجليل سيدة أو أم المشورة الصالحة.

 

وقد روّج رهبان القديس أغسطينوس، الرهبنة التي ينتمي إليها البابا، لتكريم مريم تحت هذا اللقب لقرون، وحافظوا على صورة معجزية في مزار أم المشورة الصالحة في جيناتزانو، على بُعد ساعة بالسيارة شرق روما. وقد اختار البابا لاون القيام بأول زيارة حبريّة له خارج الفاتيكان في العاشر من أيار.

 

في هذا المزار، توجد صورة قديمة للعذراء تأتي من سكوتاري الألبانية، ولها قيمة كبيرة بالنسبة لرهبنة القديس أغسطينوس التي ينتمي إليها البابا الجديد، والتي تُشرف وتُقدّم الخدمات الروحيّة لحجاج المزار منذ القرن الرابع عشر، حتى يومنا هذا. كما وللكنيسة أهميّة للبابا لاون الثالث عشر والذي لم يتمكن من زيارتها، إلا أنه رفعها سنة 1903 إلى مستوى بازيليك صغرى.

 

وفي كتاب نوايا في المزار، كتب البابا لاون كيف أن أم المشورة الصالحة "رافقتني طوال حياتي بحضورها الأمومي، وحكمتها، ومثال حبها للابن، الذي هو دائمًا محور إيماني - الطريق والحق والحياة. شكرًا لكِ يا أمي على مساعدتكِ - رافقيني في هذه الرسالة الجديدة".

 

دعونا في هذا العام اليوبيلي المقدس 2025 على ميلاد المخلص، وفي ختام شهر مريم البتول، سيدة مؤاب، أن نلتجىء إلى مريم أم المشورة الصالحة، وهي لن تخذلنا، ولن تخيّب ظننا، ولن تخيّب رجاءنا. هذه السنة هي سنة الرجاء، و"الرجاء لا يخيّب صاحبه"، كما يقول القديس بولس. وهذا هو الشعار الذي اتخذه البابا فرنسيس لهذه السنة: أن نكون حجاج الرجاء.

 

دعونا ونحن نحج هذا الحج المقدّس أن نطلب شفاعة مريم أمنا البتول، أم المشورة الصالحة. لن تخذلنا، ولن تخيّب أملنا. نلتجىء إليها في كل حين، نلتجىء إليها في ضيقاتها، في حيرتنا، في همومنا، في آلامنا، في أوجاعنا...

عندما تظلم الطريق في وجوهنا،

عندما نكون حزانى على فراق أحد الأصدقاء أو الأقرباء،

عندما نكون غير فرحين في حياتنا،

عندما تبدأ المحبة بالذبول في بيوتنا،

عندما لا يصبح للكنيسة أو للصلاة معنى جميل في حياتنا.

 

لنلتجىء إلى مريم، أم المشورة الصالحة، وهي لن تخيّب ظننا أبدًا.

 

أنظروا إلى الفرح الذي جلبته مريم العذراء في بيت أليصابات، عندما زارت بيت زكريا، ارتكض يوحنا في بطن أمه، رقصت أليصابات، وبعد قليل سيتكلم زكريا ويعلن أعظم نشيد ينشد في الكنائس وعلى فم الرهبان والمكرسين يوميًا في صلاة الصباح: "مبارك الرب إلهنا" Benedictus ومريم العذراء سبقته إلى ذلك عندما أنشدت "تعظم نفسي الرب" Magnificat.

 

كم نحن بحاجة إلى مباركة الرب في حياتنا، وتسبيحه، وتعظيمه.

 

ولكننا اليوم بالذات، نلتجىء إلى مريم أم المشورة الصالحة، لكي تشير إلينا كيف نسمع دائمًا لكلام المخلص، وكيف نعمل به، وكيف ننشر فرح المسيح في قلوب الناس الذين نتعامل معهم يوميًا. آمين.